Monday, April 6, 2015

العالم الافتراضي بين الأهمية والوظيفة

محاضرة لسماحة الشيخ حيدر السندي (حفظه الله)
قال الله العلي العظيم في كتابه الكريم: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ}(النور:19) صدق الله العلي العظيم.
الانترنت من أهم الروافد المعرفية ووسائل الاتصال في الوقت الحالي، فعدد الذين يستخدمون الانترنت يبلغ مليارين وخمسمائة مليون، مليار وأربع وثمانون مليون يستخدمون الفيس بوك، وستمائة مليون يستخدمون تطبيق الواتساب،على ما قاله جان كوم مؤسس هذا التطبيق.
وعدد الذين يستخدمون الانترنت في ازدياد دائم، في العالم الماضي ازداد عدد المستخدمين 135 مليون، ويتوقع مثل هذا العدد في السنوات اللاحقة.
في بلادنا أيضاً الانترنت يشهد إقبالاً كبيراً، فقد دخل النت في بلادنا سنة 97 وصار متاحاً لعامة الناس بعد سنتين تقريباً في 99 وفي سنة 2000 كان عدد المستخدمين مائتين ألف مستخدم ، في سنة 2005 ارتفع إلى مليونين وخمسمائة ألف.
حسب احصائية النشر الالكترونية لهيئة الاتصالات الآن يبلغ عدد مستخدمي الانترنت 16 مليون ، النسبة الأكبر للشباب والأحداث، نسبة الشباب الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة من مستخدمي الانترنت في بلادنا 60% ، و هذا يستدعي اهتمام الباحثين الاجتماعيين والتربويين.
انطلاقاً من أهمية الانترنت نتحدث في نقطتين:
النقطة الأولى: في تأثير الانترنت على الفكر والسلوك.
ونتحدث في هذه النقطة في محورين:
المحور الأول: تأثير الانترنت على الفكر والعقيدة.
الانترنت له تأثير كبير على عقيدة وإيمان وفكر وتوجه مستخدميه لأنّه يشكل بحرا كبيرا ترفده جميع الثقافات وكل مدينة بل قرية تطل على ساحل من سواحل هذا البحر الكبير،والثقافات تعرض في النت بمستويات مختلفة، هناك عرض مبسط ومتوسط وعميق، والثقافات المختلفة تذكر لها توجيهات وأدلة وتقريبات مختلفة، فمن الطبيعي أن يشكل النت وهو عاصفة من الثقافات والنظريات والتوجهات المختلفة تحديا لفكر المؤمن وإيمانه، وتحديا لتوجه مستخدميه الذين هم شباب أحداث في الأعم الأغلب.
الذي يستخدم النت في الواقع مثل المبتعث الذي يسافر إلى بلاد الغرب أو الشرق من أجل أن يتعلم ، والفرق أنّ المبتعث يذهب إلى العالم الحقيقي للنظريات والتوجهات المختلفة، بينما مستخدم النت يذهب إلى العالم الافتراضي، هو لا يذهب إلى أصحاب النظريات المختلفة، بل أصحاب النظريات المختلفة يأتون إليه ولكن في عالم افتراضي، فمن الطبيعي أن يكون إيمانه في تحدِ خطير لأنه يلتقي وجها لوجه مع ثقافات ونظريات متعددة تختلف عن الإسلام في عقائده وفي مبادئه وأحكامه وتشريعاته، فنفس التحدي الذي يواجهه المبتعث يواجهه مستخدم النت.
أحد الشباب أراد أن يسافر لأجل تحصيل العلم ضمن قوافل المبتعثين، فطلب مني نصيحة، فقلت له: أن تسافر لأجل الدرس هذا أمر حسن و حضاري، في موروثنا الروائي: (اطلبوا العلم ولو بالصين)(وسائل الشيعة للحر العاملي ج27 ص27)، إذا كنت تعتقد أنك تبلغ المراتب العليا من خلال التحصيل في غير البلاد الاسلامية اذهب حصل المعارف والعلوم لكي تظفر بما تطمح إليه من درجة سامية ومكانة مرموقة، ولكن انتبه لأمور أربعة مهمة:
الأمر الأول: تعلم ضمن دورة مختصرة و معمقة العقيدة وتبين الوجه الحضاري لمبادئ الإسلام وأحكامه، فان ًهذه الدورة تشكل درعا تحفظ به إيمانك، لأنّه هناك سوف تلتقي بتوجهات مختلفة فكرا جديدا ، أنت في الحقيقة ترمي بنفسك في إعصار وعاصة من النظريات والمبادئ والأفكار، عليك أن تجعل لنفسك درعاً يحمي إيمانك، الدرع الواقي والحافظ هو أن تتحصل على دورة مختصرة ولكن عميقة، تعرف فيها أجوبة المسائل العقدية مثل : ما هي أدلة وجود الله؟ أدلة نبوة النبي (صلى الله عليه وآله) ،أدلة إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام)، و تتفهم فيها روح التشريع الإسلامي، و الملاكات العامة و المصالح العليا التي انطلق منها المشرع الإسلامي.
