Monday, April 6, 2015

ثقافة الاختلاف (١)

المحاضرة الاولى : ثقافة الاختلاف بين المؤمنين :
محاضرة لسماحة الشيخ حيدر السندي (حفظه الله).
روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) انه قال : (عظموا أصحابكم ووقروهم ولا يتجهم بعضكم بعضاً ولا تضاروا ولاتحاسدوا وإياكم و البخل ، كونوا عباد الله المخلصين) آمنا بالله، صدق مولانا الإمام الباقر (عليه صلوات الله وسلامه عليه) .
موضوعنا سوف يكون حول الموقف مع المخالف الذي يختلف معنا في بعض قضايا الدين، وحيث إنّ هذا الموضوع فيه جهات كثيرة ولا يمكن أن نتطرق إليها جميعا في محاضرة واحدة فسوف يقع حديثنا في ثلاث محاضرات :
المحاضرة الأولى: في ثقافة الاختلاف مع المؤمن أو الموقف من المؤمن إذا اختلف معنا في بعض المسائل.
المحاضرة الثانية: في الموقف من المخالف لنا في أصول الدين أو أصول الإسلام وهو الكافر.
المحاضرة الثالثة: في مصالح الإسلام العامة وعوامل التنسيق العملي بين مذاهب الإسلام أو في الموقف اتجاه المسلم الذي لا يجتمع معنا في الإيمان بإمامة أهل البيت (عليهم السلام).
وفي هذه المحاضرة نتعرض لثقافة الاختلاف بين المؤمنين، لنجيب على هذا السؤال :
ما هو الموقف الذي ينبغي ان نتخذه اتجاه المؤمن إذا اختلف معنا في بعض مسائل الدين؟ 
وكلامنا في جواب هذا السؤال الذي يمكن ان يعنون بعنوان ( ثقافة الاختلاف بين المؤمنين) سوف يكون ضمن نقاط ثلاث:
النقطة الأولى: في تقسيم المخالف.
النقطة الثانية: في بيان موقف الليبرالي من هذا التقسيم وتقييمه.
وهاتان النقطتان بمثابة التمهيد لموضوع هذه المحاضرة والمحاضرين الآتيتين ان شاء الله .
النقطة الثالثة: في بيان الموقف اتجاه المؤمن عند الاختلاف معه.

النقطة الأولى: تقسيم المخالف.
قسم علماؤنا المخالف الذي يختلف معنا في بعض مسائل الدين إلى ثلاث أقسام:
القسم الأول: هو الذي يختلف معنا في أصول الإسلام وهو الكافر.
فان الكافر من ينكر أصول الإسلام أو ينكر أصلاً من أصول الإسلام، والأعلام اختلفوا في تحديد أصول الإسلام وقدمت نظريات نذكر ثلاث:
النظرية الأولى: هي التي تقول أصول الإسلام أربعة (التوحيد النبوة المعاد وضرورات الإسلام) والمقصود بضرورات الإسلام تلك القضايا التي تعلم من الإسلام بالبداهة ، فكأنها لوضوح ثبوتها في الاسلام وسهولة التعرف عليها نزلت منزلة البديهيات والضروريات .
فان اي شخص عنده ثقافة ولو متواضعة عن الدين الإسلامي يعلم بمثل وجوب الصلاة وجواب الحج، فوجوب الصلاة من ضروريات الدين، من المسائل الواضحة.
النظرية الثانية: هي التي تقول أصول الإسلام ثلاثة فقط( التوحيد النبوة المعاد) ما عدا هذه الأصول الثلاثة إن كان إنكاره لشبهة لا يعود إلى إنكار احد هذه الأصول الثلاثة فهذا الإنكار لا يوجب الخروج من الدين، أما إذا كان الإنكار لا لشبهة، أنكر وجوب الصلاة لا لشبهة بل تكذيبا للنبي( صلى الله عليه وآله)، هنا يكون إنكاره للصىلاة موجبا لكفره، لا لأنه أنكر الصلاة بل لأن انكاره للصلاة مستلزم لإنكار أصل من أصول الدين وهو النبوة، وهذا يجري في الضروريات وغيرها.
