محاضرة لسماحة الشيخ حيدر السندي ( حفظه الله)
في رواية سيدنا ومولانا الإمام الباقر (عليه السلام) : (نحن أصول الدين وإلينا تختلف الملائكة)(الأمالي للشيخ الطوسي ص654) .
موضوعنا سوف يكون حول أنّ مقام الإمامة من أصول الدين ومن أركان الإيمان وأنه مناط الهداية ، وكلامنا حول هذا الموضوع سيكون ضمن نقاط ثلاث:
النقطة الأولى: الإمامة من أصول الدين في مدرسة أهل البيت.
كون الإمامة من أصول الدين ومن أركان الإيمان أمر واضح في مدرسة أهل البيت عليه السلام، كان أمراً جلياً واضحاً عند المتقدمين من علمائنا ثم ما زال يعبر القرون في وضوحه وجلائه إلى أن وصل إلى يوم الناس هذا.
السيد المرتضى في رسائله تعرض لأصول الدين عند المعتزلة، فقال:
" أن الذي سطره المتكلمون في عدد أصول الدين أنها خمسة" ثم عدد أصول الدين عند المعتزلة، ثم قال: "ومن أراد التفصيل والشرح وجب أن يضيف إلى ما ذكروه من الأصول الخمسة أصلين : النبوة ، والإمامة"(رسائل المرتضى للشريف المرتضى ج1 ص165–166).
فعد الإمامة من أصول الدين وذكرها كما ذكر مقام الإمامة.
مثل السيد المرتضى العلامة الحلي، فإنّه كتب عدة كتب وصنف عدة رسائل في أصول الدين، وضمن هذه الرسائل والكتب بحثاً عن الإمامةن من أهم الكتب هي كتاب الباب الحادي عشر، يقول في مقدمته:
الباب الحادي فيما يجب على عامة المكلفين من معرفة أصول الدين، رسالة خاصة في أصول الدين، وذكر الإمامة في هذا الكتاب كأصل رابع من الأصول الدينية التي يجب على عامة المكلفين أن يعتقدوا بها، وهذا الكتاب له قيمة لأنه كان منهجاً درسياً من بداية القرن الثامن تقريباً، العلامة توفي سنة 726 يعني من بداية القرن الثامن تقريباً إلى يوم الناس هذا بقي هذا الكتاب منهجا دراسيا للعقيدة في جميع الحوزات العلمية و مئات بل آلاف العلماء درسوا هذا الكتاب ودرسوا هذا الكتاب و علقوا وشرحوه ولم يستدرك واحد منهم فيقول إنّ العلامة لم يصب لما عد الإمامة من أصول الدين، فالكل مر على كلامه وأخذه مأخذ القبول والتسليم، وهذا يدل على أنّ مسألة كون الإمامة من أصول الدين واضحة جلية عند علمائنا الأعلام في جميع القرون المتتابعة.
مثل العلامة الحلي عشرات العلماء الذين صنفوا في أصول الدين وذكروا الإمامة كأصل من أصول الدين، الفيض الكاشاني في علم اليقين، السيد عبد الله شبر في حق اليقين، الشهيد الأصفهاني في مجمع الشتات، وغيرهم من العلماء الذين كتبوا في أصول الدين وذكروا الإمامة كأصل من أصول الدين، بل بعض العلماء صرح بأنّ كون الإمامة من أصول الدين أمر اتفاقي أجمع عليه جميع العلماء لم يختلف أحد في هذه المسألة.
قال العلامة المجلسي في البحار:
" ما أجمع عليه الفرقة المحقة من كون الإمامة من أصول الدين رداً على المخالفين القائلين بأنه من فروعه"(بحار الأنوار للمجلسي ج29 ص38).
وقال السيد شرف الدين:
"ولاية أمير المؤمنين من أصول الدين وعلى ذلك الإمامية كافة".
إذن مسألة كون الإمامة من أصول الدين في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) بينة واضحة عند المتقدمين والمتأخرين، لم يختلف فيها أحد منهم، لم يختلف عالم يعتد بعلمه وبمنزلته العلمية في الحوزة في مسألة أنّ الإمامة أصل من أصول الدين.
النقطة الثانية: معنى الإمامة أصلاً من أصول الدين.
لكي نعرف معنى أن الإمامة من أصول الدين لا بد من معرفة معنى الدين الذي تشكل الإمامة أصلاً من أصوله وركناً من أركانه.
الدين في الإصطلاح إذا أطلق يقصد منه معنيان:
المعنى الأول: الإسلام في مقابل الكفر، فالباري تبارك وتعالى أخذ عنوان الإسلام كموضوع لجملة من الأحكام الفقهية كحرمة الدم والعرض، والمال وجواز النكاح والطهارة والتوارث، ووجوب التجهيز.
والإسلام الذي هو موضوع لهذه الأحكام عبارة عن شهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً (صلى الله عليه وآله) رسول الله.
في المعتبرة : ( الإسلام شهادة أن لا إله إلاّ الله والتصديق برسول الله به حقنت الدماء وجرت المناكح وعلى ظاهره عامة الناس) ، والدين بهذا المعنى يسمى بالإسلام الظاهر، أو بحسب تعبير المرحوم السيد الخوئي بإسلام الدنيا.
