Monday, April 6, 2015

تنقية التراث في مدرسة الامامية

محاضرة لسماحة الشيخ حيدر السندي ( حفظه الله) 
قال سيدنا ومولانا الإمام الرضا عليه السلام: (إنّ أبا الخطاب قد كذب على الصادق عليه السلام، لعن الله أبا الخطاب وكذلك أصحاب أبو الخطاب يدسون إلى يومنا هذا في كتب أصحاب الصادق عليه السلام فلا تقبلوا عنا خلاف القرآن)(بحار الأنوار للمجلسي ج2 ص250) .
كلامنا حول هذا العنوان (تنقية التراث في مدرسة الامامية) سيكون ضمن نقطتين:
النقطة الأولى: في استعراض بعض الأمور العامة المرتبطة بالسنة والحديث.
ويقع الحديث ضمن هذه النقطة في ثلاثة محاور:
المحور الأول: في تعريف السنة.
ويقصد بها في اللغة: الطريقة أو الدوام والاستمرار . 
فمن الطريقة الحديث المشهور: (من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة)(الفصول المختارة للشريف المرتضى ص136) من سن سنة حسنة يعني من أحدث طريقة حسنة.
ومن الدوام على ما نقله الكسائي: قول العرب سننت الماء أي واليت في صبه.
وأما في الاصطلاح:
فعلماء الأصول يقولون السنة: قول المعصوم وفعله وتقريره.
الكلام الذي يصدر من المعصوم سنة، و فعل المعصوم سنة، و تقرير المعصوم لفعل او ترك ما سنة.
ويقصد من تقرير المعصوم أن يواجه المعصوم عليه السلام فعلاً سواءً كان ذلك الفعل لفرد أو كان للأمة، ثم لا يردع عن ذلك الفعل، ولا ينكره، فان سكوت المعصوم عن الفعل يدل على إمضائه وارتضائه، ويدل على شرعيته ، لأنّ وظيفة المعصوم عليه السلام أن يبلغ أحكام الله ويصلح سلوك الأمة، فلو كان الفعل غير مرضي لنهى عنه المعصوم، وعدم ردعه يكشف عن ارتضائه للفعل، من هنا يقال السنة ليست القول والفعل بل هي أيضاً الإمضاء.
المحور الثاني: في أقسام الحديث.
علماء الحديث يقسمون الأحاديث إلى قسمين أساسيين:
القسم الأول: هو الحديث الذي نقطع بعدم صدوره عن المعصوم، وهو الحديث الذي يسمى بالموضوع، وهو الذي نقطع بكذبه.
الحديث الموضوع ينقسم إلى عدة أقسام:
من أقسامه الأحاديث الإسرائيلية، وهو الحديث الذي يوضع لإدخال معتقد اليهود سواءً كان الواضع يهودياً أو كان شخصاً متأثراً باليهود، هذا هو القسم الأول من الأحاديث التي نقطع بكذبها.
القسم الثاني: الأحاديث التي لا نقطع بعدم صدورها.
وهو تصنف إلى صنفين:
الصنف الأول: الأحاديث التي نقطع بصدورها.
اي عندنا علم بإنها صادرة من المعصوم، كالحديث المتواتر.
الحديث المتواتر هو الحديث الذي رواه جماعة يمتنع تواطؤهم عن الكذب، فهذا حديث نعلم بصدوره عن المعصوم.
أو الحديث المحفوف بقرائن تفيد القطع بصدوره ، فبعض الأحاديث هي أخبار آحاد رواها واحد أو اثنان، ولكنها محفوفة بقرائن تفيد القطع بصدورها، كموافقة القرآن، أو نتيجتها موافقة للدليل العقلي القطعي أو قام إجماع العلماء على صحة مضمونها، هي أخبار آحاد ولكن احتفت بهذه القرائن فصارت مفيدة لليقين.
