Wednesday, April 22, 2015

ثقافة الاختلاف(٣)


أهداف الاسلام العامة وعوامل التنسيق العملي بين مذاهب الاسلام .
محاضرة : لسماحة الشيخ حيدر السندي ( حفظه الله)
قال سيدنا ومولانا الإمام الصادق (صلوات الله وسلامه عليه) : (إياكم أن تعملوا عملا نعير به ، فإن ولد السوء يعيروالده بعمله ، كونوا لمن انقطعتم إليه زينا ، ولا تكونوا عليهشينا)(وسائل الشيعة للحر العاملي ج16 ص219) آمنا بالله صدق سيدنا ومولانا الصادق (عليه السلام) .
كان موضوعنا ولا يزال حول الموقف من المخالف الذي يختلف معنا في بعض مسائل الإسلام.
موضوعنا في هذه الليلة سوف يكون حول الموقف من المخالف الذي يتفق معنا في أصول الإسلام ويختلف معنا في أصول المذهب، وبعبارة أخرى حول الموقف من اتباع المذاهب الإسلامية الأخرى، ويدور الكلام حول نقطتين:
النقطة الأولى: في حكم أبناء المذاهب الإسلامية من حيث الإسلام والكفر.
ما هو رأي الإمامية في غير الشيعة من الذين يتشهدون الشهادتين؟
كتب بعض السلفية مقالاً تهجم فيه على الشيعة الإمامية، قال فيه:
الشيعة يحكمون بكفر من خالفهم في مسألة الإمامة،ويحكمون بأنّ سائر المذاهب الإسلامية نواصب ولذا هم يبيحون دماءهم وأموالهم، واستدل على ذلك برواية داود بن فرقد، قال سألت أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) عن قتل الناصب؟
قال : حلال الدم ، ولكني أتقي عليك ، فان قدرت أن تقلب عليهحائطا أو تغرقه في ماء لكيلا يشهد به عليك ، فافعل)(وسائل الشيعة للحر العاملي ج28 ص217)
يقول المستدل : الرواية صريحة في أنهم يحكمون بنصب من خالفهم ويبيحون دمه، لأنهم يخرجونه عن الإسلام!.
وفي مقام الجواب على ما ذكره هذا الكاتب نذكر ثلاث تعليقات:
التعليق الأول: هو أنّ المذهب لا يحاكم إلاّ بالرأي المتفق عليه في ذلك المذهب أو الرأي الذي يطبق عليه المشهور بحيث يعد المخالف في ذلك المذهب شاذنا ولا يحاسب المذهب بوجود رواية.
وعليه لا يمكن أن يحاسب الشيعة بأخذ رواية من الكافي،الشيعة عندهم علماء يمثلونهم، و مشهورهم أطبقوا على آراء،إذا أرد شخص أن تحاسب الشيعة فعليه ان يعتمد على المجمع عليه او المشهور أما ان يأتي برواية لعلها ضعيفة سنداً، أو إذا كانت تامة سنداً ضعيفة دلالة، ثم تحاسبهم بها فهذا غير منهجي البتة .
المنهج العلمي في المذاهب هو أن يأخذ بالآراء لا بالروايات، فلا يصح أن يأتي شخص ويأخذ رواية يفهمها بطريقة ثم يحاسب مذهبا كاملا وفق فهمه هو، فهذا الكاتب جانب المنهجية العلمية في تهجمه على الشيعة الإمامية بهذا الأسلوب .
التعليق الثاني: هو أنّ الرأي الرسمي الذي يطبق عليه علماؤنا ومن خالفه يكون شاذاً، هو أنّ الاعتقاد بإمامة أهل البيت (عليهم السلام) من أصول الإيمان لا من أصول الإسلام المقابل للكفر ،فان أصول الإسلام عندهم التوحيد و النبوة الخاصة بالنبي الخاتم ( صلى الله عليه وآله ) و المعاد) ، فمن اعتقد بهذه الأصول مسلم يترتب عليه عنوان الإسلام وتترتب أحكام عنوان الإسلام عليه ، وان لم يعتقد بإمامة أهل البيت (عليهم السلام) نعم هو ليس مؤمنا مهتديا ، و مجرد عدم اعتقاد بالإمامة لشبهة لا يلزم منه الكفر، نعم إن كان يعود انكاره إلى تكذيب النبي (صلى الله عليه وآله) يلزم الكفر، ونحن لا ندعي على المذاهب الإسلامية الأخرى انهم يكذبوا النبي (صلى الله عليه وآله،) بل نقول هم مشتبهون، الأدلة على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) ثابتة ولكنهم مشتبهون في فهمه أو لم يبلغهم الدليل.