المعنى الثاني: المأخوذ من الجزاء، ففي اللغة العربية يطلق الدين ويقصد منه الجزاء أو ما يرتب على العمل كنتيجة ومن ذلك المثال المعروف (كما تدين تدان)، ومن ذلك قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}(الفاتحة:4) يوم الدين يوم القيامة ويوم القيامة يوم الحساب والجزاء، يوم مقابلة العمل بجزائه إنْ كان حسناً يقابل بالثواب وإنْ كان سيئاً يقابل بالعقاب، فالدين قد يطلق ويقصد منه الجزاء.
السيد المرعشي في تعليقته الشريفة على كتاب إحقاق الحق ذكر أنه إذا قال علماؤنا الإمامة أصل من أصول الدين فلا يقصدون المعنى الأول أي أصلاً من أصول الإسلام بل المعنى الثاني فالإمامة هي أصل الإيمان الذي هو مناط الجزاء، ليس كل إنسان يتحصل على ثواب فيما إذا أطاع وإنما الذي يثاب هو خصوص المؤمن الذي يصلي ويصوم ويزكي ويحج عن إيمان يثيبه الله تبارك وتعالى، أما غير المؤمن لو عمل ما شاء لا يجب على الله تبارك وتعالى أن يثيبه، قال تبارك وتعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا }(الفتح:29) يعني ليس الكل موعوداً ، وإنما خصوص المؤمن ، فالجنة وعد الله بها المؤمن، و المؤمن يستحق على الله تعالى الجنة من باب الوفاء بالوعد، لأنّ الله تبارك وتعالى لا يفعل القبيح، وخلف الوعد قبيح، فالباري تبارك وتعالى كتب على نفسه الثواب والجنة ولكن لصنف خاص وهم المؤمنون، غير المؤمن قد يثاب ويدخله الجنة فهو تعالى مالك الجنة وهي تسع الخلق، نحن لا نمنع رحمة الله تبارك وتعالى، لله تبارك وتعالى أن يثيب من يشاء من خلقه، ونرجو من الله تبارك وتعالى أن يثيب كل من كان في قلبه رحمة وفي قلبه خير ويريد الخير للبشرية، وليس ناصبياً محارباً للدين ، فلا توجد عندنا مشكلة في أن يثاب الخلق ولكن نقول لا يجب على الله تبارك وتعالى أن يثيب من باب الوفاء بالوعد إلاّ المؤمن، لوعده تبارك وتعالى المؤمن بالثواب فقط ، فالإيمان ركن من أركان الجزاء، به يتقوم الجزاء، الإمامة ركن من أركان الإيمان، فتكون الإمامة ركن من أركان الدين بالمعنى الثاني .
رسول الله (صلى الله عليه وآله) في يوم الغدير قال للمسلمين: (أولست أولى بالمؤمنين من أنفسهم) هذا القول تذكير بآية قرآنية (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) ، النبي يقول لهم أنتم تعلمون بأنّ الله تبارك وتعالى جعل لي ولاية على المؤمنين، فمن كنت مولاه يعني من كان مؤمناً، من كان مقصوداً في هذه الآية من المؤمنين الذين ذكرهم الله في قوله (أولى بالمؤمنين) فعلي مولاه، فقوله (فعلي مولاه) ليس مجرد إخبار بل يتضمن أمر عليكم أن تتولوا علي، من أراد أن يكون مؤمناً من هؤلاء المؤمنين فعليه أن يعتقد بولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)، لهذا رسول الله قال بعد ذلك: (اللهم وال من والاه وعاد من عاداه) إن الرسول لا يدعو على مؤمن، الرسول رحيم بالمؤمنين، فلا يدعو عليهم، فهل يمكن أن يدعو عليهم، يمكن أن يقول انصر من نصره واخذل من خذله ولو كان مؤمناً؟ لا يمكن، فبمقتضى رحمته لا يدعو على المؤمنين بالخذلان، وحيث أنه دعاء بالخذلان لمن خذل أمير المؤمنين في إمامته فهذا يعني من خذله أمير المؤمنين ليس مؤمناً، ليس مشمولاً برحمة رسول الله الخاصة.
النقطة الثالثة: دفع شبهة.
ذكر بعض المحاضرين أنّ الإمامة ليست أصلاً من أصول الإيمان وبالتالي ليست أصلاً من أصول الدين، واستدل على ذلك أنّ القرآن الكريم بيّن الأمور التي يجب أن نعتقد بها وهي أمور خمسة:
الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسوله والإيمان بيوم القيامة، ولم يبين الإمامة كأمر يجب أن نؤمن به، قال الله تبارك وتعالى: {آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ}(البقرة:285) وفي آية يقول تبارك وتعالى: {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ}(النساء:39).
فالقرآن ذكر هذه الخمسة ولم يذكر وجوب الإيمان بإمامة أمير المؤمنين (عليه السلام)، أو إمامة أولاده (عليهم السلام) ، وهذا دليل على أن الاعتقاد بالإمامة ليس ركناً من أركان الإيمان.
