Monday, April 13, 2015

ثقافة الاختلاف (٢)

المحاضرة الثانية : الموقف من المخالف في أصول الدين.
محاضرة : لسماحة الشيخ حيدر السندي (حفظه الله) .
قال الله العلي العظيم في كتابه الكريم: {وَلَا تُجَادِلُواأَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}(العنكبوت:46)، آمنا بالله صدق الله العلي العظيم.
كان موضوعنا ولا يزال حول الموقف من المخالف الذي يختلف معنا في بعص مسائل الدين.
في الليلة الماضية تحدثنا حول الموقف من الذي يتفق معنا في أصول الإسلام وأصول المذهب وهو المؤمن.
في هذه الليلة نتحدث حول الموقف من الذي يختلف معنا في أصول الإسلام أي الموقف من الكافر، وكلامنا حول الموقف من الكافر سيكون ضمن نقاط ثلاث:
النقطة الأولى: حكم الكافر في يوم القيامة.
أحد المستشرقين كتب مقالاً قال فيه: الدين الإسلامي يحكم على كل كافر بأنه من أهل النار، واستدل على ذلك بمجموعة من الآيات كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِالْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّالْبَرِيَّةِ}(البينة:6) ثم أخذ يشنع على الدين الإسلامي بأنّ الدين الإسلامي يحتكر الرحمة لأتباعه ويجعل المغفرة والجنة حكراً على المسلمين ويقصي الاخر الذي لا ينتمي إلى الإسلام، يحكم عليه بالهلاك وأنه من أهل النار، فهذا الدين لا يريد الرحمة للجميع، ولا يريد النعيم للجميع وإنما يريد النعيم للمنتسبين إليه الذين يتسمون باسمه.
في مقام التعليق على ما ذكره المستشرق نذكر أمورا ثلاثة :
الأمر الأول: من الأمور الواضحة والبينة أنّ الأفعال تنقسم إلى قسمين:
هناك أفعال حسنة وهناك أفعال قبيحة، هناك أفعال لها قيمة حسنة يحكم الناس بحسنها بجمالها كالعدل ومقابلة المحسن بالإحسان ورد الأمانة وغير ذلك من الأفعال التي يميل إليها الإنسان ويعتبرها أفعالا حسنة، وفي المقابل توجد أفعال قبيحة كالظلم ومقابلة المحسن بالإساءة وغيرها.
البحاثون واجهوا سؤالاً: ما السبب الذي قسم هذه الأفعال إلى أفعال حسنة وأفعال قبيحة، لماذا هناك أفعال لها قيمة ذات جمال وأفعال قبيحة ينفر منها الإنسان؟
للإجابة على هذا السؤال قدمت ثلاث نظريات:
النظرية الأولى: نظرية الأشاعرة.
يقول الأشاعرة الأفعال في ذاتها لا تتصف بحسن ولا تتصف بقبح، الأفعال ليست ملونة بلون الحسن والقبح، العدل في ذاته ليس حسن والظلم في ذاته ليس قبيحا، لأنّ الله تبارك وتعالى أمر بالعدل صار العدل حسناً ولأنّ الله تبارك وتعالى نهانا عن الظلم صار الظلم قبيحاً، ولو أنّ الله تعالى عكس لانعكس الأمر، لو أنّ الله تعالى أمرنا بالظلم صار الظلم حسناً، ولو نهانا عن العدل لصار قبيحاً.
الأشاعرة يقولون قبل قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِوَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِوَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}(النحل:90) لا يوجد قبح ولا ظلم، لأنّ الله تعالى أمر صارت بعض الأفعال حسنة، ولأنه تعالى نهى صارت بعض الأفعال قبيحة.
النظرية الثانية: هي النظرية القائلة بأنّ سبب القبح والحسن المصالح والمفاسد.
العقلاء وجدوا أنّ بعض الأفعال تحقق مصالح فاعتبروها حسنة، وووجدوا أنّ بعض الأفعال تحقق مفاسد اعتبروها قبيحة.
العدل يحقق مصالح، بالعدل يتحقق التوازن الاجتماعي،كل فرد يمكن أن يتكامل من دون أن يكون تكامله على حساب تكامل غيره لهذا اعتبروه حسنا .