النظرية الثالثة: هي النظرية التي تقول: أصول الإسلام منحصرة في أصلين فقط (التوحيد النبوة) وأما المعاد فهو كسائر القضايا، إذا أنكره الإنسان لا لشبهة وكان إنكاره يستلزم التكذيب بالتوحيد أو بالنبوة يكون إنكاره مخرجاً عن الإسلام، أما إذا إنكار لشبهة، شخص الآن حديث العهد بإسلام عرض عليه التوحيد والنبوة فتشهد الشهادتين، فهو ليس كافرا خلافا للنظرية السابقة .
وذهب إلى هذه النظرية المرحوم الشهيد السيد محمد باقر الصدر قدس سره.
هذا هو القسم الأول من المخالف الذي يخالفنا في أصول الإسلام.
القسم الثاني: هو الذي يوافقنا في أصول الإسلام ولكن يخالفنا في أصول الإيمان أصول الهداية، كإمامة أهل البيت (عليهم السلام )فان الذي يعتقد بأصول الإسلام وينكر الإمامة عندنا مسلم لأنه واجد لأصول الإسلام ولكن ليس مؤمناً مهتدياً، هذه عقيدة الشيعة،فالشيعة يعتقدون أنّ ولاية أهل البيت (عليهم السلام من أصول الإيمان) ، (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية).
أصول الإيمان قد يطلق عليها اسم أصول الدين، لهذا حملة من علمائنا كتبوا كتبا في أصول الدين ، وعدوا الإمامة ضمن أصول الدين، فماذا يقصدون من كون الإمامة من أصول الدين؟
كلمة الدين إذا أطلقت لها معنان:
المعنى الأول: الإسلام في مقابل الكفر فإذا قيل: أصول الدين بمعنى أصول الإسلام فالمقصود منها التوحيد النبوة والمعاد، أو التوحيد والنبوة فقط، على الاختلاف بين الأعلام.
المعنى الثاني : الجزاء ومن ذلك المقولة المشهورة(كما تدين تدان) أي كما تجازي تجازى، الباري تبارك وتعالى لا يجب عليه أن يثيب أحداً من العباد، الذين يطيعون الله تبارك وتعالى لا يجب عليه أن يثيبهم، وفعلهم و ما يقدمونه كله ملك لله تبارك وتعالى، لا توجد معاوضة بين العبد وبين الله تبارك وتعالى، العبد لا يعطي الله شيئاً لكي يستحق منه تعالى مقابلا ، العبد وما يملك لمولاه.
فالثواب ليس واجباً على الله تعالى، نعم أوجب على نفسه الثواب من خلال الوعد، والله تبارك وتعالى لا يخلف الميعاد، خلف الوعد قبيح، والباري تعالى لا يخلف الميعاد، من هنا في يوم القيامة يأتي عباد يستحقون على الله تبارك وتعالى الثواب ولكن من باب الوعد الإلهي لأنه تعالى وعد بالثواب.
السؤال: من الذي وعده الله تبارك وتعالى بالثواب؟
هل وعد الله تبارك وتعالى كل إنسان حتى الكافر؟ هل وعد الله تبارك وتعال كل مسلم حتى الذي لا توجد عنده أركان الإيمان؟
القرآن الكريم يجب على هذا السؤال: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَآَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ}(المائدة:9)الموعود هو المؤمن، فالذي يستحق الجزاء المؤمن، حيث إنّ الإيمان شرط من شروط الجزاء والجزاء في اللغة يطلق عليه الدين، فيقال شروط الإيمان شروط للدين، أركان الإيمان أركان للدين، أصول الدين، ولكن أصول للدين بمعنى أصول للإيمان الذي هو شرط لقبول اعمال أو شرط لصحة الأعمال أو شرط لتحقق وعد الله تبارك وتعالى بالثواب في يوم القيامة.
هذا هو القسم الثاني من المخالف.
القسم الثالث: هو الذي يتفق معنا في أصول الإسلام ويتفق معنا في أصول الإيمان ولكن يختلف معنا في بعض القضايا التي لا تعود إلى أصول الإسلام ولا إلى أصول الإيمان، وموضوعنا في هذه المحاضرة حول الموقف اتجاه هذا القسم من المخالف لنا .