ثم قال هذا المحاضر : يمكن أن نذكر دليلاً على أنّ الإمامة ليست من أصول الإيمان وهو:
أنّ القرآن أطلق لفظ الإيمان على المسلمين في أول البعثة، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا }(البقرة:104) خاطب المسلمين في أول البعثة بعنوان الإيمان وفي ذلك الوقت النبي لم يبين مسألة الإمامة، ما كان الناس يعتقدون بالإمامة فهم مؤمنون وإنْ لم يعتقدوا بالإمامة. إذن الإمامة ليست من أصول الإيمان.
وفي مقام التعليق على هذا الكلام نذكر ثلاث تعليقات:
التعليق الأول: هو أنّ جملة من علمائنا ذكروا أنّ القرآن بين أنّ الإمامة أصل من أصول الدين، الباري تعالى يقول: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}(الشورى:23) هذه الآية جعلت مودة أهل البيت (عليهم السلام) جزاء مقابلا لكل ما قدمه النبي (صلى الله عليه وآله) من بعثته إلى ارتحاله، من بيان الدين ومن بيان الشريعة وتفاصيلها، وهذا يدل على أنّ المقصود بالمودة ليس الشعور القلبي بل الاعتقاد بمقامهم و إتباعهم (عليهم السلام، وتدل هذه الآية على أنّ الاعتقاد بإمامتهم ومودتهم ليست أمراً يندرج ضمن الفروع ضمن التشاريع سواءً كانت تلك التشاريع من أصول التشاريع كالصلاة أو من فروعه، بل إمامتهم شأن عظيم يرجع إلى الاعتقاد والإيمان حيث جعل جزاء بيان أصول الاعتقاد بيان التوحيد والنبوة والمعاد، وجعل بيان أصول الشريعة و تفاصيلها عدلا ومقابلا لمودتهم (عليهم السلام) .
و القرآن الكريم يقول أيضاً : {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}(المائدة:3) في ذلك اليوم نص رسول الله على إمامة أمير المؤمنين ، و القرآن اعتبر ذلك أمراً يتدين به الإنسان يعني ليس مجرد سلوك وشريعة بل يرتبط بالدين، {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} اعتبره أمر يتدين به الإنسان ويؤمن به ويعتقد به، واعتبره كمالاً للدين وتماماً للنعمة، وهذا يدل على أنّ الإمامة أصل من أصول الإيمان وأصل من أصول الدين.
القرآن الكريم يقول أيضاً : {أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ}(آل عمران:144) ما الذي وقع بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ الذي وقع ترك إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) ، القرآن اعتبر ذلك انقلاباً على الأعقاب ، رجوعا قهقريا ، هذه الآيات وغيرها تدل على أنّ الإمامة أصل من أصول الإيمان، الذي لا يؤمن بالإمامة ليس مؤمناً وإنما هو منقلب على عقبه، ومنحرف عن المنهج الذي حدده رسول الله (صلى الله عليه وآله).
التعليق الثاني: وهو أنه توجد روايات كثيرة جداً تدل على أنّ الإمامة من أصول الإيمان والدين و من أركان الهداية، فلا يكون الإنسان مهتدياً إلاّ بها، الشيخ جعفر كاشف الغطاء، يقول في كتابه "كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء" الروايات الدالة على أنّ الإمامة من أصول الدين متواترة ، توجد روايات قطعية تنص على أنّ الإمامة أصل من أصول الدين، والروايات على طوائف نذكر أربعة طوائف:
الطائفة الأولى: الروايات التي بينت أنّ الأئمة أصول الدين وأنّ إمامتهم أس الإسلام، يقول الإمام الباقر عليه السلام: (نحن أصول الدين وإلينا تختلف الملائكة)(الأمالي للشيخ الطوسي ص654)، وفي بصائر الدرجات يقول الإمام الصادق (عليه السلام) : (ان أمرنا صعب مستصعب لا يحتمله الا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للايمان)(بصائر الدرجات للصفار ص46)، المؤمن هو الذي يوجد في قلبه هذا الأمر وهو الاعتقاد بإمامتهم (عليهم السلام).
الطائفة الثانية: وهي التي بينت أنّ الإمامة هي الإيمان وأصله، والذي لا يعتقد به لا يكون مؤمناً.
ومن ذلك معتبرة سفيان بن السمط عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (الإيمان معرفة هذا الأمر)(الكافي للكليني ج2 ص24).
الإنسان إذا لم يعرف إمامتهم هو مسلم، وإذا كان جاهلا قاصرا لو يعلم بأدلة الإمامة لم يجحد إمامتهم ، فهو معذوراً نرجو له الهداية والرحمة وندعو أن يكون معنا في الجنة، ما عندنا مشكلة، ما عندنا عداء مع أحد، لكن الإمامة في عقديتنا نحن الشيعة أصل من أصول الإيمان، من لم يعتقد مسلم، له حقوق المسلمين، لا نتعدى عليه لا على نفسه ولا عرضه وماله، نعيش معه وفق إخوة الإسلام، ولكن هو في نظرنا ووفق مبادئنا ليس مؤمناً بالإيمان الذي أراده الله تبارك وتعالى لأنّ الإيمان عندنا لابد أن يكون بإمامة محمد وآل محمد.
