Saturday, April 18, 2015

بداية الكون و نظرية (M):

بقلم : حيدر السندي
بين يدي البحث :
الإلحاد في اللغة الميل و هو قد يكون في القول وقد يكون في العمل ومن الإلحاد القولي قوله تعالى : {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(الأعراف:180) وما روي في دعاء شهر رمضان : (اللهم نسألك في هذا الشهر بحق هذا الشهر وبحق من تعبد لك فيه من ابتدائه إلى وقت نهايته من ملك قربته أو رسول أرسلته أو مؤمن صالح اختصصته أن تجنبنا الالحاد في توحيدك)(مصباح المتهجد للشيخ الطوسي ص609) ، ومن العملي ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) : (كل ظلم إلحاد وضرب الخادم في غير ذنب من ذلك الالحاد)(الكافي للشيخ الكليني ج4 ص227) .
و الإلحاد في الاصطلاح: عدم الاعتقاد بوجود إله صانع للكون. وهو قسمان :
القسم الأول: ما يسمى بالإلحاد القوي أو الإلحاد الموجب ، وهو الاعتقاد بعدم وجود الإله .ويبلغ عدد أتباع هذا القسم حسب بعض الإحصاءات ٣،١٣٪ من إجمالي عدد سكان الأرض .
القسم الثاني: الإلحاد الضعيف أو السلبي.وهو مذهب الشك في وجود الإله.ويبلغ عدد أتباع هذا القسم حسب بعض الإحصاءات 12% من إجمالي سكان الأرض .
ولانتشار الإلحاد أسباب متعددة بعضها عقلية فلسفية وعلمية ، وبعضها أسباب نفسية ، ومن أهم الأسباب العلمية التي ساهمت في تشكيل قناعة عامة الدراسات العلمية التي قدمها الباحثون الملحدون و من تلك الدراسات (كتاب التصميم العظيم) من تأليف الفيزيائيَّين ستيفن هوكنغ وليوناردو ملودينو.
نشر الكتاب للمرة الأولى في الولايات المتحدة الأمريكية بتاريخ السابع من سبتمبر عام 2010، ليصبح الكتاب الأكثر مبيعاً على موقع أمازون الإلكتروني خلال بضعة أيامٍ فقط جاء نشره في بريطانيا بعد ذلك بيومين، في التاسع من سبتمبر، وأصبح الكتاب في نفس يوم نشره ثاني أكثر الكتب مبيعاً على أمازون(1).
وقد تميز هذا الكتاب بأنه كتاب علمي كتب بلغة يفهمها العامة ، إذ الهدف منه كما يبدو عرض نظرية بديلة عن فكرة الإله الخالق ، وهي نظرية (M)بنحو يكون لهذا العرض تأثير واسع على المتخصصين وغيرهم ، وقد فرح بهذا الكتاب رواد الإلحاد ودعاته و اعتبره بعضهم الضربة القاضية لفكرة الإله المتافيزيقية ،يقول ريتشارد دوكينز عالم الأحياء التطورية والداعي إلى الإلحاد حول وجهة نظر هوكنغ: أخرجت الداروينية الإله من علم الأحياء، لكن حالة الفيزياء بقيت أقلَّ وضوحاً. وأما الآن فإنَّ هوكنغ يقود قتلاً رحيماً لفكرة الإله في الفيزياء.
وفي المقابل قلل جملة من الباحثين من شأن الكتاب وتأثيره ، فقد شكَّك الفيزيائي البريطاني روجر بنروز في مقالٍ بصحيفة فاينانشال تايمز بأن أسلوب الكتاب يمنح قُرَّاءه فهماً كافياً للموضوع، قائلاً أنه: بعكس نظرية ميكانيكا الكم، فإنَّ نظرية-إم ليست لها أي أدلِّة مثبتة تجريبياً، واقترح الفيزيائي البريطاني جوزيف سلك في مجلة ساينس أن «بعض التواضع سيكون مرحَّباً به هنا... أعتقد أنه خلال قرنٍ أو قرنين... ستبدو نظرية-إم مألوفةً لعلماء الكون المستقبليّين كما هي بالنسبة لنا نظريات فيثاغورس الكونية عن الكرات(2).
