Monday, April 6, 2015

الإلحاد بين الخيال والواقعية

محاضرة لسماحة الشيخ حيدر السندي(حفظه الله)
قال تعالى : { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}(آل عمران:190) صدق الله العلي العظيم.
كلامنا حول (الإلحاد ) سيكون ضمن نقطتين:
النقطة الأولى: في تعريف الإلحاد وبيان أقسامه وتأريخه.
معنى الالحاد لغة:
هو الميل يقول الخليل في كتاب العين ألحد إليه أو لحد إليه مال إليه، ومنه ما ذكره في الكشاف من أنّ الالحاد الميل عن القصد، فمن كان عنده غاية وهدف وانحرف في سلوكه عن ذلك الهدف يقال عنه مال عن هدفه، ولأنّ القول بخلاف الواقع ميل عن الحقيقة أطلق الالحاد على كل اعتقاد غير مطابق للواقع، فمن لم يعتقد بوجود الله تبارك وتعالى يقال عنه ملحد لأنه مال عن هذه الحقيقة، حقيقة ان لهذا الكون إلها .
من اعتقد بوجود صانع ولكنه لم يعتقد بتوحيده أيضاً بحسب الاستعمال اللغوي يقال عنه ملحد لأنه مال عن الحق في مسألة التوحيد،من اعتقد بالله واعتقد بتوحيده ولكن نسب إليه صفات لا تليق بذاته ولا تتناسب مع عظيم قدسه يقال عنه ملحد ولكنه في صفات الله تبارك وتعالى.
في دعاء شهر رمضان نقول: (اللهم نسألك في هذا الشهر بحق هذا الشهر وبحق من تعبد لك فيه من ابتدائه إلى وقت نهايته من ملك قربته أو رسول أرسلته أو مؤمن صالح اختصصته أن تجنبنا الالحاد في توحيدك)(مصباح المتهجد للشيخ الطوسي ص609) هنا استعمل الالحاد ولكن في توحيد الله تبارك وتعالى، القرآن الكريم يقول: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَفِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(الأعراف:180) هنا أطلق الالحاد على الانحراف في أسماء الله تعالى، الذي يثبت لله صفات لا تتناسب مع كمال ذاته ملحد ولكنه في أسماء الله تبارك وتعالى، في اللغة لان الالحاد مطلق الميل لا يطلق على الانحراف في القول والاعتقاد فقط بل يطلق على الانحراف في العمل والسلوك ايضا ، إذا عمل الإنسان عملاً سيئاً يقال له مال عن الفعل الحسن، وإذا اتخذ موقفاً غير مناسب يقال مال عن الموقف المناسب، ويطلق على هذا الفعل الالحاد، يقول الإمام الصادق عليه السلام: (كل ظلم إلحاد وضرب الخادم في غير ذنب من ذلك الالحاد)(الكافي للشيخ الكليني ج4 ص227) الظلم و ضرب الخادم سلوك، ومع ذلك الإمام الصادق عليه السلام يستخدم كلمة الالحاد في هذا السلوك لأنه سلوك غير صحيح.
هذا هو الالحاج في اللغة يطلق على كل ميل وانحراف ولو كان ذلك الميل والانحراف صدر ممن يعتقد بوجود الله تبارك وتعالى.
الالحاد في الاصطلاح:
هو عدم الاعتقاد بوجود إله صانع للكون.
الالحاد بهذا الاصطلاح يقسم إلى قسمين:
القسم الأول: ما يسمى بالالحاد القوي أو الالحاد الموجب.
وهو أن يعتقد الإنسان بعدم وجود إله، ليس فقط لا يعتقد بالوجود بل يعتقد بالعدم، أي عنده قناعة بأنّ الإله غير موجود.
هذا الالحاد القوي له تأريخ قديم يعود إلى خمسة قرون قبل الميلاد، في تلك الفترة وجد مذهب فلسفي يعتقد بعدم وجود واقعية للأشياء، يقول لا تحقق للأشياء في الخارج، لا يوجد خالق ولا يوجد مخلوق، هؤلاء ليسوا ملاحدة فحب بل هم يعتقدون بعدم وجود شيء حتى المخلوقات لا يعتقدون بوجودها، كان لهم مجموعة من المفكرين منهم جورجياس، له مقالة يقول فيها: لا واقعية للأشياء، كل ما في الكون وهم وخيال أو عكوس في مرايا أو ظلال، لا واقعية للأشياء، وعلى تقدير وجود واقعية لا يمكن أن نتعرف عليها، لا يمكن أن نتعرف هل هي قديمة أو حادث ،وإذا أمكن أن نتعرف عليها لا يمكن أن نعرفها للآخرين .
