Sunday, April 5, 2015

الشباب طاقة ومسؤولية

محاضرة لسماحة الشيخ حيدر السندي (حفظه الله)
قال الله العلي العظيم في كتابه الكريم: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً}(الروم:54) صدق الله العلي العظيم.
يقع البحث حول هذا عنوان ( الشباب طاقة ومسؤولية) في نقطتين:
النقطة الأولى: أهمية مرحلة الشباب.
بيّن علماء الاجتماع والنفس خصوصاً علم نفس النمو و علم النفس التربوي أنّ أهم و أخطر مرحلة يعيشها الإنسان هي مرحلة الشباب وذلك لأمور أربعة:
الأمر الأول: هو الشعور بالقوة.
الشاب في انتقاله من مرحلة الطفولة إلى مرحلة المراهقة ومرحلة الشباب يمر بنوعين من التغير:
النوع الأول: التغير في بدنه وجسده، فالشاب كان طفلاً ضعيفاً لا يتمكن من إنجاز مجموعة من الأفعال التي كان يستعين فيها بمن هم أكبر منه سناً ثم أصبح قوياً بإمكانه أن ينجز تلك الأفعال ، فهو يشعر بالقوة ويرى نفسه كالكبار الذين طالما تمنى أن يصبح مثلهم، يقول تبارك وتعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً}(الروم:54).
النوع الثاني: التغير في الرغبات والميولات.
إذا كملت أعضاء جسم الإنسان خصوصاً الغدد الصماء ، وبالأخص الغدة المسئولة عن إفراز هرمون الجنس يحدث في الإنسان تغير على مستوى الرغبة والشعور والإرادة، رغباته تصبح أقوى، شهواته تصبح أشد، إرادته نحو تحقيق ما يريد من الرغبات والغرائز تصبح آكد، وهذا ما يعبر عنه في الروايات بروح الشهوة أو شره الشباب، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) : (وقد تأتي عليه حالات في قوته وشبابه يهم بالخطيئة، فتشجعه روح القوة وتزين له روح الشهوة، وتقوده روح البدن حتى توقعه في الخطيئة)(بحار الأنوار للمجلسي ج25 ص66) ما كان عنده روح الشهوة الآن اكتسبها، وصار لها تأثير عليه .
في رواية دخل أمير المؤمنين (عليه السلام) سوق البزازين فاشترى ثوبين أحدهما بثلاثة دراهم والآخر بدرهمين، وقال يا قنبر خذ الذي بثلاثة دراهم، قال يا أمير المؤمنين أنت أولى به مني، تصعد المنبر و تخطب الناس، فقال (عليه السلام): (أنت شباب ولك شره الشباب وأنا استحي من ربي أن أتفضل عليك)(مستدرك الوسائل للنوري ج3 ص257).
هذا النوعان من التغير: التغير في قوة البدن والتغير في قوة الشهوة والرغبة قد يوقعان الإنسان في حالة من السكر قد تفقده التوازن عند التخطيط ورسم المستقبل وعند العمل من أجل الإنجاز ، وقد نبه أمير المؤمنين (عليه السلام) على ذلك ، عندما قال (عليه السلام) : (أصناف السكر أربعة: سكر الشباب وسكر المال وسكر النوم وسكر الملك)(تحف العقول لابن شعبة الحرابي ص124).
هناك سكر شباب حالة من عدم الاتزان قد يقع في الشاب بسبب شعوره في القوة على مستوى البدن والروح، على مستوى المشاعر والأحاسيس والرغبات.
الأمر الثاني: فقد التجربة.
الشاب حدث لم يعترك الحياة ولم يخض تجارب تبني له كياناً معرفياً يمكن من خلاله أن يحدد ما يريده بالدقة، الشاب بعد لم يمر بتجارب تجعله ناضجاً تصقل شخصيته ورأيه، ، لأنه حدث في مقتبل حياته، أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: (جهل الشباب معذور وعلمهم محصور)(موسوعة أحاديث أهل البيت عليهم السلام للنجفي ج5 ص261)، الشاب إذا كان جاهلاً في بداية أمره معذور، لم يمر الوقت الكافي ليكتسب المعرفة الكافية ، علمه محصور ، هناك مثل غربي مشهور ترجمته: "ليت الشباب يعلمون وليت الشيوخ يقدرون".
