Sunday, April 5, 2015

تشييد مشاهد الاولياء :

بقلم :حيدر السندي
طلب مني بعض الأصدقاء ان اعلق على كلام متناقل عبر و سائل التواصل الاجتماعي يقول فيه كاتبه : ( ليس من المعقول أن تصرف أموال طائلة في بناء ضريح من الذهب والفضة والعاج في الوقت اللي يعاني فيه آلاف من الناس في إيران والعراق من الفقر والحاجة الشديده. هذا كلام ينافي روح الإسلام والأسس اللتي بني عليها. أما بخصوص رأي المرجعيه في إقرار الموضوع أو رفضه، فالاجتهاد يحتمل الصواب والخطأ. وحدها الأسس الالهيه التي يجب ان تهيمن على تصرفات البشر وقراراتهم.
رأي يا اخوان لا يجب أن يأخذ بشكل عاطفي ابدا. الإمام لن يبالي سواء كان الضريح من ذهب أو كان من خشب. الإمام يبالي اذا ما كان ايمان شيعته وأحوالهم بخير أو لا).
ولي على هذا الكلام عدة تعليقات :
التعليق الاول : هو ان الناس مسلطون على اموالهم ومقتضى هذه السلطنة او قل الحرية الشرعية انهم مخيرون في صرف اموالهم في اي وجه من وجوه البر وغيرها من موارد الصرف المباحة ، ولا يتحتم عليهم في ديننا إعطاء الفقراء والمساكين في غير الموارد الخاصة التي أوجب الله فها الإعطاء كأموال الزكاة .
و ان اكثر الناس في بلادنا لا يدفعون لمساكين إيران والعراق وإنما يشترون لأنفسهم افخر المساكن والمراكب ، ويعيشون الرفاهية في أجلى صورها في جوانب متعددة من العيش ، ولا لوم عليهم ، لان الله الذي خوّلهم على ما تحت أيديهم لم يلزمهم بالانفاق على فقراء إيران والعراق ، وإنما اللوم على الكاتب لانه اعترض فقط على دفع الأموال على تشييد مشاهد الاولياء ، اذا لا مبرر لتركه كل جهات الصرف الاخرى ووقوفه فقط عند ما يصرف على المشاهد وكأن جميع الأموال تنساب الى فقراء إيران والعراق الا الأموال التي تصرف في تشييد وتعمير مراقد الاولياء !!!
ان الامر لا ينحصر في أموال تشييد المشاهد فالاموال التي تصرف على غير الفقراء كثيرة جدا ، وأكثر من الأموال التي تصرف على المشاهد ، وليست القضية تدور فقط بين الصرف على المشاهد او الفقراء ، فلماذا خصص الكاتب نقده بالصرف على المشاهد فقط !! لست ادري !!.
التعليق الثاني : من حقنا أن نقف على مقدار إيمان والتزام الكاتب بما يقول ، فلو سلمنا بان الصرف في تعمير المشاهد ينافي روح الاسلام والاسس التي بني عليها - كما يُزعم الكاتب - لان هناك فقراء ومساكين يعانون من الفقر والحاجة الشديدة ، فهل كاتبنا ملتزم فعلا بما يقول !
فان التزامه يعني ان لا يقوم بالصرف من اجل تملك بيت اذا كان يتمكن من العيش متنقلا بين شقق الأجرة ، وان لا يشتري سيارة فارهة بل وغير فارهة بأربعين ألف ريال - مثلا - أذا كان يتمكن من تسوية أموره بما يساوي عشرة آلاف ، وان لا يسافر للنزهة أو يدعو غير الفقير الى بيته على وليمه ، وبدل كل ذلك يبذل الأموال للفقراء والمساكين ليكون موافقا في سلوكه لروح الاسلام والاسس التي بني عليها !!! فهل الكاتب ملتزم بكل ذلك !!!