هذا الفكر الالحادي واجهه الإلهيون بقوة في ذلك الزمان، تصدى له الأنبياء والفلاسفة الإلهيون وتصدى له سقراط وهو أول الفلاسفة الذين تصدوا لمواجهة التيار السفسطائي الالحادي الذي لا يؤمن بوجود واقعية أصلاً، ثم من بعده تلميذه أفلاطون ومن بعده أرسطو، وقد وضع ما يسمى بالمنطق الصوري، وقد صفع الالحاد بمنطقه صفعة قوية، ولكن لم يجهز عليه فبقي فيه رمق، استمر إلى نزول القرآن الكريم، القرآن الكريم تعرض لبعض أفكار الملاحدةيقول تبارك وتعالى: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُوَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ}(الجاثية:24) الروايات تقول: بعد زمان رسول الله صلى الله عليه وآله أيضاً استمر الالحاد بل الالحاد كان قوياً له جماعة يمثلونه، تطلق عليه مجموعة من الأسماء تارة يقال عنهم دهريون واُخرى زنادقة و ثالثة صابئة،ولهؤلاء مناظرات ، عندهم شجاعة على أن يدافعوا عن أفكارهم حتى بمحضر الأئمة عليهم السلام ولهم مناظرات ونقاشات مع المعصومين عليهم السلام، الطبرسي في كتاب الاحتجاج نقل مجموعة من المناظرات التي وقعت بين الملاحدةوبين المعصومين عليهم السلام.
العلامة المجلسي له باب في البحار بعنوان احتجاجات الامام الصادق عليه السلام مع الزنادقة، نقل قرابة 21 مناظرة، هذه المناظرات مهمة جداً لأنها وقعت بين مفكري الالحاد في ذلك الزمان وبين أعظم شخصية يمكن أن تدافع عن وجود الله تعالى، لهذا ينبغي على المؤمن يهتم بقراءة هذه المناظرات لأنها تكشف عن قوة الأئمة عليهم السلام في رد شبهات الملاحدة، هي عبارة عن مؤتمرات فكرية عقدت في ذلك الزمان، مجالس فكرية على مستوى رفيع جداً يحضر فيه زعيم الإسلام ويحضر زعماء الملاحدة يقع حوار يعرضون أفكارهم فيفند الإمام عليه السلام تلك الأفكار.
يظهر من بعض الروايات أنّ الملاحدة كان لهم تأثير قوي في زمن الأئمة عليهم السلام بحيث جماعة من الناس أخذوا يخرجون من الاعتقاد بوجود إله إلى الالحاد، المفضل بن عمر عنده رسالة إلى الامام الصادق عليه السلام كتب إلى الإمام أنّ قوماً يجحدون الربوبية ولا يكتفون بالجحود بل عندهم منابر إعلامية يناقشون يحاججون، يبرزون أفكارهم، يحاولون أن يثبتوا فكرة الالحاد فأجابه الإمام الصادق عليه السلام بجواب مفصل، استعرض أقوال الملاحدة قولاً قولاً ثم فند تلك الأقوال جميعاً(راجع بحار الأنوار للمجلسي ج3 ص152).
الالحاد أيضاً لم ينتهِ في زمن ظهور الأئمة عليهم السلام، بل استمر إلى يوم الناس هذا، وصار له فلاسفة مفكرون يدعمون الالحاد ويدعون إليه منهم مثلاً ديفد هوم،الأب الروحي للاتجاه الحسي في مصادر المعرفة، منهم أغست كونت صاحب المنطق الوضعي، طبعاً؛ المنطق الوضعي تقريباً الآن هو المنطق الغالب على فكر الملاحدة ثم جاء جملة من الملاحدة ومنهم نيشه الذي يقول مات الإله وقبر من سنين عديدة، هذا كان عنده زهو وإعجاب بنظريته وكان يتغطرس إلى حد أنه يعتقد بأنّ فكرة الاله ماتت، الموجود فقط مجرد أقوال أما عقيدة التوحيد لا وجود له، عقيدة الالحاد هي العقيدة الطاغية، هؤلاء لأنهم يعرضون فكرهم ويقدمون أدلتهم،صار لهم تأثير فأخذ الالحاد ينتشر ليس في بلاد الشرق والغرب بل في بلاد المسلمين. هؤلاء حسب بعض الإحصاءات يبلغ عددهم ٣،١٣٪ من اجمالي عدد سكان الارض .
