Sunday, April 12, 2015

الزهراء (عليها السلام) وبعدا النبوة والإمامة

محاضرة لسماحة الشيخ حيدر السندي (حفظه الله)
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين .
نقل السيد بن طاووس (رحمه لله) أن الزائر للزهراء (عليها السلام) يدعو بعد زيارتها (عليها السلام) ويقول في دعائه : (و سللت منها أنوار الأئمة ، وأرخيت دونها حجاب النبوة ) إقبال الأعمال ج ص ص 166.
موضوعنا في هذه المحاضرة سوف يكون بعنوان ( الزهراء وبعدا النبوة والإمامة) وذلك انطلاقاً من الفقرتين التين نقلهما السيد ابن طاووس (رحمه الله)في الإقبال وصدرنا بهما المحاضرة . 
والكلام حول هذا العنوان سوف يكون في محورين:
المحور الأول : في بيان مدلول فقرة ( وسللت منها أنوار الأئمة ) ، وليكن يتضح المدلول والمستفاد أذكر نقاطاً أربع:
النقطة الأولى : في أن للمعصومين (عليهم السلام) بعدين :
البعد الأول : بعد روحاني نوري .
البعد الثاني بعد بدني طيني ، وهو مجرد لباس وسكن لحقيقتهم النورية ، به ظهروا في هذا الدنيا وتجلوا بشراً نورانيين .
في كتاب بصاير الدرجات عن محمد بن مروان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سمعته يقول : خلقنا الله من نور عظمته ثم صور خلقنا من طينة مخزونة مكنونة من تحت العرش فأسكن ذلك النور فيه فكنا نحن خلقنا (بشراً) نورانيين لم يجعل لأحد في مثل الذي خلقنا منه نصيبا ...ص 40 ونقلها الكليني في الكافي ج 1 ص389.
وقد عبر العلامة المجلسي الأول ( رحمه الله ) في روضة المتقين عن هذه الحديث بالقوي كالصحيح.
وفي رواية ثانية : عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : إن الله خلقنا من عليين وخلق أرواحنا من فوق ذلك وخلق أرواح شيعتنا من عليين وخلق أجسادهم من دون ذلك ، فمن أجل ذلك القرابة بيننا وبينهم وقلوبهم تحن إلينا . الكافي ج 1 ص389.
النقطة الثانية : حقيقة المعصومين وهويتهم في بعدهم المجرد وليس البعد المادي إلا مجرد لباس وظهور للحقيقة المجردة التي لا يمكن أن يكون لها ظهور في عالم الأبدان إلا إذا تمثلت بشراً ضمن بدن ما ، وبحسب تعبير الروايات ، البدن مجرد سكن للنور ولا يمثل حقيقة المعصومين (عليهم السلام ) ففي الرواية المتقدمة : (ثم صور خلقنا من طينة مخزونة مكنونة من تحت العرش فأسكن ذلك النور فيه فكنا نحن خلقنا (بشراً) نورانيين ).
النقطة الثالثة : هي أن أنوار أهل البيت (عليهم السلام) لم تخلق دفعة واحدة ، وإذا خلقت على نحو التعاقب ، فإن أول نور فتق عالم الوجود الإمكاني نور النبي محمد (صلى الله عليه وآله) وهو نور نفسه أمير المؤمنين (عليه السلام) مع حفظ رتبة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، في الرواية المشهورة : عن جابر بن عبد الله قال : قلت لرسول (الله صلى الله عليه وآله) : أول شئ خلق الله تعالى ما هو ؟ فقال : نور نبيك يا جابر ، خلقه الله ثم خلق منه كل خير . وفي أخرى عنه أيضا قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أول ما خلق الله نوري ، ابتدعه
من نوره ، واشتقه من جلال عظمته . البحار ج 15 ص24.
وفي ثالثة : عن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) قال : إن الله تبارك وتعالى خلق نور محمد (صلى الله عليه وآله) قبل أن خلق السماوات والأرض والعرش والكرسي واللوح والقلم والجنة والنار ، وقبل أن خلق آدم ونوحا وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وموسى و عيسى وداود وسليمان ، وكل من قال الله عز وجل في قوله " ووهبنا له إسحاق و يعقوب - إلى قوله - وهديناهم إلى صراط مستقيم " وقبل أن خلق الأنبياء كلهم بأربع مائة ألف وأربع وعشرين ألف سنة
حديث الحجب اثنا عشر... الخصال ص 482.
