Monday, April 6, 2015

عوامل التكامل الجوهري للمجتمع

محاضرة لسماحة الشيخ حيدر السندي (حفظه الله)
قال الله العلي العظيم في كتابه الكريم: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُمَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}(الرعد:11) آمنا بالله، صدق الله العلي العظيم.
سيكون البحث حول (عوامل التكامل الجوهري للمجتمع) في نقطتين:
النقطة الأولى: تحديد المراد من التكامل الجوهري للمجتمع.
والبحث في هذه النقطة في محورين:
المحور الأول: تحديد المراد من المجتمع.
هنالك مفهومان مختلفان : مفهوم الفرد ومفهوم الجماعة، الفرد يشكل جزء من الجماعة، لأن الجماعة عبارة عن مجموعة من الأفراد، و من الخطا ان نتصور أن مفهوم الجماعة مساويا لمفهوم المجتمع ، فإنه في إصلاح علماء الاجتماع ليس كل جماعة يطلق عليها لفظ المجتمع بل لابد من توفر عنصر خاص، حوال علماء الاجتماع إبرازها في تحديد وتعريف هو ية المجتمع ، وقدموا في ذلك مجموعة من التعريفات منها : ما قدمه (فيليبس) فقد عرف المجتمع بأنه : )مجموعة من الأفراد ينظرون إلى أنفسهم كجماعة مستقلة، وينظر الناس إليهم كذلك).
و منها: ما قدمه ( همنز) حيق عرف المجتمع بانه : (مجموعة أفراد يتواصلون فيما بينهم في مدة كافية على أن يكون هذا التواصل مباشرا وجهاً لوجه) .
و منها: - وهو أفضل تعريف قدم - ما ذكره ( زندان) وغيره من ان المجتمع : ( مجموعة أفراد تتميز بخواص وصفات مشتركة،تلك الخواص والصفات تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: هي المصالح والحاجات.
القسم الثاني: هي العقيدة والثقافة والقوانين والأعراف التي تنظم علاقة أفراد الجماعة).
فإذا وجدت جماعة تشترك في مصالح و يربطها مصير واحد وأيضاً تعتقد بعقيدة واحدة متقاربة أو عندها ثقافة مشتركة أو يوجد قانون مشترك ينظم علاقتها فيما بينها فهي تعيش مجتمعا واحدا .
وقد طرح علماء الاجتماع سؤالا وحاولوا الإجابة عليه:
وهو أنّ الإنسان هل فطر على أن يكون في مجتمع هل الإنسان اجتماعي بالطبع؟ هل جبل الإنسان على أن يميل إلى الإنسان الآخر ويجتمع معه أم أنّ الاجتماع أمر اضطراري يضطر إليه الإنسان وليس أمراً فطرياً تقتضيه الفطرة؟
في مقام الجواب على هذا السؤال طرحت نظريتان:
النظرية الأولى: التي تقول الإنسان ليس احتماعيا بالطبع، الإنسان فطر على حب ذاته يسعى من أجل مصالحه، و لو كان يتمكن من تحقيق هذه المصالح لوحده يعيش لوحده، نعم هو يميل نحو تحقيق مصالحه وحيث لا يتمكن من تحقيق بعضها بمفرده فهو يميل نحو الإنسان الآخر ليستخدمه في سبيل تحقيق المصالح، فالإنسان مستخدم وليس اجتماعياً، هو يميل إلى الآخر لتحقيق مصالحه ولو تحققت تلك المصالح لما مال إلى الاجتماع أبداً.
من علمائنا الذين يرون هذه النظرية العلامة الطباطبائي ( رحمه الله) ،
النظرية الثانية: ترى ان الانسان جبل وفطر على أن يكون اجتماعياً، الإنسان لو تحققت له جميع الحاجات النفسية والبدنية ولكن لم يكن في مجتمع فهو يبقى يشعر بنقص ووحشة،ويشعر بحاجة إلى الانتماء ليكون مع غيره، فالاجتماع يلبي حاجة طبيعية في الإنسان، وليس مجرد أمر يضطر إليه .
هذه النظرية أيضاً ذهب إليه بعض علمائنا كالشيخ المطهري ( رحمه الله) .
