Sunday, April 5, 2015

دفع شبهة عن قانون العقوبات في الإسلام

بقلم : حيدر السندي
يثير بعض الليبراليين و دعاة التنور وغيرهم شبهات حول التشرعيات الإسلامية بشكل عام وبعض القوانين الجزائية بشكل خاص ، ولعل حكم قطع السارق وقتل المرتد وحرق اللائط و رجم الزاني المحصن و قتل الزاني بمحارمه من الأحكام التي تستحوذ على حصة الأسد من تلكم الشبهات التي ينقدح بسببها ـ في ذهن المؤمن المتابع ـ كم هائل من الأسئلة والاستفسارات حول موافقة هذه التشريعات لحكم العقل وعدم لزوم الظلم منها و بخس حق من طبقت عليه. 
وقد جعلت هذه الشبهات بعض الباحثين الإسلاميين يتنازل عن بعض الأحكام التي تسالم عليها المسلمون ودلت عليها النصوص الصريحة ، وكأنه بهذا يتصور أنه حل المشكلة ودفع عن الإسلام المؤاخذة ، وهو في الحقيقة كذب الحقيقة ، ورفع اليد عما هو جزء من الدين والكتاب وقد أمرنا الله بالإيمان به جميعاً ونهانا عن الإيمان بالبعض والكفر بالبعض الآخر.
وفي مقام التعليق على هذه الشبهات بنحو إجمالي ـ لأن التفصيل يحتاج إلى تفرغ و وقت ، وهذا ما أرجو من الله تبارك وتعالى أن يمن علي به ـ أذكر أمرين: 
الأمر الأول : إن إشكال الليبراليين وغيرهم لا يختص بقانون العقوبات لكي يتخلص منه برفع اليد عن هذه القوانين فحسب ، وإنما هو يثار حول أمور كثيرة منها الجهتان التاليتان :
الجهة الأولى : هي أن الله تبارك وتعالى و الموكلين من قبله من يُميت الناس جميعاً في الإسلام ، يقول تعالى ( للَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ الزمر (42) ( وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ الأنفال (50).
وهو تبارك وتعالى خالق هذا النظام الكوني ومُمكن عوامل الموت ، ومنها النار والبراكين و الصواعق من إهلاك الناس ، فلو كان إنزال الألم والإهلاك قبيحاً مطلقاً للزم نسبة القبيح إلى الله تعالى ، والجواب الذي يذكر لدفع هذا القبح هو بعينه يدفع القبح عن قانون العقوبات .
الجهة الثانية : هي أن الله تعالى كما دلت عليه النصوص والتعاليم الإسلامية سوف يعذب بالنار ، فيأتي التساؤل عن جواز ذلك عند العقل .
يقول تعالى : ( وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ الأنفال (50). النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ غافر (46) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ آل عمران (131) هَٰذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ الطور (14) وَنَادَىٰ أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ الأعراف (50) أُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ يونس (8) تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ المؤمنون (104) وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ غافر (49) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ القمر (48) يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ المائدة (37) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ هود (106) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ السجدة (20) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا النساء (56).
وبهذا يتضح أن دائرة الإشكال أوسع من النظام التشريعي ، وتطال بعض أفعال الله تعالى المستندة إلى إرادته التكوينية .
ولا يخفى أنه إذا جاز لله تعالى أن يهلك بعض خلقه أو ينزل فيهم الألم كأن يحرقهم بالنار ، فإنه سوف يجوز له عقلاً أن يأمر غيره بذلك ، فإن الوجه المصحح في الموردين واحد كما سوف يتضح .
الأمر الثاني : هو أن العقل لا يدرك قبح أن يهلك الله أو ينزل الألم بأحد من خلقه ، لأن العقل إنما يحكم بقبح فعل من الأفعال إذا اتصف بأحد عنوانيين:
العنوان الأول : الظلم .
وهذا العنوان في تعريفه احتمالان:
1ـ التصرف في ملك الغير بدون أذن المالك ، والظلم بهذا المعنى لا يعقل أن يصدر من الله تعالى ، لأنه المالك الحقيقي لكل شيء.
2ـ أنه وضع الشيء في غير موضعه ، و الإهلاك و إنزال الألم إنما يكونان في غير موضعهما إذا كانا عقوبة مع عدم الاستحقاق وذلك فيما إذا إنزال الألم على البريء بعنوان العقوبة ، فإن هذا ظلم لأن العقوبة لا تكون إلا لمن أرتكب قبيحاً ، ومن لم يرتكب قبيحاً لا يصح عقابه . و الله تعالى لا يعاقب إلا العصاة المردة المستحقين للعقاب لتمردهم على خالقهم .
نعم هو تعالى قد ينزل الألم في غير المستحق كمن يبتليه بحرق ليختبره ، أو يهلكه في بركان ليتعظ غيره ، إلا أن هذا ليس بعنوان العقوبة ليلزم الظلم بمعنى وضع الشيء في غير موضعه . 
العنوان الثاني : العبث .
والله تعالى لا يعبث بل في إنزاله للألم حكمة كالابتلاء والاتعاظ ، أو أن هذا ما يقتضيه نظام الدنيا ومن اللوازم التي لا تنفك عن خلق الخير الكثير في هذا العالم ـ كما يذكر بعض الفلاسفة ـ وإذا كان الأمر كذلك فلا قبح في إهلاكه تعالى لبعض الناس أو إنزاله الألم فيهم بالحرق ونحوه ، لأن ذلك تصرف من مالك في ملكه وانزل لحكمة ، وهو في العاصي بعنوان العقوبة وفي غيره لا بعنوان العقوبة فأين القبح في ذلك .
نعم ذكر بعض العلماء أن المتألم غير المذنب لحكمة ترجع مصلحتها إلى غيره يحكم العقل بلزوم تعويضه بعوض مجزي يختار معه المتألم الألم فيما لو خير بين أن لا يتألم وبين أن يتألم ويحصل على العوض ، ومع هذا العوض أو احتماله كيف يحكم العقل بقبح فعل الله تعالى!
والمتحصل مما تقدم أنه يجوز لله تعالى أن يهلك ويعذب أهل المعصية عقاباً لهم ، بعد أن كان باختيارهم أن يطيعوا ويتجنبوا السخط الإلهي ، ولكن بسوء الاختيار تجبروا وتغطرسوا وخالفوا أوامر مالكهم ، وإذا جاز له تعالى ذلك لأنه المالك و من يحق له عقاب ملكه لتجاسره وعدم مراعاته لحق خالقه ومالكه ، فإنه يجوز لله تعالى أن يكلف غيره بالقيام بمهمة الإهلاك أو التعذيب ـ كما في تكليف الحاكم بإحراق اللائط وقطع السارق ـ لمصلحة اجتماعية وهي الردع عن الخروج عن زي العبودية بفعل مشين فيه خروج عن ما يقتضيه العقل و الفطرة الإنسانية .
والحمد لله رب العالمين

No comments:

Post a Comment