إذن الرأي الرسمي المعمول به الذي يعتبر مخالفه شاذا هو أنّ الإمامة ليست من أصول الإسلام بل من أصول المذهب، في المعتبرة : الاسلام شهادة أن لا إله إلا الله والتصديق برسولالله ( صلى الله عليه وآله ) ، به حقنت الدماء وعليه جرتالمناكح والمواريث وعلى ظاهره جماعة الناس(الكافي للكيني ج2 ص25).
السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي صاحب العروة الوثقى في كتاب الطهارة تعرض إلى النجاسات وذكر من النجاسات الكافر، ثم قال في تعريف الكافر:
والمراد بالكافر من كان منكرا للألوهية أو التوحيد ، أوالرسالة ، أو ضروريا من ضروريات الدين مع الالتفات إلىكونه ضروريا ، بحيث يرجع إنكاره إلى إنكار الرسالة(العروة الوثقى لليزدي ج1 ص144).
ولم يقل : أو من أنكر إمامة الأئمة (عليهم السلام).
و كبار علماء الطائفة عندهم تعليقات على العروة الوثقى الشيخ النائيني المحقق العراقي السيد الخوئي السيد الخميني السيد السيستاني، ، و لما جاءوا لهذه العبارة لم يستدركوا عليها بل أمضوها كما هي، فكبراء الطائفة يحكمون بإسلام من خالفهم في الاعتقاد بإمامة أمير المؤمنين (عليه السلام)، فمن أين جاءت قضية أنّ الشيعة يكفرون المذاهب الإسلامية!.
طبعاً؛ بين قوسين هذا الكاتب السلفي ليس غيرته على جميع المذاهب الإسلامية لأنه هو مكفر بامتياز هو يكفر المسلمين ولا يبقي إلاّ جماعة خاصة، هو فقط يريد أن ينسب إلى الشيعة تهمة التكفير، يريد أن يلبس الشيعة ثوبه ليلبس على عامة المسلمين ويستهدف الوحدة الاسلامية .
التعليق الثالث: هو أنّ العلماء الأعلام فرقوا بين الناصب والمخالف، و الرواية التي استدل بها تتحدث عن الناصب، قال سألت أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) ما تقول في قتل الناصب؟ قال : حلال الدم ، ولكني أتقي عليك ، فان قدرت أن تقلبعليه حائطا أو تغرقه في ماء لكيلا يشهد به عليك ، فافعل)(وسائل الشيعة للحر العاملي ج28 ص217).
الناصب كما ذكر جملة من المحققين : هو الذي يتعبد الله تعالى ببغض أهل البيت( عليهم السلام)، فيرى ان الله أمره ببغض علي بن أبي طالب ( عليه السلام) .
العلامة الحلي في كتاب التبصرة تعرض لأحكام الذبح وشروط الذابح ، فقال رحمة الله عليه:
ويشترط في الذابح الإسلام فلا تحل ذبيحة الذمي والناصب وتجوز ذبيحة المخالف.
إذا أفطر الإنسان في نهار شهر رمضان متعمداً تجب عليه الكفارة؛ الكفارة عتق رقبة صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً، هناك شروط في الرقبة معتبرة، من شروط الرقبة الإيمان،
يقول العلامة في التحرير:
والمراد بالإيمان الإسلام فيجزي عتق المخالف ولا يجزي عتق الناصب والمغالي.
إذا كان عندك عبدك مخالف ولكن لا يؤمن بولاية أمير المؤمنين (عليه السلام ) فهو مسلم يجزي عتقه ولا جزي عتق الناصب والمغالي.
إذن هناك فرق بين مفهوم الناصب ومفهوم المخالف.
السيد الخميني (رحمه الله) في كتاب الطهارة تعرض للناصب وقال: الناصب كافر نجس بإجماع الشيعة، ثم أعطانا تعريفاً للناصب، فقال:
المراد الفرقة المعروفة وهم النصاب الذين يتدينون بالنصب ولعلهم شعبة من الخوارج.