وفي رابعة : عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ( إن لله تبارك وتعالى خلق عليا من نوري وخلقني من نوره وكلانا من نور واحد ، ثم إن الله عز وجل نقلنا من صلب آدم (عليه السلام) في أصلاب طاهرة إلى أرحام زكية فما نقلت من صلب إلا ونقل علي معي فلم نزل كذلك حتى استودعني خير رحم وهي آمنة . واستودع عليا خير رحم وهي فاطمة بنت أسد . وكان في زماننا رجل زاهد عابد يقال له المبرم بن دعيب بن الشقبان قد عبد الله تعالى مائتين وسبعين سنة لم يسأل الله حاجة فبعث الله إليه أبا طالب فلما أبصره المبرم قام إليه وقبل رأسه وأجلسه بين يديه ثم قال له : من أنت ؟ فقال : رجل من تهامة . فقال : من أي تهامة ؟ فقال : من بني هاشم . فوثب العابد فقبل رأسه ثم قال : يا هذا إن العلي الأعلى ألهمني إلهماما . قال أبو طالب : وما هو ؟ قال : ولد يولد من ظهرك وهو ولي الله عز وجل .... نفحات الأزهار ج 5 ص265.
والسؤال الذي نريد الإجابة عليه : أي النورين خلق أولاً ومنه خلق النور الآخر ، هل هو نور الزهراء (عليها السلام) أم نور الأئمة (عليهم السلام)؟
الفقرة التي نتحدث عنها في هذا المحور تجيب عن هذا السؤال : فقد بينت أن أنوار الأئمة استلت من أوار الزهراء (عليها السلام ) ( وسللت منها أنوار الأئمة) ، وقد تقدم أن النور حقيقة المعصومين (عليهم السلام) فحقائقهم خلقت من حقيقتها ، ويؤيد هذا المعنى مجموعة من الروايات التي ذكرت نور فاطمة (عليها السلام)ى قبل ذكر أنوار الأئمة في مقام بيان خلق الأنوار .
ففي رواية عن أبي عبد الله أحمد بن أبي البردى العامل ، رفعه إلى ابن عباس ، قال : جاء رجل من أشراف العرب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) . فقال له : يا رسول الله ، بأي شئ فضلتم علينا وأنت ونحن من ماء واحد . فقال : يا أخا العرب ، إن الماء لما أحب الله جل ذكره عند خلقنا ، تكلم بكلمة صار نورا ، وتكلم بأخرى صار روحا ، فخلقني وخلق عليا وخلق فاطمة وخلق الحسن وخلق الحسين . فخلق من نوري العرش ، وأنا أجل من العرش . وخلق من نور علي السماوات فعلي أجل من السماوات . وخلق من نور الحسن القمر فالحسن أجل من القمر . وخلق من نور الحسين الشمس فالحسين خير من الشمس . ثم إن الله تعالى ابتلى الأرض بالظلمات فلم تستطع الملائكة ذلك فشكت إلى الله عز وجل ، فقال عز وعلا لجبرئيل (عليه السلام) : خذ من نور فاطمة وضعه في قنديل وعلقه في قرط العرش . ففعل جبرئيل (عليه السلام) ذلك ، فأزهرت السماوات السبع والأرضين السبع فسبحت الملائكة وقد ست . فقال الله : وعزتي وجلالي وجودي ومجدي وارتفاعي في أعلا مكاني ، لأجعلن ثواب تسبيحكم وتقديمكم لفاطمة وبعلها وبنيها ومحبيها إلى يوم القيامة . فمن أجل ذلك سميت " الزهراء " (عليها السلام) . نوادر المعاجز ص 83.