الصنف الثاني: هي الأحاديث التي كما لا نقطع بعدم صدورها أيضاً لا نقطع بصدورها، فلا يوجد عندنا علم هل هي صادرة أو غير صادرة؟
وهذه الأحاديث هي التي تسمى بأخبار الآحاد، الأحاديث الظنية، و هذه الأحاديث الظنية تارة يوجد دليل قطعي على حجيتها واعتبارها كخبر الثقة أو خبر الواحد الذي يفيد الوثوق والاطمئنان، وتارة لا يوجد دليل على حجيتها، فنحن لا نعلم بصدقها وأيضاً لا يوجد دليل على حجيتها، و هذا القسم من الأخبار الظنية - التي لا يعلم بحجيته كما لا يعلم بصدورها - ، يسمى بالأحاديث الضعيفة التي لم يثبت وضعها، و لا يوجد دليل على أنها مكذوبة.
السؤال الذي نريد الإجابة عنه في هذا المحور: هو أي قسم من هذه الأقسام يمثل سنة المعصوم عليه السلام؟
من الواضح أنّ الحديث الموضوع لا يمثل السنة لأننا نعلم بكذبه أي لم يصدر من المعصوم عليه السلام.
وكذلك الحديث الظني الذي لا يوجد دليل على اعتباره، فان هذا الحديث لا يمكن أن نقول هو ممثل للسنة و ناقل لها لأننا لا نعلم بصدوره ولا يوجد دليل على اعتباره فنسبته إلى المعصومين من الافتراء من نسبة الشيء إلى الله بلا علم ، والله تبارك وتعالى يقول: {قُلْ آَللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ}(يونس:59)، فالحديث الظني الذي لا دليل على اعتباره لا يمكن أن نقول هو ممثل للسنة، لأن هذا القول من الافتراء، وفي نفس الوقت لا يمكن أن نقول هو كذب، و لم يصدر من المعصومين عليهم السلام ، لأنه لا يوجد دليل على كذبه، لهذا مجموعة من الروايات نهتنا عن تكذيب الأحاديث الضعيفة التي لا يوجد دليل على كذبها، الإمام الصادق عليه السلام يقول: (لا تكذبوا بحديث آتاكم به أحد فإنكم لا تدرون لعله من الحق فتكذبوا الله تبارك وتعالى فوق عرشه)(بحار الأنوار للمجلسي ج2 ص186).
وظيفتنا اتجاه الأحاديث الضعيفة التي تنسب إلى المعصوم عليه السلام التوقف لا نقول هي من السنة، وأيضاً لا نقول هي كذب لا تمثل السنة جزماً بل نقول لا نعلم، من الناحية العملية نحن لا نرتب عليها أحكام السنة، لا نتعامل معها على أنها سنة لأنه لا دليل على اعتبارها ولكن أيضاً لا نكذبها، لا نقول مضمونها كذب.
بقي عندنا قسمان من الحديث:
الحديث القطعي والحديث الظني الذي قام الدليل على حجيته كخبر الثقة، هذان هما اللذان يمثلان السنة، ولكن بشرط وهو أن نحرز أنّ هذه الأحاديث صدرت لبيان الحكم الواقعي لم تصدر تقية، فان الأئمة عليهم السلام كانوا يعيشون ظرف تقية، وربما يتكلمون بحديث لا يريده جداً وإنما يقولونه لدفع الضرر عن أنفسهم وعن شيعتهم، فالحديث الذي نعلم بصدوره عنهم قطعاً أو يوجد دليل معتبر على صدوره عنهم أي الثابت وجداناً أو تعبداً نأخذ به ونعتبره ممثلاً للسنة ولكن إذا احرزنا الجهة أي صدر لبيان الحكم الواقعي.
المحور الثالث: في حجية السنة في بناء المنظومة المعرفية.
لا خلاف ولا إشكال عند المسلمين في أنّ السنة من مصادر بناء الثقافة الدينية وبناء المنظومة المعرفية، وعلى ذلك إجماع المسلمين قولاً وعملاً.