الشاب عنده القوة والعزم والتصميم ولكن يفتقر إلى التجربة والعلم، وأما الشيخ فقد اعترك الحياة أخذ التجربة عنده رأي أقرب إلى الصواب من الحدث، ولكن لا يوجد عنده القوة، من هنا ينبغي على الشاب أن يستفيد من تجارب الشيوخ، فهم يشكلون ثورة معرفية وتجريبية، فقد اعتركوا الحياة ومروا بمواقف متعددة ، الشاب فبإمكانه أن يختصر الطريق فيما إذا أخذ من الشيخ الرأي و الخبرة، وهذا يعني وجود وظائف مهمة لكبار السن اتجاه الشباب، والوظائف كثيرة ولكن نقتصر على ذكر اثنتين:
الوظيفة الأولى: إعطاء الرأي.
رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (الشيخ في أهله كالنبي في أمته)(مستدرك الوسائل للنوري ج8 ص394).
الشيخ أي الكبير في السن صاحب الخبرة مصدر هداية، لأنه صاحب تجربته، والحدث محتاج إلى تجربته ورأيه، يقول أمير المؤمنين عليه السلام: (رأي الشيخ أحب إلي من جلد الغلام)(نهج البلاغة للإمام علي عليه السلام ج4 ص19).
أيها الشاب : الرأي السديد هو المصباح الذي يحدد لك الطريق ويبين لك أين تضع قدمك في عروجك نحو كمالك ونجاحك، وعليك أن لا تستنكف من أخذ المشورة وأخذ الرأي من كبير السن.
من هو المثقف ؟
بعض الشباب يقول : كبار السن كثير ما يفتقرون إلى الثقافة ، لا يحسنون القراءة والكتابة أو لم يخضعوا لتعليم أكاديمي كما خضعنا له ، فهم بلا ثقافة و لا يوجد عندهم ما يقدمونه لنا، فلماذا نذهب إليهم ونأخذ منهم الرأي والمشورة؟
وهذا الكلام ليس صحيحاً على إطلاقه ، علماء الاجتماع يقولون ليس المثقف الواعي هو الذي يقرأ ويكتب أو يتابع البرامج العلمية في التلفاز، المثقف هو الذي يستطيع أن يوظف ما اكتسب ولو كان قليلاً في عملية الاندماج الاجتماعي ، و يتمكن من المساهمة في تطوير نفسه ومجتمعه.
و الذي عنده خبرة وتجربة تساهم في بناء المجتمع ينطبق عليه هذا التعريف ويشكل ثروة لا بد من استثمارها ، وليس المثقف الحقيقي الذي يحسن القراءة والكتابة أو يتابع البرامج العلمية ، ويكون مجرد مخزن للمعلومات من دون قدرة على التوظيف .
وكثير من كبار السن عندهم الرأي الذي فيه نفع فلا تستنكف أيها الشاب من أخذ المشورة منهم، ومن الاستفادة من خبرتهم، وليس من الضرورة أن يتعلم الإنسان اصطلاحات علماء الاجتماع حتى يكون في إيقاعه العلمي وسلوكه الفعلي داخل المجتمع اجتماعيا من الطراز الأول، العلم قد يكتسب في المعهد وقد يكتسب من خلال التجربة، من خلال معايشة الناس و اعتراك الأحداث، لهذا على الشاب أن يستفيد من خبرة الشيوخ، فيستعين بمشورتهم، وهو لا يخسر شيئاً إذا استشار فإذا ظفر برأي انتفع وإلاّ لم يضره الأمر، الاستشارة في نفسها لا تضر، يجب أن يربي الشاب نفسه دائماً على استشارة من هو أكبر منك.
الوظيفة الثانية: إشعار الشباب بروح المسؤولية.