النقطة الثانية: بيان موقف الليبرالي من هذا التقسيم وتقييمه.
الليبرالية توجه ينطلق من الإنسان نفسه، هناك جماعة يقولون نحن ينبغي أن نراعي الإنسان بما هو إنسان، فنجد ما يناسب الإنسان بما هو إنسان نقبله، والذي لا يناسب الإنسان بما هو إنسان وإنما يناسب الإنسان إذا تلون بلون خاص، كأن يكون مثلاً من منطقة جغرافية معينة أو من عرق معين أو ينتمي إلى دين معين فهذا لا نقبله، ولذا وضعوا لأنفسهم قاعدة قالوا: أي قانون يشرع ينبغي أن يكون ذلك القانون منطلق من الإنسان بما هو إنسان يلبي حاجة الإنسان بقطع النظر عن أي عنوان آخر مثل قانون العدل والمساواة وقانون الحرية، هذه قوانين تطلبها الطبيعة الإنسانية بما هي طبيعة، مثل هذا القانون نقبله، أما إذا شرع قانون للإنسان بما هو مثلاً أوروبي يراعى فيه الجغرافيا، أو شرع قانون ولوحظ فيه العرق كأن يكون من نسل اسرائيل أو شرع قانون ولوحظ فيه الاعتقاد وكون الانسان مسلما فهذا القانون نرفضه لأنّ الاعتقاد والفكر والثقافة هذه حريات شخصية لا نتدخل فيها، كل واحد يفكر كما يريد ويعتقد بالطريقة التي يريد، وليس من حق أحد أن يتدخل في معتقد الإنسان ثم يصنف الناس على حسب معتقدهم ويرتب أحكام على حسب توجههم ونظريتهم، ولهذا جماعة من الليبراليين لم يقبلوا هذا التقسيم الذي ذكرناه في النقطة الأولى أي تقسيم علماؤنا للناس إلى كافر ومسلم غير مؤمن وإلى مسلم مؤمن.
في مقام التعليق على التوجه الليبرالي حول هذا التقسيم لابد أن نلتفت إلى نقطة وهي أنّ هناك خلافا جوهريا بين الفكر الإسلامي والفكر الليبرالي.
الفكر الإسلامي ينطلق من ثبوت توحيد التشريع لله تبارك وتبارك وتعالى لهذا هو يقبل التقسيم، لأنّ هذا التقسيم لم يأتِ به العلماء جزافاً بل هو من منشأين:
المنشأ الأول: القرآن الكريم، فالقرآن الكريم قسم الإنسان إلى مسلم وغير مسلم، {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَخَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ * إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُواالصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ}(البينة6-7).
القرآن الكريم قسم الإنسان إلى مؤمن وغير مؤمن ايضا قال تعالى:{قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِالْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}(الحجرات:14).
المنشأ الثاني: هو أنّ المتخصصين في القانون الشرعي، الفقهاء وجدوا أنّ في الشرع مجموعة من الأحكام تختلف باختلاف هذه العناوين،عندنا أحكام تترتب على المسلم، بمجرد أن يثبت عنوان الإسلام تترتب هذه الأحكام وإنْ لم يثبت عنوان الإيمان، إذا ارتفع عنوان الإسلام تترفع هذه الأحكام، في رواية الفضيلبن يسار يقول الإمام الرضا (عليه السلام): (والإسلام ما عليه المناكح والمواريث وحقن الدماء)(بحار الأنوار للمجلسي ج65ص249).
هناك أحكام المناكح والمواريث وحقن الدماء أي كون الدماء محترمة، هذه الأحكام تترتب على الإسلام.
وفي رواية أخرى يقول الإمام الصادق عليه السلام:(الاسلام شهادة أن لا إله إلا الله والتصديق برسول الله صلىالله عليه وآله وبه حقنت الدماء وعليه جرت المناكح والمواريثوعلى ظاهره عامة الناس)(الحدائق الناظرة للشيخ البحراني ج24 ص68).
