Sunday, April 5, 2015

الحب الإلهي استواء الرحمن على عرش القلوب

محاضرة : لسماحة الشيخ حيدر السندي (حفظه الله)
قال الله العلي العظيم في كتابه الكريم: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ }(آل عمران:31) صدق الله العلي العظيم.
يقع البحث حول عنوان (الحب الإلهي استواء الرحمن على عرش القلوب) في نقاط ثلاث:
النقطة الأولى: تعريف الحب.
من الصعب أن نظفر في كتب اللغة بتحديد وتوضيح لمدلول مفردة الحب ، وذلك لأنه بعد المراجعة وجدت أنّ علماء اللغة انقسموا في تحديد المراد من مفردة الحب إلى قسمين:
القسم الأول: من عرف الحب بالمودة، وهؤلاء لما جاءوا إلى مفردة المودة فسروها بالحب.
فالمتحصل من هؤلاء هو أنّ الحب يعني المودة والمودة تعني الحب، وهذا المقدار لا يعطينا توضيحاً لمفهوم هذه المفردة.
القسم الثاني: من عرف الحب بأنه نقيض البغض، وهؤلاء أيضاً كالقسم الأول لما جاءوا للبغض عرفوه بأنه نقيض الحب، فالنتيجة الحب نقيض البغض والبغض نقيض الحب.
فمن خلال كتب اللغة لا يمكن أن نتحصل على تعريف يحدد لنا المراد من هذه المفردة ، نعم ؛ علماء العرفان والفلسفة والأخلاق والتفسير قدموا تعريفات ثلاثة :
و قبل بيان التعريفات الثلاثة أذكر تنبيهاً ، وهو أنّ الحب أمر وجداني لا يدركه الإنسان بعقله وبحواسه وإنما يدركه بجهاز الوجدان أو جهاز القلب، فهو مثل الاطمئنان والخوف والأمل، وعليه يكون الميزان في تحديد المراد منه نفس الوجدان فأي تعريف يذكر تعريفاً للحب موافقاً ومطابقاً للوجدان يكون تعريفاً صحيحاً، وإذا لم يكن كذلك فلا يكون تعريفا صحيحاً.
تعريفات الحب:
التعريف الأول: هو إدراك الكمال والمصلحة.
فإذا أدركت أنّ شيئاً كمال في نفسه، أو كمال بالنسبة إليك يحقق مصلحة، فنفس إدراكك هو الحب.
التعريف الثاني: هو الميل والرغبة الحاصلان والمسببان من إدراك الكمال والمصلحة.
فالإنسان إذا أدرك شيئاً بالنسبة إليه كمال، فنفس الإدراك ليس حباً ، وإنما الحب شيء يحصل من هذا الإدراك وهو الميل والرغبة، قال الإمام الحسن عليه السلام: (من عرف ربه أحبه، ومن أبصر الدنيا زهد فيها)(الهم والحزن لابن أبي الدنيا ص70) أي من أدرك أنّ الله تعالى كمال مطلق جامع لكل كمال وهو الجمال المحض أحبه ، فالحب يترتب على الإدراك ، وليس الحب معرفة الله وإدراك أنّ الله تبارك وتعالى كمال بل هي شيء يتفرع على ذلك .
التعريف الثالث: وهو أنه كسائر الأمور الوجدانية لا يمكن تحديده بحد منطقي من جنس وفصل.