وحيث وقع التساؤل من قبل بعض المؤمنين حول ما عرضه كتاب التصميم العظيم ، فقد قررت أن أكتب مقالاً مختصراً يعرض أهم مقومات نظرية الكتب (M) مع شيء من النقد ، مع ملاحظة أني غير متخصص في عرض النظرية واحتمال وقوعي في الاشتباه كبير ، ولكني بذلت جهدي واستعنت ببعض الكتابات في هذا الشأن .
وسوف يكون المقال في محورين:
المحور الأول : في عرض نظرية ستيفن هوكنغ وليوناردو ملودينو ، وهي نظرية (M).
للأسف لم أقف على كتابهما مترجماً باللغة العربية غير أن موقع ويكيبيديا قد عناوين فصول الكتاب الثمانية بالنحو التالي :
• لغز الوجود (The Mystrey of Being).
• سلطة القانون (The Rule of Law).
• ما هي الحقيقة (What is Reality).
• بدائل محتملة لنشأة الكون (Alternative Histories).
• نظرية كل شيء (The Theory of Everything).
• اختيار كوننا (Choosing Our Universe).
• المعجزة الواضحة (The Apparent Miracle).
• التصميم العظيم (The Grand Design)..
ومن خلال متابعتي للمقالات المنتشرة و الدراسات المقدمة حول الكتاب ظفرت بالخلاصة التالية التي أقدمها ضمن نقاط :
النقطة الأولى : طرح الكاتبان مجموعة من الأسئلة المرتبطة بحقيقة ونشأة الكون ، وبينا الانقسام المنهجي في كيفية التعاطي مع هذا الأسئلة ، فإن الباحثين قد انقسموا بين ضارب لآباط الإبل نحو الفلسفة و أبحاث ما وراء الطبيعة ، وبين شادٍ للرحال نحو العلوم الطبيعية المعمدة على التجربة والملاحظة الحسية .
و انتهى الكاتبان إلى عدم صوابية البحث عن أسئلة الكون في متاهات البحث الفلسفي لأنه فاقد للقيمة العلمية ، وما عاد يعول عليه العلماء في ظل تطور العلم ، فزمن ربط الحوادث كالأمراض و الموت و الظواهر الكونية (الخسوف والكسوف) والزلازل والفيضانات بالآلهة والمغيبات قد ولى بعد تطور العلم ومعرفة الأسباب الطبيعية لهذه الظواهر والقوانين الحاكمة عليها .
إن راسل كان متحمساً كثيراً لنظرية أن الجهل بالأسباب الطبيعية هو الإله الخالق لفكرة الخالق ، وكان يقول : كلما انتشر العلم انتشر الإلحاد ، وكما انتشر الجهل انتشر الإيمان بالآلهة ، ومن هنا انحاز الكتاب إلى ضرورة ملاحظة النتاج العلمي في حقلي الفلك والفيزياء لمعرفة نشأة الكون وأصله ، وهذا ما سوف نعرضه مختصراً في النقاط التالية .
ولأننا في هذه المقالة لا نريد التعليق على جميع ما ورد في كتاب التصميم العظيم لهذا أحيل القارئ العزيز إلى ما ذكرته حول الدعويين التاليتين:
1ـ لا قيمة للأسلوب العقلي.
2ـ الجهل سبب الاعتقاد بوجود الإله.

النقطة الثانية : قدّم الكاهن الكاثوليكي والعالم البلجيكي جورج لومتر الفرضية التي أصبحت لاحقًا نظرية الانفجار العظيم Big Bang) ) سنة 1927 م ، و تعتمد فكرة النظرية على أن الكون كان في الماضي في حالة حارة شديدة الكثافة فتمدد، وأن الكون كان يومًا جزء واحد عند نشأة الكون. بعض التقديرات الحديثة تُقدّر حدوث تلك اللحظة قبل 13.8 مليار سنة، والذي يُعتبر عمر الكون وبعد التمدد الأول، بَرُدَ الكون بما يكفي لتكوين جسيمات دون ذريةكالبروتونات والنيترونات والإلكترونات. ورغم تكوّن نويّات ذرية بسيطة خلال الثلاث دقائق التالية للانفجار العظيم، إلا أن الأمر احتاج آلاف السنين قبل تكوّن ذرات متعادلة كهربيًا. معظم الذرات التي نتجت عن الانفجار العظيم كانت من الهيدروجين والهيليوم مع القليل من الليثيوم. ثم التئمت سحب عملاقة من تلك العناصر الأولية بالجاذبية لتُكوّن النجوم والمجرات، وتشكّلت عناصر أثقل من خلال تفاعلات الانصهار النجمي أو أثناء تخليق العناصر في المستعرات العظمى(3).