فهناك أحكام موضوعها الإسلام، وهناك أحكام موضوعها الإيمان، حتى إذا كان الإنسان مسلما لا تترتب عليه، لابد أن يكون مؤمناً مثلاً منصب الإفتاء والقضاء،يشترط في القاضي أن يكون مؤمناً، وفي المرجع ان يكون مؤمناً، و مسألة الاقتداء في الصلاة، لا يجوز الاقتداء إلاّ بالمؤمن،و مسألة مستحقي الزكاة والخمس، يشترط في الفقير الذي نعطيه الزكاة أو الخمس أن يكون مؤمناً، و مسألة النيابة، النائب في الحج أو النائب في قضاء العبادات لابد أن يكون مؤمناً،مثلاً في القضاء يقول الإمام الصادق عليه السلام في صحيحة أبي خديجة: (انظروا إلى رجل منكم)(وسائل الشيعة للحر العاملي ج27 ص12) انظروا إلى رجل منكم يعني الى مؤمن شيعي ينتمي إليكم، (قد علم شيئاً من قضايانا فاجعلوه بينكم فإني قد جعلته قاضياً فتحاكموا إليه).
في مسألة الزكاة توجد رواية تسمى بصحيحة الفضلاء سئل فيها الصادقان (عليهما السلام ) عن رجل كان من بعض هذه الأهواء يعني لم يكن شيعياً ثم تاب وعرف هذا الأمر وحسن رأيه، فهل يجب عليه أن يعيد كل صلاة صلاها والحج والزكاة،فأجاب عليهما السلام: (لا يجب عليه إعادة شيء من ذلك غير الزكاة لأنه وضعها في غير موضعها وإنما موضعها أهل الولاية)(راجع وسائل الشيعة للحر العاملي ج9 ص217).
الفقهاء لما وجدوا أنّ الأحكام تختلف باختلاف هذه العناوين اهتموا ببيان هذه العناوين وبيان حدودها لكي يحددون لنا الحكم الشرعي من خلال تحديد موضوعه.
إذن هذا التقسيم لم يأتٍ به العلماء من عندهم بل أتوه من قبل الله تعالى، فالله تعالى هو الشرع، مقتضى توحيد التشريع أن نقبل هذا التقسيم، و الليبرالي الذي لا يقبل، أنما لا يقبل لانه يختلف معنا في توحيد التشريع.
معنى توحيد التشريع:
و بيان توحيد التشريع يتوقف على ذكر أمور ثلاثة:
الأمر الأول: أن نعتقد ان لهذا العالم خالقا وأنه عالم حكيم وأنّ هذا الخالق إذا وضع قانون هو أفضل قانون من غيره،لأنه حكيم ولأنه أعلم.
الأمر الثاني: أن نعتقد بأنّ هذا الخالق له حق علينا وهو حق أن نخضع له ونطيع، لأنه أخرجنا من العدم إلى الوجود فلولا تفضله لكنا عدم، فهو المالك علينا فله حق أن يطاع،ويخضع له، قال تعالى: { لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}(غافر:16).
الأمر الثالث: هو الاعتقاد بأنّ هذا الإله الذي خلق الخلق وأخرجهم من العدم والذي له حق أن يطاع قد شرع للخلق شريعة، الله تبارك وتعالى لما خلقنا لم يتركنا لأنفسنا نضع لأنفسنا القوانين ونحدد علاقاتنا كيف نشاء بل الله سبحانه وتعالى تفضل علينا بإنزال القوانين والكتب وإرسال الرسل وبعثة الأنبياء، قال تعالى: { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَامَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}(الحديد:25).
إذا اعتقدنا بهذه الأمور الثلاثة لا محالة لابد وأن نقبل هذا التقسيم الذي أخبر به القرآن لأنّه جاء من الله تعالى الأعلم والأخبر، والله تبارك وتعالى يجب أن يخضع له ويطاع.
إذن لابد وأن نقبل هذا التقسيم ونخضع لما يترتب عليه من أحكام، وهذا ما يقتضيه العقل الإنساني السليم .
