Wednesday, April 29, 2015

نظرية التطور والالحاد (٣)


بقلم : حيدر السندي 
المحور الثاني : حيث أن نظرية التطور ( macro-evolution) تستند إلى ركنين أساسين:
الركن الأول : نشوء الحياة من اللاحياة.
الركن الثاني : رجوع الأنواع إلى أصل واحد مشترك وهو كائن أحادي الخلية واجه عدة صدف عشوائية أحدثت تغيرات استمر الأكثر ملائمة منها للظروف البيئية وفق قانون الانتخاب ليتشكل بعد ذلك هذه البنى الأكثر تعقيدا في ظل تنوع عجيب .
وقد ظن الملاحدة أن هذه النظرية تجهز بركنيها على نظرية الإلهي القائلة بوجود إله خارج الطبيعة هو العلة للحياة ووجود الطبيعة وما فيها من الأنواع المختلفة ، وذلك لأن عرض هذه النظرية ( وجود الإله) غير القابلة للرصد حساً فرع عدم إمكان تفسير الحياة الطبيعية وفق قانون ثابت يكون هو السبب الحياة وأنواعها ، وهذا ما تقدمه مبرهناً عليه نظرية التطور.
إن المعارضين للتطور اهتموا ـ في الأعم الأغلب ـ بمناقشة نفس النظرية في ركنها الثاني ، وحاولوا أن يدعموا نظرية الخلق المستقل للأنواع إما باسلوب علمي بمناقشة مؤيداتها أو عرض مؤيدات معاكسة ، وإما باسلوب ديني يعتمد على الموروث من الخطابات الدينية أو الدمج بين الاسلوبين ، و لا يعنيني الخوض في الجانب العلمي للمؤيدين والمعارضين ، وإنما يعنيني بيان عدم منافاة النظرية لقول الإلهي ، وأنها ليس فقط لا تشكل دعماً لنظرية الملحد ، بل تقدم دعماً لنظرية الإلهي ، وهذا ما سوف نتحدث عنه في النقطتين التالين :
النقطة الأولى : في مناقشة الركن الأول ( نشوء الحياة من اللاحياة).
ويمكن أن نذكر ما يلي :
الملاحظة الأولى : هي أن نشوء الحياة من اللاحياة أمر بعيد جداً لا يقبله العقل الإنساني في ظل قانون حساب الاحتمال وهذا ما نبه عليه قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُواذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ). 
فقد جاء في كتاب خديعة التطور أنه لا بد من ثلاثةشروط لتكوين بروتين مفيد:
الشرط الأول: أن تكون جميع الأحماض الأمينية فيسلسلة البروتين من النوع الصحيح وبالتتابع الصحيح.
الشرط الثاني: أن تكون جميع الأحماض الأمينية فيالسلسلة عسراء.
الشرط الثالث: أن تكون جميع هذه الأحماض الأمينيةمتحدة فيما بينها من خلال تكوين ترابط كيميائي يسمى"ترابط الببتايد".
ولكي يتم تكوين البروتين بمحض الصدفة، يجب أنتتواجد هذه الشروط الثلاثة الأساسية في وقت واحد.. والاحتمالية لتكوين بروتين بمحض الصدفة تساوي حاصلضرب الاحتماليات المتصلة بتحقيق كل واحد من هذهالشروط.
فعلى سبيل المثال، بالنسبة لجزيء متوسط يحوي 500 حمض أميني:احتمالية أن تكون الأحماض الأمينية موجودةبالتتابع الصحيح: يوجد عشرون نوعاً من أنواع الأحماضالأمينية تُستخدَم في تركيب البروتينات، وبناء على ذلك فإن: احتمالية أن يتم اختيار كل حمض أميني بالشكل الصحيحضمن العشرين نوعاً هذه = واحداً من 20. واحتمالية أن يتماختيار كل الأحماض الخمسمئة بالشكل الصحيح = (ا/20) أس 500 = 1/(10 أس 650). 
