Wednesday, April 29, 2015

نظرية التطور والالحاد (٣)


بقلم : حيدر السندي 
المحور الثاني : حيث أن نظرية التطور ( macro-evolution) تستند إلى ركنين أساسين:
الركن الأول : نشوء الحياة من اللاحياة.
الركن الثاني : رجوع الأنواع إلى أصل واحد مشترك وهو كائن أحادي الخلية واجه عدة صدف عشوائية أحدثت تغيرات استمر الأكثر ملائمة منها للظروف البيئية وفق قانون الانتخاب ليتشكل بعد ذلك هذه البنى الأكثر تعقيدا في ظل تنوع عجيب .
وقد ظن الملاحدة أن هذه النظرية تجهز بركنيها على نظرية الإلهي القائلة بوجود إله خارج الطبيعة هو العلة للحياة ووجود الطبيعة وما فيها من الأنواع المختلفة ، وذلك لأن عرض هذه النظرية ( وجود الإله) غير القابلة للرصد حساً فرع عدم إمكان تفسير الحياة الطبيعية وفق قانون ثابت يكون هو السبب الحياة وأنواعها ، وهذا ما تقدمه مبرهناً عليه نظرية التطور.
إن المعارضين للتطور اهتموا ـ في الأعم الأغلب ـ بمناقشة نفس النظرية في ركنها الثاني ، وحاولوا أن يدعموا نظرية الخلق المستقل للأنواع إما باسلوب علمي بمناقشة مؤيداتها أو عرض مؤيدات معاكسة ، وإما باسلوب ديني يعتمد على الموروث من الخطابات الدينية أو الدمج بين الاسلوبين ، و لا يعنيني الخوض في الجانب العلمي للمؤيدين والمعارضين ، وإنما يعنيني بيان عدم منافاة النظرية لقول الإلهي ، وأنها ليس فقط لا تشكل دعماً لنظرية الملحد ، بل تقدم دعماً لنظرية الإلهي ، وهذا ما سوف نتحدث عنه في النقطتين التالين :
النقطة الأولى : في مناقشة الركن الأول ( نشوء الحياة من اللاحياة).
ويمكن أن نذكر ما يلي :
الملاحظة الأولى : هي أن نشوء الحياة من اللاحياة أمر بعيد جداً لا يقبله العقل الإنساني في ظل قانون حساب الاحتمال وهذا ما نبه عليه قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُواذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ). 
فقد جاء في كتاب خديعة التطور أنه لا بد من ثلاثةشروط لتكوين بروتين مفيد:
الشرط الأول: أن تكون جميع الأحماض الأمينية فيسلسلة البروتين من النوع الصحيح وبالتتابع الصحيح.
الشرط الثاني: أن تكون جميع الأحماض الأمينية فيالسلسلة عسراء.
الشرط الثالث: أن تكون جميع هذه الأحماض الأمينيةمتحدة فيما بينها من خلال تكوين ترابط كيميائي يسمى"ترابط الببتايد".
ولكي يتم تكوين البروتين بمحض الصدفة، يجب أنتتواجد هذه الشروط الثلاثة الأساسية في وقت واحد.. والاحتمالية لتكوين بروتين بمحض الصدفة تساوي حاصلضرب الاحتماليات المتصلة بتحقيق كل واحد من هذهالشروط.
فعلى سبيل المثال، بالنسبة لجزيء متوسط يحوي 500 حمض أميني:احتمالية أن تكون الأحماض الأمينية موجودةبالتتابع الصحيح: يوجد عشرون نوعاً من أنواع الأحماضالأمينية تُستخدَم في تركيب البروتينات، وبناء على ذلك فإن: احتمالية أن يتم اختيار كل حمض أميني بالشكل الصحيحضمن العشرين نوعاً هذه = واحداً من 20. واحتمالية أن يتماختيار كل الأحماض الخمسمئة بالشكل الصحيح = (ا/20) أس 500 = 1/(10 أس 650). 
احتمالية أن تكون الأحماض الأمينية عسراء: احتماليةأن يكون الحمض الأميني الواحد أعسر = 2/1 ، احتماليةأن تكون جميع الأحماض الأمينية عسراء في نفس الوقت = (1/2) أس 500 = 1/(10 أس 150).
احتمالية اتحاد الأحماض الأمينية بترابط الببتايد:
تستطيع الأحماض الأمينية أن تتحد معاً بأنواع مختلفةمن الترابطات الكيميائية.. ولكي يتكون بروتين مفيد، فلا بدأن تكون كل الأحماض الأمينية في السلسلة قد اتحدتبترابط كيميائي خاص يسمى "ترابط الببتايد".. ويتضح منحساب الاحتماليات أن احتمالية اتحاد الأحماض الأمينيةبترابط كيميائي آخر غير الترابط الببتيدي هي خمسونبالمئة.. وفيما يتعلق بذلك:
احتمالية اتحاد حمضين أمينيين بترابطات ببتايدية = 1/2.
احتمالية اتحاد جميع الأحماض الأمينية بترابطات ببتيدية= (1/2) أس 499 = 1/(10 أس 150). وهكذا تكونالمحصلة النهائية للاحتمال = 1/(10 أس 650) × 1/(10 أس 150) × 1/(10 أس 150) = 1/(10 أس 950).
و 10 أس 950 تعني الرقم مليار مضروبا في نفسه105 مرة.. وهو رقم مذهل.. ولو استخدمنا مليارات الملياراتمن الكمبيوترات بسرعات مذهلة لمحاكاة هذه الاحتمالات، فلنيكفيها عمر الكون كلّه لإنتاج بروتين واحد بالصدفة! 
وقد قام روبرت شابيرو، أستاذ الكيمياء بجامعة نيويورك وأحدالخبراء في مجال الحمض النووي، بحساب احتمال التكوينالعرَضي لألفَي نوع من أنواع البروتينات الموجودة في بكتيرياواحدة ، فجاءت نتيجة الحساب كالآتي: (1 من 10 أس40000).. وهذا رقم هائل لا يمكن تخيله ويتم الحصول عليهبوضع أربعين ألف صفر بعد الرقم 1.
وقد أدلى تشاندرا ويكراماسنغي، أستاذ الرياضياتالتطبيقية والفلك بالكلية الجامعية في كارديف، ويلز، بالتعقيبالآتي: تتجسد احتمالية التكوين العفوي للحياة من مادة غيرحية، من احتمال واحد ضمن احتمالات عدد مكون من الرقم1 وبعده 40000 صفر... وهو رقم كبير بما يكفي لدفنداروين ونظرية التطور بأكملها!.. وإذا لم تكن بدايات الحياةعشوائية فلا بد أنها قد نتجت عن عقل هادف".
ولو فرضا جدلا أن حدوث كلّ محاولة من محاولات بناءالخليّة قد تستغرق ثانية واحدة فقط فهذا يعني أننا قدننتظر حوالي مليار مليار مليار مليار ( مكرر كلمة مليار 4 آلاف مرّة ة) سنة لتظهر لنا خلية حية بالصدفة في ظروفالأرض البدائية!
وأما احتمال تكوّن خلية بروتين متوسط التعقيد منالأحماض الأمينية (وهو 10 أس 950) فسوف نحتاج فيه إلى (10 أس 941) سنة، أي مليار مليار مليار... (مكرر كلمة مليار 104 مرّة) سنة!
ولو افترضنا أنّ المحاولات تتمّ بسرعة تشبه الضوء (أيبمقدار 300 مليون محاولة في الثانية الواحدة).. فإنّ هذا لنيغيّر شيئا يذكر في الأرقام التي لدينا.. سيقلّ فقط عددالمليارات المضروبة في بعضها من السنوات بمقدار مليارواحد!
وإن عمر المجموعة الشمسية لا يستوعب هذه القيم الاحتمالية ، فإنه يقدر بحوالي 4.6 مليار سنة فقط... ولوافترضنا أنّ هذا العمر الضئيل ـ بل المعدوم مقارنة بما نتكلمعنه من احتمالات ـ يكفي غريمتنا الصدفة لإنشاء خلية أولية،فإنّه لا يكفي على الإطلاق لظهور البدائيات والنباتاتوالحيوانات والإنسان!_ الفضاء الرحيب. ... يقول السير فْرِدهويل في إحدى مقابلاته التي نُشرت في مجلة الطبيعة فيتشرين الثاني (نوفمبر) سنة 1981: "إنّ ظهور خليّة حيّةللوجود عن طريق الصدفة، يشبه ظهور طائرة بوينج 747 عنطريق الصدفة، نتيجة هبوب عاصفة على محلات لأدواتالخردة".
وبهذا تكون قيمة احتمال العشوائية وفقدان النظام للغاية قيمة ضعيفة جداً لا يعتد بها العاقل في مقابل قيمة احتمال التصميم الهادف والذكي.
ويمكن مراجعة ما نقلته في الرابط التالي :
الملاحظة الثانية : إن للكون بداية ، وهذا ما تأكده الدراسات الحديثة فقد ذكروا أن الكون كان يومًا جزءاً واحداًثم تحقق ما يسمى بالانفجار العظيم ، و بعض التقديرات الحديثة تُقدّر حدوث تلك اللحظة قبل 13.8 مليار سنة، والذي يُعتبر عمر الكون.