التعليق الثالث : اصدر الكاتب حكما شرعيا وهو : ( ان الصرف على تعمير المشاهد بالذهب والعاج مناف لروح الاسلام و الأسس التي بني عليها ) و لما ان وجد أن فتواه هذه تنافي سكوت المراجع عما يجري ، وان هذا السكوت يدل على حكمهم بجواز دفع الأموال الطائلة في بناء ضريح من الذهب والفضة والعاج في الوقت اللي يعاني فيه آلاف من الناس في إيران والعراق من الفقر والحاجة الشديده - على حد تعبير الكاتب - ، أراد أن يُبين ان حكمه هو المصيب وليس موقفهم فقال : (أما بخصوص رأي المرجعيه في إقرار الموضوع أو رفضه، فالاجتهاد يحتمل الصواب والخطأ. وحدها الأسس الالهيه التي يجب ان تهيمن على تصرفات البشر وقراراتهم).
ولم يُبن الكاتب لنا دليله على حكمه ، المخالف لحكم الخاصة والعامة ، فان الفقراء كانوا موجودين في كل زمان ، والمسلمون قاطبة كانوا يبنون المساجد و يعمرونها ويبذلون الأموال الطائلة في تشييد المشاهد لاسيما الحرم المكي والمدني ، كما ان معيشتهم متفاوتة ، ففيهم المتوسط والغني والغني جدا والاغنياء
متفاوتون في معيشتهم ، ولا يكتفي الجميع منهم بالصرف في الضرورات ويدفع الباقي للمساكين ومع ذلك لم يفت احد من علماء الاسلام بمنافاة ذلك لروح الاسلام و الأسس التي قام عليها ! كما أفتى الكاتب ! بل هم يقولون هذا الفعل ليس محرما .
بل جاء في الموروث ما يدل على عناية المسلمين بالصرف في تعظيم الشعائر فقد روي أنه ذكر عند عمر في أيامه حلي الكعبة وكسوتها ، فقال قوم: لو أخذته فجهزت به جيوش المسلمين كان أعظم الأجر، وما تصنع الكعبة بالحلي فهم عمر بذلك فسأل عنه. أمير المؤمنين (عليه السلام ) فقال: إن القرآن نزل على رسول الله (صلى الله عليه وآله ) والأموال أربعة: أموال المسلمين فقسمها بين الورثة في الفرائض، والفيء فقسمه على مستحقيه، والخمس فوضعه الله حيث وضعه، والصدقات فجعلها الله حيث جعلها، وكان حلي الكعبة فيها يؤمئذ فتركه على حاله ولم يتركه نسياناً، ولم يخف عليه مكانه فأقره حيث أقره الله ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) فقال عمر: لولاك لافتضحنا فترك الحلي»..
وفي تشييد المشاهد توجد عندنا ادلة متعددة قرآنية كقوله تعالى : ذلك ومن يعظم شعائر الله . وقوله تعالى: في بيوت إذن الله ان ترفع . وبعضها روائية مثل ما روى الشيخ الطوسي في التهذيب بطريقه عن أبي عامر واعظ أهل الحجاز ما هذا نصّه: قال أتيت أبا عبد الله(عليه السلام) فقلت له: ما لمن زار قبره (يعني أمير المؤمنين(عليه السلام)) و عمّر تربته؟ قال: «يا أبا عامر حدّثني أبي عن أبيه عن جده الحسين بن علي عن علي (عليه السلام) أنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)قال له: والله لتقتلن بأرض العراق وتدفن بها، قلت: يا رسول الله ما لمن زار قبورنا وعمّرها وتعاهدها؟ فقال لي: يا أبا الحسن إنّ الله جعل قبرك وقبر ولدك بقاعاً من بقاع الجنة وعرصة من عرصاتها، وأنّ الله جعل قلوب نجباء من خلقه وصفوته من عباده تحنّ إليكم وتحتمل المذلة والأذى فيكم، فيعمّرون قبوركم ويكثرون زيارتها تقرّباً منهم إلى الله، مودة منهم لرسوله، أُولئك يا علي المخصوصون بشفاعتي والواردون حوضي، وهم زواري غداً في الجنة.
يا علي من عمّر قبوركم وتعاهدها فكأنّما أعان سليمان بن داود على بناء بيت المقدس، ومن زار قبوركم عدل ذلك له ثواب سبعين حجة بعد حجة الإسلام، وخرج من ذنوبه حتى يرجع من زيارتكم كيوم ولدته أُمّه، فأبشر وبشّر أولياءك ومحبّيك من النعيم وقرّة العين بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ولكن حثالة من الناس يعيّرون زوار قبوركم بزيارتكم كما تعيّر الزانية بزناها، أُولئك شرار أُمّتي، لا نالتهم شفاعتي، ولا يردون حوضي».