احتمالية أن تكون الأحماض الأمينية عسراء: احتماليةأن يكون الحمض الأميني الواحد أعسر = 2/1 ، احتماليةأن تكون جميع الأحماض الأمينية عسراء في نفس الوقت = (1/2) أس 500 = 1/(10 أس 150).
احتمالية اتحاد الأحماض الأمينية بترابط الببتايد:
تستطيع الأحماض الأمينية أن تتحد معاً بأنواع مختلفةمن الترابطات الكيميائية.. ولكي يتكون بروتين مفيد، فلا بدأن تكون كل الأحماض الأمينية في السلسلة قد اتحدتبترابط كيميائي خاص يسمى "ترابط الببتايد".. ويتضح منحساب الاحتماليات أن احتمالية اتحاد الأحماض الأمينيةبترابط كيميائي آخر غير الترابط الببتيدي هي خمسونبالمئة.. وفيما يتعلق بذلك:
احتمالية اتحاد حمضين أمينيين بترابطات ببتايدية = 1/2.
احتمالية اتحاد جميع الأحماض الأمينية بترابطات ببتيدية= (1/2) أس 499 = 1/(10 أس 150). وهكذا تكونالمحصلة النهائية للاحتمال = 1/(10 أس 650) × 1/(10 أس 150) × 1/(10 أس 150) = 1/(10 أس 950).
و 10 أس 950 تعني الرقم مليار مضروبا في نفسه105 مرة.. وهو رقم مذهل.. ولو استخدمنا مليارات الملياراتمن الكمبيوترات بسرعات مذهلة لمحاكاة هذه الاحتمالات، فلنيكفيها عمر الكون كلّه لإنتاج بروتين واحد بالصدفة! 
وقد قام روبرت شابيرو، أستاذ الكيمياء بجامعة نيويورك وأحدالخبراء في مجال الحمض النووي، بحساب احتمال التكوينالعرَضي لألفَي نوع من أنواع البروتينات الموجودة في بكتيرياواحدة ، فجاءت نتيجة الحساب كالآتي: (1 من 10 أس40000).. وهذا رقم هائل لا يمكن تخيله ويتم الحصول عليهبوضع أربعين ألف صفر بعد الرقم 1.
وقد أدلى تشاندرا ويكراماسنغي، أستاذ الرياضياتالتطبيقية والفلك بالكلية الجامعية في كارديف، ويلز، بالتعقيبالآتي: تتجسد احتمالية التكوين العفوي للحياة من مادة غيرحية، من احتمال واحد ضمن احتمالات عدد مكون من الرقم1 وبعده 40000 صفر... وهو رقم كبير بما يكفي لدفنداروين ونظرية التطور بأكملها!.. وإذا لم تكن بدايات الحياةعشوائية فلا بد أنها قد نتجت عن عقل هادف".
ولو فرضا جدلا أن حدوث كلّ محاولة من محاولات بناءالخليّة قد تستغرق ثانية واحدة فقط فهذا يعني أننا قدننتظر حوالي مليار مليار مليار مليار ( مكرر كلمة مليار 4 آلاف مرّة ة) سنة لتظهر لنا خلية حية بالصدفة في ظروفالأرض البدائية!
وأما احتمال تكوّن خلية بروتين متوسط التعقيد منالأحماض الأمينية (وهو 10 أس 950) فسوف نحتاج فيه إلى (10 أس 941) سنة، أي مليار مليار مليار... (مكرر كلمة مليار 104 مرّة) سنة!
ولو افترضنا أنّ المحاولات تتمّ بسرعة تشبه الضوء (أيبمقدار 300 مليون محاولة في الثانية الواحدة).. فإنّ هذا لنيغيّر شيئا يذكر في الأرقام التي لدينا.. سيقلّ فقط عددالمليارات المضروبة في بعضها من السنوات بمقدار مليارواحد!