الأمر الثاني: عليك أن تظفر بطالب علم متخصص ناضج، وتجعل بينك وبينه خطا ساخنا ، كلما عنت لك شبهة تبادر، وتطرح عليه الشبهة لكي تتحصل على الجواب.
الشبهات أمراض روحية، الأمراض الروحية مثل الأمراض البدنية، إذا اهملت تتفاقم وتشتد، وكذلك الأمراض الروحية.
بمجرد أن يواجه الإنسان شبهة عليه أن يبادر لتحصيل جوابها ، يسأل طالب علم، إنْ لم تحصل على جواب مقنع لا يقل الإسلام ما عنده جواب، لأن طالب العلم مهما كان ناضجا ليس هو الإسلام فعليه ان يبحث على طالب علم آخر إلى أن يظفر بطالب علم قادر على ان يدفع الشبهة ، وان يجيب على أسئلته، و لا بأس أن يذهب إلى غيره وإنْ حصل على جواب مقنع لكي يتحصل على جواب آخر.
فينبغي على المؤمن ان يهتم دائماً بمعالجة الشبهة أول ما تطرح أمامه، ولا يسوف، حتى لا يغفل عنها،وتبقى تعمل في ذهنه وتحول بينه وبين الحقيقة أو بعض المسائل الحقة الموجودة في الدين بعد مرور الزمن وهو لا يعلم.
الأمر الثالث: أن تهتم بقراءة الكتب التي كتبها علماء الإسلام الناضجون الذين تصدوا للرد على الشبهات التي طرحت من قبل الثقافات المختلفة مثل الشهيد مطهري أو الشهيد الصدر، فهؤلاء وغيرهم تعرضوا للشبهات الحديثة والجديدة التي طرحت في الغرب والشرق، وتعرضوا أيضاً للنظريات والشبهات التي تشغل الذهنية المعاصرة، وذكروا لها أجوبة محكمة وبسطوها ببيانات يفهمها الشاب المثقف الواعي، عندنا علماء كتبوا عن مبادئ الإسلام وعرضوها بأسلوب عقلائي يقبله العقلاء، ينبغي على المؤمن دائماً أن يتابع هذا النتاج الذي قدمه هؤلاء شكر الله سعيهم.
فينبغي على المؤمن أن يكون دائماً متابعا لما يطرح من قبل العلماء في رد الشبهات وفي بيان أصول الدين وفروعه والوجه المشرق الحضاري لهذا الدين العظيم.
الأمر الرابع: لا تجعل نفسك محامياً عن الدين، في كل مناظرة تريد أن تتصدى للنقاش ، إذا طرح عليك اي سؤال تريد أن تتصدى للإجابة عليه!
لا تدخل في نقاشات ومناظرات مع أشخاص تجربتهم الفكرية أقدم من تجربتك، وعندهم خبرة في فن المناظرة أنت تفتقر إليها.
في علم المنطق يوجد صناعة خاصة تسمى بصناعة الجدل، الغرض منها ليس إحقاق الحق أو إبطال الباطل، و إنما الهدف منها أن تعطي الإنسان قدرة يتمكن من خلالها من إثبات دعواه وإقناع الطرف المقابل بها وإنْ كانت دعواه باطلة.
الذي يكون أخبر في هذه الصناعة قد يؤثر في قناعات محاوره وإنْ كان هو على باطل ومحارورِه على حق.
لهذا الحدث الذي في مقتبل حياته في أول الطريق لا ينبغي أن يتصدى للإجابة على أي سؤال أو للخوض في أي مناظرة وأي نقاش.