كثير من الشباب يشتكون التهميش ، يقولون نحن في الأسرة مهمشون، الآباء والأمهات يتعاملون معنا على أساس أننا أطفال، أصبحنا شبابا، عندنا قدرة ورؤية، نريد أن يعتنى برأينا ولا نجد عناية، الشاب إذا تربى في أسرة تتعامل معه كطفل وتهمشه ولا تأخذ برأيه ينشأ متزعزعا فاقدا للإرادة غير قادر على اتخاذ القرار، الأب عليه أن يشارك ابنه في القرار ويستعين به، ويشعر ابنه أنه موجود يعتني بعقله ورأيه، ويعتمد عليه في قضاياه ، هذه العلاقة التبادلية بين الكبار وبين الأحداث والشباب تخلق شباباً قادرين على اتخاذ القرار وإصابة الواقع فيما إذا أرادوا أن يقرروا أمراً أو يسلكوا طريقاً أو يؤسسوا مشروعاً .
النبي الأكرم والشباب :
رسول الله (صلى الله عليه وآله) كانت سيرته على إعطاء الشباب الثقة بالنفس على إشعار الشباب بالمسؤولية، بعد بيعة العقبة الثانية طلب أهل المدينة سفيراً من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فبعث إليهم الرسول مصعب بن عمير وكان عمره 18 سنة، مجتمع المدينة كان مجتمع معقد، أوس وخزرج وبينهم صراع وطوائف من اليهود تتحكم في تفاصيل الصراع وتعقيدات الترابط الاجتماعي ، ومع ذلك الرسول بعث إليهم شابا لم يبلغ عشرين سنة، فذهب (رضوان الله تعالى عليه) ونجح نجاحاً باهراً استطاع أن يُميل قلوب أغلب أهل المدينة إلى رسول الله، فأدخل أغلب الأوس والخزرج في الإسلام.
مصعب بن عمير أسلم في عائلة غنية فحاربه والداه وطردته عائلته، وعاش حالة فقر مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، شهد معه أحد واستشهد، ولم يكن عنده إلاّ الثوب الذي كفن فيه، شاب حدث ولكنه بحجم المسؤولية، قادر على الإنجاز، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) أشعره بأنه كبير قادر على أن يفعل، وكان كذلك (رضوان الله تعالى عليه).
بعد فتح مكة، جعل الرسول (صلى الله عليه وآله) والياً على مكة عتاب بن أسيد وكان عمره 21 سنة، مكة التي حاربت النبي وفيها صناديد قريش وفيها رؤساء الطلقاء يجعل النبي عليهم شابا حدث السن، وكتب لهم:
(ولا يعتذر معتذر في مخالفته بصغر سنه، فليس الأفضل الأكبر بل الأكبر الأفضل) .
ليس الأفضل هو الذي يكون أكبر في السن بل الأفضل الأجدر القادر على القيام بالمسؤولية الذي بإمكانه أن ينجز ويعطي أفضل وإنْ كان حدثاً في السن، هذا ما ينبغي أن يكون عليه الكبار الشيوخ الذين يعيشون مرحلة الكهولة أو مرحلة الشيخوخة مع الشباب الحدث، يعطونه الشعور بالمسؤولية والإحساس بأنه قادر بإمكانه أن يعطي ثم يشجعونه على ذلك و يأخذون بيده نحو التكامل.
الأمر الثالث: سرعة التأثر والانفعال والقدرة الفائقة على التغيير والتجديد.
الشيوخ عاشوا سنيناً طويلة مع أفكارهم وعاداتهم وتقاليدهم، حصلت عندهم ألفة مع الأفكار والتقاليد، فمن الصعب تغيير أفكارهم وعاداتهم ومن الصعب أن يطوروا سلوكهم لأنهم ألفوا العادة والسلوك والأفكار والمعتقدات التي يعتقدون بها، أما الشاب في بداية أمره لم يأنس بفكر وسلوك فبإمكانه أن يطور نفسه، وهذا سلاح ذو حدين، لأنّ الشاب إذا كان سريع التغير فممكن أن يتغير من حسن إلى أحسن ويمكن أن يتغير من حسن إلى سيء، فإذا كان الدعوات الجديدة حسنة يتطور من سيء إلى حسن ومن حسن إلى أحسن، أما إذا كان الدعوات سيئة يتغير من حسن إلى سيء.
أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول في وصيته للإمام الحسن (عليه السلام): (وإنما قلب الحدث كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شيء قبلته)(نهج البلاغة للإمام علي عليه السلام ج3 ص40)، ويقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) : (أوصيكم خيراً بالشباب فإنهم أرق أفئدة) قلوبهم رقيقة تميل بسرعة، (إنّ الله عز وجل بعثني بشيراً نذيراً فحالفني الشباب وخالفني الشيوخ) ، ثم تلا قوله تعالى: {فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم}.
الشاب سريعاً يتأثر ويستجيب، وهذا يجعل مرحلته مرحلة خطرة فينبغي عليه أن يلتفت إلى موقه ووضعه أين هو؟ ثم يكون دقيقاً متأملاً في الدعوات التي تدعوه إلى فكر هنا أو سلوك هناك.
الأمر الرابع: مرحلة الشباب مرحلة العمل والانجاز.
مرحلة الشباب هي مرحلة القوة والنشاط والعزم، فإذا أراد الإنسان أن يبني له مستقبلاً زاهراً وناجحاً في الدنيا والآخرة عليه أن يستثمر مرحلة الشباب، خصوصاً و أن الشاب لا يضمن أن يتحول إلى كهل أو شيخ.
سلمان المحمدي (رضوان الله عليه) قال للنبي (صلى الله عليه وآله): أنا إذا أصبحت في الصباح لا أحدث نفسي بما يجري في المساء، فقال له (صلى الله عليه وآله) : (إنك لطويل الأمل) الوقت طويل بين الصباح والمساء، أنت لا تضمن أن تعيش ثانية وتقول لا أحدث نفسي بما يقع في المساء، !
و بعضنا يغفل عن هذا و يحدث نفسه بما سيفعل في سنة 3024 عنده أمل طويل جداً !
الشاب لا يضمن أن يتحول إلى شيخ، وإذا أعطاه الله تبارك وتعالى عمر ووصل إلى شيخوخة، في ذلك العمر لا يستطيع أن ينجز وأن يقدم لنفسه شيئاً، وقت الإنجاز و العمل هو وقت القوة والحيوية والنشاط وهو وقت الشباب، لهذا علينا أن نستثمر هذا الوقت في بناء المستقبل ، يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) : (يا علي: بادر بأربع قبل أربع: شبابك قبل هرمك)(من لا يحضره الفقيه للصدوق ج4 ص357). ابدأ من حالة الشباب من الآن وأنت حدث، الحياة في بدايتها، الطريق أماك طويل، بإمكانك أن تكيف هذا الطريق كيفما تشاء، في حالة الشيخوخة ذهبت القوة، والمزاج انتهى والعادات صارت مترسخة ضاربة إلى النخاع يصعب تغييرها وتبديلها، الآن وقت التبديل والتغيير، وسوف نسأل عن هذا العمر وعن مرحلة الشباب بالتحديد ، يقول الإمام الصادق (عليه السلام): (كان فيما أوصى به لقمان ابنه: قال له يا بني واعلم أنك ستسأل بين يدي الله عن أربع: شبابك فيما أبليته وعمرك فيما أفنيته، ومالك مما اكتسبته وفيما أنفقته)(الكافي للشيخ الكليني ج2 ص135)، سوف نسأل عن هذا الشباب في أي شيء أبليناه وفي أي شيء صرفناه، فهل صرفناه في ما يرضي الله أو صرفناه في مشاهدة الأفلام والمسلسلات واللعب وفي جلسات المزارع، هذه الجلسات التي تنتهي إلى منتصف الليل أو قريب الفجر من دون أن يكون فيها نفع وإنما يكون فيها إتلاف للعمر.