وإن عمر المجموعة الشمسية لا يستوعب هذه القيم الاحتمالية ، فإنه يقدر بحوالي 4.6 مليار سنة فقط... ولوافترضنا أنّ هذا العمر الضئيل ـ بل المعدوم مقارنة بما نتكلمعنه من احتمالات ـ يكفي غريمتنا الصدفة لإنشاء خلية أولية،فإنّه لا يكفي على الإطلاق لظهور البدائيات والنباتاتوالحيوانات والإنسان!_ الفضاء الرحيب. ... يقول السير فْرِدهويل في إحدى مقابلاته التي نُشرت في مجلة الطبيعة فيتشرين الثاني (نوفمبر) سنة 1981: "إنّ ظهور خليّة حيّةللوجود عن طريق الصدفة، يشبه ظهور طائرة بوينج 747 عنطريق الصدفة، نتيجة هبوب عاصفة على محلات لأدواتالخردة".
وبهذا تكون قيمة احتمال العشوائية وفقدان النظام للغاية قيمة ضعيفة جداً لا يعتد بها العاقل في مقابل قيمة احتمال التصميم الهادف والذكي.
ويمكن مراجعة ما نقلته في الرابط التالي :
الملاحظة الثانية : إن للكون بداية ، وهذا ما تأكده الدراسات الحديثة فقد ذكروا أن الكون كان يومًا جزءاً واحداًثم تحقق ما يسمى بالانفجار العظيم ، و بعض التقديرات الحديثة تُقدّر حدوث تلك اللحظة قبل 13.8 مليار سنة، والذي يُعتبر عمر الكون.
وبعد الانفجار بَرُدَ الكون بما يكفي لتكوين جسيمات دون ذرية كالبروتونات والنيترونات والإلكترونات. ورغم تكوّن نويّات ذرية بسيطة خلال الثلاث دقائق التالية للانفجار العظيم، إلا أن الأمر احتاج آلاف السنين قبل تكوّن ذرات متعادلة كهربيًا. معظم الذرات التي نتجت عن الانفجار العظيم كانت من الهيدروجين والهيليوم مع القليل من الليثيوم. ثم التئمت سحب عملاقة من تلك العناصر الأولية بالجاذبية لتُكوّن النجوم والمجرات، وتشكّلت عناصر أثقل من خلال تفاعلات الانصهار النجمي أو أثناء تخليق العناصر في المستعرات العظمى.
ويعضد هذه البداية ما أثبته العلماء من حدوث المادة وفنائها وفق للمبدأ الثاني للديناميكية الحرارية الذي اكتشفه (كارنو) وهو يبرهن على أن العالم المادي في سير نحو موته الحراري وفق قانون الانسياب والتبعثر .
يقول فرنك الن عالم الطبيعة البيولوجية : ( ولكن قوانين الديناميكا الحرارية تدل على أن مكونات هذا الكون تفقد حرارتها تدريجياً وأنها سائرة حتماً إلى يوم تصير فيه جميع الأجسام تحت درجة من الحرارة بالغة الانخفاض هي الصفر المطلق، ويومئذ تنعدم الطاقة وتستحيل الحياة ولا مناص من حدوث هذه الحالة من انعدام الطاقة عندما تصل درجة حرارة الأجسام إلى الصفر المطلق بمضي الوقت أما الشمس المستعرة والنجوم المتوهجة والأرض الغنية بأنواع الحياة فكلها دليل واضح على أن أصل الكون أو اساسه يرتبط بزمان بدأ من لحظة معينة فهو اذاً حدث من الأحداث ومعنى ذلك أنه لا بد لأصل الكون من خالق أزلي ليس له بداية عليم محيط بكل شيئ قوي ليس لقدرته حدود ولا بد ان يكون هذا الكون من صنع يديه ) الله يتجلى في عصر العلم ص 5 ، 6 . 
