Sunday, April 5, 2015

الهجوم على بيت الزهراء (عليها السلام)

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين لاسيما سيدة النساء أجمعين وبعد :
فقد طرح بعض طلاب العلم السؤال التالي : ( لربما سؤال يراودني وهو : لو قال لنا الطرف المقابل هل توجد عندكم روايات من أهل العامة تشكل تواتراً أو اتفاقاً منهم على هجوم دار بيت الوحي والتنزيل. فإن كان أهل العلم وقفوا على هذا الشيء فليتحفونا. ﻷني وجدت في الطبري وغير الطبري ولكن أجد اتفاقاً منهم بحيث لا ينكره الطرف المقابل وقت المخاصمة والاحتجاج) فقلت مختصراً في جوابه : ( ما طلبت شيخنا لوضوحه وعدم وسع احد من العامة مهما كان متعصباً لمذهبه إنكاره اعترف ابن تيمية بوقوعه وهو من هو !.و طلب الاجماع لا معنى له فانه ليس الطريق الوحيد للإثبات ، بل وكذلك التواتر لكفاية خبر الواحد عندهم في إثبات العقائد ، فهل يرفضونه في إثبات الهجوم!).
فطلب مني بعض الأخوة أن أفصل الجواب ، واستجابة لطلبه ومن أجل أن تعم الفائدة أذكر الأمور التالية :
الأمر الأول : إن روايات العامة في الهجوم تفيد القطع بوقوعها فقد رواها ابن عقبة في مغازيه بأكثر من طريق إلى ابن عوف وروى عنه جماعة كثيرة منهم أبو الربيع الأندلسي و الطبري ومحمد بن يوسف الشامي و حسين بن محمد الدياربكري والحاكم وقال : صحيح بشرط الشيخين و البيهقي وأبو الفداء الشامي وقال : إسناده جيد وغيرهم ، كما أن سعيد بن منصور قال فيه: إنه حديث حسن.
ورواها أبو الحسن النوفلي و الواقدي ونصر بن مزاحم وروى عنه ابن عبد ربه الأندلسي وابن أبي الحديد و الخطيب الخوارزمي والقلقشندي وابن أبي الحديد وغيرهم.
كما رووا تأسف أبي بكر من كشف بيتها (عليها السلام) وممن روى ذلك الحافظ بن عبيد وسعيد بن منصور واليعقوبي والطبري و الأندلسي و الطبراني وبن عساكر والضياء المقدسي والذهبي وابن كثير والسيوطي وغيرهم ، نعم حاول البعض التشكيك في السند ، ولكن البحث ليس في صحة الروايات فحسب وإنما إفادتها لليقين ، وهي كذلك لو تنزلنا عن صحتها وقبلنا التضعيف ولم نقل ان سببه التعصب للمذهب .
ومما روى البلاذري : أن أبا بكر قال عن علي ائتني به بأعنف العنف . راجع أنساب الأشراف ج 1 ص 587 .
ونقل القوم لها يفيد القطع بوقوعها لأنها على خلاف مذهبهم ولا يعقل من عاقل أن يتعمد وضع ونقل ما على خلاف مذهبه ، فهذه قرينة عقلائية على صحة الواقعة وهي مع كثرة من رواها واعتضادها بما دل على رفض الامام علي عليه السلام ومن معه لنتاج السقيفة و تخويف اهل السقيفة للناس - وهو ما رواه البخاري - تفيد القطع بتحقق الهجوم .
ولوضوح وقوع الهجوم صرح بوقوعه المخالفون مع تشدد بعضهم في الميل الى مذهبه ، و ممن صرح :
1ـ ابن أبي دارم حيث نقل عنه الذهبي في ميزان الاعتدال أن الزهراء بسبب رفسة أسقطت المحسن. راجع ج 1 ص 139.
2ـ قال ابن تيمية : نحن نعلم يقيناً أن أبا بكر لم يقدم على علي والزبير بشيء من الأذى، بل ولا على سعد بن عبادة المتخلِّف عن بيعته أولاً وآخراً، وغاية ما يقال: إنه كبس البيت لينظر هل فيه شيء من مال الله الذي يقسمه، وأن يعطيه لمستحقه، ثم رأى أنه لو تركه لهم لجاز، فإنه يجوز أن يعطيهم من مال الفيء . منهاج السنة 4/343.