القسم الثاني: الإلحاد الضعيف أو السلبي.
وهم الذين يقولون نحن لا ندري هل هناك إله أو لا ، فلا يوجد عندنا تصور وافي و أدلة تامة تثبت الإله، ولا يوجد عندنا تصور وافي و أدلة تامة تنفي الإله.
هؤلاء بحسب بعض الإحصاءات بلغ عددهم يبلغ 12% من اجمالي سكان الارض .
والقرآن الكريم تعرض لفكر هؤلاء، يقول تبارك وتعالى منكرا عليهم: {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}(إبراهيم:10).
النقطة الثانية: بيان الأسباب التي توقع الإنسان في الإلحاد.
لماذا الالحاد ينتشر ولماذا يتخذونه منهجاً؟
الباحثون ذكروا أسباباً كثيرة، ونحن لا يمكن أن نتعرض في محاضرة واحدة لكل هذه الأسباب وتقييمها، ولكن على نحو الإجمال لا يوجد برهان علمي يبرر عقيدة الالحاد،نعم؛ هناك مجموعة من العوامل نتعرض لثلاثة منها:
السبب الأول: الجهل والكسل الذهني.
بعض الناس عندهم جهل لا يريدون أن ينقحوا وينقبوا في أدلة وجود الله ولذا يكون موطنهم الجهل، والجهل يقودهم إلى الالحاد.
لما عرف الالحاد بأنه (عدم الاعتقاد بوجود إله) ، اعترض جملة من الملاحدة على هذا التعريف منهم جورج اسمث.
قال ينبغي أن يضاف قيد إلى هذا التعريف فيقال : (الإلحاد وهو عدم الاعتقاد بوجود الله عن تأمل وتحقق وتدقيق).
فاعترض جملة من الإلهيين منهم الفيلسوف الفرنسي المشهور مورس، قال: إذا أردنا أن نضيف هذا القيد يلزم أن لا يوجد ملحد في العالم، لأنه لا يوجد ملحد لا يعتقد بوجود الله استناداً إلى التأمل والتحقيق والتأمل، عدم تدبر والتأمل هو سبب وقوعهم في الالحاد.
أدلة وجود الله تبارك وتعالى أدلة متوافرة كثيرة، من كثرتها يبصرها الأعمى ويسمعها الأصم، يقول تبارك وتعالى:{سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}(فصلت:52)، أمير المؤمنين عليه السلام يقول: (البعرة تدل على البعير ، والروثه تدل على الحمير ، وآثار القدم تدلعلى المسير ، فهيكل علوي بهذه اللطافة ومركز سفلي بهذهالكثافة كيف لا يدلان على اللطيف الخبير؟)(بحار الأنوار -العلامة المجلسي - ج 3 - ص 55)
الشاعر العربي كان يقول:
في كل شيء له آية تدل على أنه الواحد.
قال الشاعر هذه المقالة (كل شيء يدل على وجود الله تبارك وتعالى)، قبل أن تكتشف الذرة، ويكتشف ما في الذرة من أجزاء، الآن العلماء بعد أن تطوروا في الفلك والكيمياء والفيزياء والرياضيات توصلوا إلى هذه النتيجة التي يقولها هذا الشاعر، الآن العلماء يقولون هذا الكون يتكون من ذرات،والذرات تتكون من أجزاء، كل جزء من أجزاء كل ذرة في الكون هو دليل وبرهان على وجود الله تبارك وتعالى.