وبعد الانفجار بَرُدَ الكون بما يكفي لتكوين جسيمات دون ذرية كالبروتونات والنيترونات والإلكترونات. ورغم تكوّن نويّات ذرية بسيطة خلال الثلاث دقائق التالية للانفجار العظيم، إلا أن الأمر احتاج آلاف السنين قبل تكوّن ذرات متعادلة كهربيًا. معظم الذرات التي نتجت عن الانفجار العظيم كانت من الهيدروجين والهيليوم مع القليل من الليثيوم. ثم التئمت سحب عملاقة من تلك العناصر الأولية بالجاذبية لتُكوّن النجوم والمجرات، وتشكّلت عناصر أثقل من خلال تفاعلات الانصهار النجمي أو أثناء تخليق العناصر في المستعرات العظمى.
ويعضد هذه البداية ما أثبته العلماء من حدوث المادة وفنائها وفق للمبدأ الثاني للديناميكية الحرارية الذي اكتشفه (كارنو) وهو يبرهن على أن العالم المادي في سير نحو موته الحراري وفق قانون الانسياب والتبعثر .
يقول فرنك الن عالم الطبيعة البيولوجية : ( ولكن قوانين الديناميكا الحرارية تدل على أن مكونات هذا الكون تفقد حرارتها تدريجياً وأنها سائرة حتماً إلى يوم تصير فيه جميع الأجسام تحت درجة من الحرارة بالغة الانخفاض هي الصفر المطلق، ويومئذ تنعدم الطاقة وتستحيل الحياة ولا مناص من حدوث هذه الحالة من انعدام الطاقة عندما تصل درجة حرارة الأجسام إلى الصفر المطلق بمضي الوقت أما الشمس المستعرة والنجوم المتوهجة والأرض الغنية بأنواع الحياة فكلها دليل واضح على أن أصل الكون أو اساسه يرتبط بزمان بدأ من لحظة معينة فهو اذاً حدث من الأحداث ومعنى ذلك أنه لا بد لأصل الكون من خالق أزلي ليس له بداية عليم محيط بكل شيئ قوي ليس لقدرته حدود ولا بد ان يكون هذا الكون من صنع يديه ) الله يتجلى في عصر العلم ص 5 ، 6 . 
وبداية الكون تحتم وجود خالق لنشوء الحياة كما نعرفها اليوم، التي يعتقد أن تاريخها يعود إلى حوالي 3،5 إلى 3،8 مليارات سنة ، و السبب هو أن بداية الكون تحتم وجود علة له ، كما أن تطور المادة وانتقالها من اللاحيوية إلى الحيوية يعني تغيرها الملازم للحدوث وإلا لتحققت الحياة قبل الوقت التقديري أزلاً ، والحدوث يستدعي وجود علة إما موجبة لحدوث الحياة مباشرة أو وفق قانون مدبَر من قبلها.
لقد تصور الملحد أن إمكانية حدوث الحياة من اللاحياة وفق طفرات جينية تعصف بفرضية وجود الإله ، وهذا من الناحية العقلية والفلسفية تصور ساذج ، لأن عشوائة الطفرات التي تحدث التغير غاية ما تعني أن الطبيعة في إحدى محطات تطورها لا تستند إلى علة غائية واضحة لنا ، وهذا إن سلمنا به ، فهو لا يعني عدم وجود علة فاعلية وراء الطبيعة هي التي أوجدت المجموع الطبيعي وفق نظام التطور الذي يزعمه التطوريون ، ولها هدف جمعي يدل عليه الانسجام الواضح في جميع ذرات الكون ، وهذا المقدار كاف للتدليل على فرضية السبب الخارجي عن نظام الطبيعة .
النقطة الثانية : في التعليق على الركن الثاني وهو لب نظرية التطور.
وهنا أذكر عدة ملاحظات :
الملاحظة الأولى: هي أننا لو قبلنا نظرية التطور بالصيغة التي يطرحها داروين ، فهذا لا ينافي ما قامت عليه الضرورة الدينية من خلق الإنسان المعاصر مستقلاً ، لإمكان إرجاع الحفريات المكتشفة ـ التي تعود إلى زمان سابق على آدم أب البشر ـ إلى نوع سابق على الإنسان الحالي أنقرض في فترة من الفترات ، و يوجد عدة روايات تتحدث عن آدميين قبل آدم الذي تنتمي إليه البشرية المعاصرة وهي تتوافق مع هذا الاحتمال.
ففي كتاب التوحيد للصدوق عن جابر بن يزيد ، قال : سألت أبا جعفر
(عليه السلام) عن قوله عز وجل : ( أفعيينا بالخلق الأول بلهم في لبس من خلق جديد ) قال : يا جابر تأويل ذلك أن اللهعز وجل إذا أفنى هذا الخلق وهذا العالم وسكن أهل الجنةالجنة ، وأهل النار النار جدد الله عالما غير هذا العالم وجددخلقا من غير فحولة ولا إناث يعبدونه ويوحدونه ، وخلق لهمأرضا غير هذه الأرض تحملهم ، وسماء غير هذه السماءتظلهم ، لعلك ترى أن الله إنما خلق هذا العالم الواحد ، وترىأن الله لم يخلق بشرا غيركم ، بلى والله لقد خلق الله ألف ألفعالم ، وألف ألف آدم أنت في آخر تلك العوالم وأولئكالآدميين.ص278 و في الخصال 652.
وبعض المؤيدات التي تنطلق من ملاحظة الإنسان المعاصر كوجود غشاء الصفار وتشكل الجنين بهيئة السمك ثم الزواحف لا تفيد الجزم بتطور الإنسان المعاصر عن نوع سابق وغاية ما تفيده الاحتمال .
الملاحظة الثانية : هي أن نظرية التطور فرضت نحوا من العشوائية في مرحلة من مراحل التطور ثم أعطت تحليلا منطقيا في الانتخاب الطبيعي يعتمد على مبدأ البقاء للأصلح .
والعشوائية تعني عدم وجود تفسير منطقي للحادث أو الحوادث ، وليس عدم وجود تفسر منطقي مدرك من قبلنا ، لأنه غاية ما نملك الجهل بالتفسير ، و الجهل و عدم معرفة التفسير لا يعني عدم وجوده ، وبهذا تكون العشوائية المذكورة عشوائية نسبية لوحظ فيها جهل الملاحظ للتفسير المنطقي في بعض مراحل التطور ، وعلمه بالتفسير المنطقي في البعض الآخر .
وفي الحقيقة هنالك تفسير منطقي ، وهو نظام المادةوالحركة ، و قوانين التزاحم الحاكمة على متغيراتها ، فإنها تقتضي تدافع وتعاضد المكونات والجسيمات وهذا نظير ما قيل من تأثير الجسيمات المنبعثة من الانفجارات الكونية على الشريط الوراثي في النواة ، فان لهذه الانفجارات و الانبعاثات قواعد تحكمه كما أن لتأثر الشريط الوراثي قواعد تحكمه ، لو قدر لنا الإحاطة بالتأثيرات المتبادلة وزمان حدوث أسبابها بالدقة لأمكننا التنبؤ بكل الحوادث التي توصف بالعشوائية ، وملاحظة السجل التراكمي الذي يتحرك ضمن مؤشر تصاعدي كما يعترف التطوريون من مخلوقات بدائية إلى مخلوقات أكثر تطورا وتعقيدا حتى نصل إلى الإنسان الذي تفوق خصائصه الوجودية متطلبات البقاء تفيد الجزم بالهدفية ، و هذه الهدفية المجموعية للطبيعة لا تنافي وقوع التزاحم وتكامل وتطور بعض الكائنات على حساب البعض الآخر وهذا ما يمكن أن يخرج به وجود بعض التصميمات الرديئة .
وقد أعتمد أئمة أهل البيت (عليهم السلام) هذا السجل التراكمي في تشكل الأنواع وتطورها حتى ضمن الأفراد داخل النوع في البرهنة على وجود الفاعل والهدف ففي نهج البلاغة : من خطبة أمير المؤمنين (عليه السلام) في صفة عجيب خلقأصناف من الحيوان : ولو فكروا في عظيم القدرة وجسيمالنعمة ، لرجعوا إلى الطريق وخافوا عذاب الحريق ، ولكنالقلوب عليلة ، والبصائر مدخولة ، ألا ينظرون إلى صغير ماخلق ، كيف أحكم خلقه وأتقن تركيبه ، وفلق له السمع والبصر ،وسوى له العظم والبشر ؟ انظروا إلى النملة في صغر جثتهاولطافة هيئتها لا تكاد تنال بلحظ البصر ، ولا بمستدرك الفكر ،كيف دبت على أرضها وضنت على رزقها ، تنقل الحبة إلىحجرها ، وتعدها في مستقرها ، تجمع في حرها لبردها ، وفيورودها لصدرها ، مكفولة برزقها ، مرزوقة برفقها ، لا يغفلهاالمنان ، ولا يحرمها الديان ، ولو في الصفا اليابس ، والحجرالجامس ولو فكرت في مجاري اكلها وفي علوها وسفلها ومافي الجوف من شراسيف بطنها وما في الرأس من عينهاواذنها ، لقضيت من خلقها عجبا ، ولقيت من وصفها تعبا ،فتعالى الذي أقامها على قوائمها ، وبناها على دعائمها ، لميشركه في فطرتها فاطر ، ولم يعنه في خلقها قادر ، ولو ضربتفي مذاهب فكرك لتبلغ غاياته ما دلتك الدلالة إلا على أن فاطرالنملة هو فاطر النخلة لدقيق
تفصيل كل شئ ، وغامض اختلاف كل حي ، وما الجليلواللطيف والثقيل والخفيف والقوي والضعيف في خلقه إلا سواء، كذلك السماء والهواء والرياح والماء ، فانظر إلى الشمسوالقمر والنبات والشجر والماء والحجر ، واختلاف هذا الليلوالنهار وتفجر هذه البحار ، وكثرة هذه الجبال ، وطول هذهالقلال ، وتفرق هذه اللغات والألسن المختلفات ، فالويل لمنجحد المقدر ، وأنكر المدبر ، زعموا أنهم كالنبات مالهم زارع ،ولا لاختلاف صورهم مانع ، ولم يلجأوا إلى حجة فيما ادعوا ولاتحقيق لما أوعوا ، وهل يكون بناء من غير بان ، أو جناية من غيرجان وإن شئت قلت في الجرادة إذ خلق لها عينين حمراوين ،وأسرج لها حدقتين قمراوين وجعل لها السمع الخفي ، وفتح لهاالفم السوي ، وجعل لها الحس القوي . ونابين بهما تقرض ،ومنجلين بهما تقبض ، يرهبها الزارع في زرعهم ولا يستطيعونذبها ولو أجلبوا بجمعهم حتى ترد الحرث في نزواتها ، وتقضيمنه شهواتها ، وخلقها كله لا يكون أصبعا مستدقة .البحارج61 ص40.