النقطة الثالثة : لم تلق نظرية الانفجار العظيم Big Bang) ) في أول الأمر قبولاً عند العلماء ، ولكن فيما بعد قدمت مجموعة من المعضدات والمؤيدات منها :
1ـ في عام 1929 نشر عالم الفلك الشهير إدوين هابل نتيجة أبحاثه أن المجرات تبتعد عنا وتتزايد سرعاتها بتزايد بعدها عنا، وذلك في جميع الإتجاهات التي ننظر إليها في الفضاء الكوني، وهذا يعني بما لايدع مجالاً للشك أن الكون كله في حالة اتساع مستمر.
وقد أعتمد في ذلك على ما يسمى بظاهرة ( الإنزياح الأحمر) والذي أصبح فيما بعد مقياسا ً لتحديد أبعاد النجوم والمجرات عنا، وهذه الظاهرة تعني زيادة طول الموجة الكهرومغناطيسية القادمة إلينا من أحد الأجرام السماوية نتيجة سرعة ابتعاده عنا، وهي تشبه ظاهرة دوبلر، وتعتبر ظاهرة هامة في علم الفلك، ومثال على ذلك : لو أننجماً يتزايد إبتعاده عن الأرض بسبب تحركه بعيداً عنا، ويكون الضوء الصادر من هذا النجم ضوءاً أصفر مثلا ً، فإن هذا الضوء نتيجة تزايد حركة إبتعاد النجم فتنزاح في اتجاه اللون الأحمر للطيف، هذه الظاهرة تحدث بسبب أن طول موجة الشعاع القادم إلينا يزداد طولها نسبيا ً بسبب حركة النجم في الإبتعاد عنا، وهذه الزيادة في طول موجة الشعاع التي تصل إلينا تجعله يظهر بلون آخر في إتجاه الطرف الأحمر من الطيف، وطبقا لظاهرة دوبلر فإن العكس يحدث إذا كان النجم يتحرك في إتجاه الأرض، فبسبب حركته ينضغط طول موجة شعاع الضوء القادم إلينا فتصبح قصيرة نسبيا ً مما يجعل الطيف الذي نسجله لهذا النجم منزاحاً في إتجاه اللون البنفسجي من الطيف(4).
إن هذا التمدد جعل مؤيداً للانفجار العظيم ، فكأن العلم من يوم انفجاره الأول وإلى الآن في حالة تمدد.
2ـ ما اكتشف آرنو بينزياس وروبرت ويلسون في سنة 1964 م وهو مصادفة الخلفية الإشعاعية للكون، التي هي إشارة أحادية في حزمة الموجات الصغرية ، قدم اكتشافهما تأكيدًا للتنبؤات بوجود خلفية إشعاعية للكون، وقد وُجد أن الإشعاع ثابت ومعظمه متسق مع طيف الجسم الأسود في كل الاتجاهات، وأن هذا الطيف انزاح انزياحًا أحمرًا من تمدد الكون، ويتوافق في الوقت الحاضر مع ما يقرب من 2.725 كلفن. مما أعطى دليل إضافي يعطي أفضلية لنموذج الانفجار العظيم، ومُنح بينزياس وويلسون جائزة نوبل سنة 1978 م(5).
3ـ توافق كيفية تشكل وتطور المجرات والنجوم والكواكب مع نظرية الانفجار.
4ـ في سنة 2011 م، وجد الفلكيون ما يعتقدون أنهما سحابتين بدائيتين من الغاز الأوليّ من خلال تحليل خطوط الامتصاص في أطياف النجوم الزائفة البعيدة. قبل هذا الاكتشاف، لوحظ أن جميع الأجسام الفلكية الأخرى تحتوي على عناصر ثقيلة التي تتكون في النجوم، بينما هاتين السحابتين من الغاز لا تحتويان على عناصر أثقل من الهيدروجين والديوتريوم. ونظرًا لأنها لا تحتوي على عناصر ثقيلة، يُعتقد أنهما تكونتا في الدقائق الأولى للانفجار العظيم خلال تخليق الانفجار العظيم النووي، حيث تتوافق مكوناتهما مع المكونات المتوقع أن ينتجها تخليق الانفجار العظيم النووي. كان ذلك دليلاً مباشرًا على أنه كانت هناك حقبة في تاريخ الكون قبل تكوّن النجوم الأولى، حينها كانت معظم المواد الأولية موجودة في صورة سحب من الهيدروجين المستقر(6).