هذا الشاب قال لي لماذا تقول : لا تناقش التوجهات الأخرى، الإسلام قوي، الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، عند إسلامنا جواب على كل شبهة، لماذا هذا الضعف والخوف؟نحن أصحاب الدليل وأصحاب الحجة ؟
قلت: صحيح الدين قوي ، الإسلام يعلو ولا يعلى عليه،لكن أنت لست الإسلام ولست أنت الذي يعلو ولا يعلى عليه، ما هي ثقافتك عن الإسلام؟ كم كتاب قرأت عنه ؟ مائة كتاب، مائتين كتاب، حتى تتكلم باسم الإسلام وتعتقد أنّ قوة الإسلام تجلت في عقلك، أنا أقول لك لا تناقش ليس حفظاً للإسلام وللدين بل حفظاً لإيمانك، أنت في مقتبل العمر لا توجد عندك خبرة كافية، ولا توجد عندك إحاطة بفكر الإسلام وبأساليب المناظرة، لأنه لا يوجد عنك أساس ثابت، أولاً ابنِ لنفسك كيانا فكريا ثابتا، ثم بعد ذلك قل: أنا بإمكاني أناقش و انافح عن الإسلام والإسلام يعلو ولا يعلى عليه، أما في بداية الأمر وأنت لا تمتلك شيئاً من الثقافة الإسلامية ستهزم إذا دخلت في مناظرة، ثم تأتي وعندك مجموعة من الشبهات والإشكالات وحينئذ يصعب علاجك من هذه الشبهات.
أن تحصن نفسك من الشبهة أهون بكثير من علاج الشبهة بعد أن تصل الشبهة إلى عقلك،وتتوغل في قلبك، من البداية وفر على نفسك العناء، فإذا بنيت لنفسك كياناً علمياً ثقيلاً حينئذ تحدث ، وادخل في مناظرات تدافع فيها عن الإسلام.
إذن هناك تأثير كبير للاحتكاك مع الثقافات والحضارات الأخرى خصوصا اذا المحتك لا يحمل وعياً كافياً وثقافة كافية،هذا الاحتكاك موجود في الابتعاث وأيضاً موجود في استخدام الانترنت، لأنّ المستخدم يقفز على نظريات وأفكار وتوجهات مختلفة ولكن بوجود الكتروني، لهذا ينبغي على الإنسان قبل أن يلج في الانترنت أن يحصن نفسه، قبل أن يمكن ابنه من استخدام الانترنت أن يحصن ابنه، ويراقبه، لا يجعله فريسة سهلة تأخذه التيارات المختلفة وتقلبه كيفما تشاء، وتبعده عن إيمانه وعقيدته،{قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}(التحريم:6).
المحور الثاني: في التأثير السلوكي.
الانترنت كما له تأثير فكري أيضاً له تأثير سلوكي،هناك آثار سيئة ترتبت بسبب الاستخدام السيء للانترنت،استخدام النت فيه إيجابيات كثيرة ، لأنه رافد معرفي أساسي وفيه أبواب كثيرة للعلم النافع، ولكن ينبغي أن يستخدم استخدام حسن، واستخدامه السيء يترتب عليه آثار سيئة، واذكر ثلاثة اثار سيئة تترتب على الاستخدام السيء :
الأثر الأول: عدم الشعور بأهمية الوقت.
أغلب الناس المستخدمين للانترنت يصرفون جل أوقاتهم في النت في تصفح المواقع أو مشاهدة المقاطع أو في المحادثة .
الاقتصادية نقلت عن البوابة العربية للأخبار الالكترونية أنّ متوسط معدل استخدام الانترنت في بلادنا 8 ساعات في اليوم، يعني 56 ساعة في الأسبوع، هناك من يستخدم الانترنت ساعة أو ساعتين ولكن المعدل المتوسط 8 ساعات.
(ينغ) المتخصصة في علم النفس وبالتحديد في مرض خاص حديث الآن يسمى الإدمان على الانترنت تقول : حتى يصبح الإنسان مريضا فعلاً بالإدمان رسميا يكفي أن يستخدم الانترنت في الأسبوع 38 ساعة.
و في بلادنا المعدل المتوسط 56!