وفي ثانية : عن أبي بصير ، قال : سأل جابر الجعفي أبا عبد الله ( عليه السلام ) ، عن تفسير قوله تعالى : { وان من شيعته لإبراهيم } فقال ( عليه السلام ) : ( ان الله سبحانه لما خلق إبراهيم ، كشف له عن بصره ، فنظر فرأى نورا إلى جنب العرش ، فقال : إلهي ، ما هذا النور ؟ فقيل له هذا نور علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، ناصر ديني ، ورأي إلى جنبه ثلاثة أنوار ، فقال : إلهي وما هذه الأنوار ؟ فقيل له : هذا نور فاطمة ، فطمت محبها من النار ، ونور ولديها الحسن والحسين ( عليهما السلام ) ، فقال : إلهي ، وارى تسعة أنوار ، قد حفوا بهم ، قيل : يا إبراهيم ، هؤلاء الأئمة من ولد علي وفاطمة ، فقال : إلهي وسيدي ، أرى أنوارا قد احدقوا بهم ، لا يحصي عددهم إلا أنت ، قيل : يا إبراهيم ، هؤلاء شيعتهم ، شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، فقال إبراهيم ( عليه السلام ) : وبما يعرف شيعته ؟ قال : بصلاة الإحدى وخمسين ، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، والقنوت قبل الركوع ، والتختم باليمين ) . المستدرك ج4 ص 188.
وفي ثالثة: عن الشيخ أبي محمد الفضل بن شاذان ، بإسناده عن جابر بن يزيد الجعفي ، عن الإمام العالم موسى بن جعفر الكاظم ( عليه السلام ) ، قال : « إن الله تبارك وتعالى خلق نور محمد ( صلى الله عليه وآله ) من نور اخترعه من نور عظمته وجلاله ، وهو نور لاهوتيته الذي بدأ منه ، وتجلى لموسى بن عمران ( عليه السلام ) في طور سيناء ، فما استقر له ، ولا أطاق موسى لرؤيته ولا ثبت له ، حتى خر صعقا مغشيا عليه ، وكان ذلك النور نور محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، فلما أراد أن يخلق محمدا ( صلى الله عليه وآله ) منه ، قسم ذلك النور شطرين : فخلق من الشطر الأول محمدا ( صلى الله عليه وآله ) ، ومن الشطر الآخر علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، ولم يخلق من ذلك النور غيرهما ، خلقهما بيده ، ونفخ فيهما بنفسه لنفسه ، وصورهما على صورتهما ، وجعلهما أمناء له ، وشهداء على خلقه ، وخلفاء على خليقته ، وعينا له عليهم ، ولسانا له إليهم .
قد استودع فيهما علمه ، وعلمهما البيان ، واستطلعهما على غيبه ، وجعل أحدهما نفسه ، والآخر روحه ، لا يقوم واحد بغير صاحبه ، ظاهرهما بشرية ، وباطنهما لاهوتية ، ظهر للخلق على هياكل الناسوتية ، حتى يطيقوا رؤيتهما ، وهو قوله تعالى : ولَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ ) * فهما مقاما رب العالمين ، وحجابا خالق الخلائق أجمعين ، بهما فتح الله بدء الخلق ، وبهما يختم الملك والمقادير .
ثم اقتبس من نور محمد ( صلى الله عليه وآله ) فاطمة ابنته ، كما اقتبس نور علي من نوره ، واقتبس من نور فاطمة وعلي الحسن والحسين ( عليهم السلام ) ، كاقتباس المصابيح ، هم خلقوا من الأنوار ، وانتقلوا من ظهر إلى ظهر ، ومن صلب إلى صلب ، ومن رحم إلى رحم ، في الطبقة العليا ، من غير نجاسة ، بل نقلا بعد نقل لا من ماء مهين ، ولا نطفة جشرة كسائر خلقه ، بل أنوار ، انتقلوا من أصلاب الطاهرين إلى أرحام المطهرات ، لأنهم صفوة الصفوة ، اصطفاهم لنفسه ، وجعلهم خزان علمه ، وبلغاء عنه إلى خلقه ، أقامهم مقام نفسه ، لأنه لا يرى ، ولا يدرك ، ولا تعرف كيفيته ، ولا إنيته ، فهؤلاء الناطقون المبلغون عنه ، المتصرفون في أمره ونهيه ، فبهم يظهر قدرته ، ومنهم ترى آياته ومعجزاته ، وبهم ومنهم عرف عباده نفسه ، وبهم يطاع أمره ، ولولاهم ما عرف الله ، ولا يدرى كيف يعبد الرحمن ، فالله يجري أمره كيف يشاء ، فيما يشاء لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وهُمْ يُسْئَلُونَ ).