فمثلاً لا يمكن أن تحديد السكينة والاطمئنان، نعم؛ نحن نميز هذه المفاهيم بالوجدان ونعطي آثاراً لها تكون مميزة ، فنميز بين مفهوم الخوف عن غيره بآثار الخوف، وبين مفهوم الاطمئنان وغيره بآثار الاطمئنان، ولا يمكن أن نقدم تعريفاً، و الحب كذلك ، فنحن ندرك أنّ الحب شيء مختلف عن إدراك الكمال والمصلحة خلافاً لأصحاب التعريف الأول وأيضاً هو شيء مختلف عن الرغبة والميل خلافاً لأصحاب التعريف الثاني وإنما هو حالة وسطية بين الإدراك والرغبة، فالإنسان إذا أدرك أنّ شيئاً كمال بالنسبة إليه يحبه، وإذا أحبه يميل ويرغب إليه، فالرغبة معلول للحب والحب معلول للإدراك، ولعل هذا التعريف هو التعريف الأقرب للوجدان، ويوجد وجهان يثبتان ذلك:
الوجه الأول: أنّ الحب لو كان الرغبة والميل للزم من ذلك أن لا يتحقق الحب إلاّ إذا كان المحبوب مفقوداً، لأنّ الإنسان لا يرغب إلى شيء موجود عنده ، وإنما يرغب في الأمر المفقود، فلا يميل لتحصيل شيء إلاّ كان ذلك الشيء مفقوداً، فالجائع يرغب في تناول الطعام وأما الشبعان لا توجد لديه رغبة في تناول الطعام لأنه واجد للحاجة التي يتحصل عليها من خلال الأكل، فلو كان الحب هو الرغبة والميل للزم من ذلك أن لا يتحقق الحب إلاّ إذا كان المحبوب مفقوداً، مع أنه بالوجدان ندرك أنّ الحب قد يكون موجوداً و المحبوب موجود ليس مفقوداً، فكل واحد منا يحب نفسه ويدرك أنه محب لنفسه، ومع ذلك نفسه بالنسبة إليه موجودة ليست مفقودة.
إذن مفهوم الحب يختلف عن مفهوم الرغبة والميل لأنّهما لا يوجدان إلاّ مع الفقدان بينما الحب يوجد مع الوجدان، فيمكن أن يتحقق مع أنّ المحبوب موجود.
الوجه الثاني: هو أنّ الحب لا يتصف به المخلوق فقط بل يتصف به أيضاً الخالق تعالى، قال تبارك وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}(البقرة:222)، وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ }(آل عمران:31)، وقال تعالى أيضاً في حديث قدسي: (كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لأعرف)(شرح أصول الكافي للمازندراني ج1 ص24)، والباري تبارك وتعالى لا يمكن أن يتصف بالميل والرغبة، فالميل والرغبة صفات حادثة متجددة والباري تعالى لا يتصف بها أبداً فهو كمال مطلق وكل كماله ثابت بالفعل من الأزل ، وإلى الأبد، فلا يتصف بالشوق والرغبة والميل مع أنه يتصف بالحب.
و قد ذهب المحقق الأصفهاني (رحمه الله) صاحب نهاية الدراية إلى أن من صفات الله الذاتية أنه يحب ذاته، كما أنّ الصفات الذاتية القدرة والسمع، فمن الصفات الذاتية التي عين ذاته أنه محب لذاته، لأنّ حب الكمال كمال وذاته عين الكمال فهو محب لذاته فلا يفتقر إلى كمال حب ذاته.
والخلاصة: إذا كان تبارك وتعالى محباً لذاته ولكنه لا يتصف بالرغبة والميل، إذن مفهوم الحب يختلف عن مفهوم الرغبة والميل.
نعم؛ الموجود الناقص والمستكمل إذا أحب كمالاً مفقوداً يترتب على حبه الميل والرغبة، أما الموجود الواجد لكل كمال أو الواجد للكمال ما فهو يحب الكمال الموجود من دون ميل ورغبة.
النقطة الثانية: فطرية حب الله عز وجل.
هل الإنسان فطر على محبة الله تبارك وتعالى أو هو فطر على أمر آخر وذلك الأمر الآخر يدعو إلى حب الله عز وجل؟
بلا إشكال نحن نحب الله تبارك وتعالى، نحن نحب الكمال وهو عين الكمال، فهل نحن فطرنا على هذا الحب بحيث أودع في وجودنا حب الله تبارك وتعالى أو فطرنا على أمر آخر لكن ذلك الأمر سبب لحصول هذا الحب في قلوبنا؟
وللإجابة على هذا السؤال قدم الباحثون نظريتين:
النظرية الأولى: نظرية العلامة الطباطبائي (رحمه الله)صاحب الميزان.