وليت الذين يستخدمون الانترنت في هذا الوقت الطويل يستخدمونه في أمور نافعة، الكثير منهم يستخدمه في الألعاب التفاعلية وبعضهم في متابعة المواقع الإباحية، وبعضهم في متابعة أخبار الرياضة، الرياضة في نفسها نافعة، أن تتريض هذا أمر حسن ونافع، ولكن متابعة أخبار الرياضة وأخبار الرياضيين ونتائجهم، والدخول في سجالات فيما إذا انتصر الفريق الفلاني أو انهزم ، كل هذا اتلاف للعمر الثمين ، فعن علي ( عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : أكيس الكيسين من حاسب نفسه ، وعمل لما بعد الموت ، فقال رجل :يا أمير المؤمنين كيف يحاسب نفسه ؟ قال : إذا أصبح ثم أمسى رجع إلى نفسه ، وقال : يا نفسي إن هذا يوم مضى عليك لا يعود إليك أبدا ، والله يسألك عنه بما أفنيته ، فماالذي عملت فيه)(وسائل الشيعة للحر العاملي ج16 ص98)،
في أي شيء صرفت هذا اليوم؟ هل صرفته في أمور نافعة مفيدة؟ أو في استقبال وإرسال مقاطع الغناء أو الأفلام الخليعة أو النكت الساقطة التي تذهب بأخلاق المجتمع؟ أو الشبهات وترويج الشخصيات المنحرفة وأفكارها الضالة !!
على المؤمن أن يحاسب نفسه، وأن يكون كيساً فطناً، الذي يستخدم الانترنيت 56 ساعة في الأسبوع حتى لو كان يصرف هذا الوقت في مواقع نافعة يعتبر أيضاً مضيعا لان هناك أمور كثيرة غير النت وما فيه ينبغي إعطاؤها مساحة من الوقت ، الإنسان يحتاج إلى وقت للنوم والعبادة ولأسرته ولمجتمعه، فإذا صرف 8 ساعات في اليوم في مشاهدة الانترنت، ومتابعته، ما الذي سيبقى للبرامج الأخرى المهمة التي لا تقل أهمية عن الفوائد الجمة العظيمة الموجودة في هذه المواقع التي سلبت منه اللب وأخذت العقل!.
الأثر الثاني: هو فقد الشعور بالمجتمع.
بعض الناس يعيش الانترنت بكل كيانه، فيستغرق فيه بحيث يصل إلى حالة يحسب أنه العالم الحقيقي ومن حوله هو العالم الافتراضي، فتجد مثلاً في المجلس جالس مع المؤمنين، الجماعة يتجاذبون الحديث ويتحدثون في أمور خطيرة ومهمة، ويوجهون له الخطاب و غائب وكانه غير موجود، لا يستطيع أن يفارق شاشة الجوال وهو يسوق السيارة.
حوله أنفس وممتلكات ، وهو يسوق بلا شعور ، شعوره في عالم آخر، كانه يحسب أنّ العالم الحقيقي هو العالم الافتراضي والانترنت هو العالم الحقيقي.
الشرق الأوسط في شهر ربيع الأول الماضي أعطت إحضائية خطيرة تقول : أكثر الحوادث التي تكون وجهاً لوجه، سببها استخدام الجوال ونسبتها 68%.
الأثر الثالث: هو أننا فقدنا كثير من العادات الحسنة بسبب الاستغراق في استخدام الانترنت أو برامج الشات والتواصل الاجتماعي ،أذكر لك مثالا واحدا :
من العادات الحسنة التي كانت عليها آباؤنا وموجودة ولكن صارت ضيقة محدودة ، مسألة التزاور بين المؤمنين في المناسبات المختلفة في الأفراح والأتراح، إذا صارت ولادة، سكن جديد،عيد، او مرض، وفاة، المؤمنون يزور بعضهم بعضاً، والتزاور من الأعمال الحسنة التي ندب إليها الشارع المقدس، يقول الإمام الصادق (عليه السلام) : (تزاوروا فان في زيارتكم إحياءلقلوبكم)(وسائل الشيعة للحر العاملي ج16 ص346)، الزيارة علاوة على أنها صلة رحم، إدخال سرور على قلب مؤمن، نظر إلى مؤمن، فيها إحياء للقلب، يقول (صلوات الله وسلامه عليه) :(إنّ المؤمنين إذا التقيا فتصافحا أدخل الله عز وجل يده بين أيديهما)(الكافي للكليني ج2 ص179).
هذه العادة الآن تضيقت، من المؤسف ان ترى جارين - الجدار بالجدار كما يقال - في المناسبات يكتفيان بارسال رسالة تهنئة أو تعزية عبر تطبيق واتساب !!
النقطة الثانية: نذكر فيها توصيات عامة لمستخدمي البرامج الحوارية.
هناك مجموعة من التوصيات هي عبارة عن أحكام شرعية ينبغي أن يراعيها مستخدم الانترنت بشكل عام ومستخدم برامج الشات أو البرامج الحوارية بشكل خاص.