أن يجتمع الناس يتبادلون الحديث هذا أمر حضاري ولكن ينبغي أن يكيف هذا الاجتماع تكيفاً حسناً ، ينبغي وأن تجعل له أسس تجعله مثمراً ، وهذه الجلسات التي تكون في المزارع والاستراحات ينبغي أن تستثمر بنحو تعود بالنفع على أعضائها، تكون مجالس عبادة، تجعل فيها عادة يقرأ على سيد الشهداء (عليه السلام) ، يجعل برنامج لقراءة دعاء كميل ليلة الجمعة ودعاء التوسل ليلة الأربعاء، تفتح الجلسة بقراءة القرآن الكريم، متى يكون لنا برنامج مع كتابة الله! لماذا البرنامج مع لعبة الورقة وغيرها والحديث الذي لا نفع فيه ! لماذا لا يوجد برنامج مع الله مع كتابه ! من المفيد روحياً أن تبتدئ الجلسة بقراءة القرآن، وتختم بالاستغفار ومن المفيد ثقافياً أن يدعى أهل التخصص الذين عندهم وعي وبإمكانهم أن يضيفوا وعياً على أعضاء هذه الجلسات، يدعى طالب علم يحاضر عليهم في العقيدة والفقه، يدعى أكاديمي متخصص في الشؤون الاجتماعية، يعطيهم محاضرة، بهذا تكون الجلسات تطويرية، لا يتلف معها العمر.
الآن لو قيل لواحد منا ارمِ من أموالك ألف ريال في الشارع هل يقبل؟ بالطبع لا، إذْ لا يوجد عاقل يرمي بأمواله هكذا جزافاً، ولكن أنا أجزم كل إنسان لو بقي من عمره ساعة وعنده قدرة على إطالة عمره لحظات مقابل عشرين ألف ريال، فإنه يدفع ، ما قيمة العشرين ألف مقابل لحظات تُبعّد عن القبر المظلم الموحش ، هو لا يرمي ألفاً جزافاً ولكنه يرمي عمراً طويلاً ـ يدفع في لحظات منه الآلاف ـ جزافاً بين نوم ومشاهدة التلفاز و دواوين اللعب والكلام الفارغ غير المفيد.
نسأل الله تعالى أن ينفعنا بالعلم الصالح وأن يوفقنا للعمل الصالح وأن يجعل خواتم أمورنا خيرا بحق قائم آل محمد (صلوات الله عليه).
النقطة الثانية: شروط نجاح الشباب.
هناك شروط متعددة ينبغي أن يلتفت إليها الشاب:
الشرط الأول: العلم.
لا يمكن أن تكون ناجحاً بدون علم وثقافة، الإنسان لكي يكون ناجحاً لابد أن يعرف النجاح، كثيراً من الناس يظن الفشل نجاحاً ، ويسعى من أجل تحقيق فشله وهو يظن أنه يسعى وراء النجاح، ولابد أن يعرف الطريق نحو النجاح، لابد وأن يعرف الخطوات التي يخطوها في طريق النجاح، رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: (رحم الله من عرف من أين؟ وفي أين وإلى أين؟) نحن كمسلمين نعتقد أن من سعادة الإنسان أن يظفر بملذاته وبكمالاته في الدنيا والآخرة، على الإنسان أن يحصل العلم النافع الذي يحقق له السعادة في الدنيا، العلوم التي تجعل له منصبا ومنزلة مرموقة يحترمها الناس، يسعى من أجل تحقيق العلوم والمعارف النافعة التي تعطيه منزلة في حياته وتجعل له موقعا محترما ، وأيضاً عليه أن يحصل العلوم الشرعية، يقول الإمام الكاظم(عليه السلام): (لا طاعة إلاّ بعلم، والعلم من معلم رباني) على الإنسان أن يختار لنفسه معلماً ربانياً، هو في ذاته صالح حتى يأخذ منه الصلاح، يفهم الشريعة بدقة، ليس كل من يدعي العلم من أهل العلم، وليس كل من يدعي الصلاح من أهل الصلاح، على الإنسان أن يكون دقيقاً في اختيار مصدر ثقافته، ودقيقاً في تقييم هذه الثقافة التي يأخذها، يقول الإمام الباقر (عليه السلام ) في قوله تعالى : {فلينظر الإنسان إلى طعامه} علمه الذي أخذه ممن يأخذه)(ميزان الحكمة للريشهري ج3 ص2082).