النقطة الرابعة : إن نظرية الانفجار تعني أن الكون كان جسيماً صغيراً ثم انفجر ، ولأصحابها اهتمامات ببيان سرعة الانفجار ومقدار وضعه وتضخم الجسيمات فيه .
فقبل الانفجار العظيم كانت كثافة ما هو موجود مساوية لثابت بلانك و كان الكون مؤلفاً من مزيج حار من الجسيمات البدائية، والتي كانت تمتلك طاقة عالية جداً. و ضمن المزيج يوجد الكوارك والهايدرونات والإلكترونات والفوتونات ، وبسبب الحرارة العالية كانت هذا الجسمات منفصلة في حالة بلازما. ومع الانفجار العظيم وبدء انتفاخ الكون الناشئ انخفضت كثافة وحرارة المزيج، وبعد جزء صغير من الثانية اتحدت الكواركات مع بعضها مكونة البروتونات والنيوترونات في عملية تسمى تخليق باريوني (en). بعد مضي دقائق قليلة اتحدت البروتونات والنيوترونات لتشكل أنوية الذرية في عملية تسمى التخليق النووي. وبعد مرور مئات الآلاف من السنين إتحدت هذه البروتونات والنيوترونات مع الإلكترونات مشكلة الذرة بعملية تسمى إعادة تشكيل كوني (en). وبعد ذلك تجمعت المادة بفعل الجاذبية مع بعضها مشكلة المجرات والنجوم والأجرام السماوية(7).
النقطة الخامسة : إذا كان أصل الكون هذه الجسيمات المتناهية في الصغر فلا بد من دراسة حركة هذه الجسيمات والذرات والجزيئات لمعرفة كيفية نشأة الكون وبهذا بدأ البحث عن الميكانيكيا أو الفيزياء الكمومية ، وهي التي لا تهتم بدراسة الأجسام العادية كما في الفيزياء السابق إلى النسبية العامة لألبرت أينشتاين.
وفي هذا العالم الصغير جداً رصد العلماء ظاهرتين غريبتين :
1ـ التركب ، وجود جسيم في أكثر من مكان أو يتعدد مساره في آن واحد أو يسلك المادة والموجة .
2ـ التشابك الكمومي، وهو تبادل التأثر بين جسيمين كان جسما واحداً مع فاصل مكاني بعيد في أقل من الزمن الذي تقطعه سرعة الضوء بينهما. والذي دلل على التراكب تجربة الشق والشق المزدوج و لكي تتضح كيفية هذه التجربة أذكر أمور:
الأمر الأول : لو على جدارين لوحين أحدهما فيه الشق والآخر فيه شقان، وأطلقنا أجزاء المادة عليهما ، فإنه سوف تنفذ الأجزاء في الشقوق وتشكل خطاً كالشق في الأول وخطين في الثاني .
الأمر الثاني : أو أطلقنا موجة عليهما ، ففي الشق الواحد سنحصل على خظ واحد يشتد تمركز الأجزاء في وسطه ويضعف في أطرافه ، وأما في الشقين فبسبب تقاطع الموجات بعد الشقين نحصل على عدة خصوص كذلك.
الأمر الثالث : الملفت للنظر أن العلماء جربوا ذلك في أجزاء المادة كالالكترونات ، فوجود أنها في الشق تسلك سلوك المادة وفي الشقين سلوك الموجة!
الأمر الرابع : أحتمل العلماء أن السبب في الشقين اصطدام أجزاء المادة ، فكرروا التجربة ولكن بإطلاق إلكترون واحد كل مرة على نحو التعاقب، فصدموا بأنه سلك سلوك الموجه فهو مر من الشقين غفي آن واحد واصطدم بنفسه إذ لا يوجد إلكترون آخر لكي يصطدم به ، وهذا ما زاد العلماء دهشة !
الأمر الخامس : قاموا بتكرار التجربة مع وضع عدسة راصدة ، وإذا بإلكترون يغير سلوكه إلى سلوك المادة ، ليظهر خطان متوازيان كالشقين، وهذا ما طرح السؤال التالي : هل للرصد الخارجي كما تبدي التجربة تأثير على سلوك الجسيمات وهو ما يسمى بانهيار الموجة الاحتمالية ؟
إن من المحتمل في آن واحد أن يتعدد مكان ويختلف سلوك الجسيمات الصغيرة ، وهذا ما يجعل التكهن بمساراتها صعباً للغاية ، ولهذا ساد مبدأ الاحتمال والشك ، إلا أنه قدمت محاولات لاستكشاف قوانين الاحتمالات التي يمكن أن تعطي ضبطاً .