قدمت مجموعة من الأدلة على هذه النظرية من هذه الأدلة أدلة علمية تعتمد على الاستقراء والملاحظة، وبعض هذه الأدلة أدلة تعبدية، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}(الحجرات:13)من استدل بهذه الآية يقول : دلت هذه الآية على ان الباري تعالى لما خلق الإنسان جعل الإنسان شعباً وقبيلة، فالقبائل والشعوب والمجمعات إنما هي بجعل من الله تبارك وتعالى، بمعنى ان الله فطر الانسان عليها وهذا يعني أنّ الإنسان فطر على أن يكون اجتماعياً.
الشيخ الصدوق نقل رواية في كتاب علل الشرائع حاول البعض أن يستفيد منها في إثبات فطرية المجتمع، الرواية تقول: (سمى الله النساء نساءً لأنه لم يكن لآدم (عليه السلام) أنس غير حواء)(علل الشرائع للشيخ الصدوق ج1 ص17).
ويرى المستدل ان الرواية تدل على : أنّ آدم مع أنه كان في الجنة، والجنة ( لهم ما يشاءون) ، بإمكان الإنسان أن يتحصل فيها على ما يريد بمجرد أن يريد، لا يحتاج إلى سعي، الا انه ومع ذلك ما كان يشعر بالأنس،متى شعر بالإنس؟ لما تحقق الاجتماع والمجتمع، لما خلق الله تعالى فرداً آخر من جنسه، حينئذ تحقق الأنس، البعض يحاول أن يستفيد من هذا المعنى أنّ الإنسان في نفسه يشعر بالوحشة لولا المجتمع، فالمجتمع يشكل له حاجة فطرية.
ولا نريد ان نعلق على هذا النحو من الاستدلال ونكتفي بهذا المقدار في المحور الاول .
المحور الثاني: في تحديد المراد من التكامل الجوهري.
العرف يستخدمون كلمة التكامل ويقصدون به الانتقال من مرحلة النقص إلى مرحلة الكمال.
الفلاسفة عندهم هنا كلمة يقولون التكامل الذي هو خروج من النقص إلى الكمال، لا يكون إلاّ بحركة اشتدادية ينتقل فيه الموجود من الوجود بالقوة في مرحلة القوة إلى مرحلة الفعلية، وحتى يتضح هذا المعنى أضرب لكم مثالا ، وهو تكامل الإنسان، الإنسان في أول نشأته كيف كان؟ كان ترابا .
يقول الله تبارك وتعالى: { فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّفِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا}(الحج:5)
فنحن كنّا ترابا ثم هذا التراب تحول إلى نطفة، والنطفة ليست هي الكمال النهائي للإنسان بل هي مرحلة من مراحل تكامل الإنسان، النطفة يعبر عنها الفلاسفة بالوجود بالقوة بالنسبة إلى الإنسان، أي النطفة تحمل في ذاتها استعدادا وقابلية لأن تصبح إنساناً .
ما الفرق بين نطفة الحيوان ونطفة الإنسان؟نطفة الحيوان لا يمكن أن تصبح إنسانا بينما نطفة الإنسان يمكن ان تصبح إنساناً لأنّ الله تعالى أودع فيها استعداداً للإنسانية،هذا الوجود الاستعدادي يسمى بالوجود بالقوة، فإذا خرجت من هذا الاستعداد من القوة وأصبحت بالفعل إنساناً ترتبت عليها آثار الإنسانية يتحقق التكامل وهو الخروج من القوة إلى الفعل،من مرحلة الاستعداد و قابلية أن تتحول هذه إلى إنسان إلى مرحلة الإنسانية بالفعل، التكامل الذي هو انتقال من مرحلة النقص إلى مرحلة الكمال من مرحلة القوة إلى مرحلة الفعل ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: هو التكامل الشكلي والمقصود به أن يتكامل الموجود في أعراضه في الأمور اللاحقة به من دون أن يتكامل في جوهره، نظير أن تتكامل التفاحة في لونها، إذا اشتد لون التفاحة وقع تكاملاً ولكنه في اللون واللون عرض ليس مقوماً لحقيقة التفاحة.