وترى هذه النظرية أنّ الإنسان لم يفطر على حب الله تبارك وتعالى وإنما فطر على حب ذاته، لهذا هو بمقتضى فطرته يتحرك نحو تحصيل كمالاته، فإذا أدرك بالبرهان أنه هنالك إله وأنه المالك المطلق للكون وبيده كل الكمالات والمصالح ولا يمكن أن يصل إلى ذاته المحبوبة كمال إلاّ بفيضه، لا يمكن أن يتحصل على مصلحة إلاّ إذا شاء هذا الإله له تلك المصلحة فأنه سوف يحب ذلك الإله ، من هنا يقول حب الله تبارك وتعالى هو انعكاس لحب الذات لأن الإنسان يحب ذاته فهو يحب الله تبارك وتعالى.
وبعبارة أخرى: أنت تحب ذاتك وتدرك أنّ هذا الذات المحبوبة من الله تبارك وتعالى، هو الذي تفضل عليك بها، تحب كمالاتك وتدرك أنّ هذه المصالح والكمالات هو تفضل من الله ، فتحب الله تبارك وتعالى لأنه منعم على ذاتك، فهو أعطاك محبوبك، وأنعم عليك بالكمالات فتحبه لإنعامه على ذاتك، وإلاّ أنت مفطور على حب ذاتك، ولأنك تحب ذاتك تحب المنعم على هذه الذات.
النظرية الثانية: الإنسان مفطور على حب الله تبارك وتعالى، وليس حب الله انعكاساً لحب الذات، بل الإنسان فطر على حب الجمال المطلق والكمال المطلق والجمال والكمال المطلقان هما الله تبارك وتعالى، قال سبحانه: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}(الروم:30) الإنسان فطر على الدين ومن الدين حب الله تبارك وتعالى، وقال الإمام الباقر عليه السلام: (الدين هو الحب والحب هو الدين)(ميزان الحكمة للريشهري ج1 ص502)، وقال الإمام الصادق عليه السلام أيضاً: (وهل الدين إلاّ الحب)(نفس المصدر السابق) وفي دعاء عرفة المنسوب إلى سيد الشهداء عليه السلام: (أنت الذي أزلت الأغيار عن قلوب أحبائك، حتى لم يحبوا سواك) أنت الذي جعلتهم لا يحبون إلاّ أنت، فأزلت الأغيار عن قلوبهم حتى أصبحت قلوبهم مملكة خالية لا يشغلها إلا حبك.
والذي يدل على أنّ الإنسان فطر على حب الله تبارك وتعالى الروايات الكثيرة التي تقسم العباد إلى ثلاثة أقسام، يقول الإمام الصادق عليه السلام: (إن العباد ثلاثة: قوم عبدوا الله عز وجل خوفا فتلك عبادة العبيد وقوم عبدوا الله تبارك وتعالى طلب الثواب ، فتلك عبادة الاجراء ، وقوم عبدوا الله عز وجل حبا له ، فتلك عبادة الأحرار وهي أفضل العبادة)(الكافي للكليني ج2 ص48) وأفضل الأحرار محمد وآل محمد، يقول أمير المؤمنين عليه السلام: (ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك ولكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك)(شرح أصول الكافي للمازندراني ج1 ص254)، وجود عبادة الأحرار دليل على أنّ الإنسان فطر على حب الله تبارك وتعالى وأنّ حب الإنسان لله ليس انعكاساً لحبه ذاته لأنه لو كان الإنسان فطر على حب ذاته للزم أن تكون عبادة منقسمة إلى قسمين إما عبادة عبيد أو تجار، فالإنسان إما يعبد جلباً لمصلحة ذاته حباً في الجنة أو يعبد دفع للضرر عنها خوفاً من النار، مع أنّ الروايات تقول هناك قسم ثالث وهو عبادة حب الذات المقدسة، .
النقطة الثالثة: في ركني قيمة الحب الإلهي.
حبنا لله تعالى الذي فطرنا عليه تكون له القيمة المرجوة منه إذا توفر ركنان:
الركن الأول: محورية حب الله تبارك وتعالى.