الملاحظة الثالثة : نستكشفها من الملاحظة السابقة وهي أن وحدة النظام الحاكم على جميع الأحياء ووحدة آلية التطور تفيد وجود قوانين ثابتة جعلت في المادة ، وهذه القوانين في أصل تحققها وكيفيتها تحتاج إلى موجد ولا يمكن أن تكون محققة لنفسها في عرض تحقيقها للظواهر .
إن نظرية التطور لو سلمنا بها وانتهينا إلى أنها حقيقة غير قابلة للدحض فهي ليست بديلا عن الاعتقاد بوجود الإله ، وإنما هي تشكل الصيغة التي يدبر بها الله سبحانه نظام الطبيعة.
إن دلالة القانون والنظام و انحفاظهما على وجود الصانع تعالى هو الدليل الذي أكد عليه أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في حواراتهم مع الملاحدة ، فعن هشام بن الحكمقال : دخل ابن أبي العوجاء على الصادق (عليه السلام) فقالله الصادق (عليه السلام): يا بن أبي العوجاء ! أنت مصنوعأم غير مصنوع ؟ قال : لست بمصنوع . فقال له الصادق : فلو كنت مصنوعا كيف كنت ؟ فلم يحر ابن أبي العوجاءجوابا ، وقام وخرج . قال : دخل أبو شاكر الديصاني - وهوزنديق - على أبي عبد الله وقال : يا جعفر بن محمد دلنيعلى معبودي ! فقال أبو عبد الله (عليه السلام): إجلس ! فإذاغلام صغير في كفه بيضة يلعب بها فقال أبو عبد الله : ناولني يا غلام البيضة ! فناوله إياها ، فقال أبو عبد الله : ياديصاني هذا حصن مكنون ، له جلد غليظ ، وتحت الجلدالغليظ جلد رقيق ، وتحت الجلد الرقيق ذهبة مايعة ، وفضةذائبة ، فلا الذهبة المائعة تختلط بالفضة الذائبة ، ولا الفضةالذائبة تختلط بالذهبة المايعة ، فهي على حالها ، لا يخرجمنها خارج مصلح فيخبر عن إصلاحها ، ولا يدخل إليهاداخل مفسد فيخبر عن إفسادها ، لا يدرى للذكر خلقت أمللأنثى ، تنفلق عن مثل ألوان الطواويس ، أترى له مدبرا ؟ قال: فأطرق مليا ثم قال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وأنك إمام وحجة من اللهعلى خلقه ، وأنا تائب مما كنت فيه . الاحتجاج ج 2 ص 72.
وهكذا ننتهي إلى أن نظرية التطور إن لم تدعم فرضية الإله فهي لا تنافيها ، ومحاولة توظيفها لتدعيم الإلحاد محولة تفتقر إلى العلم والمنطق.
والحمد لله رب العالمين

نظرية التطور والالحاد (٢)


بقلم : حيدر السندي
النقطة السادسة : في مؤيدان النظرية .
يتفق التطوريون على أنه لا يمكن رصد الانتواع ( macro-evolution) وملاحظة وقوعه ، وذلك لأنه تبدل نوع إلى نوع آخر يحتاج إلى مرور آلاف بل ملايين السنين ، ولا يوجد إنسان له هذا العمر ليعتمد على مشاهدته لوقوع التغير في الأنواع أو بعضها ، لهذا كل ما يذكره أصحاب نظرية الانتواع مجموعة من الدلالات التي يعتقد أنها تعطي قيمة احتمالية لمركز واحد وهو الانتواع المعتمد على الانتخاب الطبيعي ، وملاحظة الدلائل التي يعرضها كتاب أصل الأنواع لداروين ، و دلائل الداروينية الحديثة ، توقف المتابع على التأرجح الكبير بين دلائل تعاقبت في مدة قد تصل إلى قرنين هي عمر نظرية التطور تقريبا .
و عليه يمكن أن نقسم المؤيدات إلى قسمين :
القسم الأول : مؤيدات داروين نفسه حيث لم تتطور بعض العلم بالشكل الحالي ، و لم يكتشف أصلاً البعض الآخر .
لقد أنظم داروين إلى الرحلة الثانية لسفينة البيغل (HMS Beagle) وهي سفينة تابعة للبحرية الملكية البريطانية، و كان انطلاق الرحلة في السابع والعشرين من ديسمبر 1831 و استمرت خمس سنوات ، قضى تشارلز داروين معظم وقته في الرحلة مستكشفا الطبيعة ، وعمل على تجميع عينات التاريخ الطبيعي، ودون ملاحظاته وتخميناته النظرية ، وكان يرسل العينات إلى جامعة كامبردج، وقد لا حظ في رحلته عدة أمور كانت وراء تشكل نظرية التطور فيما بعد منها :
1ـ وجد أن أفرادا تنتمي إلى نوع واحد تختلف في شكلها بسبب اختلاف الظروف البيئية . فقد علِم أن هناك نوعين من طيور الريا (rhea) المُختلفة والمتداخلة في الشكلفي جزر جالاباقوس Galápagos Islands ، و وجد أنَّ الطيور المحاكية في تشيلي تختلف من جزيرة لأُخرى. وقد سمِع أنَّ هُناك اختلافاً بين أشكال صدف السلاحف ، والسبب في هذا الاختلاف كيفية تحصلها على طعامها ، إن هذا الاختلاف مع وحدة النوع واتحاد السلف ، كان من مقويات نظرية التطور عند داروين.
2ـ وجد تشابه بين أنواع منقرضة وأنواع موجودة مع تفاوت في الحجم ، فقد تعرَّف على ما يُدعى بـ (مجاثيريم) (Megatherium) الصغير عبر رؤية أسنانه والتصاقه بدرع عظمي والذي بدأ له لأول وهلة كنسخة عملاقة من حيوان المدرع المحلي .
3ـ وجود بعض الحيوانات لا تتواجد في بعض البقاع كالبرمائيات ، حيث لا توجد في الجزر المحيطية ، و وجد تفاوت في الأنواع مع اتحاد البيئة كما في اختلاف حيوانات القارة الأفريقية عن حيوانات أمريكا اللاتينية رغم أن المدار واحد وتشترك في الظروف المناخية والبيئية ، وهو الذي لم يجد له داروين تفسير إلا مبدأ الانعزال .
4ـ بقايا الزوائد مثل الزائدة الدودية وعضلة خلف الأذن وأثداء الرجل ، وعظم العصعص ، فإنه قدح في ذهنه وقوع ذلك ضمن حلاقات التطور . 
5ـ تقارب بعض الأنواع المختلفة ، وهذا ما لاحظه داروين في عصافير غالاباغوس (Galápagos) فقد ظن بعضهانوعاً واحداً لتقاربها وتفاوتها في بعض الصفات ، ولكن بعد عودته من الرحلة عرض داروين عصافيره على الجمعية الجيولوجية في لندن في اجتماعهم في 4 من جانيوري عام 1837 ، و اعطيت لجون قولد عالم الطيور الإنجليزية الشهير و في 10 من جانيوري صرح أن الطيور تتضمن 12 نوعا .
6ـ تشابه جمع الأنواع في التركيب ، فكما للإنسان جهاز للتغذية والهضم و التخلص من نتاج عملية الهضم ، يوجد في سائر أنواع الحيوانات بل والحشرات والنباتات مثل ذلك مع اختلاف في الشكل وكيفية أداء الوظائف ، و هذا ما دعمته الاكتشافات العلمية وعمقته فيما بعد فإن الكائنات الحية لا بد لها من خلية أو خلايا و الخلايا تتشابه :
أ- لها تركيب أساسي واحد وهو (البروتوبلازم) عبارة عن النواة والجدار الخلوي والسيتوبلازم ويسمى بمادة الحياة الأولية.
ب - تشترك في وجود معظم العضيات التي تؤدي الوظائف وتضمن للكائن الحي استمرار حياته. لقد دعمت فيما بعد الأدلة البروتيومية وجود سلف مشترك لجميع الأحياء ، فإن البروتينات الحيوية كالريبوسوم والدنا بولمريز والرنا بولمريز توجد في كل الكائنات بدءًا بأكثر البكتيريا بدائية وحتى أكثر الثدييات تعقيدًا. و الجزء الرئيسي في البروتين محفوظ في كل سلالات الحياة ويؤدي وظائف متشابهة. نعم طورت المتعضيات الأكثر تعقيدًا وحدات بروتين إضافية، و التشابه المترابط بين سلاسلات كل المتعضيات المعاصرة؛ مثل الدنا، والرنا، والأحماض الأمينية، وطبقة الدهن الثنائية تدعم كلها نظرية التطور عن نوع مشترك.