الطائفة الثالثة: الروايات التي بينت أنّ من لم يعتقد الإمامة يموت ميتة جاهلية ويكون ضالاً.
فعن ابن أبي يعفور قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول رسول الله صلى الله عليه وآله : من مات وليس له إمام فميتته ميتة جاهلية ، قال : قلت : ميتة كفر ؟ قال : ميتة ضلال ، قلت : فمن مات اليوم وليس له أمام ، فميتته ميتة جاهلية ؟ فقال : نعم)(الكافي للكليني ج1 ص376).
إذن من مات بلا معرفة بالامام لا يعتبر كافراً ولكنه ضل عن الطريق الذي رسمه رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأمته وهو أمير المؤمنين وولده.
الطائفة الرابعة: الروايات التي بينت أنّ الله تعالى لا يقبل عملا إلاّ بإمامتهم (عليهم السلام).
فقد روى ثقة الإسلام الكليني أنّ الإمام الباقر (عليه السلام ) قال: (كل من دان الله بعبادة يجهد فيها نفسه ولا إمام له من الله فسعيه غير مقبول، وهو ضال متحير)(الكافي للكليني ج1 ص375).
وفي صحيح مسلم: (من فل يد طاعة وخرج على إمام زمانه مات ميتة جاهلية).
لابد أن يكون الإنسان خاضعا لإمام ومعتقد به، قال تعالى: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ}(الإسراء:71)، فكل إناس إنما يُدعون يوم القيامة بواسطة إمامهم، فلابد من إمام يعتقد به الإنسان إذا أراد أن يكون عمله مقبولاً عند الله تبارك وتعالى.
هذه الروايات المتواترة والتي على طوائف متعددة تثبت أنّ الإمامة أصل من أصول الدين، وركن من أركان الإيمان، هي مناط الهداية، بكم يسلك إلى الرضوان، ومن أراد الله بدأ بكم، هم أبواب الله ووجه الله تبارك وتعالى.
التعليق الثالث: نحن نسلم أنّ المسلمين في صدر الإسلام قبل بيان الإمامة كانوا مؤمنين ولكن هذا لا يعني أنّه بعد بيان الإمامة والنص على أنّ الإمامة من أصول الدين لا تكون الإمامة أصلاً من أصول الدين، وذلك لأنّ الدين كالشريعة لم يبين دفعة واحدة وإنما بين بنحو التدريج، فالنبي (صلى الله عليه وآله) كما بيّن تفاصيل الشريعة تدريجاً أيضاً بين العقائد على نحو التدريج، في زمن الإمام الباقر (عليه السلام) بُين للناس إمامة الباقر (عليه السلام) ولكن لم يبين للكل إمامة الكل حتى من سوف يأتي بعده ، لم يكلفوا أن يعتقدوا بإمامة الكل، بعض الكل بُين لهم ذلك، ولكن لم يبين للكل بنحو تأخذ تلك الإمامة ركن من أركان الإيمان لجميع المؤمنين، الإمام الباقر (عليه السلام) يقول لإسماعيل الجعفي: (أرأيت أم أيمن ؟ فإني أشهد أنها من أهل الجنة وما كانت تعرف ما أنتم عليه)(الكافي للكليني ج2 ص405).
الإمام (عليه السلام) يشهد أنها من أهل الجنة ولكنها ما كانت تعرف إمامة الإمام الباقر (عليه السلام) ، ما تعرف ما نعرفه اليوم من إمامة جميع الأئمة (عليهم السلام)، فالإمامة أصل بعد جعل الإمام لا قبل ، وبعد أن بُينت بأدلة قطعية لا معنى أن نقول الإمامة ليست من أصول الإيمان لأنّ القرآن لم يبين ذلك.
ثم لو سلمنا أنّ القرآن لم يبين أنّ الإمامة من أصول الدين، فهل القرآن الكريم هو المصدر الوحيد لأخذ العقيدة والشريعة؟
نفس القرآن لا يقبل أن يكون هو الوحيد، القرآن يقول: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْه فانتَهُوا}(الحشر:7)، ومما آتنا الرسول (صلى الله عليه وآله) : (إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي وأنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)(وسائل الشيعة للحر العاملي ج27 ص34).
كما أنّ القرآن محور لأخذ العقيدة والشريعة كذلك العترة هم عدل في عرض القرآن الكريم، ما ثبت عنهم قطعاً كأنه ثابت في القرآن، نحن لسنا من أصحاب نظرية حسبنا كتاب الله حتى نقول إذا لم يبين القرآن وجوب الإيمان بالإمامة لا تكون الإمامة من الأمور التي أخذها الإسلام في أركان الإيمان، نحن من أصحاب نظرية ما آتاكم الرسول فخذوه، وعندنا روايات متواترة تدل على عظم هذا المقام، وأنه أصل من أصول الدين به نقبل عند الله تبارك وتعالى وبه نكون مرضيين عند الله تبارك وتعالى، وينبغي أن نخضع لكلامهم ونكون متبعين لبياناتهم.