3ـ شاه ولي الله الدهلوي حيث قال : - ما ترجمته - ومن أهم ما وقع في تلك الأيام اجتماع الزبير وجمع من بني هاشم في بيت فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) للتشاور في كيفية نقض خلافة أبي بكر . . وواجه الشيخان هذه المحاولة بشكل فني صحيح . . وسعوا لتدارك ما حصل لعلي ( عليه السلام ) من الانقباض . والذين دونوا هذه القضايا ذكروا أمورا وتغافلوا عن غيرها ، وأنا أذكر عدة روايات كي ينقح به المقام . . ثم ذكر ما رواه ابن أبي شيبة عن أسلم .. . وأورد هذه الرواية أيضا في مآثر عمر ، وقال : بإسناد صحيح على شرط الشيخين. راجع كتاب الهجوم على بيت فاطمة ص 198.
4ـ الشاه عبد العزيز الدهلوي : إنما هدد عمر من التجأ إلى بيت فاطمة ( عليها السلام ) بزعم أنه ملجأ وملاذ للخائنين ، فجعلوه مثل حرم مكة المكرمة ، وكان اجتماعهم لغرض الفتنة والفساد ، وللتشاور في نقض خلافة أبي بكر . . والحق أن فاطمة ( عليها السلام ) كانت تكره اجتماعهم في بيتها ، ولكنها لحسن خلقها لم تمنعهم من دارها وجمعهم صريحا . . فلما تبين ذلك لعمر هدد بإحراق البيت عليهم .
الأمر الثاني : هو أن السائل طلب أن نُحصّل إجماع العامة لكي نقطع سؤال المخالف فيما إذا سأل عن وقوع الهجوم ، وليس لهذا الطلب وجيها إلا إذا كان العامي يحصر طريق إثبات القضايا التاريخية في الإجماع ، وهذا واضح الفساد عندنا وعنهم ولم يقل به أحد من المسلمين ، فإن المطلوب عندهم كون الرواية قطعية أو معتبرة سنداً ، ورواية الهجوم قطعية ولو تنزلنا فهي معتبرة سنداً حتى جزم بها مثل ابن تيمية ، ولكن حاول أن يوجهها بما لا دليل عليه. فلو طالبنا المخالف بالإجماع قلنا له طلبك على خلاف منهجك فينقطع سؤاله .
الأمر الثالث : هو أن السائل طلب أن نُحصّل تواتر روايات العامة لكي نقطع سؤال المخالف فيما إذا سأل عن وقوع الهجوم ، وليس لهذا الطلب وجيها ، لأن مذهب المخالفين هو حجية خبر الواحد إذا كان يفيد القطع حتى في العقائد وإن لم يكن متواتراً .
قال الحافظ ابن عبد البر في " التمهيد " ج : 1 ص 7 : " واختلف أصحابنا وغيرهم في خبر الواحد العدل هل يوجب العلم والعمل جميعا ، أم يوجب العمل دون العلم ؟ والذي عليه كثر أهل العلم منهم - أي المالكية - أنه يوجب العمل دون العلم ، وهو قول الشافعي وجمهور أهل الفقه والنظر ولا يوجب العلم عندهم إلا ما شهد به على الله وقطع العذر بمجيئه قطعا ولا خلاف فيه . وقال قوم من أهل الأثر وبعض أهل النظر إنه يوجب العلم الظاهر والعمل جميعا ، منهم الحسين الكرابيسي وغيره ، وذكر ابن خوازمنداد أن هذا القول يخرج على مذهب ملك.
والحاصل لا معنى لطلب خصوص الخبر المتواتر لثبوت الهجوم حتى على مبنى المخالف ، بل يكفي عندهم الواحد المحفوف بما يفيد العلم ، و في الأحكام وموضوعات الأحكام يكفي عندهم خبر الواحد الظني ، والإخبار بالهجوم إخبار عن نفي أهلية من هاجم للإمامة بالالتزام ، والإمامة عندهم من الفروع .
هذا بالنسبة إلى غير السلفية وأما هم فخبر الواحد عندهم إذا صح فهو المذهب في الأحكام و العقائد على حد سواء ، ولزعمائهم في ذلك مصنفات منها: الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام للألباني و حجية خبر الآحاد في العقائد والأحكام لربيع بن هادي المدخلي .
والحمد لله رب العالمين .

No comments:

Post a Comment