لإثبات ذلك قدمت مجموعة من البراهين بعضها براهين فلسفية، وبعضها براهين علمية نحن نكتفي بنقل دليل واحد وهو الدليل العلمي المعتمد على ما يسمى بالقانون الثاني للديناميكا الحرارية، ولكي يتضح أذكر ثلاثة مقدمات:
المقدمة الأولى: الملاحدة الذين أنكروا وجود صانع لهذا الكون واجهوا سؤالا صعبا أوقعهم في حيرة، وهو من خلق هذا الكون؟
هذا السؤال سبب إرباك للفكر الإلحادي فانقسموا الملاحدة إلى قسمين:
القسم الأول: الذين أجابوا أنّ العالم وجد صدفة من دون سبب.
و القول بالصدفة في الواقع انتحار فكري، امتهان لقيمة الإنسان، العاقل السوي لا يقبل هذه الصدفة، هل يقبل الناس أن يتحقق بناء هكذا من دون باني؟ هل يقبل الناس أن يتحقق كتاب دقيق في علم الرياضيات من دون مؤلف، هكذا يوجد في الصحراء يخرج؟ لو دخل مجموعة من الشرطة في ملعب كرة قدم كبير جداً، فوجدوا مجموعة من الضحايا مائة قتيل، ووجدوا بجانبهم رجل واقف بيده سكين تقطر دم، فأخذوا ذلك الرجل، وقالوا له: لماذا قتلت هؤلاء؟ وقال لهم الرجل: أنا لم أقتل، وما جرى هو انه صدفة وجدت نفسي في الصحراء ثم صدفة وجد هذا الملعب الكبير،ثم صدفة خرجت هذه الجثثت و صدفة وجدت بيدي سكين، و صدفة وجد دم الضحايا عليها !!!
،هل يقبل الشرطة منه هذا الكلام ويطلقونه!!!!
ربما اذا كانوا مجانيين!!!
الملاحدة بنظرية الصدفة يريدون منا أن نقبل عذر هذا القاتل ونغلق باب التفكير، يقول تبارك وتعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ}(الطور:35).
القسم الثاني: هم الذين أجابوا بقدم العالم، أو بقدم المادة التي خلق منها العالم، قالوا العالم قديم فبالتالي لا داعي إلى طرح سؤال يرتبط بخالق العالم.
هؤلاء اصطدموا بأدلة وبراهين منها القانون الثاني للديناميكا الحرارية.
المقدمة الثانية: بيان هذا القانون .
ويقصد به ما ذكره علماء الطبيعة من وجود قانون يشكل حقيقة علمية حاكم على كل ذرات المادة، هذا القانون عبارة عن تحول المادة من حالة الانتظام إلى حالة الانتشار، ومن آثار هذا القانون انسياب الحرارة من الأجسام الواجدة إلى الأجسام الفاقدة، نحن إذا أتينا بحديدة محماة ثم وضعناها في ماء بارد، الحديدة تفقد حرارتها، والماء ترتفع درجة حرارته، ما الذي حصل؟ الذي حصل انسابت الحرارة من الجسم الواجد للحرارة (الحديد) إلى الفاقد للحرارة (الماء)،هذا القانون قانون عام حاكم على كل ذرة من ذرات الكون،العلماء يقولون هذا الكون الرحيب يشتمل على أجزاء شديدة الحرارة وعلى أجزاء شديدة البرودة، علماء الفلك يقولون عندنا 200 بليون بليون نجم، الشمس تعتبر نجم متوسط الحجم قطرها ضعف قطر الأرض مائة مرة، تبلغ درجة حرارة باطن الشمس 150 مليون درجة، حتى يصل الماء إلى درجة الغليان 100 درجة، باطن الشمس 150 مليون درجة، في المقابل عندنا أماكن في الكون تصل درجة الحرارة فيها 272 تحت الصفر، الصفر درجة التجمد، هذه الأماكن باردة وشدة برودتها تبلغ 272 درجة تحت الصفر، الذي يحصل في الكون ما هو؟ الذي يحصل في الكون نظير ما يحصل إذا وضعنا حديدة محماة في ماء، عملية انسياب للحرارة، من هذه النجوم التي تعتبر مصدر هائل للحرارة إلى تلك البقع التي تعتبر شديدة البرودة، لو كان العالم قديم كما يقول الملاحدةماذا يعني قدمه ؟ يعني هذه النجوم وهذه الكواكب المشعة وجميع الذرات التي تشتمل على حرارة قد فقدت حرارتها ليس من مليون ولا مليون مليون بل من بلايين بلايين بلايين .......السنين،لأنها إذا كانت قديمة يعني لا بداية لها، هي تعود إلى بلايين بلايين .....السنين، من الأزل حرارتها تنساب، حرارة الشمس تنساب من الشمس إلى الأماكن الفاقدة للحرارة، من الكواكب المشعة البعيدة العظيمة التي هي أعظم من الشمس إلى الأماكن الفاقدة للحرارة، لو كان العالم أزلي لانعدمت حرارة العالم من الأزل، وجود ذرات تشتمل على الحرارة دليل على أنّ العالم حادث.