السنة مصدر لأخذ المعرفة الدينية في العقائد والفقه والأخلاق والتفسير، من الأصول الإيمانية التي تعتبر من كمال الدين عندنا النص على أسماء الأئمة عليهم السلام، ليس فقط ما يسمى بكبرى الإمامة من أصول الإيمان ومن كمال الدين، ليس الاعتقاد بأنه الإمامة لا تكون إلاّ بالنص وفي كل زمان يوجد إمام ولابد أن يكون الإمام معصوم فقط من كمال الدين ومن أصول الإيمان بل حتى صغرى الإمامة النص على إمامة أمير المؤمنين من كمال الدين، الرسول صلى الله عليه وآله في يوم الغدير ماذا قال؟ هل الرسول بين كبرى الإمامة؟ كبرى الإمامة بينت في القرآن الكريم، قال تعالى: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ}(الإسراء:71) الذي بينه رسول الله صلى الله عليه وآله يوم الغدير صغرى الإمامة (من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه)(الأمالي للشيخ الطوسي ص428) الباري تبارك وتعالى بماذا عقب على بيان إمامة أمير المؤمنين على بيان صغرى الإمامة {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْوَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}(المائدة:2) فليس الدين كاملا بكبرى الإمامة فقط بل بصغرى الإمامة بالاعتقاد بإمامة أمير المؤمنين عليه السلام ايضا .
والنص على صغرى الإمامة من أين أخذناه ؟
الجواب: من السنة.
صحيح عندنا آيات تدل على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام كآية الولاية ولكن هذه الآيات لا تدل بنفسها من دون ضم أسباب النزول، الروايات التي بينت نزول هذه الآيات في أمير المؤمنين عليه السلام، إذن السنة عندنا مصدر للعقيدة أو ليست مصدراً للعقيدة؟ مصدر لأصل الإيمان لكمال الدين، أيضاً السنة مصدر في الفقه، الآن المسلمون يصلون كل يوم خمس صلوات بكيفية خاصة، صلاة، بدؤها التكبيرة ختامها التسليم، وهذه الكيفية التي نلتزم بوجوبها كل يوم أخذناها من القرآن أو من السنة؟ القرآن فقط بين أنّ الله تبارك وتعالى يريد منا الصلاة، {أَقِمِ الصَّلَاةَ}(الإسراء:78) وبين بعض الشروط (الطهور القبلة)، وأما أنه يجب في كل يوم، والأجزاء وأنها أركان وواجبات و لها شرائط على نحو التفصيل فهذا مما أخذناه من السنة، إذن إجماع المسلمين قائم على حجية السنة كمصدر لبناء النظام المعرفي الديني ويدل على ذلك القرآن الكريم: {وَمَاآَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}(الحشر:59).
إن نفس مفهوم السنة يدل على حجيتها نحن عرفناها بأنها قول المعصوم و فعله و تقريره ، إذا كانت السنة سنة المعصوم والمعصوم هو الذي لا يخطأ في قول ولا عمل، ستكون السنة أمرا واقعيا ، وإذا كان واقعياً تكون حجة . 
النقطة الثانية: في اهتمام الأئمة عليهم السلام والعلماء بحفظ الأحاديث.
هناك شبهة يطرحها البعض، تتكون من مقدمتين:
المقدمة الأولى: كثير من الروايات الموجودة في مجامعنا الروائية مثل الكتب الأربعة روايات موضوعة مدسوسة، ليست روايات صادرة عن الأئمة عليهم السلام، ويدل على ذلك مجموعة من الروايات التي دلت على وقوع الدس والتحريف، قال سيدنا ومولانا الإمام الرضا عليه السلام: (إنّ أبا الخطاب قد كذب على الصادق عليه السلام، لعن الله أبا الخطاب وكذلك أصحاب أبو الخطاب يدسون إلى يومنا هذا في كتب أصحاب الصادق عليه السلام فلا تقبلوا عنا خلاف القرآن)(بحار الأنوار للمجلسي ج2 ص250)، في رواية أخرى يقول عليه السلام: (إنا أهل بيت صادقون لا نخلو من كذاب يكذب علينا عند الناس)(بحار الأنوار للمجلسي ج108 ص355)، إذن ظاهرة الوضع والتزوير والكذب على المعصومين عليهم السلام كانت موجودة وكانت ظاهرة منتشرة بلحاظ كل المعصومين وهذا أوجد ما يسمى باختلاط السنة والأحاديث النقية بغير النقية.
