Sunday, April 5, 2015

هل المنهج السَنَدي يؤدي الى تضييع التراث؟

بقلم : حيدر السندي .
السؤال : السلام عليكم شيخنا الفاضل ورحمة الله وبركاته ، قبل مدة تعرض السيد كمال الحيدري لتاثير اختلاف المباني الكلامية في علم الرجال وخطورة المنهج السندي الذي يتبناه السيد الخوئي ( رحمه الله ) وجملة من تلاميذه على التراث فقال ما مضمونه : ( اختلاف المباني الكلامية له تأثير كبير على المباني الرجالية ، وبسبب ذلك لا يوجد راوي الا وفيه كلام - قدح او تضعيف وتمريض - فلا نستطيع ان نطمئن باحد من الرواة بما فيهم زرارة ، وهذا يوجب سقوط المذهب !
ويؤدي المنهج السندي الى التعارض بسبب تعارض المباني الرجالية وهذا بخلافه في جمع القرائن .
ومن النتائج الخطيرة المترتبة على المنهج السندي انه تضيع ٧٠٪ ٨٠٪. اذا مو أكثر من روايات المعارف) فما هو رأيكم في كلامه هذا (حفظكم الله ورعاكم) .
الجواب : بِسْم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين وصلى الله على اشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطاهرين .
تعرضت في مقالات وحوارات سابقة لكلامه هذا وذكرت عدة نقاط منها :
النقطة الاولى : ما هو مراده من عدم وجود راو واحد لا كلام فيه ، هل يقصد لا كلام فيه مطلقا سواء كان هذا الكلام موجبا للقدح او لا ، او يقصد لا كلام فيه يوجب قدحه وعدم الوثوق بنقله كما يظهر من عبارة (فلا نستطيع ان نطمئن باحد من الرواة بما فيهم زرارة ، وهذا يوجب سقوط المذهب ! ).
ان قصد لأول : فهو حق ويكفي ان الشيعة بأجمعهم مقدوحون من أعداء المذهب كالسلفية والوهابية ، الا ان هذا ( عدم وجود راو لا كلام فيه مطلقا ولا قدح فيه ولو بقدح لا قيمة له ) لا يضر في حصول الاطمئنان بوثاقة الراوي و الاعتماد على الروايات المروية عنه ، اذ لم يشترط احد من العلماء ان يكون الراوي غير مقدوح مطلقا كيف والشيعة لم يشترطوا ذلك فيما هو اهم وأعظم من نقل الرواية اعني مقام النبوة والإمامة ، فإن إمام الائمة وهو النبي (صلى الله عليه واله) لم يسلم من قدح الكفار وقيل عنه شاعر مجنون كذاب ، ولم يمنع ذلك من حصول القطع واليقين بعصمته ( صلى الله عليه وآله ).
وان قصد الثاني : فهو باطل اذ ما أكثر الرواة الثقات الذين لم يقدحوا بقدح معتبر مع اختلاف المباني الرجالية والكلامية ومنهم زرارة رضوان الله عليه . المقطوع بوثاقته و جلالة قدرة ، وقد نص الكشي على اجماع الشيعة على وثاقته ، وهذا الاجماع سار الى يوم الناس هذا حيث لم يقل عالم يعتد به في معاهد العلم بعدم وثاقته .
قال الكشي ( رحمه الله) في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي جعفر وأبي عبد اللّه(عليهما السلام):
اجتمعت العصابة على تصحيح هؤلاء الأوّلين من أصحاب أبي جعفر (عليه السلام) ، وأصحاب أبي عبد اللّه (عليه السلام) ، وانقادوا لهم بالفقه فقالوا: أفقه الأوّلين ستّة: «زرارة» و«معروف بن خرّبوذ» و«بريد» و«أبو بصير الأسدي» و«الفضيل بن يسار» و«محمد بن مسلم الطائفي».
قالوا: وأفقه الستّة: زرارة. وقال بعضهم: مكان أبي بصير الأسدي: أبو بصير المرادي، وهو ليث البختري. رجال الكشّي: 238 رقم 431.
وقال في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبد اللّه (عليه السلام) :
أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء من دون أولئك الستّة الذين عددناهم وسمّيناهم، ستّة نفر: جميل بن درّاج، وعبد اللّه بن مسكان، وعبد اللّه ابن بكير، وحمّاد بن عيسى، وحمّاد بن عثمان، وأبان بن عثمان. رجال الكشّي: 375 رقم 705.
وقال في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيم وأبي الحسن الرضا(عليهما السلام):
أجمع أصحابنا على تصحيح مايصحّ عن هؤلاء، وتصديقهم، وأقرّوا لهم بالفقه والعلم، وهم ستّة نفر آخر دون الستّة نفر، الذين ذكرناهم في أصحاب أبي عبد اللّه (عليه السلام) . وهم: يونس بن عبد الرحمن، وصفوان بن يحيى بيّاع السابري، ومحمّد بن أبي عمير، وعبد اللّه بن المغيرة، والحسن بن محبوب، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر. رجال الكشّي: 556 رقم 1050.
النقطة الثانية : ما هو مراده من ان المنهج السندي يؤدي الى التعارض وسقوط المذهب ، يوجد في كلامه احتمالان :