القسم الثاني: هو التكامل الجوهري، أن لا يتغير الإنسان أو الموجود في أعراضه فقط بل يتغير في ذاته وهويته، فذاته تتغير وتتطور تنتقل من مرحلة إلى مرحلة أخرى، نظير تبدل النطفة وانتقالها إلى علقة ثم مضغة ثم تتحول إلى موجود مزيج من عظم ولحم، يقول الله تبارك وتعالى: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةًفَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًاآَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}(المؤمنون:14) هذا التغير الذي طرأ على النطفة ليس تغيراً في الكم والحجم بل هو تغير في الجوهر والحقيقة، هذه المادة كانت شيئا ثم صارت شيئاً آخر، وجوداً آخر يختلف عن الوجود الآخر.
المجتمع يا أيها الاحبة كأي موجود حادث في هذه النشأة أول ما يبدأ يبدأبسيطا عبارة عن علاقات عفوية بين أفراد المجتمع ثم يتطور هذا المجتمع و تتطور علاقاته ، و المجتمع في تطوره تارة يتطور تطورا شكليا وآخر جوهريا ، والتطور الشكلي للمجتمع مثل أن يتطور المجتمع في اللغة، في كيفية التعبير، هذا تطور ولكن تطور في اللغة، من التغير والتطور الشكلي أن يتطور المجتمع فيما يسمى بالبنية التحتية، في العمران في تخطيط الشوارع، وأن يتطور الإنسان في وسائل الاتصال ووسائل الانتقال و هو يعتمد ا في تطوره في هذه الأمور على معارف مجتمعات أخرى على خبراء من الخارج، هنا وقع تطور ولكنه شكلي وليس مضمونيا .
التطور المضموني للمجتمع هو التطور الذي يحصل لتطور أفراد المجتمع، المجتمع مجموعة أفراد، الأفراد هم الذين يشكلون المجتمع، إذا تطور الأفراد في مستوى الثقافة والوعي، إذا صار عند الأفراد قدرة على تحديد الأهداف وعلى وضع خطة محكمة توصل إلى تلك الأهداف بإرادة مستقلة حينئذ يكون المجتمع متطورا تطوراً جوهرياً ومضمونياً، وهذا النحو من التطور هو الذي ندب إليه القرآن الكريم، قال تبارك وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}(الرعد:11) هذه الآية تتحدث عن تغير المجتمع وتغير القوم، {إِنَّاللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}(الرعد:11) وتبين ان التطور الحقيقي في تغير نفوس أفراد المجتمع، إذا لم تتغير نفوس أفراد المجتمع لم تزدد هذه الأفراد وعياً ثقافة قدرة على التغيير ، فالقرآن الكريم يحكم بان هذا المجتمع لم يتغير، وان تصور في العمران ووسائل الاتصال و طرق الطهي وأنواع اللباس ....الخ .
فلابد من تغير النفوس، أن يصبح الفرد واعياً مثقفاً قادراً على تحديد أهدافه بدقة وقادراً على أن يرسم له طريقا يوصله إلى التكاملي الحقيقي للمجتمع.
النقطة الثانية: في بيان الشروط التي لابد منها لتكامل المجتمع في جوهره.
هناك مجموعة من الشروط والعوامل إذا تحققت يتطور المجتمع تطورا جوهريا ، و أفراده يتكاملون ويتطرونفي مستوى الوعي والثقافة.
الشرط الأول: وجود القانون الإلهي.
الإنسان لأنه يحب ذاته ولأنه يستخدم الآخر لتحقيق مصالحه قد يطغى ويجور ويتجبر، ويعيق تكامل الآخرين في طريق تكامله لهذا هو بحاجة إلى قانون يحول بينه وبين الظلم والجور.
حاجة المجتمعات إلى القانون هي حاجة بدهية وواضحة، ولذا كل مجتمع عقلائي توجد فيه مجموعة من القوانين والأعراف التي تضبط علاقة المجتمع.
الذي نريد أن نقوله هو ان أي قانون لكي يكون نافعاً في تحقيق العدالة الاجتماعية، و بالتالي يمكن أن يحقق التكامل المتوازن لأفراد المجتمع لابد وان يكون صادرا من الله تعالى، لماذا؟
لأنّ القانون لكي يقوم بدوره ويؤدي وظيفته لابد من توفر أمور ثلاثة:
الأمر الأول: لابد أن يكون المقنن غنياً عن القانون لأنّه إن كان مفتقراً للقانون ربما يراعي مصلحته الشخصية في وضع وتقنينه للنظام ، فيكون القانون مشرعنا للظلم وعدم المساوة في إعطاء الحقوق بدل ان يكون مكافخا للظلم ومحققا للعدالة الاجتماعية .