النقطة الرابعة : إذا كان الأئمة (عليهم السلام) الذين كانوا بعد أمير المؤمنين مخلوقين من نورها و استلت حقائقهم من حقيقتها فهي عليها السلام واجدة لكمالاتهم وصفاتهم العظيمة التي استحقوا بها مقام الإمامة ، عنها علمهم وفهمهم وصبرهم وشجاعتهم ، وهذا يعني أنها واجدة لروح مقام الإمامة أي الكمالات اللازمة لهذا المقام ، وإن لم تجعل إماماً بالفعل لحكمة لا يعلمها إلا الله تعالى.
المحور الثاني : في مدلول فقرة : ( وأرخيت دونها حجاب النبوة ) ، ولكي يتضح ما يستفاد من هذه الفقرة أذكر أموراً ثلاثة :
الأمر الأول : هو أن إرخاء الحجاب بمعنى جعل الحجاب ساتراً ، وأرخى دونه حجاباً أن يجعل ساتراً يستره ويحجبه عن ، ومن ذلك قوله تعالى : (حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم يجعل لهم من دونها ستراً).
فإن المقصود أن الله تعالى لم يجعل بينهم وبين الشمس حجاباً ، وقد ورد في تفسير العياشي عن أبي بصير عن الباقر (عليه السلام) قال : " لم يعلموا صنعة البيوت " وفي تفسير القمي " لم يعلموا صنعة الثياب " . وعن أمير المؤمنين عليه السلام " ورد على قوم قد أحرقهم الشمس وغيرت أجسادهم وألوانهم حتى صيرتهم كالظلمة ". راجع البحار ج 12 ص206.
الأمر الثاني : دلت بعض الروايات على أن حجاب النبوة مقام عظيم حبس الله فيه نور النبي الأكرم(صلى الله عليه و آله ) ففي الخصال عن جعفر بن محمد الصادق ، عن أبيه ، عن جده ، عن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) قال : إن الله تبارك وتعالى خلق نور محمد (صلى الله عليه وآله) قبل أن خلق السماوات والأرض والعرش والكرسي واللوح والقلم والجنة والنار ، وقبل أن خلق آدم ونوحا وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وموسى و عيسى وداود وسليمان ، وكل من قال الله عز وجل في قوله " ووهبنا له إسحاق و يعقوب - إلى قوله - وهديناهم إلى صراط مستقيم " وقبل أن خلق الأنبياء كلهم بأربع مائة ألف وأربع وعشرين ألف سنة وخلق الله عز وجل معه اثني عشر حجابا : حجاب القدرة ، وحجاب العظمة ، وحجاب المنة ، وحجاب الرحمة ، وحجاب السعادة وحجاب الكرامة ، وحجاب المنزلة ، وحجاب الهداية ، وحجاب النبوة ، وحجاب الرفعة ، وحجاب الهيبة ، وحجاب الشفاعة ، ثم حبس نور محمد (صلى الله عليه وآله) في حجاب القدرة اثني عشر ألف سنة وهو يقول : سبحان ربي الأعلى وفي حجاب العظمة أحد عشر ألف سنة و هو يقول : سبحان عالم السر ، وفي حجاب المنة عشرة آلاف سنة وهو يقول : سبحان من هو قائم لا يلهو ، وفي حجاب الرحمة تسعة آلاف سنة وهو يقول : سبحان الرفيع الاعلى ، وفي حجاب السعادة ثمانية آلاف سنة وهو يقول : سبحان من هو قائم لا يسهو ، وفي حجاب الكرامة سبعة آلاف سنة وهو يقول : سبحان من هو غني لا يفتقر ، وفي حجاب المنزلة ستة آلاف سنة وهو يقول : سبحان ربي العلي الكريم ، وفي حجاب الهداية خمسة آلاف سنة وهو يقول : سبحان رب العرش العظيم ، وفي حجاب النبوة أربعة آلاف سنة وهو يقول : سبحان رب العزة عما يصفون ، وفي حجاب الرفعة ثلاثة آلاف سنة وهو يقول : سبحان ذي الملك والملكوت ، وفي حجاب الهيبة ألفي سنة ، وهو يقول : سبحان الله وبحمده ، وفي حجاب الشفاعة ألف سنة ، وهو يقول : سبحان ربي العظيم وبحمده . ثم أظهر عز وجل اسمه على اللوح وكان على اللوح منورا أربعة آلاف سنة ، ثم أظهره على العرش فكان على ساق العرش مثبتا سبعة آلاف سنة إلى أن وضعه الله عز وجل في صلب آدم ، ثم نقله من صلب آدم إلى صلب نوح . ثم جعل يخرجه من صلب إلى صلب حتى أخرجه من صلب عبد الله بن عبد المطلب فأكرمه بست كرامات ألبسه قميص الرضا ، ورداه رداء الهيبة ، وتوجه تاج الهداية ، وألبسه سراويل المعرفة ، و جعل تكته تكة المحبة يشد بها سراويله ، وجعل نعله الخوف ، وناوله عصا المنزلة ، ثم قال عز وجل له : يا محمد اذهب إلى الناس فقل لهم : قولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله . الخصال ص 482.