7ـ تشكل الشكل الظاهري للأرض بعوامل طبيعية في مدة طويلة من الزمن ، فقد قامت سفينة البيجل بالبحث والتنقيب عن أصل تكوين الجزر المرجانية المسماة بالكوكوس كيلينج (Cocos Keeling Islands) ، وهو الذي فتح باب احتمال تشكل الأنواع في عالم الأحياء كما يتشكل سطح الأرض ، في مدة طويلة. 
إن هذا المعطيات وغيرها مع الدراسات التي قدمها جملة من الباحثين وفي مقدمتهم لامارك (lamarck) في كتابيه الفلسفة الحيوانية و التاريخ الطبيعي للحيوانات اللافقارية ، حيث دعم فرضية رجوع جميع التغيرات غير العضوية والعضوية إلى قانون ثابت ، و رفع فرضية تحدر جمع الأنواع بما فيها الإنسان من نوع آخر كان لها تأثير كبير عليه في اختيار النظرية.
لقد كان الانتواع في بداية القرن التاسع عشر حديثاً بين بعض العلماء ولم يطرحه لامارك فقط قبل داروين ، بل له وجود في كلمات جملة من الباحثين منهم (جيوفروي هيلاري ، س . ويلس ، جرانت ، باتريك ماثيو) ومن البعيد جداً أن يكون داروين في غفلة تامة عن دراسات ونتائج هؤلاء العلماء ، نعم لم يقدم عالم ما قدم هو في تشييد و دعم و بلورة نظرية التطور حتى صارت ذات إطار نظري واضح انطلق منه الباحثون فيما بعد .
إن ما ذكرناه لا يعكس واقع المؤيدات الكثيرة التي عرضها داروين في كاتب أصل الأنواع ، و كيفية توظيفها في تدعيم نظرية التطور ، و قد اقتصرت على ما تقدم ، لأن الهدف هو أن يقف القارئ على بعض بذور شجرة هذا النظرية ، والتي كانت بدائية في نتاج داروين ، لم تبين كيفية وقوع التغير وانتقاله في السلالات كما لم تخل من مجموعة من الفجوات و الثغرات التي لم يعالجها وأهتم بعلاجها من جاء بعده من التطوريين كالحلقة المفقودة وسبق و أقدمية حفريات الإنسان على أقدم حفريات القرد ، ووجود الصفات التي تفوق متطلبات البقاء في الإنسان المعاصر و سلفه المفروض مع انقراضه ، وبقاء ما هو دونه في الصفات كالقرود .
ومن المفيد جداً هنا أن نذكر تلخيصاً لفصول كتاب (أصل الأنواع) فقد جاء الكتاب في طبعته الثانية في 15 فصلاً:
الفصل الأول :تحدث فيه عن الفوارق الواقعة بين الحيوانات الداجنة وتأثير الانتخاب الصناعي في حدوثها ، فإن رغبة الإنسان في الصفات تدعوه نحو التهجين ، ومثل لذلك باختلاف الحمائم كالتفاوت الموجود بين الزاجل الانجليزي والبهلواني قصير الوجه ، وبين رجوعها إلى سلف مشترك وهو حمام الصخور ( ليفيا).
الفصل الثاني : بين أن وقوع التغير بالتهجين يفتح المجال للحديث عن وقوعه طبيعياً ، وهنا دخل في فوارق الحيوانات غير المهجنة ، وقد كان الفصل السابق مقدمة لهذا الفصل كما كان هذا الفصل مقدمة للاحق.
الفصل الثالث: تحدث عن قانون الصراع من أجل البقاء ، فتكلم عن النسبة الهندسية للتكاثر ، وتنافس الأحياء من أجل البقاء ، وتأثير ذلك على الانتخاب الطبيعي ، وبهذا فتح المجال للحديث عن الانتخاب الطبيعي.
الفصل الرابع : تعرض للانتخاب أو قانون بقاء الأصح.
الفصل الخامس : تحدث فيه عن قانون التمايز و سبب وجود الاختلاف بين الأنواع.
الفصل السادس : تحدث فيه عن صعوبات نظرية التطور والانتقاء الطبيعي.
الفصل السابع : تعرض فيه لبعض الاعتراضات التي تواجهها النظرية .
الفصل الثامن: تحدث فيه الغرائز.
الفصل التاسع : تحدث فيه عن التنغل والعقم و أقسامه وضوابطه .
الفصل العاشر : استعرض فيه إشكالية الحلقة المفقودة ونقص السجل الجيولوجي.
الفصل الحادي عشر : تعرض للتعاقب الجيولوجي الخاص للكائنات الحية.
الفصل الثاني عشر ، والثالث عشر حول التوزيع الجغرافي للأنواع ومبدأ الانعزال.
الفصل الرابع عشر : حول الصلات الموجودة بين أنواع الكائنات الحية وقد وظف في هذا الفصل علم التشكل المورفولوجيا( Morphology) وعلم الأجنة و حاول توظيف الأعضاء الأثرية غير المكتملة ، وهي التي كانت نافعة وبقيت بلا فائدة ملاحظة ، و البنى الانتقالية ، وهي التي لم يتم اكتمالها وبيان عدم منافاتها لنظرية التطور.
الفصل الخامس عشر : قدم فيه تلخيصاً للكتاب .
ويمكن ملاحظة الكتاب في الرابط التالي :
القسم الثاني : المؤيدات الحديثة التي جاءت بعد تطور العلوم والتي أفرزت الداروينية الحديثة .
وهذه المؤيدات تشترك فيها عدة علوم من أهمها :
1ـ علم الوراثة وظائف الأعضاء المقارن والكيمياء الحيوية المقارنة.
2ـ علم التشريح المقارن.
3ـ علم الأحياء القديمة و الاحفوريات المكتشفة بعد داروين .
4ـ علم الاحداثيات.
5ـ الكيمياء.
6ـ الفيزياء.
ولعل من أهم كتاب يتعرض للداروينية بمنهج حديث كتاب ( لماذا التطور حقيقة؟) البروفيسور جيري كوين عالم التطور الجيني الأمريكي ، ومن المفيد أن نخصص هذا القسم بتلخيص كتابه.
فقد جاء كتابه في تسعة فصول بالترتيب التالي :
الفصل الأول : تحدث فيه الكاتب عن مفهوم التطور ، وعرض فيه مفهوما جديداً يتناسب مع تطور عالم الوراثة و الجينات . وتحدث باختصار عن الأمور التي لابد من رصدها لتبني النظرية وذكر منها :
1ـ بدائية الحي كلما أوغلنا في القدم .
2ـ الظفر بحلقات الوسط بين الأنواع المتطورة.
3ـ وجود التصميمات غير المكتملة ، وقد وجد في الأخير مناسبة لتدعيم نزعته الإلحادية .
الفصل الثاني : عنونه بعنوان (مكتوبة في الصخور) وقد قدم فيه الأدلة الأحفورية ، و ذكر أنه بفضل علم الإحاثيات Paleontologia))وتطور الكيما والفيزياء تمكن الباحثون من معرفة تاريخ الأحفورات حيث يعود تاريخ الأقدم منها إلى 530 مليون سنة ، كما تمكنوا من تصنيفها ، وبين أن صعوبة بقاء الأحفورات لم تمكن العلماء من الظفر بأكثر من ما نسبه 1 إلي 5 % منها كما أنهم لم يتعرفوا على أكثر من 350 ألف نوع من الأنواع التي تقدر بين 700 ملون إلى 4 مليارات نوه.
وذكر في هذا الفصل تمكن العلماء من اكتشاف بعض ما يعتقد أنه الحلقة الوسطية بين الأنواع ومن ذلك طائر الأركيوبتركس الذي يجمع بين صفات الطيور والزواحف حيثيوجد له مخالب في أجنحته وفقرات عظمية في ذيله وأسنان في منقاره بينما يغطى جسمه بالريش وله فك يشبه المنقار وله أجنحة.
الفصل الثالث : يستعرض جملة من الشواهد على نظرية التطور وعدم صحة نظرية التصميم الذكي ، ومنها :
1ـ البنى و الأعضاء الأثرية والتصميمات السيئة ، و من أمثل البنى الأثرية والانتقالية الزائدة الدودية وأجنحة النعام ، والحيوانات التي لها عيون محاطة بغشاء جلدي .
2ـ التأسل الرجعي ووراثة الجينات البعيدة ، فقد ذكر أن الإنسان يوجد عنده 2000 جيناً ميتاً يحمل خصائص الأجداد ، وهي قد تنشط ومن ذلك تشكل بعض الأجنة مع الذيل .
3ـ وجود جينات نتيجة فيروس ، وهي مشتركة بين الإنسان والشامبانزي ، وهو ما يؤيد اشتراكهما في جد واحد داهمه ذلك الفيروس المسبب.
4ـ وجود غشاء يشبه حافظة صفار البيض الموجودة في الزواحف القديمة والطيور في جنين الإنسان يمتصه الجسم في أول تكونه .
5ـ مرور جنين الإنسان بأطوار مختلفة يشبه فيها تارة السمكة وتارة الزواحف.