هذه الأحكام لا ينبغي أن يغفل عنها المؤمن:
الحكم الأول: لا يجوز إرسال رسائل الغرام بين الجنسين خارج الإطار الشرعي الذي حدده الله تبارك وتعالى.
السيد السيستاني ( حفظه الله ) يقول: محادثة المرأة الأجنبية مع الرجل الأجنبي فيها فروض:
الفرض الأول: أن تكون المحادثة بكلام الغزل، بكلمات الإعجاب وهذا الفرض غير جائز.
الفرض الثاني: أن تكون المحادثة بشهوة، وهذا غير جائز مطلقاً سواءً بغزل أو لا.
الفرض الثالث: أن تكون كلاماً عادياً، وليس فيه غزل أو شهوة، ولكن ليس كلاماً ضرورياً كما في محادثة المرأة مع الطبيب، أو الرجل مع الطبيبة في حالة الضرورة، مجرد كلام لا ضرورة فيه مع عدم الأمن من الانحراف ، وها سماحته (حفظه الله ) يحتاط .
المؤمن ينبغي أن يراعي هذه الحدود، لا يجوز الحديث مع المرأة الأجنبية أو الرجل الأجنبي بشهوة بغزل بكلام غير ضروري مع عدم الامن من الانحراف، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الكلام ملفوظا أو مكتوبا .
الحكم الثاني: هو حفظ حقوق المؤمنين.
المؤمن له كرامة عند الله تبارك وتعالى لا تجوز غيبته، ولا يجوز إهانته، ولا يجوز التشهير به، ولا يجوز الافتراء عليه ، ولا فرق بين أن يكون ذلك مكتوباً أو ملفوظاً.
يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) : (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)(الحدائق الناضرة للبحراني ج18 ص147)، ويقول الإمام الصادق (عليه السلام) : (لا تذموا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنّ من تتبع عوراتهم تتبع الله عورته، ومن تتبع عورته فضحه ولو كان في بيته)(الكافي للكليني ج2 ص354).
لا يجوز أن نكتب في الواتساب أي كلام فيه إهانة لمؤمن أو فيه تشهير لمؤمن، وأيضاً لا يجوز أن نكون وسيلة نشر كلام فيه تسقيط لمؤمن أو إهانة له ، بعض الناس يقول أنا لا أكتب شيئا ، ولكن تاتي في القروب رسالة أكتب تحتها كما وصلني وأقوم بعملية التحويل.
هذا أيضاً محرم. لأنك تساهم في نشر غيبته أو في نشر بهته، {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَالْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِوَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}(النور:19) هذا من إشاعة الفاحشة.
إذا كنت في قرب ورأيت جماعة تتهجم على مؤمن، عليك أن تتدخل وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، احكام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما تجري في العالم الحقيقي تجري في العالم الافتراضي، تتصدى للدفاع عن هذا المؤمن أو تتصدى للنهي عن المنكر، يقول الإمام الصادق (عليه السلام): (من قعد عن سباب لأولياء الله فقد عصى الله)(مجمع الفائدة للأردبيلي ج12 ص351) تنهى في القروب، ان ارتدع الطرف المقابل فبها ونعمت، وإلاّ تنسحب لا تبقى في مكان يعصى فيه الله تبارك وتعالى.
وهنا تأتي مسؤولية من يسمى بالآدمن مسؤول القروب، او الشخص الذي يؤسس غرفة ويدعو فيها جملة من المؤمنين.
عليه أولاً: أن يضمن تطبيق أحكام الله تعالى،لا يسمح بإهانة مؤمن والتعدي عليه، ولا يسمح بترويج الشبهات وبالاستهزاء بأحكام الله تعالى وبمقدسات الإسلام، وثانيا : أن لا يسمح بوجود المنحرفين أصحاب الشبهات ، حتى لا يؤثروا على سائر الأعضاء، المريض يعزل يذهب به إلى الأطباء لكي يعالجوه، لا يجعل المريض الذي فيه وباء معدي يعيش بين الناس ويحتك بهم!
أصحاب الشبهات مرضى، عندهم أمراض فكرية ونفسية، لا ينبغي أن يمكنوا يعطون الميكرفون يتحدثون كما يشاءون ويبثون الشبهات بين الناس تحت عناوين براقة مثل حرية الفكر أو تحريك عجلة الفكر، أو كسر الصنمية، او الاحتواء هذه العناوين لا قيمة لها إذا كانت لا تحوي في ذاتها مبادئ الإسلام ،إذا كانت تنافي القيم التي جاء بها النبي (صلى الله عليه وآله) .