أقول : فإذا كان حجاب النبوة منزلة ومقاماً ، فمعنى كونه حاجباً أن الذي لم يصل إليه لا يتمكن من معرفة ما فيه من ألطاف الله تعالى وفضله وكرامته ، لأن نفس علو المقام يمنع السافل من الإدراك والمعرفة ، وعليه فمن لم يبلغ هذا المقام فهو ليس أهلاً للنبوة ويمنعه من بلوغها عدم نيله وبلوغه لحجابها .
الأمر الثالث : إن فقرة (أرخيت دونها حجاب النبوة) على ما تقدم تدل على وجود حاجب يحجب الزهراء (عليها السلام ) وهو ذلك المقام العظيم الذي حبس الله فيه نور النبي (صلى الله عليه وآله) أربعة آلاف سنة ، ولكن هل هذا الحجاب يحجب الزهراء (عليها السلام) عن مقام النبوة ، أو هو يحجبنا نحن عن الزهراء (عليها السلام) ويمنعنا من إدراك حقيقتها وجعلنا مفطومين عن معرفتها؟
ما تدل عليه الفقرة المعنى الثاني لا الأول ، وذلك لسببين:
السبب الأول : هو الدعاء في مقام مدح الزهراء (عليها السلام) ولا يناسب مدها أن يقال هنالك حجاب بينها وبين النبوة ، فإن عامة الناس كذلك بينهم وبين النبوة حجاب .
إن المناسب لمدها وبيان فضائها القول بأنه كأبيها (صلى الله عليه وآله) جامعة للصفات التي يستحق بها الإنسان أن يكون نبياً لأن نورها كنور أبيها حبس في الحجب بما في ذلك حجاب النبوة ، وهذا الحجاب يمنع عامة الناس من إدراك كنهها وعظم شأنها ، نعم لم تقتضي الحكمة الإلهية جعلها نبياً إذ ختمت النبوة بوالدها (صلى الله عليه وآله).
السبب الثاني : هو أن الفقرة السابقة بينت أن أنوار الأئمة (عليهم السلام) استلوا منها ، وهم بلغوا مقام الإمامة الأعظم من النبوة ، وهو المقام الذي استحقه إبراهيم (عليه السلام ) بعد النبوة والرسالة والخلة إذا قال له تعالى : (إني جاعلك للناسي إماماً ).
فعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال : إن الله تبارك وتعالى اتخذ إبراهيم عبداً قبل أن يتخذه نبياً ، وإن الله اتخذه نبياً قبل أن يتخذه رسولاً ، وإن الله اتخذه رسولاً قبل أن يتخذه خليلاً ، وإن الله اتخذه خليلاً قبل أن يجعله إماماً ، فلما جمع له الأشياء قال : إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً ، قال فمن عظمها في عين إبراهيم قال : وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ؟ قال : قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ . قال : لا يكون السفيه إمام التقي ! ( الكافي : 1 / 175 ) .
فهل يعقل بعد هذا أن يكون المقصود من الفقرة وجود حاجب يحجب الزهراء (عليها السلام) عن مقام النبوة الذي هو دون مقام الإمامة.
والنتيجة التي نصل إليها من خلال التأمل في الفقرتين ( وسللت منها أنوار الأئمة وأرخيت دونها حجاب النبوة ) هو أن الزهراء (عليها السلام) واجدة لروح وكمالات وصفات وسجايا هذين المقامين فهي ذات بعدان : بعد نبوي وبعد إمامي وإن لم تجعل لها النبوة والإمامة فعلاً .
والحمد لله رب العالمين

No comments:

Post a Comment