المقدمة الثانية: أنه بعد ألف سنة لا نستطيع أن نميز بين الرواية الموضوعة وبين غير الموضوعة، فالوضع بدأ من زمن ظهور المعصوم، وقضية الوضع مستمرة، في كل زمان يوجد كذابون ، وبعد هذا الوقت الطويل الخرق اتسع على الراقع، نحن لا يمكن أن نميز بين الروايات الموضوعة وغيرها.
في مقام التعليق على هذه الشبهة نذكر تعليقين:
التعليق الأول: نحن لا ننكر وجود الوضع والدس والتحريف في الموروث الروائي، وهذا تدل عليه روايات كثيرة ولا يمكن تكذيبها، لكن نقول الأئمة عليهم السلام وأصحابهم والعلماء في زمن الغيبة اهتموا اهتماماً بالغاً بحفظ الأحاديث وتنقيتها وغربلتها وتصفيتها ، وهذا الاهتمام إذ التفتنا إليه يحصل عندنا قطع بأنه لا توجد روايات موضوعة في موروثنا الروائي، نعم إن وجدت كما يقول زعيم الحوزة السيد الخوئي فهي روايات نادرة شاذة لا تتجاوز عدد أصابع اليد، وإذا وجدت هذه الروايات الشاذة القليلة فلا يوجد حكم واحد في العقيدة أو الفقه أو في التفسير استند فيه الشيعة إلى رواية واحدة من هذه الروايات الموضوعة، وحتى يتضح اهتمام الأئمة عليهم السلام والعلماء بتنقية التراث المورث لليقين بأنه لا توجد روايات كثيرة موضوعة أذكر لك بعض الأمور:
الأمر الأول: سبق مدرسة أهل البيت عليهم السلام في تدوين الحديث.
أول ما كتب في علم الحديث هم الشيعة، أول من دون في الحديث هم الشيعة، أول من كتب في الحديث أمير المؤمنين عليه السلام، ثم كتب سلمان المحمدي وأبو ذر الغفاري وأبو رافع وربيعة بن سميع، وهؤلاء من رجال الشيعة، الشيخ النجاشي ينقل عن الإمام الباقر عليه السلام أنه سئل مسألة فقال : قم يا بني فاخرج كتاب علي، فأخرج كتاباً مدرجاً عظيماً وأخذ ينظر فيه حتى أخرج المسألة، ثم قال: هذا خط أمير المؤمنين عليه السلام وإملاء رسول الله صلى الله عليه وآله)(وسائل الشيعة للحر العاملي ج1 ص62)، ابن شهراشوب في كتاب معالم العلماء يقول: الصحيح أنّ أول ما كتب في الحديث أمير المؤمنين ثم سلمان المحمدي ثم أبو ذر الغفاري) بعد هذه الأسماء التي تشكل الطبقة الأولى في كتابة الحديث يأتي زمان السجاد عليه السلام عنده الصحيفة السجادية وعنده رسالة الحقوق ثم استمر التأليف إلى أن جاء زمن الإمام الصادق عليه السلام، في زمن الإمام الصادق عليه السلام كتب أربعمائة مصنَّف لأربعمائة مصنف، أربعمائة عالم كتبوا أربعمائة كتاب في جمع أحاديث الإمام الصادق عليه السلام وآبائه ، المحقق الحلي في كتاب المعتبر يقول كتب من أجوبة مسائله أربعمائة مصنف أسموها الأصول، جعلوها أصولا يرجعون إليها في عملية الاستنباط، وهنا نقف على نقطة مهمة وهي تميز في مدرسة أهل البيت عليهم السلام في مسألة التراث الروائي، العامة يعرفون السنة كما نعرفها يقولون السنة: قول المعصوم وفعله، ولكن هم يحصرون المعصوم في رسول الله صلى الله عليه وآله، الرسول صلى الله عليه وآله بقي بين الأمة 23 سنة، هذا يعني أنّ زمن صدور السنة عند العامة 23 سنة، وبارتحاله صلى الله عليه وآله انقطع عندهم زمن صدور السنة، أما نحن فالمعصوم عليه السلام لا ينحصر بالنبي صلى الله عليه وآله، وهذا يعني أنّ زمن صدور السنة عندنا مستمر 320 سنة إلى نهاية الغيبة الصغرى للإمام المهدي عليه السلام.