القيت المحاضرة بتاريخ: 7 / 1 / 1436 هـ
في رواية سيدنا ومولانا الإمام الباقر (عليه السلام) : (نحن أصول الدين وإلينا تختلف الملائكة)(الأمالي للشيخ الطوسي ص654) .
موضوعنا سوف يكون حول أنّ مقام الإمامة من أصول الدين ومن أركان الإيمان وأنه مناط الهداية ، وكلامنا حول هذا الموضوع سيكون ضمن نقاط ثلاث:
النقطة الأولى: الإمامة من أصول الدين في مدرسة أهل البيت.
كون الإمامة من أصول الدين ومن أركان الإيمان أمر واضح في مدرسة أهل البيت عليه السلام، كان أمراً جلياً واضحاً عند المتقدمين من علمائنا ثم ما زال يعبر القرون في وضوحه وجلائه إلى أن وصل إلى يوم الناس هذا.
السيد المرتضى في رسائله تعرض لأصول الدين عند المعتزلة، فقال:
" أن الذي سطره المتكلمون في عدد أصول الدين أنها خمسة" ثم عدد أصول الدين عند المعتزلة، ثم قال: "ومن أراد التفصيل والشرح وجب أن يضيف إلى ما ذكروه من الأصول الخمسة أصلين : النبوة ، والإمامة"(رسائل المرتضى للشريف المرتضى ج1 ص165–166).
فعد الإمامة من أصول الدين وذكرها كما ذكر مقام الإمامة.
مثل السيد المرتضى العلامة الحلي، فإنّه كتب عدة كتب وصنف عدة رسائل في أصول الدين، وضمن هذه الرسائل والكتب بحثاً عن الإمامةن من أهم الكتب هي كتاب الباب الحادي عشر، يقول في مقدمته:
الباب الحادي فيما يجب على عامة المكلفين من معرفة أصول الدين، رسالة خاصة في أصول الدين، وذكر الإمامة في هذا الكتاب كأصل رابع من الأصول الدينية التي يجب على عامة المكلفين أن يعتقدوا بها، وهذا الكتاب له قيمة لأنه كان منهجاً درسياً من بداية القرن الثامن تقريباً، العلامة توفي سنة 726 يعني من بداية القرن الثامن تقريباً إلى يوم الناس هذا بقي هذا الكتاب منهجا دراسيا للعقيدة في جميع الحوزات العلمية و مئات بل آلاف العلماء درسوا هذا الكتاب ودرسوا هذا الكتاب و علقوا وشرحوه ولم يستدرك واحد منهم فيقول إنّ العلامة لم يصب لما عد الإمامة من أصول الدين، فالكل مر على كلامه وأخذه مأخذ القبول والتسليم، وهذا يدل على أنّ مسألة كون الإمامة من أصول الدين واضحة جلية عند علمائنا الأعلام في جميع القرون المتتابعة.
مثل العلامة الحلي عشرات العلماء الذين صنفوا في أصول الدين وذكروا الإمامة كأصل من أصول الدين، الفيض الكاشاني في علم اليقين، السيد عبد الله شبر في حق اليقين، الشهيد الأصفهاني في مجمع الشتات، وغيرهم من العلماء الذين كتبوا في أصول الدين وذكروا الإمامة كأصل من أصول الدين، بل بعض العلماء صرح بأنّ كون الإمامة من أصول الدين أمر اتفاقي أجمع عليه جميع العلماء لم يختلف أحد في هذه المسألة.
قال العلامة المجلسي في البحار:
" ما أجمع عليه الفرقة المحقة من كون الإمامة من أصول الدين رداً على المخالفين القائلين بأنه من فروعه"(بحار الأنوار للمجلسي ج29 ص38).
وقال السيد شرف الدين:
"ولاية أمير المؤمنين من أصول الدين وعلى ذلك الإمامية كافة".
إذن مسألة كون الإمامة من أصول الدين في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) بينة واضحة عند المتقدمين والمتأخرين، لم يختلف فيها أحد منهم، لم يختلف عالم يعتد بعلمه وبمنزلته العلمية في الحوزة في مسألة أنّ الإمامة أصل من أصول الدين.
النقطة الثانية: معنى الإمامة أصلاً من أصول الدين.
لكي نعرف معنى أن الإمامة من أصول الدين لا بد من معرفة معنى الدين الذي تشكل الإمامة أصلاً من أصوله وركناً من أركانه.
الدين في الإصطلاح إذا أطلق يقصد منه معنيان:
المعنى الأول: الإسلام في مقابل الكفر، فالباري تبارك وتعالى أخذ عنوان الإسلام كموضوع لجملة من الأحكام الفقهية كحرمة الدم والعرض، والمال وجواز النكاح والطهارة والتوارث، ووجوب التجهيز.
والإسلام الذي هو موضوع لهذه الأحكام عبارة عن شهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً (صلى الله عليه وآله) رسول الله.
في المعتبرة : ( الإسلام شهادة أن لا إله إلاّ الله والتصديق برسول الله به حقنت الدماء وجرت المناكح وعلى ظاهره عامة الناس) ، والدين بهذا المعنى يسمى بالإسلام الظاهر، أو بحسب تعبير المرحوم السيد الخوئي بإسلام الدنيا.