الظلم بالعكس، فهو يوجب تقهقر المجتمع لانه يقتضي أن يعلو البعض على البعض الآخر ويكون التكامل حكراً على جماعة وهي الجماعة المتجبرة الظالمة ولا يطال التكامل شيء من الطبقة المسحوقة، فرأوا أنّ الظلم يجر مفاسد فاعتبروه قبيحاً.
فالأساس في اتصاف الأفعال بالحسن والقبح هو المصالح والمفاسد، الفعل الذي يجلب مصلحة حسن، والفعل الذي يجلب مفسدة قبيح.
النظرية الثالثة: نظرية القبح و الحسن الذاتيين و و المضمونيين.
الأفعال في ذاتها تتصف بالحسن والقبح، العدل في ذاته حسن، بقطع النظر عن حكم الله تبارك وتعالى أمر بالعدل أو لم يأمر، العدل في نفسه حسن، والظلم في ذاته قبيح بقطع النظر عن المفاسد والمصالح، سواءً كان الظلم يجلب لك مفسدة أو مصلحة هو في ذاته قبيح، وهذه النظرية ذهب إليها أكابر علمائنا كالعلامة الحلي في نهج الحق والشهيد الصدر في بحوثه.
هناك أثر يختلف باختلاف هذه النظريات:
على النظرية الأولى التي تقول أنّ سبب الحسن والقبح الأمر والنهي، نواجه السؤال التالي :
هل أفعال الله تعالى تتصف بالحسن والقبح أو لا تتصف؟
الجواب : لا تتصف، لأنّ النظرية الأولى تقول: العبد إذا أمر بفعل يكون الفعل بالنسبة إليه حسن، إذا نهي عن فعل يكون الفعل بالنسبة إليه قبيح، الباري تبارك وتعالى هل هو مأمور بفعل أو منهي عن فعل؟ الباري تبارك وتعالى هو الذي شرع الأحكام وأمر ونهى ولا يوجد من له صلاحية أن يأمر الله تبارك وتعالى أو ينهى الله عز وجل.
وكذلك على النظرية الثانية أفعال الله ليست خاضعة للحسن والقبح لأنّ النظرية الثانية تقول: إذا كان للفعل مصلحة فهو حسن، إذا كنت تنفع من الفعل يكون حسناً وإلاّ إذا كان له مفسدة فهو قبيح، الباري تعالى هل ينتفع بمصلحة أو يستفيد من فعل؟ الباري تبارك وتعالى غني مطلق، الباري تبارك وتعالى هل يتضرر بفعل أو هناك فعل يترتب عليه ضرر للذات المقدسة؟ الباري تعالى هو القاهر فوق عباده، هو القاهر عز وجل ولا يقهره شيء، حيث لا مصالح ولا مفاسد في ساحته تبارك وتعالى فبناءً على النظرية الثانية أفعال الله تعالى لا تتصف بالقبح والحسن.
أما بناءً على النظرية الثالثة العدل هو في ذاته حسن سواءً صدر من الله تعالى أو من المخلوق، الظلم بالنسبة إلى ذاته قبيح، لا يمكن أن نفكك بين الذات وبين ذاتياته، الظلم سواءً صدر من العبد أو من الله –معاذ الله- سوف يكون قبيحاً.
أي النظريات هي الصحيحة:
اختلف البحاحثون، واختار المحققون النظرية الثالثة وذكروا أدلة معمقة نكتفي بذكر دليل واحد وهو يتكون مقدمتين:
المقدمة الأولى: هي أنّ الله تبارك وتعالى مدح ذاته المقدسة في القرآن لأنها تركت بعض الأفعال، الباري تعالى يقول: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}(فصلت:46) هذا مدح للذات أو ذم؟ مدح على ترك الظلم، {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْيَظْلِمُونَ}(النحل:118)، {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَابَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ}(ص:28).