من هنا لابد وأن لا يكون المقنن مستفيداً من القانون حتى نضمن مراعاته للمصلحة العامة .
و من الغني عن القانون؟
يقول تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِوَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}(فاطر:15) كل إنسان فقير محتاج والله تعالى هو الغني المطلق .
الأمر الثاني: لابد وأن يكون الواضع للقانون عارفاً بالإنسان بحاجاته النفسية الجسدية، بطبيعة علاقة الإنسان بالإنسان الآخر، لابد وأن يكون عالماً بالأمور التي تستجد في المستقبل وتؤثر في علاقة الإنسان، وما من هو المالك للعلم التام و الإحاطة التامة بالإنسان وخارج عن نطاق بالزمان والمكان ويعلم بالآن والمستقبل؟ وبالتالي من هو القادر على وضع قانون يتصف بالاستمرار ويلبي حاجة الانسان على الدوام ؟
بلا شك هو الله تبارك وتعالى العالم بخلقه، {أَلَا يَعْلَمُ مَنْخَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}(الملك:14) والخالق لكل شيء بما في ذلك المكان والزمان ، و لا تجري عليه قيود المخلوقات .
الأمر الثالث: هو أنّ المشمول بالقانون لابد وأن يعتقد بأنّ القائم على القانون قادر على أن يرصد أي مخالفة ويعاقب عليها، لأنّ الإنسان إذا أمن العقوبة قد يخالف القانون،الإنسان إذا وجد نفسه في العتمة وخارج التغطية غير مرصود من قبل القائم على القانون قد لا يلتزم بالقانون اذا رَآه خلاف مصلحته الشخصية المنافية للمصلحة العامة ، اذ لا يوجد رادع يمنعه من المخالفة ، نعم إذا وجد أنّ مخالفة القانون خلاف مصلحته لترتب عقاب عليها فانه سوف يلتزم ، من هنا لابد من عقيدة أنّ القائم على القانون بإمكانه أن يرصد أي مخالفة ويعاقب عليها.
و من القادر على أن يطلع على الإنسان في سره وعلانيته ويعاقب الإنسان على أي مخالفة؟ إنه الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وعليه لا بد من قانون الله تبارك وتعالى لكي يسير المجتمع سيراً تكاملياً في مضمونه، وهذا معنى قوله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَابِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}(الحديد:25)، لابد من قانون الله تبارك وتعالى ليقوم الناس بالقسط.
الشرط الثاني: وجود الكفاءات العلمية في جميع المعارف البشرية خصوصاً المعارف الحيوية التي يحتاج إليها المجتمع كعلم القانون –القانون الشرعي والوضعي- وعلم الإعلام والعلوم الاجتماعية التي تندرج ضمن علم الاجتماع كعلم الاقتصاد، فإن المجتمع لكي يتكامل يحتاج إلى الكفاءات العلمية لأنها تؤثر في تكامل المجتمع وقوته من جهتين:
الجهة الأولى: هي تأصيل الوعي، تكامل المجتمع بالوعي، فان قيمة المجتمع ليس بمقدار ما يملك من ثروات مادية وإنما بمقدار ما تملك أفراد المجتمع من وعي وثقافة وقدرة على التغيير.