أن يكون حب الله تبارك وتعالى الحب الأساس في قلبك، وأن يكون كل حب تابعاً لحب الله عز وجل، يقول العرفاء الباري تعالى خلق الإنسان نظاماً مصغراً يماثل هذا النظام العظيم، خلق السماوات والأرض وما فيهن وما بينهن من الكائنات.
أتزعم جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
أنت نموذج مصغر لهذا الكون الرحب لهذه الموجودات العظيمة المترامية الأطراف، كمالك في أن تكون نظاماً مطابقاً لهذا النظام الكبير، وفي هذا النظام الكبير المركز هو الله تبارك وتعالى .
الغني المطلق المستقل الوحيد هو الله تعالى وسائر الموجودات موجودات تعلقية فقيرة محتاجة إلى الله الغني ى، ففي العالم الكبير يوجد مركز، وكذلك في العالم الصغير يوجد مركز وهو الله تعالى، ومركزية الله تعالى في أن يكون محور الحب، حبه هو الأساس، يجوز لك أن تحب غير الله بل يجب عليك أن تحب غير الله يجب حب النبي وآله صلوات الله عليهم أجمعين ولكن عليك أن تجعل كل حب تابعاً لحب الله عز وجل، من حقك أن تحب ذاتك وأسرتك ووطنك ومصلحتك ولكن لتكن هذه الأنواع من الحب في طول حب الله لا في عرضه تبارك وتعالى، وهذا معنى توحيد الحب.
نحن عندنا توحيد الذات، وهو الاعتقاد بأنّ الله تبارك وتعالى لا شريك في ذاته، وعندنا توحيد الصفات وهو الاعتقاد بأنّ الله تبارك وتعالى لا شريك له في ذاته، وعندنا توحيد الفعل، الوجود المستقل الوحيد الذي يفعل عن غنى هو الله تبارك وتعالى والاعتقاد بلك توحيد في الفعل، وعندنا توحيد الوثوق، لا يجوز أن تثق بموجود على أنه مستقل إلاّ إذا كان الله تبارك وتعالى، وعندنا توحيد التوكل وتوحيد الرغبة وتوحيد الدعاء، وعندنا توحيد الحب وذلك بأن تجعل الله تبارك وتعالى المحبوب أولاً وبالذات وتجعل غيره محبوباً ثانياً وبالعرض، {وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ}(البقرة:165)، هذا توحيد الحب، كما أنّ الله تبارك وتعالى مستوياً على عرش العالم الكبير، {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}(طه:5) ينبغي أن يكون مستوياً على عرش قلبك، وفي الرواية (قلب المؤمن عرش الرحمن)، قال الإمام الصادق عليه السلام: (القلب حرم الله، فلا تسكن حرم الله غير الله)(ميزان الحكمة للريشهري ج1 ص502)، اجعل الله تبارك وتعالى المحور في قلبك، وكل حب أجعله تابعاً لحب الله عز وجل، وهذا يعني أنّ الحب ينبغي أن يكون ضمن الإطار الذي يريده الله تبارك وتعالى.
للأسف في هذا الزمان انتشرت ظاهرة إقامة العلاقة الغرامية بين الجنسين خارج إطار الأسرة والحدود الشرعية التي حددها الله تبارك وتعالى، امرأة تتعرف على شخص من خلال موقع بالانترنيت أو أي برنامج من برامج التواصل ثم تقيم معه علاقة وهو يقيم معها علاقة، وتبدأ الرسائل الغرامية، هذه العلاقة لا تنطلق من حب الله تبارك وتعالى وهي لا تجتمع مع حب الله تبارك وتعالى وإنما هي تنطلق من حب الدنيا، تنطلق من شهوة، هذا الحب ليس حباً حقيقياً بل هو حب مزيف، الحب الحقيقي الذي يُقره العقل هو حب الله تبارك وتعالى، وكل حب ينتهي إلى مرضاة الله تبارك وتعالى، الحب بين الجنسين المختلفين أراده الله تبارك وتعالى ضمن الأسرة ضمن قوانين شرعها تعالى لا يجوز أن نتحدى هذه القوانين، الباري تعالى يقول: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ}(الأحزاب:32)، هذا هو حكمه تبارك وتعالى، ينبغي أن نراعي هذا الحكم ونرجوا لله تبارك وتعالى وقاراً، طبعاً؛ هناك أسباب لهذه الظاهرة من أهمها ضعف الإيمان، فإذا لم يوجد إيمان ووازع ديني قد يتخذ الرجل والمرأة هذا الطريق.