إذن الشيعة لا يكفرون سائر المذاهب الإسلامية ولا يعتقدون بأنهم نواصب فما ذكره هذا الكاتب فرية وكذب على الشيعة .
النقطة الثانية: في الموقف العملي اتجاه المذاهب الإسلامية الأخرى.
إذا كنا نعتقد بإسلام اصحاب المذاهب الاخرى فما هي وظيفتنا اتجاههم ؟
علماؤنا الأعلام يجيبون عن هذا السؤال بجواب واحد،يقولون:
وظيفتنا أن ننسق معهم عملاً من أجل الحفاظ على مصالح الإسلام العامة وهذا ما يسمى بالوحدة الإسلامية العملية ويقصد بها : أنّ هنالك نقاطا نلتقي فيها مع سائر الطوائف الإسلامية، نحن نعتقد بالتوحيد هم يعتقدون بالتوحيد، نحن نعتقد بالنبوة هم يعتقدون بالبنوة، نحن نصلي هم يصلون وهكذا، ينبغي أن تكون هذه المشتركات داعيا لتنسيق المواقف من أجل تحقيق مصالح الإسلام العامة، يجب أن نوحد مواقفنا انطلاقاً من المشتركات في وجه أعداء الدين أعداء الأمة الذين لا يحاربون مذهباً بالخصوص وإنما يحاربون الإسلام بما هو إسلام، هذا هو المقصود بالوحدة.
ليس المقصود بالوحدة أن نتنازل عن معتقداتنا أو تنصهر المذاهب وتتحول إلى مذهب واحد، وليس الوحدة أن يقدم بعض المذاهب نفسه للبعض الآخر بصورة مهينة يظهر فيها التنازل عن الثوابت وعن الأساسيات كما يفعل بعض الانهزاميين !
لكل مذهب أن يحافظ على عقيدته ما دام يراها حقا ، و الوحدة التي على حساب العقيدة أو على حساب الثوابت لا قيمة لها ولا نريدها ولا يدعو إليها علماؤنا.
نريد وحدة لأجل تثبيت الإسلام ولأجل تثبيت الحق، لأجل العمل من أجل مصالح الإسلام العليان لا من اجل اضعاف الحق ورفع اليد عنه .
كل مذهب له ان حافظ على عقيدته وينسق في مقام العمل، يضع يده في يد أخيه المسلم من أجل حفظ مصالح الإسلام وتحقيق المصالح العامة التي يستفيد منها كل مسلم مهما كان مذهبه.
وهنا يأتي هذا السؤال العملي المهم :
كيفية يحقيق التنسيق العملي بين المذاهب الإسلامية؟
وفي مقام الجواب أشير الى ان هناك أمورا لابد وان نراعيها كمسلمين :
الأمر الأول: هو الوعي المرحلي، على العقلاء من كل مذهب من كل فرقة إسلامية أن يدركوا بوعي متطلبات المراحل التي يعيشها المسلمون.
هناك ثلاث عناوين يمكن أن يلتفت إليها:
العنوان الأول: هو الوعي بأهداف الإسلام العامة،والآليات التي نحقق من خلالها تلك المصالح.
العنوان الثاني: معرفة الموانع والعوائق التي تحول بيننا وبين تحقيق الوحدة العملية وتحقيق مصالح الإسلام العامة.
العنوان الثالث: تحديد الاوليات، هناك أمور مهمة، وهنامأمور أهم، لا ينبغي أن يزاحم المهم الأهم، كما لا ينبغي أن يزاحم غير المهم المهم، فعلى العقلاء فيما بينهم أن ينسقوا لكي يتحصلوا على رؤية واضحة ترتبط بمسيرة الأمة الإسلامية و أهدافها وكيف تعمل من أجل تحقيق أهدافها.
للأسف كثير من الذين يعملون في الإصلاح الإسلامي أو التغيير الإسلامي لا يوجد عندهم وضح في الأهداف والأولويات، خصوصاً التيارات الإسلامية المتطرفة، بعض التيارات تصوّر أنّ بعض الفرق الإسلامية أخطر على الإسلام من إسرائيل.
كيف يمكن أن يكون مسلم يتفق معك في التوحيد وفي نبوة النبي يقول أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أن محمداً رسول الله، أخطر من اليهودي الذي استباح البلاد وهتك الأعراض وقتل الأنفس، وما زال يستخف بمقدسات الإسلام؟ ويجثوا على بلاد المسلمين !