وبداية الكون تحتم وجود خالق لنشوء الحياة كما نعرفها اليوم، التي يعتقد أن تاريخها يعود إلى حوالي 3،5 إلى 3،8 مليارات سنة ، و السبب هو أن بداية الكون تحتم وجود علة له ، كما أن تطور المادة وانتقالها من اللاحيوية إلى الحيوية يعني تغيرها الملازم للحدوث وإلا لتحققت الحياة قبل الوقت التقديري أزلاً ، والحدوث يستدعي وجود علة إما موجبة لحدوث الحياة مباشرة أو وفق قانون مدبَر من قبلها.
لقد تصور الملحد أن إمكانية حدوث الحياة من اللاحياة وفق طفرات جينية تعصف بفرضية وجود الإله ، وهذا من الناحية العقلية والفلسفية تصور ساذج ، لأن عشوائة الطفرات التي تحدث التغير غاية ما تعني أن الطبيعة في إحدى محطات تطورها لا تستند إلى علة غائية واضحة لنا ، وهذا إن سلمنا به ، فهو لا يعني عدم وجود علة فاعلية وراء الطبيعة هي التي أوجدت المجموع الطبيعي وفق نظام التطور الذي يزعمه التطوريون ، ولها هدف جمعي يدل عليه الانسجام الواضح في جميع ذرات الكون ، وهذا المقدار كاف للتدليل على فرضية السبب الخارجي عن نظام الطبيعة .
النقطة الثانية : في التعليق على الركن الثاني وهو لب نظرية التطور.
وهنا أذكر عدة ملاحظات :
الملاحظة الأولى: هي أننا لو قبلنا نظرية التطور بالصيغة التي يطرحها داروين ، فهذا لا ينافي ما قامت عليه الضرورة الدينية من خلق الإنسان المعاصر مستقلاً ، لإمكان إرجاع الحفريات المكتشفة ـ التي تعود إلى زمان سابق على آدم أب البشر ـ إلى نوع سابق على الإنسان الحالي أنقرض في فترة من الفترات ، و يوجد عدة روايات تتحدث عن آدميين قبل آدم الذي تنتمي إليه البشرية المعاصرة وهي تتوافق مع هذا الاحتمال.
ففي كتاب التوحيد للصدوق عن جابر بن يزيد ، قال : سألت أبا جعفر
(عليه السلام) عن قوله عز وجل : ( أفعيينا بالخلق الأول بلهم في لبس من خلق جديد ) قال : يا جابر تأويل ذلك أن اللهعز وجل إذا أفنى هذا الخلق وهذا العالم وسكن أهل الجنةالجنة ، وأهل النار النار جدد الله عالما غير هذا العالم وجددخلقا من غير فحولة ولا إناث يعبدونه ويوحدونه ، وخلق لهمأرضا غير هذه الأرض تحملهم ، وسماء غير هذه السماءتظلهم ، لعلك ترى أن الله إنما خلق هذا العالم الواحد ، وترىأن الله لم يخلق بشرا غيركم ، بلى والله لقد خلق الله ألف ألفعالم ، وألف ألف آدم أنت في آخر تلك العوالم وأولئكالآدميين.ص278 و في الخصال 652.
وبعض المؤيدات التي تنطلق من ملاحظة الإنسان المعاصر كوجود غشاء الصفار وتشكل الجنين بهيئة السمك ثم الزواحف لا تفيد الجزم بتطور الإنسان المعاصر عن نوع سابق وغاية ما تفيده الاحتمال .
الملاحظة الثانية : هي أن نظرية التطور فرضت نحوا من العشوائية في مرحلة من مراحل التطور ثم أعطت تحليلا منطقيا في الانتخاب الطبيعي يعتمد على مبدأ البقاء للأصلح .