الفرق بيننا وبين العامة في الموروث الروائي أننا كتبنا الأحاديث من أول يوم السنة، أمير المؤمنين عليه السلام سن الكتابة ثم استمر الشيعة في كتابة وتدوين الأحاديث، أما العامة فقد نصوا على كتبوا السنة المحققون من العامةان الكتابة بدأت في زمن عمر بن عبدالعزيز، وقد حكم سنة 97 يعني بعد عدة عقود من ارتحال النبي صلى الله عليه وآله، سنتهم تعتمد على الذاكرة، وتعلمون أنّ الذاكرة يلعب فيها النسيان، من هنا نحن نقول توجد نقطة في تراث الشيعة لا توجد عند غيرهم، وهي نقطة المبادرة لحفظ السنة وتدوينها.
أبن الحجر العسقلاني عند العامة أمير المؤمنين في الحديث، عنده كتاب اسمه فتح الباري، يقول في مقدمة هذا الكتاب: الآثار النبوية لم تكن في عصر الصحابة وكبار تابعيهم مدونة ومبوبة، لأنهم في بادئ الحال نهوا عن ذلك كما ثبت في صحيح مسلم).
يقول الصحابة نهوا عن كتابة أحاديث النبي صلى الله عليه وآله ، ثم قال ابن حجر: (ثم حدث في أواخر عصر التابعين تدوين السنة) إذن هناك فاصل زمني بين زمن صدور السنة وزمن تدوين السنة، هذا الفاصل لا يوجد في تراث أهل البيت عليهم السلام.
الأمر الثاني: أنّ الشيعة ما كانوا يعتمدون على الحفظ في تدوين الأحاديث بل كانوا مباشرة إذا سمعوا من المعصوم يدونون، في الأعم الأغلب يهتمون بنقل عبارات المعصوم ولا يعتمدون على الذاكرة، نعم في بعض الأحيان يعتمدون على الذاكرة وذلك إذا لم توجد وسائل الحفظ.
السيد ابن طاووس في كتاب مهج الدعوات، يقول: كان جماعة من خواص أبي الحسن الرضا عليه السلام يحضرون مجلسه وفي أيديهم ألواح، فإذا نطق أبو الحسن الرضا عليه السلام بكلمة أو أفتى في نازلة أثبت القوم ذلك).
طبعاً؛ توجد شواهد كثيرة تدل على أنّ الشيعة كانوا يهتمون بنقل نص كلام المعصوم ويكتبونه مباشرة، وهذه الشواهد تنفع لدفع الدعوى القائلة بأنّ أغلب الموروث الشيعي منقول بالمعنى، أغلب الموروث الشيعي لم ينقل بالمعنى، الشيعة كانوا يهتمون بكلمات المعصومين عليهم السلام، (كلامكم نور، وأمركم رشد) الشيعة كانوا يهتمون بنقل النور فيكتبون التراث مباشرة.
الأمر الثالث: هو أنّ الشيعة أسسوا ما يسمى بعلم الرجال، الشيعة وجدوا أنّ هذه الأحاديث تنقل بواسطة من الرواة، فرب رواية في سندها خمس رواة، كل واحد منهم يقول حدثني فلان عن فلان عن فلان عن الإمام عليه السلام، وهذا ما دعاهم الى الاهتمام بمعرفة أحوال هؤلاء الرواة، هل هم ثقات يمكن أن يعتمد عليهم في نقل الرواية أم لا؟ فصنفوا في ذلك كتب علم الرجال.