إذن الشرط الأول هو العلم على الشاب أن يجتهد في تحصيل المعارف النافعة سواءً كانت معارف شرعية أو معارف إنسانية ودنيوية.
الشرط الثاني: تحديد الهدف وفق القابلية .
إنّ الله تبارك وتعالى لم يخلق الناس نسخة واحدة، فهم يتفاوتون ويختلفون في مقوماتهم الشخصية، يقول الإمام الصادق (عليه السلام): (الناس معادن كمعادن الذهب والفضة)(الكافي للكليني ج8 ص177)، كما أنّ المعادن تختلف الناس أيضاً فيما بينها تختلف في القابليات والاستعادات، على الشاب في بداية الطريق قبل أن يضع قدمه في طريق النجاح أن يحدد قابليته ويزن نفسه، فإذا كان عنده قدرة في الحفظ يوجه نفسه مثلاً في العلوم التي تعتمد على الحفظ في الأدب والشعر وعلوم اللغة والتاريخ، إذا وجد لنفسه قدرة على التحليل والاستنتاج يوجه نفسه في التخصصات العلمية كالرياضيات والكيمياء والفلسفة، وإذا لم يجد نفسه لا هنا ولا هناك، وإنما عنده قدرة على المهن والحرف يختار الحرفة التي تتناسب مع قدرته وقابليته لكي يبدع فيها، عليه أن يحدد موقعه الجغرافي في خريطة العلم والفنون والحرف والصناعات لكي لا نصف الطريق ثم بعد سنوات لا يجد في يده شيئاً لأنه تحرك في دائرة لا ينتج فيها، في سنة 1795 في فرنسا وفي سنة 1904 في يابان وفي منتصف القرن التاسع عشر في أمريكا أسست معاهد ومؤسسات خاصة باكتشاف المواهب والقابليات وتطويرها، يذهبون إلى المدارس الابتدائية ويقومون بدراسات على هؤلاء الطلاب، يجدون أين قابلية هذا الطالب وقدراته؟ ويعطون الوالدين نتيجة الدراسة ، وتوجه الأسرة لتقوم بإعداد الطالب و توجيهه بنحو يتناسب مع قابليته ، بمثل هذا أصبحوا في الصدارة و الدول المتطورة ، كانوا يحددون القابليات في الأحداث في بداية الطريق لا يجعلونه يجرب كل طريق يذهب في كل اتجاه ثم لا يصل إلى غاية ولا ينتهي إلى نتيجة، نحن أيضاً علينا أن نقوم بهذا الأمر، بعض المؤسسات الآن ـ ولله الحمد ـ أخذت تعمل في الطريق ، على الأسرة أن تأخذ نتائج هذه الدراسات و التوصيات التي تنبثق منها بجدية ، إذا أرادت لولدها النجاح في حياته.
إذن تحديد الهدف وفق القابليات شرط مهم في نجاح الشاب.
الشرط الثالث : البيئة التي يعيشها الشاب.
الشاب إذا أراد أن يكون ناجحاً عليه أن يعيش في بيئة ناجحة، وإذا أراد أن يصبح موهوباً عليه أن يعيش في بيئة موهوبة، الإنسان بطبيعته يتأثر بالمحيط، إذا كانت الرفقة ذات وعي ونشاط وعندها تصميم وإرادة تنتقل من نجاح إلى نجاح ينفعل بها، يكتسب من نجاها يأخذ من عزيمتها ، أما إذا كان يعيش في بيئة تنتقل من غبن إلى غبن فإنه لا يكسب إلاّ الغبن يتأخر و يتقهقر، لأنه لا يجد حماسة النجاح وإرادة التطوير، لا يجد إلاّ إرادة الفشل فيتحول إلى فاشل.
الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام) يقول: (جالس أهل الخير تكن منهم، وباين أهل الشر ومن يصدك عن الله عز وجل وذكر الموت بالأباطيل المزخرفة والأراجيف الملفقة تبن عنهم)(من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ج4 ص385).