المعنى الثاني: المأخوذ من الجزاء، ففي اللغة العربية يطلق الدين ويقصد منه الجزاء أو ما يرتب على العمل كنتيجة ومن ذلك المثال المعروف (كما تدين تدان)، ومن ذلك قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}(الفاتحة:4) يوم الدين يوم القيامة ويوم القيامة يوم الحساب والجزاء، يوم مقابلة العمل بجزائه إنْ كان حسناً يقابل بالثواب وإنْ كان سيئاً يقابل بالعقاب، فالدين قد يطلق ويقصد منه الجزاء.
السيد المرعشي في تعليقته الشريفة على كتاب إحقاق الحق ذكر أنه إذا قال علماؤنا الإمامة أصل من أصول الدين فلا يقصدون المعنى الأول أي أصلاً من أصول الإسلام بل المعنى الثاني فالإمامة هي أصل الإيمان الذي هو مناط الجزاء، ليس كل إنسان يتحصل على ثواب فيما إذا أطاع وإنما الذي يثاب هو خصوص المؤمن الذي يصلي ويصوم ويزكي ويحج عن إيمان يثيبه الله تبارك وتعالى، أما غير المؤمن لو عمل ما شاء لا يجب على الله تبارك وتعالى أن يثيبه، قال تبارك وتعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا }(الفتح:29) يعني ليس الكل موعوداً ، وإنما خصوص المؤمن ، فالجنة وعد الله بها المؤمن، و المؤمن يستحق على الله تعالى الجنة من باب الوفاء بالوعد، لأنّ الله تبارك وتعالى لا يفعل القبيح، وخلف الوعد قبيح، فالباري تبارك وتعالى كتب على نفسه الثواب والجنة ولكن لصنف خاص وهم المؤمنون، غير المؤمن قد يثاب ويدخله الجنة فهو تعالى مالك الجنة وهي تسع الخلق، نحن لا نمنع رحمة الله تبارك وتعالى، لله تبارك وتعالى أن يثيب من يشاء من خلقه، ونرجو من الله تبارك وتعالى أن يثيب كل من كان في قلبه رحمة وفي قلبه خير ويريد الخير للبشرية، وليس ناصبياً محارباً للدين ، فلا توجد عندنا مشكلة في أن يثاب الخلق ولكن نقول لا يجب على الله تبارك وتعالى أن يثيب من باب الوفاء بالوعد إلاّ المؤمن، لوعده تبارك وتعالى المؤمن بالثواب فقط ، فالإيمان ركن من أركان الجزاء، به يتقوم الجزاء، الإمامة ركن من أركان الإيمان، فتكون الإمامة ركن من أركان الدين بالمعنى الثاني .
رسول الله (صلى الله عليه وآله) في يوم الغدير قال للمسلمين: (أولست أولى بالمؤمنين من أنفسهم) هذا القول تذكير بآية قرآنية (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) ، النبي يقول لهم أنتم تعلمون بأنّ الله تبارك وتعالى جعل لي ولاية على المؤمنين، فمن كنت مولاه يعني من كان مؤمناً، من كان مقصوداً في هذه الآية من المؤمنين الذين ذكرهم الله في قوله (أولى بالمؤمنين) فعلي مولاه، فقوله (فعلي مولاه) ليس مجرد إخبار بل يتضمن أمر عليكم أن تتولوا علي، من أراد أن يكون مؤمناً من هؤلاء المؤمنين فعليه أن يعتقد بولاية أمير المؤمنين (عليه السلام)، لهذا رسول الله قال بعد ذلك: (اللهم وال من والاه وعاد من عاداه) إن الرسول لا يدعو على مؤمن، الرسول رحيم بالمؤمنين، فلا يدعو عليهم، فهل يمكن أن يدعو عليهم، يمكن أن يقول انصر من نصره واخذل من خذله ولو كان مؤمناً؟ لا يمكن، فبمقتضى رحمته لا يدعو على المؤمنين بالخذلان، وحيث أنه دعاء بالخذلان لمن خذل أمير المؤمنين في إمامته فهذا يعني من خذله أمير المؤمنين ليس مؤمناً، ليس مشمولاً برحمة رسول الله الخاصة.
النقطة الثالثة: دفع شبهة.
ذكر بعض المحاضرين أنّ الإمامة ليست أصلاً من أصول الإيمان وبالتالي ليست أصلاً من أصول الدين، واستدل على ذلك أنّ القرآن الكريم بيّن الأمور التي يجب أن نعتقد بها وهي أمور خمسة:
الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسوله والإيمان بيوم القيامة، ولم يبين الإمامة كأمر يجب أن نؤمن به، قال الله تبارك وتعالى: {آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ}(البقرة:285) وفي آية يقول تبارك وتعالى: {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ}(النساء:39).
فالقرآن ذكر هذه الخمسة ولم يذكر وجوب الإيمان بإمامة أمير المؤمنين (عليه السلام)، أو إمامة أولاده (عليهم السلام) ، وهذا دليل على أن الاعتقاد بالإمامة ليس ركناً من أركان الإيمان.