وكان الشيعة يتشددون غاية التشدد في قبول الروايات عن الرجال، تجد جملة من العلماء يوثقون كتاب لأنّ المؤلف ثقة، فيقولون لطلابهم نحن نجيزكم أن ترووا هذا الكتاب وما فيه من الروايات عنا ولكن لا نجيز أن تروي الروايات التي رواها فلان في الكتاب، الكتاب رواه ثقة، ولكن يقسمون ما فيه من الرواة إلى أقسام، فيقولون لتلاميذهم لكم أن ترووا الروايات التي رواها فلان الثقة وأما الروايات التي رواها فلان فلا ، وهذا ما وقع من الشيخ الصدوق تبعا ولاستاذه ابن الوليد بالنسبة إلى كتاب نوادر الحكمة، و في بعض الأحيان الرواية مروية عن ثقة، وتجد العلماء يقولون لطلابهم لكم أن ترووا هذا الكتاب إلاّ هذه الرواية التي رواها ثقة وذلك لأنّ في مضمونها إشكال، بل بلغ التشدد عند علمائنا أنهم كانوا يخرجون بعض الثقات من حواضرهم العلمية لا لأنهم ليسوا موثوقين في الرواية بل لأنهم ينقلون عن أشخاص غير موثوقين، وهذا وقع في قم، ففي قم كان يوجد عالم اسمه أحمد بن محمد بن عيسى كان مسيطراً في زمانه على حوزة قم، بمنزلة المرجع الأعلى في ذلك الزمان، هذا العالم الجليل أخرج اثنين من العلماء :
١- سهل بن زياد ، فقد طرده لأنه كان يتوقف في وثاقته.
٢- أحمد بن محمد بن خالد البرقي صاحب كتاب المحاسن من أجلاء الطائفة ، أخرجه لا لأنه ليس ثقة بل كان ينقل عن غير الثقة، يقول شيخ الطوسي : وجدنا الطائفة قد ميزت الرجال الناقلة للأحاديث قوثقت الثقات منهم وضعفت الضعاف وميزوا بين من يعتمد عليه في الرواية ومن لا يعتمد عليه في خبره.
الأمر الرابع: هو أنّ العلماء لم يكتفوا فقط بتوثيق الرواة وتوثيق أصحاب الكتب والأصول، بل قاموا بعرض تلك الكتب والمجاميع الروائية على الأئمة عليهم السلام، الكتاب رواه ثقة، فيه روايات منقولة عن ثقات، مع ذلك الشيعة ما كانوا يكتفون بوثاقة الراوي، كانوا يأخذون كتابه ويعرضونه على المعصوم، فإذا أقره المعصوم عملوا به، الشيخ الكشي ينقل أنّ أحد الشيعة سأل يونس بن عبد الرحمن وهو أحد أئمة الشيعة في زمن الرضا عليه السلام، قال له يا أبا محمد ما أشدك في الحديث وما أكثر إنكارك للروايات التي ترويها الشيعة، ما حملك على رد الأحاديث؟ فقال يونس : وافيت العراق فرأيت فيها قطعاً من أصحاب الإمام الباقر عليه السلام ورأيت أصحاب الصادق عليه السلام متوافرون فسمعت منهم وأخذت كتبهم وعرضتهم على الإمام الرضا عليه السلام فاستنكر أحاديث كثيرة منها أن تكون من أحاديث الإمام الصادق عليه السلام، هذه الرواية تبين أنّ الإمام الرضا عليه السلام هو بنفسه كان يقوم بعملية التراث، صحيح توجد روايات كثيرة وضعت ولكن أيضاً توجد روايات كثيرة ألغاها الإمام الرضا عليه السلام وأثبت أنها موضوعة، وبعد أن نص الإمام عليه السلام على وضعها ألغتها الشيعة، أخذ الشيعة يتشددون لا يقبلونها كما فعل يونس.
الشيخ الكليني ينقل عن محمد بن الحسن بن خالد أنه سأل الإمام الجواد عليه السلام، قال: (يا بن رسول الله إنّ مشائخنا رووا عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام وكانت التقية شديدة فكتموا كتبهم ولم تروى عنهم فلما ماتوا صارت الكتب إلينا، فقال له الإمام عليه السلام: حدثوا بها فإنها حق)(الكافي للشيخ الكليني ج1 ص53) .