العلماء الطبيعيون يقول هذا العالم حادث فتي، حدوث العالم ماذا يعني؟ يعني للعالم محدث، فكل ذرة تثبت بهذا القانون أنّ هنالك خالقا وموجدا للكون.
إذن جواب الملاحدة القائل بان العالم قديم ، ليس مقنعا ، لأنّ العلم أثبت أنّ العالم ليس قديما ، فلابد للعالم من محدث، {إِنَّفِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}(آل عمران:190).
السبب الثاني: الخطأ المنهجي.
بعض الملاحدة عنده قانون، يقول: طريقنا نحو معرفة الواقع ينحصر في الحواس الخمس الظاهرة ، فهي التي يمكن ان تميز بين الموجود وغيره، ما ندركه بالحواس موجود، وما لا ندركه بالحواس معدوم، والله تبارك وتعالى لا ندركه بالحواس فهو معدوم.
علماؤنا الأعلام عندهم تعليقات على هذا المنهج:
التعليق الأول: علماؤنا يطرحون سؤال على أصحاب هذا المنهج، يقولون لهم: أنتم عندهم قاعدة: ما يدرك بالحواس حق،ما لا يدرك بالحواس باطل، هذه القاعدة تدرك بالحواس أو لا،هل تدرك بالحواس أو قاعدة عقلية؟
بالطبع هي قضية عقلية ، فإذا كنتم تقولون: بأنّ ما لا يدرك بالحواس باطل فقاعدتكم باطلة.
التعليق الثاني: هو أنّ هؤلاء وقعوا في التباس، هناك فرق بين أن نقول الحواس طريق يمكن أن نتعرف به على الموجودات الحسية وبين أن نقول ما لا يدرك بالحواس معدوم،العدم ليس أمراً حسياً حتى نقول أدركناه بالحواس، هؤلاء ظنوا أنّ عدم إدراك الشيء بالحس يعني إدراك عدم ذلك الشيء، فقالوا: نحن إذا لم ندرك بالحس شيء سوف نقول:ذلك الشيء غير موجود، العدم ليس أمراً حسياً حتى تدركه بالحواس، الحس غاية ما يقول لك: الموجود المادي الحسي الذي يمكن أن يدرك بالحس إن أدركته إدراكك له بالحس طريق لمعرفة وجوده،وأما إذا لم تدركه فعدم الإدراك ليس دليل العدم، عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود، في السابق الناس كانوا يعتقدون أنّ الأجسام موجودات بسيطة متصلة، هذا الجدار حقيقة واحدة،لأنهم لم يدركوا تكون الجدار من أجزاء، الآن بعد أن تطور العلم أدرك الناس أن كل جسم يتكون من ذرات، هل الذراتما كانت موجودة في السابق لأننا لم ندركها ثم وجدت مع الإدراك، الإدراك لا دخل له في تحقيق الشيء، الإنسان بحسه أو بعقله يدرك الشيء، إذا لم يدرك، عدم إدراكه لا يعني إدراك للعدم او تحقيق العدم ، فهناك خطأ منهجي في تفكير هؤلاء.