6ـ التصميم السيئ ويقول في شرحه :
ما أعنيه بـ(التصميم السيء) هو مفهوم أن الكائنات لو كانت من تصميمِ مُصَمِّمٍ_الذي استعمل قوالب البناء الحيوي من الأعصاب والعضلات والعظم وما إلى ذلك_لما كانت لديهم مثل هذه العيوب. التصميم الكامل كان سيكون حقاً علامة على مصمم ماهر وذكي. إن التصميم المعيب هو علامة التطور، في الحقيقة هو ما تتوقعه بالضبط من التطور. لقد تعلمنا أن التطور لا يبدأ من رسمِ تصميمٍ. تتطور الأجزاء الجديدة من القديمة، ويحتاج إلى العمل على الأجزاء التي قد نشأت من قبل فعلياًً. بسبب هذا، ينبغي أن نتوقع تسويات: بعض السمات التي تعمل على نحو جيد تماماً، لكن ليس كما ينبغي لها، أو سمات_كجناحي الكيوي_لا تعمل على الإطلاق، لكنها بقايا تطورية. مثال جيد للتصميم السيء هو سمك الـFlounder المفلطح (سمك موسى،كمثال)، الذي تأتي شعبيته كسمك مأكول جزئياً من تسطحه، ما يجعله سهل نزع العظم. هناك حقيقة حوالي خمسمئة نوع من السمك المفلطح: الهلبوت، وسمك الترس، وسمك موسى، وأقربائهم. كلهم يوضعون في رتبة Pleuronectiformes. وهي كلمة تعني (السابحات جانبياً)، وصف هو الأساسي لتصميمهم البائس. تولد الأسماك المفلطحة كأسماك تبدو عادية تسبح رأسياً، مع عين متوضعة على كلا جانبي الجسد فطيري الشكل. لكن بعد ذلك بشهر، يحدث شيء غريب: تبدأ إحدى العينين في التحرك إلى الأعلى. إنها تهاجر على الجمجمة وتنضم إلى العين الأخرى على جانب واحد من الجسد، إما اليمين أو اليسار، تبعاً للنوع. تغيِّر الجمجمة شكلها أيضاً لتعزيز هذه الحركة، وهناك تغيرات في الزعانف واللون. في تناغم، تميل السمكة على جانبها الجديد عديم العين، نتيجة لهذا كلا العينين تصيران بالأعلى. إنها تصير ساكنة قاع البحر مسطحة مموهة تفترس الأسماك الأخرى. عندما تحتاج إلى السباحة، تقوم بذلك على جانبها. السمك المفلطح هو أشهر الفقاريات اللامتماثلة الجانبين في العالم. خذ عينة المرة القادمة عندما تذهب إلى سوق السمك. إن أردت أن تصمم سمكة مفلطحة، لما كنت فعلتها بتلك الطريقة. لكنت أنتجت سمكة تشبه المزلجة، مسطحة من الميلاد وتنام على بطنها، ليس واحدة تحتاج إلى إنجاز التسطح بالنوم على أحد جانبيها، محركة عينها، ومشوهة جمجمتها. لقد صُمِّمَت الأسماك المفلطحة على نحو رديء. لكن التصميم الرديء يأتي من ميراثهم التطوري. إننا نعلم من شجرة عائلتهم أن الفلاوندر_ككل الأسماك_تطوروا من أسماك عادية متماثلة. بجلاء، لقد وجدوا أنه من المفيد الميل على جوانبهم والاضطجاع على قاع البحر، مخبئين أنفسهم من كلٍ من المفترِسين والفرائس. هذا_ بالتأكيد _خلق مشكلة: العين السفلى ستصير عديمة الاستعمال وسهلة الانجراح كلا الأمرين. لحل هذا، أخذ الانتخاب الطبيعي السبيل المتعرج لكنه المتاح لنقل عينها، هذا غير تشويه جسدها. 
لقد كان كوين يعتقد أن كل هذه الشواهد لا يمكن تبريرها تبريراً علمياً واضحاً إلا في ظل نظرية التطور.
الفصل الربع : تحدث فيه عن جغرافيا الأنواع الحية ، وبين أن المكتشفات تأيد التطور ، فإن الثديات الجرابية كالكنغر لا وجود لها إلا في استراليا اليوم ، ولكن اكتشف من خلال ملاحظة الاحفورات أنها كانت موجودة في أمريكا الشمالية ، ثم ظفروا بما يدا على وجودها في القطب الجنوبي الذي كان متصلاً باستراليا باحفورة متوسطة بين جرابيات أمريكا واستراليا ، كما ذكر عدم وجود الزواحف في الجزر المحيطية التي لا يمكن أن ينتقل إليه الزاحف ، وجعل ذلك مؤيداً للتطور.
الفصل الخامس: وقد عنونه بماكينة التطور ، و يقصد به الانتخاب الطبيعي ، وقد فصل الكلام في شرحه ومثل له بالنحل الأوربي الذي جلب إلى اليابان فوقع ضحية الدبور الياباني ، بخلاف النحل الياباني الذي طور آلياته القتالية ، لأنه من نفس البيئة . ثم استعرض تعريف التطور الذي ذكرناه في النقطة الثالثة ، والذي هو قد يكون عشاوئياً إلا أنه في مرحلة الانتقاء يخضع لمنطق البقاء للأصلح ، ثم ذكر أن التطور وفق الانتخاب الطبيعي وإن لم يمكن رصده ولكن يمكن الوقوف عليه من خلال الانتخاب الصناعي من خلال تهجين الحيوانات كالكلاب أو البكتيريا في المختبر.
الفصل السادس : بعنوان كيف يقود الجنس التطور ، وتعرض للتوازن في الخصائص الجاذبة للإناث والمعرضة الذكور للفناء ، وجعل ذلك من شواهد التطور وليس منافياً له ـ كما قد يتوهم ـ كما تعرض لطرق التنافس الجنسي وأنه من الاصطفاء الجنسي الطبيعي .
الفصل السابع : أصل الأنواع . وعالج فيه بعض المشاكل التي لم يعالجها داروين كالقطع بين الأنواع وعدم وجود اتصال بحلقات متوسطة ، وقد عالج المشكلة بالانعزال ، كما في اختلاف اللغة الإنجليزية عن الألمانية مع أن الأصل واحد.
الفصل الثامن : عنونه بعنوان ماذا عنا ؟ وتحدث فيه عن أصل الإنسان وتطوره .
لقد قدم الإنسان على أنه ذو علاقة قریبة بالقردة العلیا مثل الشمبانزي والبونوبو والغوریللا والأورانج أوتان، وقد ذكر التطوريون بأنه کان هناك جد مشترك للإنسان مع الشمبانزي قبل 7 ملایین سنة في القارة الأفریقیة. و إن الإنسان ككائن حي له صفات عدیدة مشترکة مع الثدیيات الأخرى, مثل وجود العمود الفقري والثدیین والدماغ والأرجل والیدین ، كما أن وجود الحمض النووي والمیتوکوندریا من المشتركات بين الأحياء . وقد ذكر كوين أن الأحفورات تشهد بوجود 20 نوع شبيهة بالنوع الإنسان الموجود ، وهي بجميعها منقرضة. 
وذكر اكتشاف الاحفورة لوسي Iـ ـ A.L.288كمثال لذلك ، و قد تم اكتشافها في عام 1974 في متاهة من الأودية الضيقة في إقليم العفر في أثيوبيا ، وبعد اكتشاف 40% من هيكلها العظمي قرر العلماء أنها لشبيه الإنسان أو نوع أوسترالوبيثيكوس أفارينيسيس Australopithecus afarensis. واحتمل أن عمرها 3.2 مليون سنة، وأن طولها كان 1,1 مترا وأن وزنها 29 كيلوجراما، و هي في تكوينها التشريحي تشبه إلى حد كبير الشمبانزي، وبالرغم من صغر حجم المخ بالنسبة للإنسان العاقل فإن عظام الحوض والأطراف السفلية تتطابق وظيفياً مع نظيرتها عندنا، وتوضح بجلاء أن شبيه الإنسان هذا استطاع المشي منتصباً علي قدمين. 
وفي عام 1975 اكتشف العلماء 13 هيكلاً آخر من نفس الجنس في ما يدل على أن الجماعة قد أصيبت بكارثة طبيعية كفيضان أو غيره.هذا الاكتشاف أدى إلى معرفة الكثير عن حياة هذا الجنس شبه البشري وعلاقاته الاجتماعية(ويكيبيديا).
الفصل التاسع : وهو بمنزلة الخاتمة ذكر فيه أن أدلة التطور واضحة لا ينبغي التعامي عنها ، ثم زعم أن الذين ينكرون التطور إما خوفا على عقيدتهم الإلهية والدينية أو خوفاً منهم على القيم ، لتصورهم أن التطور ينافي ثبات الأخلاق ، ثم بين رأيه وهو خطأ هذا التصور .
إن ما ذكرته هنا مجرد تلخيص للكتاب ، و الكتاب دراسة جادة وفيه طرح علمي دقيق و شواهد كثيرة تكشف عن موسوعية المؤلف ومدى تطور الداروينية واستنادها إلى معطيات حديثة في معالجة الفجوات التي أرقت داروين ، فمن أراد التعمق فعليه مراجعة نفس الكتاب وهو بإسلوب واضح ، وقد كان هدفي من تلخيصه وضع القارئ العزيز في جو المسألة لكي الفت عنايته إلى جديتها ، و أرى من الأنسب أن أكتفي بهذا المقدار في عرض نظرية التطور إذ الغرض منه تقديم تصور إجمالي يشكل مقدمة لفهم وجه استند الملحدين إلي النظرية في تدعيم الإلحاد ، والمهم هو مناقشة هذا الاستناد ، وهو الجنبة المعرفية والفلسفية التي لأجلها ذكرت كل ما تقدم في هذا المحور، ولكن يبدو لي أن هذه المقدمة قد طغت على ذيها وأخذت المساحة الغالبة من المقالة.

نظرية التطور و الإلحاد (١)

بقلم : حيدر السندي.