الليبراليون يتمسكون بالعقلنة، وَالَّذِي قلناه من وجوب الخضوع للمالك المطلق هو ما يقتضيه العقل، العقل الإنساني يقول: إذا وجد قانون وضعه أحكم الأحكمين ودار الأمر بين أن نعمل به وأن نعمل بقانون وضعه غيره نعمل بالقانون الذي وضعه أعلم العالمين وأحكم الحاكمين.
الليبرالي الذي لا يريد هذا التقسيم أو يعترض على أحكام الإسلام الأخرى إما أن يقبل هذه الأمور الثلاثة فيقر حينئذ بشريعة الإسلام أو يخالف في هذه الأمور الثلاثة، مثلاً يختلف معنا في الأمر الأول يقول لا أقبل هذا التقسيم الثلاثي لاني لا أعتقد بوجود خالق، فحينئذ نحن لا ينبغي أن نبعد المسافة معه ونناقش في وجه حكمة هذا التقسيم، بل علينا ان نجعل الحوار حول وجوب خالق !!
و إذا كان يقبل وجود خالق، ولكن لا يقبل الأمر الثاني يقول هذا الخالق لا حق له، إذا شرع لا يجب علينا أن نلتزم بتشريعه، حينئذ ينبغي أن نناقش معه في أنّ لله تعالى حقا أو لا؟ العقل يقول لا يمكن التفكيك بين أن تعتقد بوجود خالق أخرجك من العدم إلى الوجود وبين أن تعتقد بأنّ لذلك الخالق حقا ويجب أن يطاع.
و إذا كان يعتقد بالأمر الأول والثاني ولكن ينكر الأمر الثالث، يقول : الله تبارك وتعالى له حق، و لو شرع وجب ان يطاع ولكنه هو أوكل الأمر إلينا، ولم يشرع !!
فحينئذ يكون النقاش معه في أصل النبوة،هل الله تبارك وتعالى أرسل الأنبياء أنزل الكتب شرع لنا أحكاما أو لا؟
إذن الخلاف مع الفكر الليبرالي الذي في كل فترة يظهر لنا بإشكال حول تشريع إسلامي هنا أو تشريع إيماني هناك ينبغي أن يكون في هذا المحور، وهو هل لله تبارك وتعالى حق التشريع فقط أم لا؟ أي النقاش في توحيد التشريع. 
النقطة الثالثة: بيان الموقف اتجاه المؤمن عند الاختلاف معه.
ما هو الموقف فيما إذا تحقق اختلاف فيما بيننا، إذا لم نتفق على فكرة ما هو الموقف الذي ينبغي أن يتخذه بعضنا اتجاه البعض الآخر؟
علماؤنا الأعلام يقسمون الذي يظهر الإيمان ويختلف في بعض المسائل التي نراها حقا إلى قمسين:
القسم الأول: الذي يخالف عناداً طلباً للشهرة و المكانة وهو يعلم أنّ هذه المسألة التي يخالف فيها حق، فيثير مجموعة من الشبهات والإشكالات حتى يحصل على تلك المكانة.
او هو جاهل فيما يدعي ويعلم انه مقصر غير قاصر .
بعض الناس يدعون التحقيق والتدقيق وأنهم يريدون أن يحركوا عجلة الفكر ويكسروا هذه الصنمية والنمطية ويطورون الفكر الشيعي فيأتون بمجموعة من الأطروحات، لكن سبحان الله هم يرفعون شعار التجديد في الفكر الشيعي، ولكن عند تأمل هذا التجديد لا تجد تجديدًا تدعيم مسلمات المذهب ليس تجديدًا في ادلة إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام )أو لا تجديدا في دفع شبهات تثار حول عصمة الأنبياء التي هي من مسلمات الإمامية، لا تجد عندهم تعميقا وتاصيلا في العقائد ، وإنما تجد عندهم مجموعة من الشبهات والإشكاليات التي ترتبط بالمسلمات، يأتون بمجموعة من شبهات السلفية ويطورونها ثم يعرضونها على المؤمنين، أو يأتون بإشكالات العلمانيين والليبراليين يعيدون إنتاجها او تطويرها ويعرضونها تحت عنوان تطوير الفكر !!!
التجديد مطلوب ولكن إذا كان في عزة الدين، تثبيت ما هو ثابت قطعاً على نحو اليقين كالإمامة والعصمة والرجعة وغيرها من المسائل التي تسالم عليها الشيعة ( اعزهم الله) كابرا عن كابر.