والعشوائية تعني عدم وجود تفسير منطقي للحادث أو الحوادث ، وليس عدم وجود تفسر منطقي مدرك من قبلنا ، لأنه غاية ما نملك الجهل بالتفسير ، و الجهل و عدم معرفة التفسير لا يعني عدم وجوده ، وبهذا تكون العشوائية المذكورة عشوائية نسبية لوحظ فيها جهل الملاحظ للتفسير المنطقي في بعض مراحل التطور ، وعلمه بالتفسير المنطقي في البعض الآخر .
وفي الحقيقة هنالك تفسير منطقي ، وهو نظام المادةوالحركة ، و قوانين التزاحم الحاكمة على متغيراتها ، فإنها تقتضي تدافع وتعاضد المكونات والجسيمات وهذا نظير ما قيل من تأثير الجسيمات المنبعثة من الانفجارات الكونية على الشريط الوراثي في النواة ، فان لهذه الانفجارات و الانبعاثات قواعد تحكمه كما أن لتأثر الشريط الوراثي قواعد تحكمه ، لو قدر لنا الإحاطة بالتأثيرات المتبادلة وزمان حدوث أسبابها بالدقة لأمكننا التنبؤ بكل الحوادث التي توصف بالعشوائية ، وملاحظة السجل التراكمي الذي يتحرك ضمن مؤشر تصاعدي كما يعترف التطوريون من مخلوقات بدائية إلى مخلوقات أكثر تطورا وتعقيدا حتى نصل إلى الإنسان الذي تفوق خصائصه الوجودية متطلبات البقاء تفيد الجزم بالهدفية ، و هذه الهدفية المجموعية للطبيعة لا تنافي وقوع التزاحم وتكامل وتطور بعض الكائنات على حساب البعض الآخر وهذا ما يمكن أن يخرج به وجود بعض التصميمات الرديئة .
وقد أعتمد أئمة أهل البيت (عليهم السلام) هذا السجل التراكمي في تشكل الأنواع وتطورها حتى ضمن الأفراد داخل النوع في البرهنة على وجود الفاعل والهدف ففي نهج البلاغة : من خطبة أمير المؤمنين (عليه السلام) في صفة عجيب خلقأصناف من الحيوان : ولو فكروا في عظيم القدرة وجسيمالنعمة ، لرجعوا إلى الطريق وخافوا عذاب الحريق ، ولكنالقلوب عليلة ، والبصائر مدخولة ، ألا ينظرون إلى صغير ماخلق ، كيف أحكم خلقه وأتقن تركيبه ، وفلق له السمع والبصر ،وسوى له العظم والبشر ؟ انظروا إلى النملة في صغر جثتهاولطافة هيئتها لا تكاد تنال بلحظ البصر ، ولا بمستدرك الفكر ،كيف دبت على أرضها وضنت على رزقها ، تنقل الحبة إلىحجرها ، وتعدها في مستقرها ، تجمع في حرها لبردها ، وفيورودها لصدرها ، مكفولة برزقها ، مرزوقة برفقها ، لا يغفلهاالمنان ، ولا يحرمها الديان ، ولو في الصفا اليابس ، والحجرالجامس ولو فكرت في مجاري اكلها وفي علوها وسفلها ومافي الجوف من شراسيف بطنها وما في الرأس من عينهاواذنها ، لقضيت من خلقها عجبا ، ولقيت من وصفها تعبا ،فتعالى الذي أقامها على قوائمها ، وبناها على دعائمها ، لميشركه في فطرتها فاطر ، ولم يعنه في خلقها قادر ، ولو ضربتفي مذاهب فكرك لتبلغ غاياته ما دلتك الدلالة إلا على أن فاطرالنملة هو فاطر النخلة لدقيق
تفصيل كل شئ ، وغامض اختلاف كل حي ، وما الجليلواللطيف والثقيل والخفيف والقوي والضعيف في خلقه إلا سواء، كذلك السماء والهواء والرياح والماء ، فانظر إلى الشمسوالقمر والنبات والشجر والماء والحجر ، واختلاف هذا الليلوالنهار وتفجر هذه البحار ، وكثرة هذه الجبال ، وطول هذهالقلال ، وتفرق هذه اللغات والألسن المختلفات ، فالويل لمنجحد المقدر ، وأنكر المدبر ، زعموا أنهم كالنبات مالهم زارع ،ولا لاختلاف صورهم مانع ، ولم يلجأوا إلى حجة فيما ادعوا ولاتحقيق لما أوعوا ، وهل يكون بناء من غير بان ، أو جناية من غيرجان وإن شئت قلت في الجرادة إذ خلق لها عينين حمراوين ،وأسرج لها حدقتين قمراوين وجعل لها السمع الخفي ، وفتح لهاالفم السوي ، وجعل لها الحس القوي . ونابين بهما تقرض ،ومنجلين بهما تقبض ، يرهبها الزارع في زرعهم ولا يستطيعونذبها ولو أجلبوا بجمعهم حتى ترد الحرث في نزواتها ، وتقضيمنه شهواتها ، وخلقها كله لا يكون أصبعا مستدقة .البحارج61 ص40.