بسم الله الرحمن الرحيم 
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
بين يدي البحث : 
مع تطور العلم واكتشاف جوانب متعددة ترتبط بالطبيعة وكيفية تكونها وتكون ما فيها من أنواع ومظاهر مختلفة ، واجه الإنسان عدة أسئلة ترتبط بأصل الكون وعلته ومنشأ وجود الأنواع وتشكل الظواهر الطبيعية ، وقد قدمت دراسات متعددة جنحت بأصحابها نحو الإلحاد و إنكار وجود الفاعل و الغاية للنظام الكوني ، ومن أهم تلك الدراسات نظرية (m) التي طرحها كتاب (التصميم العظيم) من تأليف الفيزيائيَّين ستيفن هوكنغ وليوناردو ملودينو، و نظرية التطور أو النشوء والارتقاء التي شيد قواعدها العالم الشهير تشارلز داروين في كتاب (أصل الأنواع) .
لقد واجه المؤمنون تحدياً خطيراً بعد طرح هذه الدراسات وكانت النتيجة في بعض الأحيان ـ للأسف ـ تبني بعض المؤمنين للإلحاد أو تزلزل إيمانه بوجود الإله ووقوعه في الحيرة والشك .
وهذا ما يوجب على المؤمنين بالإله ـ من أي ديانة كانت ـ ملاحظة هذا الدارسات بدقة ومحاكمة منطلقاتها الإلحادية ، وهذا كما هو واضح ما لا يمكن تحقيقه من خلال المناهج الكلامية والفلسفية التراثية العابرة للقرون و التي تعرضت لشبهات عصر مؤلفيها ، و لا تعالج ما استجد بعد ذلك من الشبهات.
إن الإلهيين بحاجة إلى أن يولوا معطيات العصر الحديث و ما يدور في أروقة المعاهد والمؤسسات العلمية اليوم اهتماماً خصوصاً تلك الأطروحات التي ترتبط بالعقيدة وأصول الإيمان ، فما عاد الوضع الثقافي العام يتحمل الاقتصار على بعض العلوم الدينية والتعويل في البعض الآخر على الدارسات الأحفورية التي لا تواكب مطلبات الوضع الثقافي الراهن .
لماذا كتبت؟
لقد كتبت مقالاً فيما سبق حول نظرية (M) وقد صار ـ هذا المقال ولله الحمد ـ محط اهتمام شريحة واسعة من القراء الحريصين على متابعة هذه الأبحاث ، حتى أن بعضهم أرسل إلي متمنياً أن أكتب مقالاً آخر حول نظرية التطور ومناقشة الملحدين في توظيفهم لها في دعم الإلحاد ، فوجدتني ملزماً تكبد عناء هذا البحث وما فيه من العقبات ، فإن هذا البحث يحتاج إلى إلمام بعدة علوم تشكل آليات تكوين نظريةالتطور وهي : علوم الجينات، والمتحجرات، والجيولوجيا وعلم طبقات الأرض، والأحياء الجزيئي، والتشريح، وغيرها من العلوم التي لم يكن كثير منها مكتشفاً عندما تشكلت القناعة التامة لداروين نفسه وقت إصداره لكتابه الشهير (أصل الأنواع) في 1859 والذي يبلغ 786 صفحة واستغرق تأليفه 20 سنة ، وإني أعترف بعدم التخصص في هذه العلوم ، و لهذا حاولت ما استطعت الاستعانة بما ذكره المتخصصون في هذا الصدد توطئة لتناول الجانب الفلسفي من المقالة .
إن من المفارقة الكبيرة أن يعتقد أنصار نظرية التطور بأن هذه العلوم المكتشفة أو المعمقة بعد داروين ساهمت مساهمة كبيرة في تدعيم النظرية ، وفي المقابل يذهب خصومها إلى أن الجهل بهذه العلوم وبدائية وسائل داروين وراء اعتقاده بها ، و لو أنه أحاط بالمعطيات الحديثة للعلوم التالية : ( الوراثة ، الجينات ، الأجنة ، الفيزياء الحيوية الكيمياء الحيوية ، الاحتمال الرياضي) لما تبنى نظريته في التطور .
لقد كان الدكتور فرنسس معتقداً بنظرية التطور ، وهو فيزيائي وعالم كيمياء حيوية بريطاني مشهور ، توفي في 28 يوليو2004، واليه الفضل يعود في اكتشاف (DNA) وقد حصل على جائزة نوبل في الطب لعام 1962مشاركة مع جيمس واتسون وموريس ويلكنز لأبحاثهم المتعلقة بالتركيب البيولوجي للحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين في الكائنات الحية.
هذا الباحث التطوري الكبير ترك نظرية التطور بعد اكتشافه وتعمقه في الحمض النووي رفضوا نظرية التطور وذهبوا إلى استحالة وجود الحمض النووي صدفة ، و ذكر أن التعمق في العلم يدعم نظرية الخلق الإبداعي للأنواع. 
لقد أثرت نظرية داروين تأثيرا واسعاً على العلماء و الباحثين ، و مطالعة الإحصائيات التي ذكرها Coyne في كتابه ( لماذا التطور حقيقة؟) توقف على مدى قناعة المتابعين لهذه النظرية ، فقد ذكر أن نظرية داروين في( أن كل أشكال الحياة منتج للتطور)، أعظم فكرة جاءت على ذهن أي امرئ والأدلة الوافرة التي حشدت لصالحها أقنعت أغلب العلماء والكثير من القراء المثقفين أن الحياة في الحقيقة قد تغيرت عبر الزمن. 
هذا استغرق حوالي عشر سنوات فحسب بعد نشر (أصل الأنواع) في عام 1859. لو كانت هناك سنون شك ، فهي السنين التي تلي إصدار الكتاب أي النصف الأخير من القرن التاسع عشر، حيث لم تكن الأدلة آلية التطور واضحة، والوسائل التي تعمل بها_الجينات_ كانت لا تزال مجهولة. ولكن في العقود الأولى من القرن العشرين استمرت الأدلة على كلٍ من التطور والانتخاب الطبيعي في الارتقاء، ساحقة المعارضة العلمية للتطور. و اكتشف علماء الأحياء الكثير من الظواهر التي لم يكن دارون ليتخيلها. ككيفية تمييز العلاقات التطورية بين الكائنات من تسلسلات الحمض النووي منزوع الأكسجين(DNA)، وهذا ما رسخ النظرية عند العلماء فاليوم التطور راسخ بقوة كحقيقة علمية نعم الأمور مختلفة خارج الدوائر العلمية ، إذ عامل الدين والغرور ورفض الاشتراك مع الحيوان في أصل يحول بين المعارضين وبين قبول النظرية ، إن الكثير من الناس لا يقبل ما تقدمه النظرية من أننا لسنا فقط مرتبطين بكل الكائنات، بل نحن_مثلهم أيضاً_منتج القوى التطورية العمياء وغير الشخصية ، وهذا لا يسر تماماً الكثير من الناس الذين يعتقدون أننا جئنا إلى الوجود بطريقة مختلفة عن الأنواع الأخرى من الكائنات، كالغاية المميزة لهدف إلهي. هذا مضافاً إلى أن البعض اعتقد أن التطور يزيل الأخلاق وطرح السؤال التالي : فإذا كنا حيوانات، فلماذا لا نتصرف كالحيوانات! ولماذا نتعامل بالأخلاق ولا تحكمنا شريعة الغاب ! ونحن لسنا إلا قرودا ذوي أدمغة كبيرة؟ 
العامل الديني وما يقدمه الأديان عن بدء الخلقة هو العامل الأشد قوة في معارضة حقيقة التطور في الولايات المتحدة الأمركية وتركيا. حيث تتغلغل المعتقدات الأصولية. تظهر الإحصائيات بشدة مدى المقاومة التي يقوم بها الأمركيون لقبول الحقيقة العلمية البسيطة للتطور. رغم الأدلة العلمية غير القابلة للدحض أو الجدل لحقيقة التطور، فسنة تلو سنة تظهر الاستبيانات أن الأمركيين متشككون على نحو مؤسف في هذا الفرع الوحيد من علم الأحياء . في عام 2006، على سبيل المثال، طُلِب من الراشدين في 32 ولاية أن يجيبوا على صحة الجملة التالية : "الكائنات البشرية تطورت من نوع أبكر من الحيوانات." و كانت نسبة 40% فقط من الأمركيين_أي أربعة من كل عشرة أشخاص_حكموا على الجملة بأنها صحيحة ونسبة الأشخاص الذين قالوا أنها خطأ هي 39%، و نسبة غير المتأكدين 21% . وحوالي ثلثي الأمركيين يشعرون أن التطور إذا دُرِّس في الحصص العلمية، فيجب ان يُدرَّس الخلق كذلك. فقط 12% _واحد من كل ثمانية أشخاص_يعتقدون أن التطور يجب أن يُدرس دون إشارة لبديل خلقي ، و الملفت في أمريكا أن واحداً من كل ثمانية مدرسي أحياء تقريباً في المدارس العليا يسمحون بتقديم الخلقية أو التصميم الذكي كبديل علمي صحيح للتطور. (وربما هذا ليس مذهلاً إن علمنا أن واحداً من كل ستة مدرسين يعتقدون أن الله خلق البشر بشكلهم الحالي تقريباً، منذ عشرة آلاف سنة فقط!).
و في تركيا 25% يقبلون، 75% يرفضون .
وأما في أوربا فأكثر من 80% في فرنسا والدول الإسكندناڤية وأيسلاند يرون التطور كحقيقة. في اليابان 78% من الناس يوافقون أن البشر قد تطوروا.