بأي عقل ووفق اي منطق يفكر هؤلاء ؟
المطلوب هو ان يأخذ العقلاء زمان المبادرة و ينسقوا فيما بينهم راسمين خريطة الطريق نحو السمو بالواقع الاسلامي ، وعدم إعطاء المجال للرويبضة و الحمقى ، فما عاد الواقع الاسلامي يستوعب الجعل والنفس الطائفي البغيض.
الأمر الثاني: هو الإخلاص للأهداف العامة، إذا حددنا أهداف الإسلام العامة، و ما فيه صلاح عموم المسلمين و جميع الفرق الإسلامية ينبغي أن نخلص لهذه الأهداف.
بعض الناس يضع يده في يدك، ولكن في منتصف الطريق إذا تعارضت المصلحة العامة مع المصلحة الخاصة يسحب يده ويضرب جميع الشعارات عرض الحائط.
الإمام أمير المؤمنين (عليه السلا)م كان إماماً مجعولاً من قبل الله تعالى في عقيدتنا ، وإمامة أمير المؤمنين (عليه السلام ) في يوم الغدير لم تنزع في السقيفة هي حكم إلهي، لا يمكن أن يأخذ من أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وهي منصب الإلهي الإمامة تترتب عليه آثار، من تلكم الآثار:
أنّ له (عليه السلام) حق الحكومة، هو الحاكم الشرعي بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله).
المسلمون في ذلك اليوم حالوا بين أمير المؤمنين (عليه السلام) وبين أن يحكم (ولكن الرجال تدافعوها فلم أر مثله حقاً أضيع ).
في ذلك اليوم أضيع حق الحكم أي لم يمكن أمير المؤمنين (عليه السلام )من الحكم فهو الحاكم الشرعي بحكم من الله تعالى ولكنه لم يتمكن من ممارسة الحكم فعلاً، و بسبب منعه (عليه السلام) من ممارسة الحكم فعلاً وقع أمير المؤمنين (عليه السلام) في مزاحمة بين أن يطالب بحقه الشرعي من خلال السيف فيحدث معارضة مسلحة في وسط الدولة الإسلامية وبين أن يصبر مراعاة للمصالح العامة.
بعض الناس يتصور أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام )إذا سكت عن حقه يكون جباناً ليس شجاعاً، لهذا يقول أنتم الشيعة تقولون علي شجاع فلماذا لم يحمل السيف ويقاتل في تلك اللحظة إذا كان هو الإمام الشرعي!
في تصوري هؤلاء يفكرون بسطحية ويريدون ان يسطحوا تفكيرنا .
أمير المؤمنين (عليه السلام ) لأنه شجاع لم يحمل السيف ويقاتل، هكذا ينبغي ان نقرا ما وقع .
أمير المؤمنين (عليه السلام) هو الذي شيد مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) هذا الدين، لقد قام الاسلام بجهاده وتضحياته بعرقه ودمائه (عليه السلام) ، ما قام الدين إلاّ بسيف علي ومال خديجة، وحماية ابي طالب ، و قد كان هذا الدين الذي بناه أمير المؤمنين (عليه السلام) فتياً، كان في أول أيامه ضعيفاً وفي المقابل كان يوجد في المدينة من المنافقين العدد الكثير وأهل القوة.
السيد شرف الدين ( رحمه الله) يقول:
القرآن الكريم تحدث في آيات كثيرة عن المنافقين بل أنزل سورة كاملة بعنوان المنافقين، هذا يدل على أنّ المنافقين كانوا قوة، ويشكلون تياراً له وجود قوي في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، و إذا تلاحظون التأريخ بمجرد أن توفي النبي (صلى الله عليه وآله ) انقطعت أخبار المنافقين، أين هؤلاء الكثرة الذين أنزل فيهم سورة؟ التاريخ لا يتحدث عنهم انقطعت أخبارهم وكأنهم غير موجودين.
إذن كان هناك خطر يهدد الإسلام يسمى بخطر المنافقين، وأيضاً توجد دولة كسرى ودولة قيصر، وهناك حرب مفتوحة بين المسلمين وبين الروم، في هذا الظرف لا يمكن أن يحدث أمير المؤمنين (عليه السلام) نزاعاً داخلياً لأنه سيقضى على الإسلام وهذا السبب الذي دعا أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يصبر، يقول (عليه السلام):
(لقد علمتم أني أحق الناس بها من غيري ، وواللهلأسلمن ما سلمت أمور المسلمين)( موسوعة الإمام علي بنأبي طالب (ع) في الكتاب والسنة والتاريخ - محمدالريشهري - ج 3 - ص 120).