المقدمة الثانية: مدح الله تبارك وتعالى لذاته على ترك بعض الأفعال يدل على أنّ بعض الأفعال في ساحته قبيحة،ولذلك الباري تعالى مدح ذاته لترك تلك الأفعال، فإنه لو كانت الأفعال بالنسبة إلى الله تعالى لا تتصف بالحسن والقبح ولا فرق بالنسبة إلى الله تعالى بين العدل والظلم، لماذا الباري تعالى يمدح نفسه على ترك الظلم؟ لماذا لا يمدح ذاته على فعل الظلم؟ لماذا يمدح ذاته لأنها عادلة؟ لماذا لا يمدح ذاته لأنها ظالمة؟ الفاعل لا يمدح على فعل إلاّ إذا كان ذلك الفعل حسن،ولا يذم على فعل إلاّ إذا كان ذلك الفعل قبيح، ولا يمدح على ترك فعل إلاّ إذا كان ذلك الفعل قبيح، فمدح الذات المقدسىةلأفعالها ولنفسها لأنها تركت الظلم وتركت اللهو والعبث دليل على أنّ أفعال الله تعالى مشمولة بقانون الحسن والقبح، وهذا يدل على صحة النظرية الثالثة.
الأمر الثاني: هو أنّ من الأفعال القبيحة معاقبة الجاهل إذا كان معذوراً في جهله، إذا خالف الإنسان قانون وكان جاهلا، لم يخالف القان عمداً بل خالفه عن جهل وكان معذوراً في جهله ، هنا العقل يقول عقاب المخالف قبيح لأنه غير قادر على أن يمتثل، هو لا يعلم بالقانون ولا يتمكن من معرفة القانون فهو غير قادر، وعقاب غير القادر قبيح، من هنا العلماء يقولون عندنا قاعدة تسمى بقاعدة قبح العقاب بلا بيان، يقبح العقاب فيما إذا كنت المخالفة من دون إعلام، والقرآن أرشد إلى هذه القاعدة، قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَرَسُولًا}(الإسراء:15).
يقول المفسرون: هناك فرق بين تعبير نحن لا نعذب إلا إذا بعثنا رسولا وبين قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَرَسُولًا} فإن ( ما كنا ) يدل على نفي الشأنية والياقة، وان الذات المقدسة لا يناسبها و لا يليق بعدلها بعظمتها أن تعاقب قبل إقامة الحجة، {وَمَا كُنَّامُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} ويقول تبارك وتعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا}(الطلاق:7) إذا أتاها العلم وأتاها القدرة عاقبها ،{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}(البقرة:286).
إذن من الأفعال القبيح التي لا تصدر من الله تعالى معاقبة الجاهل المعذور في جهله.
الأمر الثالث: الكافر ينقسم إلى قسمين:
هناك كافر معاند ألقيت عليه الحجة، قام عنده دليل على وجود الله على نبوة النبي محمد (صلى الله عليه وآله ) وعلى المعاد ولكنه معاند مكابر، أو لم يقم عند الدليل، ولكن التفت إلى وجود دين وإسلام وأنّ هذا الإسلام يقرر وجوب الإيمان والطاعة وإلاّ يكون العبد معاقبا ولكنه تساهل و قال لن أبحث، هذا القسم من الكافر الذي ألقيت عليه الحجة ولم يؤمن أو الذي كان بإمكانه أن يحصل المعرفة و قصر، هو الذي يحكم الإسلام بعقابه يوم القيامة وهو المقصود بقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْأَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْشَرُّ الْبَرِيَّةِ}(البينة:6) .
القسم الثاني: الكافر المعذور في كفره.
و هو من لم يؤمن بأصل من أصول الدين منبوذة النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، لأنه جاهل لم تبلغه الحجة وهو معذور في جهله .
يوجد مجموعة من الكفار لم يقم الدليل على وجود الله تعالى أو صدق دعوة النبي محمد صلى الله عليه وآله لديهم مثلا يقال يوجد قوم في مجاهيل أمريكا اللاتينية في غابات الأمزون، هؤلاء لا الذين خارج هذه الغابات كانوا يعلمون بمكانهم بالتحديد لأنهم يتنقلون ،، ولا هم كانوا يعلمون بوحود من يعيش خارج الغابات هؤلاء لم يبلغهم الإسلام ولا اسم النبي (صلى الله عليه وآله)، ولا الدليل الدال على نبوة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) فهم كفار ولكن معذورين في كفرهم .