إن نظرية التطور تنتشر الآن في بلدان أخرى، تشمل جرمانيا والمملكة البريطانية المتحدة، في المملكة المتحدة في عام 2006، سأل استفتاء عملته قناة BBC ألفي شخص أن يصفوا آراءهم في كيفية تكون الحياة وتطورها. فقبل 48% الرؤية التطورية، اختار 39% إما الخلقية أو التصميم الذكي، و13% لم يعرفوا . كتاب (لماذا التطور حقيقة ؟ بتصريف ) . 
الجمعية الأميركية لتقدم العلوم( American Association for the Advancement of Science ) وتعرف اختصاراً بـ"AAAS" تضم أكثر من 12700 عالم في مختلف التخصصات العلمية و هي من أهم المنظمات العلمية في العالم لها نشرة في 2006 جاء فيها "لا يوجد في الأوساط العلمية خلاف يعتد به حول تطور الكائنات الحية، ونظرية التطور من أقوى حقائق علم البيولوجيا ". 
طبعاً الخلاف حول النظرية كبير جداً و تبادل الاتهامات حول دواعي القبول والإنكار مستمر إلى يومنا هذا ، ولا يعنينا الخوض في هذا الجانب ، فما ذكرته سابقاً حول تباين وجهات النظر يعكس جدية هذا المسألة والمهم فيها هو تناول الجانب الفلسفي لطرح السؤال التالي : هل نظرية التطور ـ على تقدير التسليم بها ووجود دليل علمي على شمولها لجميع الأنواع ـ تتنافى مع الاعتقاد بوجود الإله ، أو تطيح ببعض أدلة وبراهين وجوده كما يصور الملحدون اليوم أو لا ؟
ومعرفة جواب هذا السؤال يتطلب منا الخوض في بيان حقيقة نظرية التطور أولا ثم استعراض أهم مؤيداتها ثانياً ، من هنا سوف يكون كلامنا في محورين:
المحور الأول : في عرض نظرية التطور .
وسوف نعرض هذه النظرية بإسلوب وضح مبسط ضمن نقاط :
النقطة الأولى : تعتمد نظرية التطور على أمرين أساسيين :
الأمر الأول : التوالد الذاتي أو التكوين التلقائي أو انبثاق الحياة من اللاحياة. فقد انتشر في القرن التاسع عشر مقولة أن الحياة قد تنشأ من غير الحي و ينسب إلى أرسطو أنه كان يستشهد لذلك ببعض المشاهدات العفوية مثل الحشرات والعفن المتكون على بقايا الخبز ووجود الفئران في صوامع الحبوب وظهور الديدان في اللحم المتعفن.
و توظيفاً لهذه المقولة ـ كما قال بعض من تعرض لنظرية التطور ـ قال داروين أن الحياة في أول الأمر لم تكن موجودة ثم بعد ذلك انبثقت من اللاحياة ، ثم بدأ التطور رحلته المعقدة. وقد حاول الملحدون الاستفادة من التوالد الذاتي وعرضوه كبديل يغني عن وجود علة غيبية تكون سببا لوجود الحياة على وجه الأرض.
قدمت دراسات متعددة لإبطال هذه الشواهد واثبات عدم وجود ما يدل على التوالد الذاتي فيها ومن تلك الدراسات والتجارب ما قدمه فرانشيسكو ريدى في عام1668 و باستير في عام 1865 .
الأمر الثاني : التطور النوعي أو الانتواع . وهذا الأمر ما سوف نقف عليه في النقاط التالية.
النقطة الثانية : التطور في الأنواع ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : التطور داخل النوع ( micro-evolution) ، وهو ما يحدث في شكل ونمط حياة النوع مع الحفاظ على نوعيته .
القسم الثاني : تطور النوعي بتحول النوع إلى نوع آخر أو أكثر ( macro-evolution) .
النقطة الثالثة : قدم للقسم الأول من التطور ( micro-evolution) عدة تعريفات من أهما التعريف التالي :
(هو تطور نوع تشترك أفراده في صفات مخزونها الجيني بنحو ينتقل التغير إلى السلالة) .
وهذا التعريف يشتمل على قيدين مهمين :
1ـ النوع : ويقصد به مجموعة قابلة لأمرين:
الأول : التكاثر بوجود سلالة .
الثاني : تكاثر سلالة . وهذا ينطبق على الإنسان والحصان والحمار والأسد وغير ذلك من الأنواع ذات السلالات المتكاثرة ، ولا ينطبق على هجين الحصان والحمار ـ مثلاًـ ، لأنه عقيم لا سلالة له ، فهو ليس نوعاً مستقلاً .
2ـ المخزون الجيني أو الصندوق الجيني: وهو مجموع منشأ صفات الأفراد ، فلو فرضنا أن جميع أفراد الحصان تنقسم إلى قسمين متساويين أحدهما أبيض والآخر أسود ، فهنا المخزون الجيني الذي يعكس الفرق في أحدى الصفات و هي صفة اللون عبارة عن 50% للون الأبيض و 50% للون الأسود ، والتطور عبارة عن اختلال هذه النسبة. 
في المملكة المتحدة في القرن التاسع عشر حدث تطور ( micro-evolution) للفراشات المنقطة. فقد كانت تحط على الأشنات الفاتحة فوق الأشجار ، ثم بعد أن اسودت الأشجار بسبب عوادم المصانع تحول لون الفراشات إلى اللون الأسود ، وبعد أن وضعت قوانين خاصة في منتصف القرن العشرين تضبط المصانع وتحدد ما ينبعث منها زال اسوداد الأشجار فازداد عدد الفراشات الفاتحة .
إن هذا التغير كما يقول التطوريون له أسبابه الخاصة ـ التي سوف نتعرض لها ـ، و بها تغير المخزون الجيني المسئول عن الشكل الخارجي للفراشات ، و بتغيره تغير لون الفراشات مع انحفاظ نوعها ، فهو من ( micro-evolution) . 
النقطة الرابعة : في كيفية حصول ( micro-evolution)، وقد ذكر له أسباب خمسة تشكل الأربعة الأولى منها مقدمة للسبب الأهم ، وهو السبب الخامس.
السبب الأول : تقلص عدد الأفراد ،كأن ينقرض في مثال الحصان السابق نصف عدد أفراد اللون الأسود فتكون نسبة المخزون الجيني 75% أبيض 25% أسود.
السبب الثاني : التزاوج واختلاط الصبغة الوراثية .
السبب الثالث : الطفرة (Mutation) .
في التكاثر الجنسي يقع توليف جيني ( Genetic recombination) وذلك عندما تأخذ الجاميتا نصف عدد الكروموسومات ثم يحصل مزيج بينهما عند التقاء الحيوان المنوي مع البويضة ، ويستمر هذا التمازج في عملية النمو ، وفي عملية التكاثر تستنسخ الخصائص الوراثية ذات التأثير على الشكل والمظهر ، وهذا هو السبب الثاني ((Mating . 
وأما السبب الثالث فهو يعني : أن عملية النسخ قد يحصل فيها خطأ نتيجة عوامل متعددة تغير من موقع الجينات داخل الكروموسومات منها التلوث والجسيمات المنبعثة في الفضاء والتي تصيب الجينات وتأثر عليها ، وهذا ما يحدث تغيراً في السلالة حيث يستنسخ الشكل الأخير ، فيختلف الخلف عن سلفه.
السبب الرابع : الانسياب الجيني(Gene flow) أو هجرة الموروثات .و يقصد به تبادل الجينات بين المجموعة السكانية (العشيرة) نظير تزاوج المقاتلين الامريكيين في فيتنام مع السكان الاصليين والمقاتلين العرب في أفغانستان والشيشان ، فإنه يحدث تركيبا جينياً جديداً في السلالات المتعاقبة .
السبب الخامس : وهو الأهم في نظرية التطور هو الإنتخاب الطبيعي( Natural selection ). وهو يعني بقاء الأقوى في صراع البقاء ، إن الأسباب السابقة قد تحدث تغيراً عشوائياً كما إذا كان سبب التغير الطفرة أو تقلص الأفراد بسبب عامل طبيعي كالزلزال ، إلا أن هذا لا يشكل حقيقة التطور الذي يعني سريان التغير في السلالات ، إن ما يوجب بقاء التغير واستمراره هو الانتخاب الطبيعي وهو لا يقوم على أساس عشوائي ، وإنما على أساس مقومات البقاء في صراعات الحياة عبر الأجيال .
إن تغير لون الفراشة المنقطة إلى الأسود أو الدب القطبي إلى الأبيض قد يكون نتيجة طفرة ، إلا أن هذه النتيجة لما كانت في صالح الفرد خلافاً للون السابق حيث يساعد و يُعين المفترسين على الافتراس و الطرائد على الهروب لسرعة الرصد بسبب التميز ، فإن الجليل السابق لصعوبة حياته مع الوقت سوف ينقرض ويبقى الجيل الجديد ، وهذا هو معنى الانتخاب الطبيعي( Natural selection ).