لقد بينت د.يُمنى الخولي في كتاب فلسفة العلم في القرن العشرين ص 179 أهم موارد فشل الفيزياء الكلاسيكية و نجاح فيزياء الكوانتم في حل جملة من المشاكل ثم قالت : وبهذا فقد أصبحت الكوانتم نظرية شاملة تحكم قبضتها على علم الإشعاع والذرة ، العلم المتناهي في الصغر ، الذي تعجز الفيزياء الكلاسيكية عن التعامل معه ، ولن تجد أي همزة وصل بينه وبين حتمية ميكانيكيتها البائدة .... إن عالم الكوانتم والذرة والإشعاع عالم لاحتمي ، وهذا انقلاب جذري في إبستمولوجيا العلم من النقيض إلى النقيض من الحتمية إلى اللاحتمية.
وقالت في ص 183 : إن الفوتون هو الكوانتا وهو الجسيم في الإشعاع كمتميز عن المجموعة ، وإذا كان كل جسيم له كتلة ، فإن الفوتون كتلته صفر . وكان الفوتون من الكيانات التي أدت إلى الانقلابة الجذرية في إبستمولوجيا العلم ، وإلى أقوى وأرسخ تصور للاحتمية ، وهو الميكانيكا الموجية.
النقطة السادسة : حيث أن العالم قد نشأ من جسيمات صغار فإنه محكوم بقوانين الفيزياء الكمومية ، وعليه فالجسم المنفجر قد وجد في عدة أماكن واتخذ سلوكيات مختلفة لا يمكن حصرها ، وهذا يعني وجود أكوان متوازية (Parallel Universes.) لهذا الكون ، إلا أن شروط البقاء أتفق توفرها في كوننا فبقيت فقاعته في الوقت الذي زالت فيه سائر الفقاعات على حد تعبير ستيفن هوكنك ، وهذا النظرية في الأساس طرحها مرشح الدكتوراة في جامعة برنسيتون هيو إيفيرت في عام 1954، وهي تتوافق مع قوانين الفيزياء الكمومية ، ووظفها كتاب التصميم العظيم في نظرية (M) التي ترى أن القوانين التي سببت الانفجار وصاحبت تشكله هي الموجدة للكون من الفراغ والعدم حيث وجد منها الكون صدمة و بقي بعد اضمحلال سائر الأكوان .
المحور الثاني : في بيان أهم الملاحظات الواردة عليها.
لقد اشتملت الدراسة التي قدمها كتاب التصميم العظيم على موارد كثيرة مرفوضة ولا يمكن القبول بها :
المورد الأول : دعوى أن أصل الكون من الفراغ وهو عدم فلا حاجة إلى فرض خالق له.
فإن ما عبر عنه بعدم ليس كذلك حقيقة وإنما هو عدم وفراغ بالنسبة إلى هيئة الكون الحاصلة بعد الانفجار ، وأما في نفسه فهو وجود فإن ما يذكر علماء الفيزياء والفلك هو أنه قبل الانفجار كان هناك موجود له كثافة مساوية لثابت بلانك و كان الكون مؤلفاً من مزيج حار من الجسيمات البدائية، والتي كانت تمتلك طاقة عالية جداً. و ضمن المزيج يوجد الكوارك و الهايدرونات و الإلكترونات و الفوتونات ، وبسبب الحرارة العالية كانت هذا الجسمات منفصلة في حالة بلازما.
فقبل الانفجار هناك شيء كان موجوداً ثم انفجر بسبب علة سابقة عليه ، ولا يمكن فرض قدم ذلك الشيء لأنه متغير والمتغير حادث ولأنه لو كان أزلياً لتحقق الانفجار من الأزل ولم يكن عمر الكون فتياً حسب قياسات العلم الحديث لا يتجاوز 14 مليار سنة ، ولو وجد الانفجار بمادته في آن واحد فهو حادث يستحيل أن لا يكون له سبب ، ف نظرية الانفجار من هذه الجهة منسجمة مع وجود خالق.
المورد الثاني : دعوى نشوء هذا الكون صدفة ضمن أكوان لا متناهية .