هؤلاء في عقيدتنا ليس فقط لا يعاقبون بل يقبح على الله تعالى أن يعاقبهم، في توحيد الصدوق سأل عبد الله بن سلام النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) : أيعذب الله بدون حجة؟يعاقب يوم القيمة من دون أن يلقي الحجة، فقال (صلى الله عليه وآله): معاذ الله فأولاد المشركين في الجنة أم النار؟ قال:الله تبارك وتعالى أولى بهم)(التوحيد للصدوق ص391).
أمرهم الى الله تعالى إنْ شاء تبارك وتعالى أدخلهم الجنة تفضلاً أو أقام لهم امتحانا و اختبرهم في يوم القيامة و هو ما دلت عليه مجموعة من الروايات، في كتاب الخصال يقول الإمام الباقر (عليه السلام). : ( إذا كان يوم القيامة احتج الله عز وجل على خمسة : علىالطفل والذي مات بين النبيين والذي أدرك النبي وهو لا يعقل ،والأبله ، والمجنون الذي لا يعقل ، والأصم والأبكم . فكل واحدمنهم يحتج على الله عز وجل قال : فيبعث الله عليهم رسولافيؤجج لهم نارا فيقول لهم : ربكم يأمركم أن تثبوا فيها، فمنوثب فيها كانت عليه بردا وسلاما ، ومن عصى سيق إلىالنار)(الخصال للشيخ الصدوق ص283).
إذن الدين الإسلامي لا يحكم بعقاب الكافر بمجرد أنه كافر وإنما يقول المدار مدار الحجة، إذا ألقى الله تعالى الحجة على عبد، وخالف ذلك العبد يعاقب ولو كان مسلماً،وإذا لم يقم الباري تعالى الحجة على عبد لا يعاقب وإن كان كافراً، فالقول بأنّ الإسلام يختزل الرحمة لخصوص المسلمين ولا يحب غير المنتسبين إليه ويجعل الجنة حكراً للمسلمين دون غيرهم، في غير محله، الإسلام عنده ضوابط عقلية يدور مدار الحجة، يدور مدار الاستحقاق، من كان مستحقاً للعقاب يعاقب وإن كان يتشهد الشهادتين ومن كان لا يستحق العقاب لا يعاقبه الله تبارك وتعالى وإنْ كان كافراً.
النقطة الثانية: موقفنا تجاه الكافر في الدنيا.
ما هي وظيفتنا اتجاه من لا يؤمن بأصول الدين ؟ هل وظيفتنا أن نقتله أن نذبحه أن نفخخ سيارة ونفجره، أن نمارس معه التصفية الجسدية ونقضي عليه ونبقى نحن فقط؟ ام الوظيفة شي آخر ؟
علماؤنا يقولون الوظيفة الأولية تجاه الكافر أن تدعوه إلى الإسلام وإلى الحق، الإسلام دين الرحمة، دين الهداية،الإسلام لا يريد الرحمة لجماعة دون جماعة، بل يريد الهداية للجميع، { لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ}(التوبة:33) وظيفتنا أن ندعو إلى الإسلام بأفضل الأساليب بالمنطق بالبرهان بلغة العقل والفؤاد التي يفهمها الإنسان بما هو إنسان وليس بلغة الذبح والتفجير وهتك الأعراض و إسالة الدماء، الإسلام إسلام حوار ومنطق، يقول تبارك وتعالى: { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَبِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }(النحل:125)، وقال تعالى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِيهِيَ أَحْسَنُ}(العنكبوت:46).
الأئمة (عليهم السلام) كانوا يمارسون الدعوة من خلال الدين والبرهان والمنطق الحسن و المجادلة بالتي هي أحسن،الأئمة (عليهم السلام) لم يكن البرهان ينحدر من ألسنتهم فحسب ، وإنما كان ينحدر من خلال سلوكهم ، فان سلوكهم (عليهم السلام) كان برهاناً عملياً، يجسدون سماحة الإسلام، رحابة الإسلام محبة الإسلام للإنسان بما هو إنسان، أمير المؤمنين (عليه السلام) في زمن عمر وقعت قضية بينه وبين يهودي، وصلت القضية إلى المحاكم، دخل أمير المؤمنين (عليه السلام ) مع اليهودي على عمر، فقال عمر:قم يا أبا الحسن واجلس بجنب خصمك اليهودي، فقام أمير المؤمنين (عليه السلام ) و التأثر ظاهر على وجهه ، لما انتهت القضية عمر التفت إلى أمير المؤمنين قال يا أبا الحسن ما لي أراك قد تأثرت وبان الأسى على وجهك، هل يضرك أن تجلس بجنب خصمك اليهودي؟ فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : لا، ولكنك كنيتي قلت قمت يا أبا الحسن، ولم تكن خصمي، لم تقل لليهودي قم يا أبا فلان، وفي الكنية رفعة ومن آداب القضاء أن يساوي القاضي بين المتخاصمين،فخفت أن يقول اليهودي ضاعت الحقوق في دين محمد).