ثم قال هذا المحاضر : يمكن أن نذكر دليلاً على أنّ الإمامة ليست من أصول الإيمان وهو:
أنّ القرآن أطلق لفظ الإيمان على المسلمين في أول البعثة، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا }(البقرة:104) خاطب المسلمين في أول البعثة بعنوان الإيمان وفي ذلك الوقت النبي لم يبين مسألة الإمامة، ما كان الناس يعتقدون بالإمامة فهم مؤمنون وإنْ لم يعتقدوا بالإمامة. إذن الإمامة ليست من أصول الإيمان.
وفي مقام التعليق على هذا الكلام نذكر ثلاث تعليقات:
التعليق الأول: هو أنّ جملة من علمائنا ذكروا أنّ القرآن بين أنّ الإمامة أصل من أصول الدين، الباري تعالى يقول: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}(الشورى:23) هذه الآية جعلت مودة أهل البيت (عليهم السلام) جزاء مقابلا لكل ما قدمه النبي (صلى الله عليه وآله) من بعثته إلى ارتحاله، من بيان الدين ومن بيان الشريعة وتفاصيلها، وهذا يدل على أنّ المقصود بالمودة ليس الشعور القلبي بل الاعتقاد بمقامهم و إتباعهم (عليهم السلام، وتدل هذه الآية على أنّ الاعتقاد بإمامتهم ومودتهم ليست أمراً يندرج ضمن الفروع ضمن التشاريع سواءً كانت تلك التشاريع من أصول التشاريع كالصلاة أو من فروعه، بل إمامتهم شأن عظيم يرجع إلى الاعتقاد والإيمان حيث جعل جزاء بيان أصول الاعتقاد بيان التوحيد والنبوة والمعاد، وجعل بيان أصول الشريعة و تفاصيلها عدلا ومقابلا لمودتهم (عليهم السلام) .
و القرآن الكريم يقول أيضاً : {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}(المائدة:3) في ذلك اليوم نص رسول الله على إمامة أمير المؤمنين ، و القرآن اعتبر ذلك أمراً يتدين به الإنسان يعني ليس مجرد سلوك وشريعة بل يرتبط بالدين، {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} اعتبره أمر يتدين به الإنسان ويؤمن به ويعتقد به، واعتبره كمالاً للدين وتماماً للنعمة، وهذا يدل على أنّ الإمامة أصل من أصول الإيمان وأصل من أصول الدين.
القرآن الكريم يقول أيضاً : {أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ}(آل عمران:144) ما الذي وقع بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ الذي وقع ترك إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) ، القرآن اعتبر ذلك انقلاباً على الأعقاب ، رجوعا قهقريا ، هذه الآيات وغيرها تدل على أنّ الإمامة أصل من أصول الإيمان، الذي لا يؤمن بالإمامة ليس مؤمناً وإنما هو منقلب على عقبه، ومنحرف عن المنهج الذي حدده رسول الله (صلى الله عليه وآله).
التعليق الثاني: وهو أنه توجد روايات كثيرة جداً تدل على أنّ الإمامة من أصول الإيمان والدين و من أركان الهداية، فلا يكون الإنسان مهتدياً إلاّ بها، الشيخ جعفر كاشف الغطاء، يقول في كتابه "كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء" الروايات الدالة على أنّ الإمامة من أصول الدين متواترة ، توجد روايات قطعية تنص على أنّ الإمامة أصل من أصول الدين، والروايات على طوائف نذكر أربعة طوائف:
الطائفة الأولى: الروايات التي بينت أنّ الأئمة أصول الدين وأنّ إمامتهم أس الإسلام، يقول الإمام الباقر عليه السلام: (نحن أصول الدين وإلينا تختلف الملائكة)(الأمالي للشيخ الطوسي ص654)، وفي بصائر الدرجات يقول الإمام الصادق (عليه السلام) : (ان أمرنا صعب مستصعب لا يحتمله الا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للايمان)(بصائر الدرجات للصفار ص46)، المؤمن هو الذي يوجد في قلبه هذا الأمر وهو الاعتقاد بإمامتهم (عليهم السلام).
الطائفة الثانية: وهي التي بينت أنّ الإمامة هي الإيمان وأصله، والذي لا يعتقد به لا يكون مؤمناً.
ومن ذلك معتبرة سفيان بن السمط عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (الإيمان معرفة هذا الأمر)(الكافي للكليني ج2 ص24).
الإنسان إذا لم يعرف إمامتهم هو مسلم، وإذا كان جاهلا قاصرا لو يعلم بأدلة الإمامة لم يجحد إمامتهم ، فهو معذوراً نرجو له الهداية والرحمة وندعو أن يكون معنا في الجنة، ما عندنا مشكلة، ما عندنا عداء مع أحد، لكن الإمامة في عقديتنا نحن الشيعة أصل من أصول الإيمان، من لم يعتقد مسلم، له حقوق المسلمين، لا نتعدى عليه لا على نفسه ولا عرضه وماله، نعيش معه وفق إخوة الإسلام، ولكن هو في نظرنا ووفق مبادئنا ليس مؤمناً بالإيمان الذي أراده الله تبارك وتعالى لأنّ الإيمان عندنا لابد أن يكون بإمامة محمد وآل محمد.