للأسف بعض النساء يقمن علاقة غرامية وهن متزوجات، زميل في العمل وجدت منه كلام جميل كلمات إعجاب، بينما هي في البيت لا تجد إلاّ جفاف عاطفي، فالمرأة تريد كلاماً جميلاً تريد مدحاً هي امرأة لها مشاعر وأحاسيس، فإذا لم تجد هذه الكلمات في الأسرة وكانت ضعيفة في دينها، فقد تنحرف .
أنا لا أعطيها مبرراً ، إذا كان الزوج جاف، جفافه لا يبرر معصية الله تبارك وتعالى ولكن جفاف الزوج يعين على المعصية ، وهذا يؤدي إلى تفكك الأسرة، الآن كثير من حالات الطلاق سببها هذه العلاقات الغرامية غير الشرعية، فالجنسان ينبغي أن يلتفتان إلى واقعهما، وأن يتدبرا أمرهما، لا يكن حب الدنيا هو المحرك، والميل الى تحقيق رغبات الشهوة هو المحرك في إقامة العلاقة، ينبغي أن يكون المحور حب الله تبارك وتعالى، قال الإمام الصادق عليه السلام: (لا يجتمع حبان متضادان في قلب واحد)(بحار الأنوار للمجلسي ج70 ص24).
ليس المقصود من حب الدنيا في الروايات التي تحذر من حب الدنيا مطلق أن يميل الإنسان نحو تحقيق مصالحه الدنيوية، المقصود أن تجعل الدنيا محوراً ومركزاً كحب الله تبارك وتعالى أو أشد ، فتتحرك لتحقيق رغباتك الدنيوية ولو على حساب إرادة الله تبارك وتعالى، في قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}(الشعراء:89) يقول الإمام الصادق عيه السلام: (القلب السليم الذي يلقى ربه، وليس فيه أحد سواه)(ميزان الحكمة للريشهري ج3 ص2603) لهذا ينبغي أن يلتفت الإنسان إلى أهمية تهذيب النفس وتزكيتها وتربيتها على حب الله تبارك وتعالى.
الركن الثاني: الإتباع.
قال الله تبارك وتعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ }(آل عمران:31)، حب الله ليس مجرد شعور قلبي بل له انعكاس سلوكي، أن تكون تابعاً لله تبارك وتعالى في قولك وفي العقيدة وفي القوانين والتشريعات.
أن تجعل نفسك طيعة تابعة لقوانين الله تبارك وتعالى وتتدرع بهذه التبعية تدفع بها الشبهات و الإشكالات التي تثار حول تشاريع الإسلام، إذْ هناك شبهات يواجهها المؤمن اتجاه أحكام الباري تبارك وتعالى.
على سبيل المثال هناك سؤال يطرح حول نظام الإرث في الإسلام، فالبعض يقول الإسلام في نظام الإرث يراعي الذكر لأنه ذكر، قانونه ذكوري، و يظلم المرأة والأنثى ويعطي الذكر امتياز عليها ، { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ }(النساء:11).
طبعاً؛ توجد أجوبة خاصة على هذا السؤال، فمن يطرح هذا السؤال في الواقع لا يعرف نظام الإرث في الإسلام، فنظام الإرث لا يبتني على ميزان الذكورية بل توجد كثير من الموارد أن المرأة ترث أكثر من الرجل، بل ترث أضعاف الرجل ، مثلاً لو أن شخصاً ترك أماً وعشرين ابناً، فالأم تأخذ السدس، والبقية كل واحد يأخذ ربع السدس.