في زمن حكم أمير المؤمنين (عليه السلام)، أيضاً وقعت قضية بين أمير المؤمنين (عليه السلام) ويهودي، أمير المؤمنين (عليه السلام) وجد درعه عند يهودي وهو لم يبع الدرع ولم يهبه،و أمير المؤمنين (عليه السلام ) بإمكانه أن يصدر مرسوم يصادر الدرع ورأس اليهودي معه، لكن دولة أمير المؤمنين (عليه السلام) حسب العبارات الدارجة في هذه الأيام كانت دولة مؤسسات، يوجد قضاء وينبغي أن يحترم القضاء مراعاة للعدل والمساواة .
ذهب أمير المؤمنين (عليه السلام ) إلى شريحالقاضي فقال له عندي دعوى: درعي وجدته عند يهودي وأنا لم أبعه ولم أهبه،، القاضي استدعى اليهودي وقال له: إنّ علياً بن أبي طالب يدعي أن الدرع درعه، قال اليهودي: فأنكر اليهودي ان تكون الدرع للإمام وفي هذا تكذيب للرجل الاول في الدولة .
قال شريح: يا بن الحسن، هذا اليهودي عنده يد على الدرع، واليد أمارة على الملكية.
فالظاهر أنّ الدرع له، وعليه تكون أنت مدعي، فالمدعي هو الذي يدعي خلاف الظاهر، ما تقوله يا أمير المؤمنين (عليه السلام) خلاف الظاهر، فالبينة على من ادعى، هل عندك بينة على أنّ الدرع لك: قال لا،.
فكم شريح لليهودي بالدرع.
اليهودي أخذ الدرع ومشى خطوات ثم عاد وانكب على قدمي أمير المؤمنين (عليه السلام ) يقبلهما.
بهذا كانوا (صلوات الله وسلامه عليهم ) يدعون الناس إلى الإسلام، وليس بالتفجير والقتل وحز الرقاب، أمير المؤمنين (عليه السلام )كان يمشي في أسواق الكوفة أيام حكمه، فرأى شيخاً كبيراً يستعطي، و يطلب من الناس حاجاته ، فالتفت إلى أبي رافع خازن بيت المال، و قال: ما هذا؟
سؤال عن الحالة التي يراها فكأنه قال ما الذي أرى يا أبا رافع!
أبو رافع لعله ظن أنّ الإمام (عليه السلام )يقول من هذا؟ فاجاب : رجل نصراني .
فقالأمير المؤمنين ( عليه السلام ) : استعملتموه حتى إذا كبروعجز منعتموه ؟ ! أنفقوا عليه من بيت المال)(ميزان الحكمة للريشهريج2 ص1228) بهذه الأخلاق الناس دخلوا في الإسلام.
المستشرق الانكليزي تومس أوراند عنده بحث بعنوان (الدعوة إلى الإسلام،) بعد أن يبحث تأريخ انتشار الدعوة الإسلامية يعطينا نتيجة، يقول: ويمكن أن نستخلص أنّ القبائل المسيحية التي اعتنقت الإسلام إنما فعلت ذلك بإرادة حرة وقناعة مستقلة وأنه ليس للسيف والقوة تأثير ذلك)
إذا رأى الناس مثل هذا الخلق سوف يعتنقون الإسلام، أما إذا رأوا مثل أخلاق بني أمية فسوف ينفرون من الاسلام.
لعلكم سمعتم قصة الحجاج مع الطفل الذي يقول إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يخرجون من دين الله أفواجا، فتوقف الحجاج، فقال للطفل أنت تقرأ القرآن خطأ، ما هكذا أنزل القرآن على النبي، فقال الطفل وأين الخطأ؟ قال: في القرآن يدخلون وأنت تقول يخرجون، قال الطفل هذا في زمن رسول الله يدخلون، أما في زمن الحجاج وعبد الملك بن مروان يخرجون.