صاحب أخا ثقة تحظى بصحبته ــــــــ فالطبع مكتسب من كل مصحوب
كالريح آخذة مما تمر به ــــــ نتناً من النتن أو طيباً من الطيب
من يعاشر أهل الوعي والنجاح والإرادة القوية والتصميم والانجاز يسعى من أن يندمج معهم و يصبح منهم، لأنه إن لم يفعل سوف يشعر بالشذوذ ، وبهذا سوف يأخذ من نجاحهم أما إذا كان يعيش في بيئة فشل، أصدقاء سوء وجلساء غبن فإنه سيتأثر بهم، ويأخذ منهم.
الشرط الرابع : التقوى والوثوق والتوكل على الله تبارك وتعالى.
إذا أراد الإنسان أن ينجح عليه أن يكون متقياً لله تعالى ، نحن لا نقول الإنسان إذا لم يكن متقياً لا ينجح، الإنسان حتى لو كان لا يؤمن بالله تبارك وتعالى قد ينجح، ولكن ينجح في هذه الدار، و لا ينجح في الآخرة، السعادة عندنا ليست بنجاح هذه الدار بل بنجاح الدنيا والآخرة . هذا من جهة .
ومن جهة أخرى : بالتقوى يكون في الدنيا أكثر نجاحاً، يقول تبارك وتعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}(الطلاق:4)، التقوى من الأسباب الغيبية التي جعلها الله تعالى لتيسير الأمور، أن يسيطر الشاب على شهواته لا يجعل الشهوات تتحكم فيه وتقلبه يميناً ويسرى من دواعي النجاح.
كما إن تأثير الوثوق بالله تبارك وتعالى قوي جداً ، الدنيا دار التزاحم لست أنت فقط من يريد مصلحته، غيرك أيضاً يسعى لأجل تحقيق مصلحته والفرص محدودة، ليس كل إنسان يظفر بالفرصة، أو إذا ظفر بالفرصة يوفق في استثمارها ويصل من خلالها إلى النجاح ، كما إنه قد يواجه محطات خطيرة و إذا لم يكن عنده انقطاع إلى الله ووثوق قد يصاب باليأس و يتقهقر و يرجع عن تحقيق أهدافه والنجاح الذي رسمه لنفسه، من هنا علينا أن يقوي إيمانه بالله تبارك وتعالى وثقته به تعالى، {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}(الطلاق:2).
من الدروس التي نأخذها في مجالس سيد الشهداء الوقوف على النموذج الذي يبني شخصية الشاب ويفتح للشاب الطريق نحو النجاح، في رجالات عاشوراء وفي أبطال عاشوراء وفي نساء عاشوراء نتعرف على نماذج أحسنت الوثوق بالله والتوكل عليه، وبلغت أعلى مراتب التقوى وحددت لنفسها طريق النجاح عن بصير ووعي ومن هذه النماذج القاسم بن الحسن (عليهما السلام)، هذا الطفل الصغير الذي لم يبلغ الحلم كان كبيراً في طموحه وواعياً في إدراكه قوياً في إرادته ثابتاً في سلوكه، نحن الآن بعد مئات السنين نقرأ سيرة القاسم نتأمل في حياته ونأخذ العظات ونستلهم المواقف العظيمة الثابتة لأنّ القاسم (عليه السلام) كان نتاج مدرسة الإمامة، القاسم (عليه السلام) نشأ في زمن أربعة من المعصومين الإمام الحسن والإمام الحسين والإمام زين العابدين والإمام الباقر (عليهم السلام)، وبهذا بنى شخصيته وأصبح شخصية إيمانية راسخة.
في ليلة العاشر من المحرم تقول بعض المرويات أخذ الإمام يبشر أصحابه بالشهادة والسعادة ، و إذا بالقاسم يقبل مسرعاً ينكب على يدي الإمام يقبلهما وهو يقول : عم يا حسين وأنا سوف استشهد بين يديك فقال له الإمام : كيف ترى الموت بين يدي؟
قال : عم يا حسين بين يديك أحلى من العسل.
القيت المحاضرة بتاريخ: 8 / 1 / 1436 هـ

No comments:

Post a Comment