و الروايات تعرضت لهذا القسم من الناس وأطلقت عليه اسم أهل الريب والأهواء، وبينت الموقف منه .
النبي (صلى الله عليه وآله )في صحيحة داوود بن سرحان، يقول: (إذا ظهر أهل الريب والبدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم)(وسائل الشيعة للحر العاملي ج16 ص267).
هذا هو الموقف الأول أن نظهر البراءة منهم، أن نظهر أننا لا ننتمي إليهم، وأنهم في تشكيكاتهم في استهدافهم لمسلمات الإمامية لما اتفق عليه المحققون من أهل العلم لا ينتمون إلينا، ثم يقول (صلى الله عليه وآله): (وأكثروا من سبهم والقول فيهم والوقيعة).
بعض الناس إذا سمع كلمة السب يتبادر إلي ذهنه الكلام الفاحش، لأنه في زماننا صار السب عند البعض يرادف الكلام الفاحش!!!
و ليس المقصود هنا الكلام الفاحش، المؤمن ليس فحاشاً ولا يتكلم بالفحش، السب كما يقول علماء اللغة مطلق التنقيص، أي كلام تقوله بداعي التنقيص في اللغة يسمى سبا .
النبي (صلى الله عليه وآله) يقول اظهروا تنقيص هؤلاء وأنهم ليسوا من أهل التخصص والعلم، لم يشهد شهد لهم في الحوزات العلمية بالتخصص كبراء الحوزة ولم يعترف بهم كعلماء محققين من الطراز الاول ، او اذا شهد لهم احد فهنالك من يعارض شهادته و يقدح به وبالتالي ينبغي الحذر منه .
بينوا للناس، أنهم ليسوا على المنهج القويم إن هذا من التنقيص الذي يشمله عنوان السب فان تقول : هذا المدعي ليس له وزن علمي ، لا يوجد عنده أدوات التحقيق، هذا ضرب من ضروب التنقيص الذي يقصده النبي (صلى الله عليه وآله).
ثم يقول (صلى الله عليه وآله) :(باهتوهم حتى لا يطمع في الفساد في الدين ويحذرهم الناس ولا يتعرفوا على بدعهم).
باب الاجتهاد عندنا نحن الشيعة مفتوح، والشيعة لا يخافون من الانتقاد ومن إثارة أي تساؤل يرتبط بأي مسألة من مسائل التشيع، ولكن ينبغي أن تكون تلك الإثارة وفق الموازين العلمية ووفق الضوابط المقررة، كم مسألة خالف فيها السيد الخميني الشيخ الأعظم الأنصاري، وكم مسألة خالف فيها السيد الخوئي صاحب الكفاية، ظاهرة الخلاف والنقاش (وإن قلت قلت)، هذه ظاهرة أصيلة في الحوزة، نحن اتباع الدليل حيث ما مال نميل، ولكن نريد خلاف علمي وفق دليل علمي ومنهج مستقيم و لا نريد مجموعة شبهات و إشكالات تحت عنوان إثارة الفكر وتحريك الساكن،وكسر النمطية وغيرها من الشعارات البراقة التي لا تجد تحتها مضمونها معنى محصلا .
القسم الثاني: هو الذي يختلف معنا اختلافاً علمياً او لشبهة بلا عناد .
عنده ضوابط علمية يُشهد له بأنه من أهل التحقيق،اجتهاده أوصله إلى رأي يخالفنا فيه ، أو يختلف اختلافا غير علمي حيث اوقعه جهله في شبهة ولكنه غير مكابر ومعاند و لا يوجد عنده منهج تشكيكي، ليس من الذين يرفعون شعار التجديد لضرب الدين والمذهب من داخله.
و الروايات بينت في الموقف اتجاه هذا القسم مجموعة من الأمور:
الأمر الأول: هو وجوب حفظ حقوق المؤمنين.