وهذه الرواية لا تقيد ذلك بعدم وجود الفقير .
إن ملاحظة الموروث الروائي يفيد أن المشاهد كانت مبنية في زمن المعصومين ولها جدران وابواب وسقوف وقبب ، ومع ذلك لم ينه الأئمة عليهم السلام عن بنائها والاكتفاء فقط بتحديد القبر وصرف الأموال على الفقراء والمساكين ومن تلك الروايات :
1. ما رواه الصدوق بسنده عن موسى بن عبد الله النخعي قال: قلت لعلي بن محمد بن علي بن موسى(يريد الإمام الهادي): علّمني يابن رسول الله قولاً أقوله بليغاً كاملاً إذا زرت واحداً منكم، فقال: «إذا صرت إلى الباب فقف واشهد الشهادتين وأنت على غسل.
فان ذكر الباب دليل وجود البناء والصرف فيه دون الفقراء يأتي فيه أشكال الكاتب .
2. ما رواه ابن قولويه في «كامل الزيارات» قال: روي عن بعضهم(عليهم السلام)أنّه قال: «إذا أردت زيارة قبر أبي الحسن علي بن محمد وأبي محمد الحسن بن علي(عليهم السلام)، تقول بعد الغسل إن وصلت إلى قبريهما وإلاّ أومأت بالسلام من عند الباب الذي على الشارع ـ الشباك ـ »
3. ما ورد في زيارة سيدنا العباس بن علي(عليهما السلام): ثم امش حتى تأتي مشهد العباس بن علي(عليهما السلام)، فإذا أتيته فقف على باب السقيفة وقل: سلام الله وسلام ملائكته المقربين....
4. ما رواه الكليني عن الحسين بن ثوير، قال: كنت أنا ويونس بن ظبيان والمفضل بن عمر وأبو سلمة بن السراج جلوساً عند أبي عبد الله(عليه السلام)وكان المتكلم يونس بن ظبيان وكان أكبر منا سناً، فقال له: جعلت فداك إذا أردت زيارة الحسين كيف أصنع، وكيف أقول؟ فقال له: «إذا أتيت أبا عبد الله(عليه السلام)فاغتسل على شاطئ الفرات وألبس ثيابك الطاهرة، ثم امش حافياً فإنّك في حرم من حرم الله وحرم رسوله، وعليك بالتكبير والتهليل والتمجيد والتعظيم لله كثيراً، والصلاة على محمد وأهل بيته حتى تصير إلى باب الحائر ثم تقول: السلام عليك يا حجة الله وابن حجته، السلام عليكم يا ملائكة الله...»
و تبلغ مساحة الحائر 12متراً من الجوانب الأربع للقبر الشريف، ومع ذلك دلت الرواية على وجود باب للحائر في ذلك الزمان وهذا يدل على كبر البناء .
5. ما رواه علي بن محمد الخزّاز في كتاب «كفاية الأثر» بسنده عن ابن عباس عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)أنّه أخبره بقتل الحسين(عليه السلام)... إلى أن قال:«من زاره عارفاً بحقه... ألا وإن الإجابة تحت قبته، والشفاء في تربته، والأئمة من ولده».
إن هذه الروايات وغيرها تدل على رضا المعصومين ( عليهم السلام) بتعظيم مراقد الاولياء ، فهم. يبالون بهذا التعظيم ، وللكاتب ان يصرف في تعظيم المشاهد و يتحصل على ثواب ذلك او يصرف امواله على الفقراء والمساكين او ان يحفظ امواله لورثته ، او يصرفها على نفسه في رفاهية العيش ولا لوم عليه مادامت له سلطنة من الله تعالى في كل ذلك .
ما أراه هو انه كان على الكاتب بدل ما ذكر ان يحث الناس على الصرف على الفقراء والمساكين ، ويرشدهم الى انه ليس من الصحيح ان نحصر وجوه البر في وجه واحد كتشييد المشاهد ، وان منها ايضا مساعدة المحتاجين و يذكر ما في ذلك من الأجر والثواب ليرغب الناس في المساهمة في دعم وجوه البر المتعددة ليظفروا بالآجر المتعدد الذي وعد الله به على الأفعال المتعددة .

No comments:

Post a Comment