التعليق الثالث: هو أنّ الحس لا يمكن أن يدرك كثيرا من القضايا التي تبتني عليها جميع المعارف البشرية، الحسيونالذين يقولون الحس هو مصدر المعرفة، هل يمكن أن يستنتجوا شيئاً من الحس إذا كانوا يعتقدون بإمكان اجتماع النقيضين ، من القواعد الأساسية الفكرية استحالة اجتماع النقيضين، هل يمكن في آن واحد زيد من الناس يكون في الحسينية وغير موجود فيها، هذه القاعدة تسمى باستحالة اجتماع النقيضين، وهي تشكل حجر الزاوية في جميع المعارف البشرية، حتى الحسية، نحن إذا أدرنا مثلاً أن نستنتج قانون أنّ الحرارة لها تأثير في تمدد الحديد، نقوم بالتجربة والاستقراء ، إذا رأينا في عدة حالات الحديد يتمدد بالحرارة، نخرج بقانون كل حديد يتمدد بالحرارة، نحن لا يمكن أن نخرج بهذه النتيجة إلاّ إذا كان الوجود لا يمكن أن يجتمع مع العدم، الإثبات لا يمكن أن يجتمع مع السلب،إذا كان يمكن أن يجتمع الوجود مع العدم والإثبات مع السلب، لو جربت وتمدد الحديد في ألف تجربة سوف نبقى نقول : الحديد لم يتمدد، الحرارة لم تؤثر، لأنّ (لا) تجتمع مع (نعم)، لابد أن نقول (لا) لا تجتمع مع (نعم) ثم يمكن أن نفكر، هذا القانون الذي تعتمد عليه حتى التجارب الحسية هل يمكن إثباته بالتجربة؟ استحالة النقيضين التي نقول بأنها ثابتة هل يمكن أن ندركها بالتجربة؟ هل يمكن أن نرى النقيضين بعيوننا ونرى استحالة اجتماعهما !!
بالطبع لا .
لأنّ النقيضين مستحيلان لا وجود لهما، وما لا وجود له لا يدرك بالحس ،فلابد من وجود طريق آخر للمعارف وهو العقل وهذا الطريق يثبت وجود الله تبارك وتعالى.
أحد الملاحدة طبيب هندي كان في زمن الإمام الصادق عليه السلام، قال للإمام الصادق عليه السلام: إنّ حواسي لم تدرك الله وما لا تدركه حواسي الخمس عندي ليس بموجود.
الإمام عليه السلام وجد عنده خلل منهجي، فقال له: أنت اعتبرت عدم إدراكك له حساً - اي كونه غير مدرك بالحواس - دليلا على عدم وجوده، وأنا بالعكس، اعتبر عدم إدراكه بالحس دليل ألوهيته ودليل خالقيته للكون، لأنّ ما يدرك بالحس مادي والمادي محدود متغير لا يمكن أن يكون إله، لأنّ الله تبارك وتعالى لا يدرك بالحواس فهو إله، وليس لأنه لم يدرك بالحواس فهو غير موجود، هو الذي أين الأين وكيف الكيف، فلا يجري عليه ما هو أجراه.
السبب الثالث: حب الشهوات.
بعض الناس يريد أن يأخذ راحته في الدنيا فلا يريد أن يلتزم بقانون، فيختار الالحاد منهجاً.
الاعتقاد بوجود الله تعالى تترتب عليه ضرائب كما يقال، تعتقد بوجود إله يجب أن تتعرف على هذا الإله، يجب أن تؤدي حق ذلك الاله، تؤدي له واجب الطاعة، تلتزم بأحكامه، تنتهي عما نهى عنه هؤلاء لا يريدون أن يلتزمون بأحكام الله تعالى، يريدون أن يسرفوا في الشهوات، فقالوا لا يوجد مقنن ولا قانون، الإمام الصادق عليه السلام يتحدث عن الملاحدة في زمانه، يقول: (قوم فتحوا على أنفسهم أبواب المعاصي وسهلوا لها سبيل الشهوات)(بحار الأنوار للمجلسي ج3 ص152)، هناك طبيعة في الإنسان وهي أنه يحب ذاته، ولكن غير الطبيعي أن يقدم شهواته على عقله،العقل يقول بوجود إله، الشهوة تقول لا تعتني بوجود هذا الاله ، متع نفسك، لماذا تتقيد بحرمة شرب الخمر والزنا وتلزم نفسك بالصوم والصلاة وما فيهما من المشقة ، اعط نفسك مجالا واسعا في الدنيا، هذا ما تقوله الشهوة، إذا كان الإنسان لا يوجد عنده عقل ناضج، إرادة قوية سوف يخضع لشهوته، يقول أمير المؤمنين عليه السلام: (وكم عقل أسير تحت هوى أمير)(نهج البلاغة ج4 ص48) .
القيت المحاضرة بتاريخ: 4 / 1 / 1435 هـ

No comments:

Post a Comment