والذي يظهر لي ـ وإن لم أقف على نص كلامه ـ أنه لا يقصد من الصدفة وجود الشيء بلا علة فاعلية ـ كما تصور البعض ـ لما سوف يأتي في المورد الثالث من ذهابه إلى أن القانون أو نظرية (m) العلة لنشوء الكون .
فمقصوده هو الاتفاق بمعنى عدم وجود غائية ونفي الشعور والإدراك عن علة الكون وهي النظرية والقوانيين.
إلا أن حساب احتمال الرياضي ينفي احتمال الاتفاق في هذا الانسجام اللامتناهي في الكون وجعله ضعيفاً جداً لا يعتد به العقلاء ، وقد فصلت الكلام في ذلك في الرابط التالي :

المورد الثالث : نظرية الأكوان المتعددة . 
غير معقولة لأنه إن لم يكن بينها فاصل ، فهي كون واحد فلماذا يحكم بالتعدد ، و القول بأن الفاصل هو العدم واضح الفساد لأن العدم لا شيئية له ، والقول بأن الفاصل وجود يجعلها كون واحد لا تخلل بين مكوناته .
و التراكب المستكشف من خلال تجربة الشق والشق المزدوج أو التشابك الكمومي يرفض العقل رفضاً باتاً تفسيرها على أساس يتنافى مع مبدأ استحالة النقيضين أو استحالة وجود معلول بلا علة وغير ذلك من الأحكام العقلية السابقة على التجربة ، ولو لم يدرك العقل لها تفسيراً مادياً يتناسب مع الأحكام العقلية الضرورية فهذا لا يسوغ له الانتحار و قتل عقلانيته ورفض بديهياته وضرورياته ، إذ يسعه أن يفسر ذلك على أساس قوى الغيب وعلل ما وراء الطبيعة ، وهي إبداعية دفعية في فعلها .
وبهذا يتضح عدم الدليل على نظرية تعدد الأكوان فإن دليلهم ـ كما يظهر لي ـ تعدد الأماكن والمسارات في تجربة الشق والشق المزدوج ، وقد عرفت إمكانية تخريجها بفعل المختار وهو ما لا يوجب رفع اليد عن بديهيات العقل ، و لا تتمكن التجربة من معرفة تعدد الأكوان التي خلقها الفاعل المختار ، إلا برصد الكون من الخارج ولا أعتقد أن ستيفن هوكنغ وليوناردو ملودينو قاما بهذه التجربة ! 
المورد الرابع : دعوى أن القوانين المشكلة لنظرية (m) هي علة الكون. 
وقد سبق كتاب التصميم جملة من العلماء الغربيين منهم بيير لابلاس في كتابه "الميكانيكا السماوية" حيث حاول تفسير دوران الكوكب بصورة منتظمة، تفسيرا طبيعياً زاعمًا أن ذلك يؤكد عدم الحاجة للتدخل الإلهي .
وكان نيوتن يخالف هذا الطرح حيث اشتهر عنه القول : تفسر الجاذبية حركة الكواكب، ولكنها لا تفسر من الذي يجعلها تتحرك. فالله يحكم كل شيء ويعرف كل شيء وما يمكن أن يكون.
إن القانون لا يمكن أن يكون بديلاً عن فكرة وجود إله خالق للكون وذلك لأمرين:
الأمر الأول : هو أن القانون تفسير لما يجري ، وتسجيل للعلاقات المتبادلة بين أجزاء المادة ، وليس هو الموجد للأجزاء والمحقق لها و المحدث للظاهرة ، ولعل هذا هو المراد من قول نيوتن : (ولكنها لا تفسر من الذي يجعلها تتحرك).
الأمر الثاني : هو أن نفس القانون يحتاج في تفسيره إلى تعليل ، فلماذا الحرارة سبب لتمدد الحديد والبرودة سبب لانكماشه ، ولماذا الأرض تجذب ما عليها والكتلة تتأثر بالسرعة؟
أن هذه الأسئلة تحتاج إلى بيان العلة والسبب ، ولا يمكن القول بأن السبب نفس القوانين لاستحالة سببية الشيء لنفسه.
الهوامش :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)ـ راجع موقع ويكيبيديا :
(2)ـ المصدر السابق.
(3) ـ المصدر :
(4)ـ المصدر :
(5) ـ نفس المصدر.
(6). المصدر
(7)ـ المصدر :

No comments:

Post a Comment