غير أنه يوجد جواب عام وهو التبعية لله تبارك وتعالى، فأي سؤال يواجهه المؤمن من هذا القبيل، ينبغي أن يُقال في مقام الجواب عليه: نحن نتهم أنفسنا بالجهل وعدم العلم ولا نتهم الخالق ، نحن تابعون لله تبارك وتعالى في أحكامه وتشريعاته.
بالأمس قلنا هناك برهان عقلي على هذا الجواب:
الدليل العقلي الذي أثبت أنّ الله تعالى الكامل المطلق والأعلم والأخبر فيما إذا وضع قانوناً هو الدليل يثبت بأنّ تشريع الله حكيم وصواب و أن أفضل تشريع يمكن أن يكون هو التشريع الذي يضعه الله تبارك وتعالى وليس التشريع الذي يضعه العقل البشري، هذا تعبير آخر عن التبعية لله تبارك وتعالى في القول.
ولابد أيضاً من التبعية لله تبارك وتعالى في الفعل، الذي يحب شخصاً يحب أن يستمع إليه، فالله تعالى يخاطبك ويكلمك من خلال قرآنه، لقد تجلى الله تعالى لخلقه في كتابه ولكن لا يعلمون، لماذا لا نضع لنا برنامجاً مع القرآن نستمع من خلاله إلى المحبوب، تحب الباري تعالى ولا تحب أن تستمتع إليه هل هذا معقول ! الذي يحب موجوداً يحب أن يتكلم معه، وأن يخاطبه، الدعاء هو خطابك مع الله تبارك وتعالى، {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}(غافر:60)، لابد من وضع برنامج يومي أساسي نتحدث فيه مع المحبوب الأساسي.
من أحب الله أطاعه فإن الذي يحب يطيع.
لو كنت صادق حبه لأعطته إن المحب لمن أحب مطيع
تحب الباري تعالى و تعصيه ، هل هنالك من يبحث عن سخط محبوبه! المحب لابد أن يكون تابعاً للمحبوب الحقيقي وهو الله تعالى في أقواله وأفعاله، بأن يجعل إرادته تابعة لإرادة الله عز وجل، نحن في أول الطريق لعله في أكثر الأعمال قد لا تكون إراداتنا تابعة لإرادة الله تبارك وتعالى ولكن بعد التأمل والمجاهدة تتسع دائرة الأفعال التي تكون فيها إرادتنا تابعة ثم نصل إلى مقام تكون أكثر أعمالنا تابعة لله تبارك وتعال ،و وبعض الأولياء وصل إلى مقام كل أفعاله تابعة لإرادة الله تبارك وتعالى، أبو الفضل العباس عليه السلام ليس عندنا شك في أنّه في كل فعل وترك تابع لإرادة الله تعالى وكذلك السيدة زينب عليها السلام، ويوجد أعلى من هذا المقام وهو مقام المعصومين الأربعة عشر (عليهم السلام)، هؤلاء لا توجد عندهم إرادة تابعة لإرادة الله تبارك وتعالى، بل إرادتهم هي عين إرادة الله تبارك وتعالى، ففي الزيارة الجامعة يقول الهادي عليه السلام: (العاملون بإرادته)، فعلهم مجرى لإرادة الله تبارك وتعالى، فالإمام الحسين عليه السلام إذا رفع يده فهو يرفع يد الله تبارك وتعالى، إذا حرك لسانه ونطلق فهو لسان الله الناطق، منذ أن خرج من مكة إلى أن وصل إلى كربلاء، لا يصعد صلوات الله وسلامه عليه مرتفعاً من الأرض ولا ينخفض في منخفض من الله إلاّ بإرادة الله تبارك وتعالى، لهذا يشتاق إلى الموت أشد الاشتياق، يقول عليه السلام: (وما أولهني إلى أسلامي، اشتياق يعقوب إلى يوسف وخير لي مصرع أنا لاقيه) نعم هو يشتاق إلى مصرعه لأن هذا المصرع هو إرادة الله تبارك وتعال .
القيت المحاضرة بتاريخ: 5 / 1 / 1436 ه

No comments:

Post a Comment