إذن الوظيفة الأولى أن ندعو بالعقل والمنطق والأسلوب الحضاري.
إذا اقتنع الكافر بالدعوة الإسلامية وصار مسلما ، كفى الله المؤمنين القتال، أما إذا رفض الكافر الدعوة الإسلامية،فهنا الفقهاء يقسمون الكافر إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: الكافر الذي لا يقبل الدعوة ويشن هجوم على الإسلام، يقاتل الإسلام وأهله.
هذا القسم يقول الفقهاء يجب أن يجاهد بما يسمى الجهاد الدفعي.
القسم الثاني: الكافر الكتابي هو الذي لم يقتنع الإسلام ولم يهاجم الإسلام ويحاربه.
هذا القسم يقول الفقهاء لا يقر على دينه إلاّ إذا دخل في معاهدة مع المسلمين ودفع الجزية، فإن دفع الجزية والتزم بقوانين الإسلام يقر على دينه وإلاّ يقاتل.
القسم الثالث: هو الكافر الذي أقيمت عليه الحجة نظير القسم الثاني وعاند ولكن ليس كتابياً ولم يحارب الإسلام.
الموقف تجاه هذا القسم يقول الفقهاء يعود أمره إلى الحاكم الشرعي، إذا شخص الحاكم الشرعي أنّ في قتاله مصلحة للإسلام يقاتله، وإلاّ بإمكان الحاكم الشرعي أن يعامله معاملة مبنية على الاحترام المتبادل قال الله عز وجل:{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْمِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}(الممتحنة:8).
إلى هنا نكون انتهينا من الحديث عن الموقف اتجاه الكافر اجمالاً ونكون انهينا النقطة الثانية.
النقطة الثالثة: دفع شبهة ترتبط بعدالة الإسلام.
هناك أحكام كثيرة ترتبط بالكافر في الإسلام منها حكمان:
الحكم الأول: ما بيناه سابقاً وهو أنّ الكافر غير الكتابي لا يقر على دينه إما أن يقتنع بأدلة الإسلام أو يقنعنا بأدلته،أما أن يعاند ولا يقبل الحق هذا مما لا يقبل منه.
الحكم الثاني: الارتداد.
المسلم إذا ارتد بأن أنكر أصلاً من أصول الإسلام، أو فعل فعلاً يوجب الكفر، أظهر النصب لأهل البيت (عليهم السلام)، أو أظهر الاستهزاء بالذات المقدسة للنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله).
الإنسان الذي يرتد بعد الإسلام الفقهاء يقسمونه إلى قمسين:
تارة أنثى فلا يقتل وإنما يحبس.
وتارة يكون ذكر، والذكر يقسم إلى:
مرتد فطري وإلى مرتد ملي.
تارة يكون المرتد مرتد عن فطرة وهو الذي تولد على الإسلام ثم ارتد، وحكم هذا يقتل ولا يستتاب.
وأما الكافر الملي فهو الذي كان كافراً ثم دخل الإسلام وارتد، هذا حكمه يستتاب فإن تاب وإلاّ يقتل.
بعض المستشرقين تمسك بهذين الحكمين وقال:
القتل ظلم، أن تأتي بالسيف وتذبح إنسان هذا ظلم، أن تطلق الرصاصة في رأسه فيخر صريعاً يخور في دمه هذا ظلم و تعدي، والظلم قبيح لا يمكن أن يصدر من الله تبارك وتعالى،فالإسلام الذي يشرعن هذا الظلم قبيح، فلا يمكن أن يصدر من الباري تعالى.
في مقام الجواب نقول:
المستشكل يقول: قتل النفس ظلم، ولذا حكم على الإسلام بأنه يشرعن الظلم، من حقنا أن نسأل المستشكل ما هو تعريف الظلم؟
الظلم هو التعدي على حق الغير، أو التصرف في ملك الغير بدون إذنه.
لو تصرفت في شيء من أملاكك بإذنك هل اعتبر ظالماً لك؟
بالطبع لا، لأنك أنت المالك و قمت بعملية الإذن.