الملاحظة الثالثة : نستكشفها من الملاحظة السابقة وهي أن وحدة النظام الحاكم على جميع الأحياء ووحدة آلية التطور تفيد وجود قوانين ثابتة جعلت في المادة ، وهذه القوانين في أصل تحققها وكيفيتها تحتاج إلى موجد ولا يمكن أن تكون محققة لنفسها في عرض تحقيقها للظواهر .
إن نظرية التطور لو سلمنا بها وانتهينا إلى أنها حقيقة غير قابلة للدحض فهي ليست بديلا عن الاعتقاد بوجود الإله ، وإنما هي تشكل الصيغة التي يدبر بها الله سبحانه نظام الطبيعة.
إن دلالة القانون والنظام و انحفاظهما على وجود الصانع تعالى هو الدليل الذي أكد عليه أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في حواراتهم مع الملاحدة ، فعن هشام بن الحكمقال : دخل ابن أبي العوجاء على الصادق (عليه السلام) فقالله الصادق (عليه السلام): يا بن أبي العوجاء ! أنت مصنوعأم غير مصنوع ؟ قال : لست بمصنوع . فقال له الصادق : فلو كنت مصنوعا كيف كنت ؟ فلم يحر ابن أبي العوجاءجوابا ، وقام وخرج . قال : دخل أبو شاكر الديصاني - وهوزنديق - على أبي عبد الله وقال : يا جعفر بن محمد دلنيعلى معبودي ! فقال أبو عبد الله (عليه السلام): إجلس ! فإذاغلام صغير في كفه بيضة يلعب بها فقال أبو عبد الله : ناولني يا غلام البيضة ! فناوله إياها ، فقال أبو عبد الله : ياديصاني هذا حصن مكنون ، له جلد غليظ ، وتحت الجلدالغليظ جلد رقيق ، وتحت الجلد الرقيق ذهبة مايعة ، وفضةذائبة ، فلا الذهبة المائعة تختلط بالفضة الذائبة ، ولا الفضةالذائبة تختلط بالذهبة المايعة ، فهي على حالها ، لا يخرجمنها خارج مصلح فيخبر عن إصلاحها ، ولا يدخل إليهاداخل مفسد فيخبر عن إفسادها ، لا يدرى للذكر خلقت أمللأنثى ، تنفلق عن مثل ألوان الطواويس ، أترى له مدبرا ؟ قال: فأطرق مليا ثم قال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وأنك إمام وحجة من اللهعلى خلقه ، وأنا تائب مما كنت فيه . الاحتجاج ج 2 ص 72.
وهكذا ننتهي إلى أن نظرية التطور إن لم تدعم فرضية الإله فهي لا تنافيها ، ومحاولة توظيفها لتدعيم الإلحاد محولة تفتقر إلى العلم والمنطق.
والحمد لله رب العالمين

No comments:

Post a Comment