المؤمن له حقوق، وله حرمة عند الله تبارك وتعالى، حرمته عند الله سبحانه أعظم من حرمة الكعبة، فلا ينبغي أن يكون الخلاف أو الاختلاف الفكري سبب لإسقاط هذه الحقوق،ينبغي أن يبقى الاختلاف الفكري في دائرة الاختلاف الفكري ولا يتحول إلى خلاف شخصي، الإمام زين العابدين (عليه السلام ) في رسالة الحقوق، يقول: (وحق أهل ملتك إضمار السلامة لهم والرحمة لهم، والرفق بمسيئهم)(بحار الأنورللمجلسي ج71 ص9) إذا أساء أحدهم تكون معه رفيقاً لا تعنفه، ثم يقول: (وتألفهم واستصلاحهم) أن تسعى من أجل جمع مواقفهم على موقف واحد، أن تسعى لجمع قلوبهم على توجه واحد، أن تزرع فيما بينهم الأخوة والمحبة، ثم يقول (عليه السلام)؟: (وأن تحب لهم ما تحب لنفسك، وتكره ما تكره لنفسك) لا ينبغي أن نُصيّر الاختلاف الفكري رمحا نطعم به هذه الحقوق التي أصلها الأئمة (عليهم السلام).
للأسف بعض الناس يختلف معك مثلاً في التقليد فيحول هذه القضية إلى ام القضايا فيصنف بها الشيعة ويحاول أن يجمع العثرات والأخطاء على الذين يختلفون معه فيها ، اذا اختلفنا في التقليد فكل يعمل بتكليفه، و علماؤنا اذا اختلفوا في الفتوى، اختلفوا في فعل - مثلا - هل هو شعيرة أم لا، هل هذا الفعل مستحب أم لا؟
فلا ينبغي أن نحول هذا الخلاف إلى فُرْقة اجتماعية من يأتي بهذا الفعل نعتبره محاربا للدين أو يريد أن يسقط المرجعية أو الذي لا يأتي به نجعله محاربا للدين أو يريد أن يسقط المرجعية، كل يعمل بتكليفه، أنت وثقت بفلان وقد أفتى لك اعمل بفتواه، غيرك أيضاً له قناعة، يعمل بقناعتك، لا تكن غيرتك على الدين أعظم من غيرة الإمام حجة (عليه السلام)!!
الإمام هو من وضع الفقهاء حججا وأمرنا بتقليدهم،ينبغي أن نعمل وفق التقليد، ما يقرره الفقهاء نأخذه، لماذا نصير الاختلاف الفكري إلى خلاف شخصي، وندخل المجتمع في نزاعات وندخل بكل ثقلنا و بكل ما اوتينا من قوة في إسقاط بعضنا البعض!!
الإمام الباقر (عليه السلام ) يعطينا المنهج الذي ينبغي أن نسير عليه فيما بيننا يقول: (عظموا أصحابكم) عليكم أن تعظموا بعضكم البعض، إذا كان مؤمناً عليك أن تعظمه لا أن تسقطه لأنه يختلف معك في هذه المسألة أو تلك (ووقروهم ولا يتجهم بعضكم بعضاً ولا تضارواولا تحاسدوا وإياكم و البخل ، كونوا عباد الله المخلصين) ، فهذا هو الأمر الأول.
الأمر الثاني: هو أن نستثمر هذا الاختلاف في إعزاز المذهب وتقويته.
الاختلاف الفكري أمر طبيعي، الناس تتفاوت في مستوى الوعي والإدراك، في قوة العقل، الناس تتفاوت في مصادر المعرفة، فلان أخذ ثقافته من الأستاذ الفلاني طبيعي أن يكون لأساتذته انطباع على نمط تفكيره، و فلان لم يدرس عند نفس الاستاذ درس عند أساتذة أخرى لأولئك الأساتذة أيضاً انطباع خاص على تفكيره، ظاهرة الاختلاف الفكري ظاهرة طبيعية، المطلوب منا أن نستثمر هذه الظاهرة الطبيعية في تقوية المذهب لا أن نستثمرها في إضعاف المذهب،الاختلاف الفكري يكشف عن حيوية هذا المذهب وتطوره وأنه ليس مذهبا جامدا ، لان باب الاجتهاد مفتوح، فقواعد البحث عندنا تتطور وتتعمق ببركة الجهود المتوالية والمتتابعة.