تقديم المصالح العامة الأهم على المصالح التي دونها في الأهمية هذا ما قام به أمير المؤمنين (عليه السلام؟ وهذا ما ينبغي أن يقتدي فيه جميع العقلاء من جميع الفرق والمذاهب الإسلامية.
الأمر الثالث: هو إشاعة روح التسامح والمحبة والمودة بين المسلمين.
هناك خلاف فكري بين المسلمين فنحن نختلف مع غيرنا في إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام)، فنحن نرى الحق هو إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) غيرنا يخالفنا في ذلك المطلوب ان يبقى خلافنا في دائرة الخلاف الفكري.
من حق كل مذهب أن يدعو إلى عقيدته ان يقدم الدليل على عقيدته ولكن بالأسلوب العلمي بالحوار المسؤول الذي يشتملعلى آداب الإسلام.
القرآن الكريم يقول: { وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّحَمِيمٌ }(فصلت:34)
الخلق الحسن هو الخلق الذي يجمع المسلمون على موقف واحد إذا لم يتفقوا على رأي واحد.
للأسف بعض المنتمين إلى الإسلام يبدل الاية من ادفع بالتي هي أحسن إلى بالتي هي أسوء ، ثم يستخدم أسوء الأساليب وأسوء المعاملات مع الذين يختلفون معه في المذهب فلا تجد منه إلاّ وجها عابسا مكفهرا ولا تراه صراخا بالسب والطعن في الأعراض، هل هذا خلق الإسلام!
وهل كان خلق الرسول (صلى الله عليه وآله) كذلك ؟
يقول تعالى : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَالْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ }(آ عمران:109)
لقد كان الرسول (صلى الله عليه وآله) يستخدم الخلق الرفيع مع الكفار، في فتح مكة ماذا قال للمشركين؟ النبي بأي خلق قابلهم؟ قال: ما تظنون أني صانع بكم؟ قالوا : أخ كريم وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء.
هم عذبوه وعذبوا وقتلوا اهل بيته واصحابه و اغتصبوا اموالهم وهو يقابلهم بالسماحة والخلق العظيم ، بمثل هذه الأخلاق الرفيعة ينبغي أن نتعامل فيما بيننا كمسلمين .
أئمتنا (عليهم السلام )أمرونا بالاخلاق الحسنة مع المخالفين ، قال الإمام الصادق (عليه السلام) : (إياكم أن تعملوا عملاً نعير به)(وسائل الشيعة للحر العاملي ج16 ص219) أنتم تنسبون إلى أهل البيت (عليهم السلام) ، إذا صدر منكم فعل سيء قيل هذا الفعل السيء أخذ من الأئمة ، (إياكم أن تعملوا عملاً نعير به فإنّ ولد السوء يعير والده به، كونوا لمن انقطعتم إليه زيناً ولا تكونوا عليه شينا) ثم يقول (عليه السلام) : (عودوا مرضاهم وصلوا في عشائرهم واشهدوا جنائزهم ولا يسبقونكم إلى شيء من الخير أولى به لأنكم شيعة أمير المؤمنين عليه السلام)
وفي رواية أخرى عن الإمام العسكري (عليه السلام) : (فإنالرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق في حديثه ، وأدىالأمانة وحسن خلقه مع الناس قيل : هذا شيعي فيسرني ذلك،)(مستدرك سفينة البحار - الشيخ علي النمازي الشاهرودي- ج 10 - ص 356).
إذا كانت أخلاقنا حسنة ومدحنا لحسن أخلاقنا يفرح بذلك الإمام المهدي (عليه السلام)، فالخلق الحسن ندخل السرور في قلب إمامنا (عليه السلام) .
وفي رواية ثالثة: أمرونا بان نفعل ما يقال لأجله ( رحمالله جعفر بن محمد ما أحسن ما أدب به أصحابه .)( أعيانالشيعة - السيد محسن الأمين - ج 10 - ص 374).