الطائفة الثالثة: الروايات التي بينت أنّ من لم يعتقد الإمامة يموت ميتة جاهلية ويكون ضالاً.
فعن ابن أبي يعفور قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول رسول الله صلى الله عليه وآله : من مات وليس له إمام فميتته ميتة جاهلية ، قال : قلت : ميتة كفر ؟ قال : ميتة ضلال ، قلت : فمن مات اليوم وليس له أمام ، فميتته ميتة جاهلية ؟ فقال : نعم)(الكافي للكليني ج1 ص376).
إذن من مات بلا معرفة بالامام لا يعتبر كافراً ولكنه ضل عن الطريق الذي رسمه رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأمته وهو أمير المؤمنين وولده.
الطائفة الرابعة: الروايات التي بينت أنّ الله تعالى لا يقبل عملا إلاّ بإمامتهم (عليهم السلام).
فقد روى ثقة الإسلام الكليني أنّ الإمام الباقر (عليه السلام ) قال: (كل من دان الله بعبادة يجهد فيها نفسه ولا إمام له من الله فسعيه غير مقبول، وهو ضال متحير)(الكافي للكليني ج1 ص375).
وفي صحيح مسلم: (من فل يد طاعة وخرج على إمام زمانه مات ميتة جاهلية).
لابد أن يكون الإنسان خاضعا لإمام ومعتقد به، قال تعالى: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ}(الإسراء:71)، فكل إناس إنما يُدعون يوم القيامة بواسطة إمامهم، فلابد من إمام يعتقد به الإنسان إذا أراد أن يكون عمله مقبولاً عند الله تبارك وتعالى.
هذه الروايات المتواترة والتي على طوائف متعددة تثبت أنّ الإمامة أصل من أصول الدين، وركن من أركان الإيمان، هي مناط الهداية، بكم يسلك إلى الرضوان، ومن أراد الله بدأ بكم، هم أبواب الله ووجه الله تبارك وتعالى.
التعليق الثالث: نحن نسلم أنّ المسلمين في صدر الإسلام قبل بيان الإمامة كانوا مؤمنين ولكن هذا لا يعني أنّه بعد بيان الإمامة والنص على أنّ الإمامة من أصول الدين لا تكون الإمامة أصلاً من أصول الدين، وذلك لأنّ الدين كالشريعة لم يبين دفعة واحدة وإنما بين بنحو التدريج، فالنبي (صلى الله عليه وآله) كما بيّن تفاصيل الشريعة تدريجاً أيضاً بين العقائد على نحو التدريج، في زمن الإمام الباقر (عليه السلام) بُين للناس إمامة الباقر (عليه السلام) ولكن لم يبين للكل إمامة الكل حتى من سوف يأتي بعده ، لم يكلفوا أن يعتقدوا بإمامة الكل، بعض الكل بُين لهم ذلك، ولكن لم يبين للكل بنحو تأخذ تلك الإمامة ركن من أركان الإيمان لجميع المؤمنين، الإمام الباقر (عليه السلام) يقول لإسماعيل الجعفي: (أرأيت أم أيمن ؟ فإني أشهد أنها من أهل الجنة وما كانت تعرف ما أنتم عليه)(الكافي للكليني ج2 ص405).
الإمام (عليه السلام) يشهد أنها من أهل الجنة ولكنها ما كانت تعرف إمامة الإمام الباقر (عليه السلام) ، ما تعرف ما نعرفه اليوم من إمامة جميع الأئمة (عليهم السلام)، فالإمامة أصل بعد جعل الإمام لا قبل ، وبعد أن بُينت بأدلة قطعية لا معنى أن نقول الإمامة ليست من أصول الإيمان لأنّ القرآن لم يبين ذلك.
ثم لو سلمنا أنّ القرآن لم يبين أنّ الإمامة من أصول الدين، فهل القرآن الكريم هو المصدر الوحيد لأخذ العقيدة والشريعة؟
نفس القرآن لا يقبل أن يكون هو الوحيد، القرآن يقول: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْه فانتَهُوا}(الحشر:7)، ومما آتنا الرسول (صلى الله عليه وآله) : (إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي وأنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)(وسائل الشيعة للحر العاملي ج27 ص34).
كما أنّ القرآن محور لأخذ العقيدة والشريعة كذلك العترة هم عدل في عرض القرآن الكريم، ما ثبت عنهم قطعاً كأنه ثابت في القرآن، نحن لسنا من أصحاب نظرية حسبنا كتاب الله حتى نقول إذا لم يبين القرآن وجوب الإيمان بالإمامة لا تكون الإمامة من الأمور التي أخذها الإسلام في أركان الإيمان، نحن من أصحاب نظرية ما آتاكم الرسول فخذوه، وعندنا روايات متواترة تدل على عظم هذا المقام، وأنه أصل من أصول الدين به نقبل عند الله تبارك وتعالى وبه نكون مرضيين عند الله تبارك وتعالى، وينبغي أن نخضع لكلامهم ونكون متبعين لبياناتهم.
القيت المحاضرة بتاريخ: 7 / 1 / 1436 هـ
No comments:
Post a Comment