مسؤول القروب عليه أن يجمع الجماعة المؤمنة، {وَاصْبِرْنَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}(الكهف:28) نحن مأمورون بأن نكون مع المؤمنين الذين يريدون وجه الله تعالى، لا مع أصحاب الشبهات والتيارات المنحرفة، هناك أناس شغلتهم أن يفرخوا شبهات يريدون أن يتحصلوا على مكانة اجتماعية فيخالفون المألوف، لأنّ من الطرق السريعة للشهرة أن تخالف المألوف، فهم من باب حب الشهرة والبروز ، أو هم مقتنعون بأفكارهم غير ملتفتين إلى أنهم مرضى، بحسن نية يطرحون ما عندهم من أفكار، ولكن أفكارهم مغلوطة، هؤلاء لا ينبغي أن يجمعون من المؤمنين،يجمع المريض مع السليم في مكان واحد ، إن هذا يمكن المنحرف من نشر فكره المنحرف بين المؤمنين، الرسول (صلى الله عليه وآله) حدد لنا الوظيفة تجاه المنحرفين، قال: ( إذا رأيتم أهل الريب والبدع... وباهتوهم حتى لا يطمعوا في الفساد في الإسلام)(الكافي للكليني ج2 ص375)
و في بعض اجوبة سماحة السيد السيستاني (حفظه الله) : معنى باهتوهم يعني ناظروهم وافحموهم و أثبتوا للناس بطلان حججهم وأنهم لا يملكون علماً وفكراً، المنحرف هذا هو الطريق الذي ينبغي أن يسلك معه، يؤتى به للمتخصص، للطبيب يعالج فكره، لا أن يمكن ويدعى الى القروبات والحسينيات والمساجد ليتكلم كيفما شاء.
الحكم الثالث: هو عدم ترويج الشبهات.
بعض الناس تأتيه شبهة أو مقالة فيها أفكار مغلوطة،يقوم بتحويلها لكل الأسماء الموجودة عنده في القائمة لعله يظفر بواحد من هذه الأسماء يكون عنده جواب على الشبهة الموجودة أو الخلل الموجود في المقال، ما الذي صنع هذا المؤمن؟ قام بنشر الشبهة، ساهم في انتشارها، الفيروسات تجعل في المختبر عند المختص هو الذي يدرس حالة الفيروسات، يكيف الفيروس وكيفية القضاء عليه، لا تبث الفيروسات في المجتمع، لا تجرب على كل إنسان، الشبهات فيروسات روحية ينبغي أن تحاصر لا تنقل إلاّ الى الخبير، نشر المقولات المنحرفة للمنحرفين يساهم في ترويج أفكارهم وإضعاف إيمان المؤمنين، إذا جاءت رسالة فيها أفكار مغلوطة، الخيارات الموجودة في الجهاز ليست منحصرة في نسخ ولصق أو تحويل فقط!بل يوجد حذف، فأما ان تحذف او يعاد إرسالها الى عالم متخصص قادر على دفع الشبهة .
الحكم الرابع: هو عدم نشر المقاطع الخليعة التي تؤدي إلى ميوع أخلاق المجتمع، ومثل المقاطع المقالات الخليعة،و مقاطع الغناء، و كل ما يؤدي إلى فساد الأخلاق، إلى ابتعاد الناس عن القيم، حتى النكت التي فيها اسفاف لا تصعد إلى عقل الإنسان، لا ينبغي أن تنشر ، هي من مصاديق إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا،ينبغي على المؤمنين أن يكون حصيفاً ودقيقاً، نحن يا إخوان مستهدفون في إيماننا وعقيدتنا، فلا ينبغي أن نعين على أنفسنا، إذا فسدت الأخلاق فسدت العقيدة، {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَالَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَايَسْتَهْزِئُونَ}(الروم:10) فساد الأخلاق يؤدي إلى فساد الإيمان والعقيدة، وهذا ما يريده أعداؤنا، أعداؤنا يريدون منا أن ننحرف عن منهج رسول الله وأمير المؤمنين وهم يعملون جاهدين، فلا ينبغي أن نعينهم على أنفسنا، بأن نساهم في نشر الشبهات أو نقل المقولات أو المقاطع التي تؤدي إلى إفساد المجتمع....
القيت المحاضرة بتاريخ: 9 / 1 / 1436 هـ

No comments:

Post a Comment