ذكرت مجموعة من الكتب التي عرضت على المعصومين عليهم السلام من ضمن الكتب كتاب ليونس بن عبد الرحمن، يونس بن عبد الرحمن أخذ كتب أصحاب الصادقين عليهما السلام، وعرضها على الإمام الرضا عليه السلام، ولما توفي أخذت كتبه وعرضت على الإمام العسكري عليه السلام، لما رأى الإمام عليه السلام أحد كتبه قال: أعطاه الله بكل حرف نوراً يوم القيامة )(وسائل الشيعة للحر العاملي ج27 ص102).
إذن العلماء تبعاً للأئمة عليهم السلام قاموا بتنقية التراث، قاموا بالتحقيق في الروايات المنسوبة إلى الأئمة عليهم السلام، الأئمة قاموا بالتنقية كتبوا ونقحوا الكتب، وكذلك أصحاب الأئمة عليهم السلام تبعاً للأئمة، واستمرت مسيرة التحقيق حتى في زمن الغيبة، الشيخ الكليني والشيخ الصدوق والشيخ الطوسي، كتبوا الكتب الأربعة التي عليها مدار الاستنباط من هذه الأصول التي عرضت على الأئمة، من الكتب التي كتبها أصحاب الأئمة عليهم السلام، أخذوا تلك الكتب الأصول الأربعمائة و دققوا فيها و نقحوا، و اعملوا فيها موازين التحقيق ثم بعد ذلك أخرجوا المتب الأربعة، وهذه الكتب الأربعة أيضاً لم يتلقاها أصحبانا بالقبول والتسليم المطلق، بل أيضاً أعملوا فيها معول التحقيق، كم رواية رفضها السيد الخوئي والسيد الخميني؟ باب الاجتهاد مفتوح باب التدقيق مفتوح، نحن نقول نتيجة هذه الجهود المستمرة لقرون طويلة القطع بأنه لا توجد روايات كثيرة موضوعة ليس مجازفة ، اذا كانت هنالك روايات كثيرة مقطوعة الوضع فما هو دور الأئمة عليهم السلام والعلماء في هذه القرون الكثيرة؟ هل كانوا يتفرجون على الوضع، ولا يقدمون شيئاً لحفظ السنة مع أهمية السنة كمصدر أساسي من مصادر بناء المعرفة الدينية!!!
التعليق الثاني: أنّ العلماء لا توجد عندهم ضوابط فقط في تحقيق سند الرواية وجهة الصدور بل عندهم ضوابط في تحقيق مضمون الرواية، الرواية قد تقبل من حيث الصدور، ولكن لا تقبل من حيث المضمون، لأنها لما أعملت فيها ضوابط المضمون لم تتوافق مع الضوابط المقررة 
من الضوابط عندنا أحكام العقل القطعية، الأئمة عليهم السلام لا يخالفون حكم العقل القطعي، فأي رواية تتنافى مع حكم العقل القطعي لا تقبل في مدرسة أهل البيت عليهم السلام.
من الضوابط الكتاب والسنة، الإمام الصادق عليه السلام يقول: (كل حديث مردود إلى الكتاب والسنة وكل شيء لا يوافق كتاب الله فهو زخرف)(جامع أحاديث الشيعة للسيد البروجردي ج1 ص258) الحديث لا يحاكم فقط بالقرآن، لأنّ الدليل النقلي القطعي عندنا ليس القرآن فقط بل أيضاً السنة القطعية، فعندنا روايات متواترة، روايات محفوفة بقرائن تفيد القطع بصدورها، هذه أيضاً ميزان نقيم بها الروايات الظنية، عملية التحقيق سنداً ومضموناً ليست عملية حادثة في هذه السنة، باب التحقيق والتدقيق لم يكن مغلقاً ثم فتح هذه الأيام، التحقيق ابتدأ به أمير المؤمنين عليه السلام، ومارسه علماؤنا في زمن الحضور و في زمن الغيبة و هي موروثة من كابر الى كابر وبعد جهود وصل إلينا الموروث الروائي رصينا قويا ، لا يوجد فيه روايات كثيرة نقطع بوضعها ولا يوجد عندنا عقيدة تستند إلى رواية موضوعة . 
القيت المحاضرة بتاريخ: 3 / 1 / 1435 هـ

No comments:

Post a Comment