هذا اختلاف يعكس وجهاً مشرقاً من وجوه مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، فلماذا نحوله إلى أدوات طعن لتفريق المؤمنين !!!
السيد السيستاني ( حفظه الله) عنده بحث بعنوان أسباب اختلاف الحديث تطرق فيه إلى أسباب الحديث و بمناسبة تعرض إلى أسباب اختلاف الشيعة، فذكر (حفظه الله ) أنّ من أسباب اختلاف الشيعة الأئمة (عليهم السلام) أنفسهم .
الأئمة (عليهم السلام) قاموا بإيقاع الخلاف بين المؤمنين ولهم في ذلك أهداف تعود إلى حفظ المذهب وحفظ الشيعة، وقد نقل هذه الرواية وهي موثقة زرارة، يقول زرارة سأل عراقيان أبا جعفر (عليه السلام) في مسألة واحدة، فأجاب كل واحد منهما بجواب غير الآخر، فتعجبت فقلت يا بن رسول الله اثنان من شيعتك، لو كان أحدهما شيعي والآخر غير شيعي، لاحتملنا ان السبب التقية ولكن كلاهما شيعي فلماذا اختلف الجواب!!
فأجاب (عليه السلام) : (ذلك خير لنا وأبقى لنا ولكم فإنكم لو اجتمعتم على أمر أخذكم الناس به).
وفي رواية أخرى مشابهة لها :
عن أبي الحسن (عليه السلام) قال اختلاف أصحابي لكم رحمة ، وسئلعن اختلاف أصحابنا فقال (عليه السلام) : انا فعلت ذلك بكم لو اجتمعتم على أمر واحد لاخذ برقابكم(علل الشرائع -الشيخ الصدوق - ج 2 - ص 395).
لو رآكم الناس جماعة واحدة متآلفة وظهرتهم بمظهر الواحد سوف تبرزون كثيرين فيخاف منكم أعدائكم ويقصدونكم ويأخذونكم، إذن الأئمة (عليهم السلام) أثاروا الاختلاف حتى يحافظوا على التشيع، فنحن لماذا نستعمل هذا الاختلاف للقضاء على الشيعة وأضعافهم!!
الأمر الثالث: الأخلاق الحسنة.
إذا اختلفنا في الفكر لا ينبغي أن نختلف في القلب والمودة والمحبة فيما بيننا، علينا دائماً أن نتعامل بالخلق الحسن نحمل بعضنا بعضاً على الأحسن، نوجه أفعال بعضنا البعض لا نتهم بعضنا البعض في النية والمواقف،نسد باب التهمة وندفع بالتي هي أحسن، الأخلاق الحسنة هي الموقف الحقيقي الذي ينبغي أن تبنى عليه ثقافة الاختلاف بين المؤمنين، الإمام الباقر (عليه السلام) يقول: (إنّ أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً)(الكافي للشيخ الكلينيج2 ص99)، ليس الذي يكون اكثر صلاة ومداومة على الذاهب إلى المسجد، اكمل ايمانا بل من كان متقيا وأفضل اخلاقا . 
العبادات أفعال محبوبة ومقربة وتساهم في كمال الإيمان ولكن لا قيمة لها إذا كان الإنسان سيء الخلق مع إخوانه المؤمنين، قال تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}(المائدة:27)المتقي هو الذي يراعي الحقوق ويلتزم بالآداب مع إخوانه المؤمنين، الرسول (صلى الله عليه وآله ) ذكرت عنده امرأة وأحسن الثناء عليها، فقال (صلى الله عليه وآله) : وكيف تعاملها مع جيرانها) قالوا يا رسول الله: هي امرأة تسب وتشتم، فقال (صلى الله عليه وآله) : (لا حاجة لله في صيامها وقيامها).
علاقتنا مع الله تتاثر بعلاقتنا مع اخواننا المؤمنين لهذا ينبغي ان نهتم بحسن الخلق مع الناس لان حسن المعاملة معارجنا نحو مرضاة الله عزوجل .
القيت المحاضرة بتاريخ: 5 / 1 / 1435 هـ

No comments:

Post a Comment