مصانع انتاج الوعي هم المتخصصون، الكفاءات العلمية، المجتمع الذي ينتظر مجتمعاً آخر يقوم بتثقيف أفراده يقوم بتأصيل الوعي عليه أن ينتظر كثيراً وسوف يبقى في محله ولن يتطور، لأنّ المجتمعات لا تصدر الوعي والثقافة إلاّ بمقدار ما تنتفع هي، يمكن أن تُصدّر لك نحواً من العلم ولكن بمقدار ما تنتفع هي لا ما تنتفع أنت. الدول الصناعية جعلت قانونا يسمى بقانون براعة الاختراع، أو الحقوق الفكرية،وظيفة هذا القانون شرعنة احتكار العلم والثقافة، هذا القانون يقول إذا اخترع شخص او جهة من دولة ما دواء أو برنامجا للأجهزة الذكية - مثلا - فمن حق هذه الدولة أن تحتكر العلم بكيفية الاختراع والإنتاج ، وإذا اطلعت دولة أخرى على هذا العلم لا يجوز لها أن تصنع، لا يجوز لها أن تخترع بل تبقى مستهلكة، هذا القانون كان في السابق قانونا دائميا .، كل دولة ملزمة بأن لا تختره ما اخترعته الصناعية إلى يوم القيامةن ثم قامت الدولة المستهلكة أو الدولة النامية بعقد مؤتمرات و طالبت بإلغاء هذا القانون ، وبعد هذه المؤتمرات خفضت المدة إلى 150 سنة، ثم بعد ذلك خفضت إلى 50 سنة، هذا القانون يشرعن احتكار الثقافة، وهو دليل واضح على أنّ المجتمعات لا تساعد المجتمعات الأخرى مساعدة جوهرية وواقعية، لهذا على المجتمع هو في نفسه أن يوجد كفاءات بين أفراده، حتى تقوم هذه الكفاءات هي بعملية التوعية والتثقيف.
الجهة الثانية: الرصيد العلمي.
من مظاهر قوة المجتمع أن يكون عنده رصيد علمي،ويقصد به الحضور العلمي في المؤسسات العلمية في الجامعات والكليات والمعاهد العلمية المعروفة، بقدر ما يكون للمجتمع علماء لهم تخصص في علوم مهمة بقدر ما يكون هذا المجتمع قوياً ومالكاً لإرادته وبالتالي يمكن أن يطور نفسه تطويراً حقيقياً.
اليهود من أقوى المجتمعات في عصرنا الحالي، طبعاً؛يوجد عدة عوامل، من ضمن هذه العوامل الرصيد العلمي،عدد اليهود في العالم كله حسب إحصائية 2010 لا يتجاوزون 14 مليون، تقريباً 0.2 % من عدد سكان الأرض،لكن كم عدد العلماء اليهود ؟ وما هو حجم الرصيد العلمي عند الصهاينة ؟
جائزة نوبل أسست سنة 1901، من ذلك التأريخ إلى الآن كافأت تقريباً 800 عالم، 20% من هؤلاء الذين تحصلوا على جائزة نوبل يهود، لا يوجد تناسب بين عدد اليهود في العالم وبين عدد العلماء الذين تحصلوا على جائزة نوبل ، نسبة عدد اليهود الى عدد سكان الارض لا نصل الى ١٪ بينما عدد العلماءاليهود بالنسبة الى العلماء الدين كرموا بجائزة نوبل 20%!!
لأنّ اليهود عندهم هذا الرصيد العلمي صار مجتمعهم قويا، لأنّ سائر المجتمعات صاروا في محل الحاجة، يحتاجون إلى خبراء اليهود صار المجتمع اليهودي مهاب الجانب !
المجتمعات الإسلامية إذا أرادت أن تتطور تطوراً حقيقياً عليها أن تهتم بالكفاءات العلمية، أن يكون عندها خبراء ومتخصصون في مجالات المعرفة لكي يستغنوا بهؤلاء الخبراء عن المجتمعات الأخرى، إذا استغنوا ملكوا الإرادة، إذا ملكوا الإرادة استطاعوا أن يحددوا خارطة الطريق نحو الرقي والازدهار ، و أن يعملوا بجد من أجل تحقيق أغراضهم من دون إملاء الخارجي من أطراف تُمارس الوصاية والولاية ، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): (امنن على من شئت تكن أميره ، واحتج إلى من شئت تكن أسيره، واستغن عمن شئت تكن نظيره)(الخصال للشيخ الصدوق ص420).
الإحسان ليس بدفع الأموال فقط بل بدفع المعرفة، من هنا على المجتمعات الإسلامية أن تقدر الكفاءات العلمية، تنزل هذه الكفاءات في منازلها اللائقة بحجمها وحجم الدور العظيم الذي يمكن أن تؤديه.
الشرط الثالث: الشعور بالمسؤولية.