يقول كوين في كتاب ( لماذا التطور حقيقة؟ ) : الانتخاب الطبيعي كان الجزء الذي اعتُبِر الأكثرَ ثوريةً في عصر دارونمن النظرية التطورية ، ولا زال مزعجاً للكثيرين. الانتخاب الطبيعي فكرة علمية ثورية ومقلقة على السواء لنفس السبب: أنها تفسر التصميم الظاهر في الطبيعة بعملية مادية صرفة لا تتطلب خلقاً أو توجيهاً من قوى فوق طبيعية. فكرة الانتخاب ليست عسيرة على الفهم. إذا تباين الأفراد في نوع جينياً أحدهم عن الآخر، وكان بعض هذه الاختلافات يؤثر على قدرة الفرد على البقاء والتكاثر في بيئته، من ثم فإنه في الجيل التالي سيكون للجينات المؤدية إلى بقاء وتكاثر أعلى نسخ أكثر مقارنة بالجينات التي ليست جيدة هكذا. وبمرور الزمن، ستصير المجموعة تدريجياً متلاءمة مع بيئاتها أكثر فأكثر بسبب نشوء طفرات وراثية مفيدة وانتشارها في المجموعة، بينما الطفرات الضارة تُستأصَل. و في الأخير ، تنتج هذه العملية كائنات متكيفة جيداً مع مواطنها وأساليب حيوتها. هاكَ مثالاً بسيطاً: استوطن الماموث المكسو بالفرو الأجزاء الشمالية من أوراسيا وشمال أمركا، وكان متكيفاً للبرودة بإنتاج غطاء سميك من الشعر (عُثِر على عينات متجمدة كاملة منه مدفونة في التندرة، Tundra منطقة خالية من الأشجار تقع بين المنطقة المتجمدة وخط الأشجار في المنطقة المتجمدة الشمالية وأرضها دائمة التجمد). ربما انحدر من أجداد للماموث كان لديها شعر قليل، كالفيلة المعاصرة. أدت الطفرات الوراثية في النوع السلفي إلى أن يكون بعض أفرد الماموث_كبعض البشر المعاصرين_أشعر من الآخرين. عندما صار المناخ بارداً، وعندما انتشر النوع في مناطق أكثر شماليةً، كان الأفراد المشعرون أفضل قدرة على احتمال بيئاتهم القارصة البرودة وتركوا ذرية أكثر من نظرائهم الأكثر جرودة. هذا أغنى المجموعة بجينات كثرة الشعر. في الجيل التالي، سيكون الماموث المتوسط أشعر قليلاً من السابق. فلتستمر هذه العملية خلال بضعة آلاف الأجيال، ويُستبدَل الماموث الأجرد بآخر أشعث. ولتؤثرْ العديد من الصفات المختلفة على مقاومته للبرد (على سبيل المثال: حجم الجسد، كمية الشحم، وهكذا)، وهذه الصفات تتغير بتزامن. العملية بسيطة على نحو ملاحظ. فهي تتطلب فقط أن يتباين أفراد النوع جينياً في قدرتهم على البقاء أحياء والتكاثر في بيئتهم. مسلِّمين بهذا، فإن الانتخاب الطبيعي والتطور حتميان. كما سنرى، فإن هذا المُتَطَلَّب نجده في كل نوعٍ قد فُحِصَ. وبما أن الكثير من الصفات يمكن أن تؤثر في تكيف الفرد مع بيئته (ملاءمته)، فإن الانتخاب الطبيعي يمكنه_عبر الدهور_نحت حيوان أو نبات إلى شيءٍ يبدو مُصَمَّماً.
النقطة الخامسة : من الأمور المذهلة جداً كثرة الأنواع التي تعيش في كوكب الأرض .
فإن التنوع البيولوجى موجود فى الغابات والمحيطات والأنهار والبحيرات والصحارى . ولا يعلم أحد عدد أنواع الكائنات الحية بالدقة ، نعم يتراوح العدد حسب تقديرات العلماء بين 5 و 80 مليون ، ولم يكتشف إلى الآن إلا 1,4 مليون نوع، من بينها 000, 750 حشرة و 000, 41 من الفقاريات و000, 250 من النباتات، والباقي من مجموعات اللافقاريات والفطريات والطحالب وغيرها من الكائنات الحية الدقيقة.
السؤال هو : كيف وجدت هذا الأنواع ؟
توجد نظريتان أساسيتان تتصدران المشهد :
النظرية الأولى نظرية الخلق : وهي ترى أن الإله أوجد هذه الأنواع في عرض واحد .
و قد طرح العهد القديم في سفر التكون هذه النظرية فقد جاء فيه : (قال الله : 9 ـ لتجتمع المياه تحت السماء في منطقة واحدة ، أن الأراضي الجافة قد تظهر". وكان من ذلك.10. ودعا الله الأرض اليابسة ، وجمع مياه البحار ودعا. ورأى الله ان هذا كان جيدا. 11. وقال الله : "اسمحوا الارض تنبت النبات ؛ البذور -- اضعة النباتات وأشجار الفاكهة من كل نوع على الارض ان تؤتي ثمارها مع البذور فيه". وكان من ذلك. 12. جلبت عليها الأرض الغطاء النباتي : البذور -- اضعة النباتات من كل نوع ، وأشجار الفاكهة من كل نوع واضعة مع البذور فيه. ورأى الله ان هذا كان جيدا. 3. وكان مساء وكان صباح يوم ثالث. 14. قال الله : "يجب ألا يكون هناك أضواء في جلد السماء لتفصل الليل من النهار ، بل يكون بمثابة علامات لأوقات معينة -- الايام والسنين ؛ 15. ويتعين عليها أن تكون بمثابة الضوء في جلد السماء ليلمع على الارض "، وكان من ذلك. 16. جعل الله النورين العظيمين ، النور الأكبر لتهيمن على أقل من يوم وتهيمن على الليل ، والنجوم. 17. وجعلها الله في جلد السماء ليلمع على الأرض ، 18. للسيطرة على ليلا ونهارا ، وعلى فصل الضوء من الظلام. ورأى الله ان هذا كان جيدا. 19. وكان مساء وكان صباح يوم رابع. 20. قال الله تعالى : "اسمحوا المياه تؤدي الى أسراب من المخلوقات الحية ، والطيور التي تحلق فوق الارض عبر فسحة من السماء". 21. خلق الله وحوش البحر الكبير ، وجميع المخلوقات الحية من كل نوع التي تزحف ، والتي جلبت المياه في أسراب ؛ وجميع الطيور المجنحة من كل نوع ورأى الله ان هذا كان جيدا. 22. باركها الله قائلا : "قد تكون خصبة وزيادة ، وملء المياه في البحار ، والسماح للطيور زيادة على الأرض. 23. وكان مساء وكان صباح يوم الخامس على التوالي. 24. قال الله تعالى : "اسمحوا الارض تؤدي الى كل نوع من أنواع الكائنات الحية : الماشية ، والزحافات ، والحيوانات البرية من كل نوع" وكان من ذلك.25. جعل الله الحيوانات البرية من كل نوع والمواشي من كل نوع ، وجميع أنواع الأشياء الزاحف من الارض. ورأى الله ان هذا كان جيدا. 26. وقال الله : "فلنجعل الرجل في صورتنا ، وبعد الشبه لنا ، وهم يبت على سمك البحر وطير السماء ، والماشية ، والأرض كلها ، وجميع الأمور الزاحف).
وفي القرآن الكريم والروايات الواردة عن أهل بيت العصمة ( عليهم السلام) ما يدل على أن الإنسان خلق نوعاً مستقلاً من بعدين أحدهما مجرد وهو الروح والآخر مادي وهو الطين وليس متطوراً من نوع سابق ، وأن الإنسان الأول الذي ينتمي إليه الجنس البشري الموجود هو آدم وزوجته حواء ، وأنهما انزلا إلى الأرض ، كما تدل بعض الروايات على وجود بعض الحيوانات في الأرض قبل نزول آدم وحواء ، كما هنالك ما يدل على أن الله خلق الإنسان بل الأحياء طراً من الماء واستعراض ما يدل على ذلك يخرجنا عن غرض كتابة هذه المقالة .
قال العلامة الطباطبائي (رحمه الله) في تفسير الميزان ج 4 ص 148 بعد أن استعرض آيات بدء خلق الإنسان : كلامفي أن الإنسان نوع مستقل غير متحول من نوع آخر : الآياتالسابقة تكفي مؤونة هذا البحث ، فإنها تنهي هذا النسلالجاري بالنطفة إلى آدم وزوجته وتبين أنهما خلقا من تراب ،فالإنسانية تنتهي إليهما وهما لا يتصلان بآخر يماثلهما أويجانسهما وإنما حدثا حدوثا ).
ثم تعرض (رحمه الله) لنظرية تكامل الإنسان من نوع سابق ثم قال: ( وهذه فرضية افترضت لتوجيه ما يلحق بهذهالأنواع من الخواص والآثار من غير قيام دليل عليهابالخصوص ونفي ما عداها ، مع إمكان فرض هذه الأنواعمتبائنة من غير اتصال بينها بالتطور وقصر التطور علىحالات هذه الأنواع دون ذواتها وهي التي جرى فيها التجارب، فإن التجارب لم يتناول فردا من أفراد هذه الأنواع تحولإلى فرد من نوع آخر كقردة إلى إنسان ، وإنما يتناول بعضهذه الأنواع من حيث خواصها ولوازمها وأعراضها .واستقصاء هذا البحث يطلب من غير هذا الموضع ، وإنماالمقصود الإشارة إلى أنه فرض افترضوه لتوجيه ما يرتبط بهمن المسائل من غير أن يقوم عليه دليل قاطع ، فالحقيقة التييشير إليها القرآن الكريم من كون الإنسان نوعا مفصولا عنسائر الأنواع غير معارضة بشئ علمي ).
النظرية الثانية : نظرية التطور الانتواعي ( macro-evolution). 
وهي نظرية داروين الشهيرة القائلة بأن الأسباب الخمسة المتقدمة في القسم الأول من التطور الواقع داخل النوع ( micro-evolution) والذي تحدثنا عنها في مثال الفراشة المنقطة تجري في النوع وتوجب تطوره ليس في الشكل وبعض الصفات فحسب وإنما في جوهره ومضمونه حتى يتحول إلى نوع آخر أو أنوع مختلفة ، نعم هذا النوع من التطور يحتاج إلى زمان أطول قد يمتد إلى مليارات السنين .
وقد طرحت هذا النظرية كبديل عن نظرية الخلق.