الأمر الرابع: هو أنه ينبغي أن نتجنب الأمور التي تؤدي إلى إثارة المسلمين على بعضهم البعض، لا ينبغي أن نرتكب الأفعال التي تؤدي إلى حقد المسلمين على بعضهم البعض،هناك بعض المسائل الحساسة إذا تعرض لها الإنسان تعرضه يؤدي إلى فتنة وانقسام المسلمين، وإلى أن يبغض بعض المسلمين البعض الآخر، مثلاً مسألة التعرض للرموز، مسألة الرموز من أكثر المسائل حساسية، نحن الشيعة نعتقد أنّ أبا طالب (عليه السلام) في إيمانه أفضل من جميع الصحابة إلاّ المعصومين (عليهم السلام)، فإذا كنت لا تتفق معي في هذه العقيدة فاحتفظ برأيك بعقيدتك في نواديك، لا تظهر الطعن في أبي طالب أمامي، لأنّ هذا يثير الضغينة والبغضاء وروح الانتقام والمقابلة بالمثل فلا ينفتح المسلمون على بعضهم البعض باخلاق حسنة وتقع فتنة.
كذلك المذاهب الأخرى عندهم رموز، عندهم أشخاص، يقسدونهم نحن نختلف معهم في تلك الرموز، لا ينبغي أن نظهر الطعن في رموزهم أمامهم لأنّ هذا يظهر السلوك يخلق في قلوبهم البغض ويؤدي إلى تناحر المجتمع وتمزق المسلمين، الشيخ الصدوق ينقل هذه الرواية عن الإمام الرضا (عليه السلام): (يا ابن أبي محمود انمخالفينا وضعوا اخبارا في فضائلنا وجعلوها على ثلاثةأقسام أحدها الغلو وثانيها التقصير في أمرنا وثالثهاالتصريح بمثالب أعدائنا فإذا سمع الناس الغلو فينا كفرواشيعتنا ونسبوهم إلى القول بربوبيتنا وإذا سمعوا التقصيراعتقدوه فينا وإذا سمعوا مثالب أعداءنا بأسمائهم ثلبونابأسماءنا وقد قال الله عز وجل : ( ولا تسبوا الذين يدعون مندون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ) يا ابن أبيمحمود إذا اخذ الناس يمينا وشمالا فالزم طريقتنا فإنه منلزمنا لزمناه ومن فارقنا فارقناه ان أدنى ما يخرج به الرجلمن الايمان أن يقول للحصاة هذه نواه ثم يدين بذلك ويبرءممن خالفه يا بن أبي محمود احفظ ما حدثتك به فقد جمعتلك خير الدنيا والآخرة)( عيون أخبار الرضا (ع) - الشيخالصدوق - ج 2 - ص 272)
إذا تتهجم على رموز الطوائف الأخرى هم أيضاً ستأخذهم الغيرة ويقابلون بالمثل فيتهجمون على أئمتنا أو على الشيعة، كل فعل أو قول مقال أو محاضرة تؤدي إلى إثارة المسلمين بنحو يتضرر مؤمن بضرب بسلب مال بقتل محرم عند علمائنا.
علمائنا الأعلام ينطلقون من هذه الرواية التي تبين أنّ منهج أهل البيت (عليهم السلام) ليس منهج التصريح بثلب أعدائهم أمام الذين يعتقدون بقدسية هؤلاء الأشخاص.
.الشيخ الصدوق ينقل عن الإمام الباقر (عليه السلام) :(إذا كان يوم القيامة يلطخ رجل رجلا آخر بالدم فيقول عبد الله لم أرك لم أطعنك، فيقول له: لأنك أعنت على قتلي صدرت منك كلمة في يوم كذا في ساعة كذا فقتلت بسببها).
شخص يتكلم في المغرب فتنتقل كلمته إلى بلاد المشرق، فيقتل بسببها مؤمن، يكون محاسبا على كلمته وان كان في المغرب آمن على نفسه، فأمنه الشخصي ليس مبررا لترك الثلب العلني ، وذلك لانه ساهم في جعل القتل أمراً سائغاً في المجتمعات الإسلامية بسبب زرعه الحقد والضغينة في نفوس المسلمين على بعضهم البعض.
ابقِ على عقيدتك على ثوابتك العقدية التأريخية، لا تتنازل عن ثابت أبداً، ولكن كن بصيراً في دينك عاملا مساهما في حفظ قوة المذهب والإسلام وحفظ المجتمع الاسلامي خصوصا الجماعة المؤمنة.

No comments:

Post a Comment