هذا المرتد الذي حكم الإسلام بقتله، ملك لمن؟ هو مالك لنفسه أو هو ملك لله سبحانه؟ ملك لله تعالى هو الذي خلقه،أوجده، أظهره من العدم إلى الوجود، {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِالْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}(غافر:16) فقتل هذا المرتد إن كان يستند إلى إذن الله تعالى لا يكون ظلماً لأنه تصرف في الملك مع إذن المالك، نعم؛ إذا كان يستند إلى إذن الله تبارك وتعالى لا يكون ظلماً لأنه تصرف في الملك مع إذن المالك.
ونحن نقول الباري تعالى حكيم مالك، بمقتضى حكمته هنالك حكمة في تشريعه لقتل المرتد والكافر المعاند لأنّ الله تبارك وتعالى حكيم بدليل العقل، عدم إدراكنا للمصلحة لا يعني عدم وجود المصلحة، عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود، من يستطيع أن ينفي وجود مصلحة ترتبط بالكون بالنظام الكوني الجمعي في تشريع الله في واقعة هنا وفي تشريع الله في واقعة هناك، ففعل الله تبارك وتعالى ليس قبيحاً من باب العبث لأن الله تعالى حكيم، وليس قبيحاً من باب الظلم لأنّ الله تبارك وتعالى مالك يتصرف في ملكه، وهو الذي أذن بالقتل، نحن المسلمون نعتقد بأنّ الله تبارك وتعالى ليس فقط يقتل الكافر أو يقتل المرتد بل نعتقد أنّ الله تعالى يقتل المسلم، المسلم إذا قتل ما هو حكمه؟ القتل، قتل بإذن من الله تعالى، الله تعالى أذن لنا بقتله، ولا تدرك عقولنا أنّ في ذلك ظلم لأنه تصرف عن إذن المالك، نحن نعتقد أنّ الله تبارك وتعالى يقتل الكافر أو المؤمن الذي يرتكب ما يستحق القتل، نحن نعتقد أنّ الله تبارك وتعالى يميت جميع النفوس،الضرب بالسيف والطعن بالرمح هذه معدات، أما الذي يميت حقيقة فهو الله تعالى {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ}(الزمر:42)، {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِالْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَلِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}(الملك:1-2)ونحن نعتقد أنّ الله عز وجل في المستقبل سوف يميت جميع الناس في لحظة واحدة، الكبير والصغير، الذكر والأنثى،الإنسان وغير الإنسان حتى الدواب، {وَنُفِخَ فِي الصُّورِفَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ}(الزمر:68) ولا يلزم من ذلك الظلم لأنه تصرف من مالك في ملكه.
أعظم من هذا، لم يأمر الله تعالى بقتل الكافر أو قتل المؤمن الذي ارتكب ما يوجب القتل، فحسب بل انه تبارك وتعالى أمر بقتل الأولياء، الأئمة (عليهم السلام) عندنا بساعة الوفاة،يعلمون أنهم اذا شربوا هذا القدح او أكلوا من ذاك الطعام سوف يموتون لأنّ فيه سمم، وع ذلك أمرهم الله تبارك وتعالى أن يشربوا وليس في ذلك ظلم لأنّ نفوسهم ملك لله تعالى، فإذا اقتضت إرادته لمصلحة أن يقدمون على شرب ما فيه الهلكة يقدمون ولا يقولون إنه ظلم !
سيد الشهداء (عليه السلام ) ألم يكن يعلم بيوم استشهاده في كربلاء ؟
نعم كان يعلم، الرسول (صلى الله عليه وآله) أخبر باستشهاده في أكثر 21 مجلس، أمير المؤمنين (عليه السلام ) أخبر ايضا ، لما جاوز نينوى في طريقه إلى البصرة نادى بأعلى صوته: صبراً أبا عبد الله ثلاثا ، الإمام الحسن (عليه السلام ) أخبر وقال : لا يوم كيومك يا أبا عبد الله.
سيد الشهداء نفسه أخبر حيث قال : (كأني بأوصالي تقطعها عسلانالفلوات بين النواويس وكربلاء) وليس في أقدامه على الشهادة ظلم لأنّه إقدام في مقام امتثال أمر الله تعالى.
القيت المحاضرة بتاريخ: 6 / 1 / 1435 هـ

No comments:

Post a Comment