كل فرد من أفراد المجتمع يشكل جزء مؤثراً متأثراً بالمجتمع، وهو اما يتأثر سلباً أو إيجاباً، إذا تطور المجتمع فان الفرد يتأثر و يتطور إما بنحو مباشر او غير مباشر ، إذا تقهقر المجتمع و تخلف فان الفرد يتأثر كذلك ، لهذا على كل فرد أن يشعر بالمسؤولية وأنه مسؤول من موقعة، آباؤنا كبراء السن، الذين لديهم خبرة،اعتركوا هذه الحياة، حصلت عندهم خلاصة بإمكانهم من موقعهم أن يقدموا شيئاً من خلال المشورة والنصح، طالب العلم المتخصص في القانون الشرعي بإمكانه أن يقدم من موقعه، الخبير الاجتماعي الطبيب المدرس، وهكذا بإمكان كل هؤلاء أن يساعدوا ويقدموا إذا أحسوا بالمسؤولية.
الشيخ الكليني (رحمه الله) عقد باباً في الكافي بعنوان الاهتمام بأمور المسلمين، نقل في هذه الرواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) : (من لم يهتم بشؤون المسلمين فليس بمسلم)(الكافي للكيني ج2 ص164) الشعور بالمسؤولية، الاهتمام بأمر المجتمع جزء لا يتجزأ من شخصية المسلم، لا يمكن أن نفكك بين المسلم وبين الهم العام، الرسول (صلى الله عليه وآله ) يسئل عن أحب الخلق إلى الله، أحب الناس إلى الله، فاجاب : (أنفعهم للناس)(ميزان الحكمة للريشهري ج1 ص208)من كان اكر عطائا للناس فهو الأحب والأقرب ، للأسف الكثير من شبابنا لا يوجد عندهم هم اجتماعي، فقط يهتمون بنفسه، مثلاً إذا أراد بعض الشباب أن يتخصص في الدراسة الأكاديمية يبحث عن التخصص الأسهل الذي يكون أسرع دراً للرزق، ولا يفكر في اختيار تخصص يكون أنفع للمجتمع لأنه غير مستعد أن يبذل جهد أكثر تعب أكثر من اجل أمته !!
و البعض قد وفق و حصل على تخصص مطلوب له تأثير اجتماعي صار كفاءة بامكانه ان يؤثر في حركة المجتمع ايجابا و لكنه للأسف منكفئ على نفسه،يتعامل مع وظيفته كمصدر رزق من البيت إلى مكان العمل ومن مكان العمل إلى البيت، وكثير من الناس يحسنون فن الانتقاد فقط، يتفرجون على الذين يعملون من طلاب العلم وغيرهم ، و يمارسون الانتقاد غير البناء ، من دون أن ياخذوا زمام المبادرة !!
من الدروس المهمة التي نأخذها من ثورة الحسين (عليه السلام) درس الشعور بالمسؤولية، أن لا يعيش الفرد فرداً لنفسه وإنما يعيش فرداً لأمته، جزء من الكيان،الإمام الحسين (عليه السلام ) كان في مدينة جده رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فجاء كتاب يزيد بن معاوية، يطالب والي المدينة باخذ البيعة من الحسين على نحو التنصيص و الإمام الحسين (عليه السلام ) بإمكانه أن يتخلص من القتل فيبايع يزيد ، وهذا الفعل لن يكلف جهداً، ولكن الإمام (عليه السلام ) كان يعلم أنّ هذه البيعة تجهز على جهود رسول الله وأمير المؤمنين والإمام الحسن والصديقة الزهراء (عليهم السلام) ، لأنّ المجتمع وصل عند مفترق طرق،الأمة بلغت في الفساد الذروة وامتزج فيها الدين بممارسات الحاكمين وصار قول السلطان دينا ، فالحاجة الى الإصلاح والتغيير ماسة وملحة فقرر الحسين (عليه السلام ) أن يصلح ولو كان على حساب شخصه،ولو كان في الإصلاح قتله وسفك دمه وقتل الطليعة الرسالية التي كانت معه ، فكتب إلى أخيه محمد بن الحنفية: ( أما بعد فإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة أمتي أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة أبي وجدي رسول الله صلى الله عليه وآله)، ثم قال كلمته المشهورة:
(والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أفر فرار العبيد).
القيت المحاضرة بتاريخ: 2 / 1 / 1435 هـ

No comments:

Post a Comment