١- ان يكون مراده يؤدي الى ذلك عند كل عالم عالم ، فكل عالم بحسب مبانيه هو يسقط عنده المذهب بسبب تعارض الروايات في نظره .
وهذا يكذبه الواقع ، فان السيد الخوئي (رحمه الله) مع انه يعتمد المنهج السندي - اي حجية خبر الثقة مضافا الى الخبر المحفوف بقرائن الوثوق والاطمئنان - ، الا انه استطاع بناء نظام معرفي دقيق لا يغلب عليه التناقض ، ولم يؤد الى سقوط المذهب عنده .
نعم قد يقع التعارض عنده في موارد بسبب استيفاء الخبرين المختلفين لشروط الحجية وعدم وجود قرائن الاطمئنان في احدهما دون الاخر فيطبق قواعد التعارض او يتوقف بعد التساقط الا ان هذا في موارد محدودة لا توجب سقوط المذهب كما هو واضح للعارف.
وهذا التعارض لا يختص بالمنهج السندي بل يشمل منهج جمع القرائن - ايضا - فقد يختلف خبران ويكون كل واحد منهما محفوفا بقرائن تفيد الوثوق بصدوره ، ولهذا يحتاج من يذهب الى منهج جمع القرائن الى باب التعارض في الأصول ، كما يحتاج اليه من يذهب الى منهج السندي .
٢- ان يكون مراده بالتناقض الخلاف بين العلماء المختلفين في المباني الكلامية والرجالية.
وفيه : ان هذا الاختلاف لا باس فيه و تقتضيه عملية الاجتهاد وهو موجود حتى بين الذين يتفقون على منهج جمع القرائن انفسهم ، فكم مسالة خالف فيها السيد السيستاني ( حفظه الله) السيد البروجردي ( رحمه الله ) وهما من مدرسة جمع القرائن .
مضافا الى ان صلابة المذهب بصلابة اصوله العقدية ، وهي متفق عليها مع اختلاف العلماء في المباني الكلامية والرجالية ، لوضوح أدلتها عقلا ونقلا ، فلا خوف عليها من اتباع المنهج السندي حيث لا نحتاج الى وثاقة راو في خبر واحد فيها لعدم الاستناد فيها أصلا على اخبار الآحاد .
النقطة الثالثة : ان الاختلاف في المباني الكلامية كما يؤثر في عالم الرجال و ثبوت وثاقة الراوي يؤثر أيضا على مسلك جمع القرائن لماذا؟
لان المباني الكلامية من القرائن التي تؤثر في قبول الجرح ورده ، اذ قد يقع الجرح بسبب اختلاف العقيدة ، فيضعف عالم راويا لانه يراه فاسدا في العقيدة ، فيأتي عالم آخر ولا يقبل التضعيف لانه يرى ان عقيدة الراوي صحيحة وان الاشتباه في المباني الكلامية عند المضعف كما قيل ذلك في تضعيف محمد بن سنان وسهل بن زياد وغيرهما.
وأيضاً فهم النص و استنطاق الرواية يختلف باختلاف المباني الكلامية للمستنطق ، لهذا نقول اختلاف المباني الكلامية لو كان يؤدي الى التناقض وسقوط المذهب فهو كذلك في المنهجين ( السندي ، جمع القرائن ) على حد سواء .
كما لا يخفى ان مسلك جمع القرائن لا يسقط الوثاقة من راس لان وثاقة الراوي و مقدار ضبطه وعلمه وقبول الأصحاب لقوله من القرائن التي تفيد الوثوق بقوله ، وهذا يعرف من عالم الرجال الذي تتحكم فيه المباني الرجالية بحسب كما ذكر السيد الحيدري ( عفى الله عني وعنه) .
النقطة الرابعة : ما ذكره من انه من النتائج الخطيرة المترتبة على المنهج السندي انه تضيع ٧٠٪ ٨٠٪. إن لم يكن اكثر من روايات المعارف غير تام وواضح الضعف عند من لديه المام بالمنهج السندي .
وبيان وجه صعفه في أمور :
الأمر الاول : هو ان المنهج السندي لا يلغي اعتبار الخبر الذي يحصل اطمئنان بصدور بسبب جمع القرائن ، فالسيد الخوئي (رحمه الله ) يرى حجية الاطمئنان أيضا .
الأمر الثاني : أكثر معارفنا فيها روايات متواترة او محفوفة بقرائن تفيد الاطمئنان بصدورها ، فلا يلزم من القول بحجية خبر الثقة رفض أكثر الروايات . ويكفي مراجعة البحار ليقف القارئ على ان كثيرا من الأبواب فيها على عنوان الباب عشرات الروايات .
الأمر الثالث : ان المنهج السندي قد يؤدي الى قبول روايات مرفوضة بناء على منهج جمع القرائن اذا ما أكثر الروايات الصحيحة سندا ولكن لا قرائن تفيد الوثوق بها ، وهنا هي حجة عند المنهج السندي دون منهج جمع القرائن .
فترك بعض الروايات قد يقتضيه المسلك الاول دون الثاني ، وما ذاك الا لان المنهج السندي فتح المجال أكثر لقبول الروايات لما أقر حجية بعض الروايات التي لا تحفها قرائن تفيد الوثوق بصدورها وهي المروية عن الثقة ، فكيف يقال بعد هذا بان المنهج السندي - تحديدا- يؤدي الى ضياع التراث !
والحمد لله رب العالمين

No comments:

Post a Comment