Wednesday, April 29, 2015

نظرية التطور والالحاد (٢)


بقلم : حيدر السندي
النقطة السادسة : في مؤيدان النظرية .
يتفق التطوريون على أنه لا يمكن رصد الانتواع ( macro-evolution) وملاحظة وقوعه ، وذلك لأنه تبدل نوع إلى نوع آخر يحتاج إلى مرور آلاف بل ملايين السنين ، ولا يوجد إنسان له هذا العمر ليعتمد على مشاهدته لوقوع التغير في الأنواع أو بعضها ، لهذا كل ما يذكره أصحاب نظرية الانتواع مجموعة من الدلالات التي يعتقد أنها تعطي قيمة احتمالية لمركز واحد وهو الانتواع المعتمد على الانتخاب الطبيعي ، وملاحظة الدلائل التي يعرضها كتاب أصل الأنواع لداروين ، و دلائل الداروينية الحديثة ، توقف المتابع على التأرجح الكبير بين دلائل تعاقبت في مدة قد تصل إلى قرنين هي عمر نظرية التطور تقريبا .
و عليه يمكن أن نقسم المؤيدات إلى قسمين :
القسم الأول : مؤيدات داروين نفسه حيث لم تتطور بعض العلم بالشكل الحالي ، و لم يكتشف أصلاً البعض الآخر .
لقد أنظم داروين إلى الرحلة الثانية لسفينة البيغل (HMS Beagle) وهي سفينة تابعة للبحرية الملكية البريطانية، و كان انطلاق الرحلة في السابع والعشرين من ديسمبر 1831 و استمرت خمس سنوات ، قضى تشارلز داروين معظم وقته في الرحلة مستكشفا الطبيعة ، وعمل على تجميع عينات التاريخ الطبيعي، ودون ملاحظاته وتخميناته النظرية ، وكان يرسل العينات إلى جامعة كامبردج، وقد لا حظ في رحلته عدة أمور كانت وراء تشكل نظرية التطور فيما بعد منها :
1ـ وجد أن أفرادا تنتمي إلى نوع واحد تختلف في شكلها بسبب اختلاف الظروف البيئية . فقد علِم أن هناك نوعين من طيور الريا (rhea) المُختلفة والمتداخلة في الشكلفي جزر جالاباقوس Galápagos Islands ، و وجد أنَّ الطيور المحاكية في تشيلي تختلف من جزيرة لأُخرى. وقد سمِع أنَّ هُناك اختلافاً بين أشكال صدف السلاحف ، والسبب في هذا الاختلاف كيفية تحصلها على طعامها ، إن هذا الاختلاف مع وحدة النوع واتحاد السلف ، كان من مقويات نظرية التطور عند داروين.
2ـ وجد تشابه بين أنواع منقرضة وأنواع موجودة مع تفاوت في الحجم ، فقد تعرَّف على ما يُدعى بـ (مجاثيريم) (Megatherium) الصغير عبر رؤية أسنانه والتصاقه بدرع عظمي والذي بدأ له لأول وهلة كنسخة عملاقة من حيوان المدرع المحلي .
3ـ وجود بعض الحيوانات لا تتواجد في بعض البقاع كالبرمائيات ، حيث لا توجد في الجزر المحيطية ، و وجد تفاوت في الأنواع مع اتحاد البيئة كما في اختلاف حيوانات القارة الأفريقية عن حيوانات أمريكا اللاتينية رغم أن المدار واحد وتشترك في الظروف المناخية والبيئية ، وهو الذي لم يجد له داروين تفسير إلا مبدأ الانعزال .
4ـ بقايا الزوائد مثل الزائدة الدودية وعضلة خلف الأذن وأثداء الرجل ، وعظم العصعص ، فإنه قدح في ذهنه وقوع ذلك ضمن حلاقات التطور . 
5ـ تقارب بعض الأنواع المختلفة ، وهذا ما لاحظه داروين في عصافير غالاباغوس (Galápagos) فقد ظن بعضهانوعاً واحداً لتقاربها وتفاوتها في بعض الصفات ، ولكن بعد عودته من الرحلة عرض داروين عصافيره على الجمعية الجيولوجية في لندن في اجتماعهم في 4 من جانيوري عام 1837 ، و اعطيت لجون قولد عالم الطيور الإنجليزية الشهير و في 10 من جانيوري صرح أن الطيور تتضمن 12 نوعا .
6ـ تشابه جمع الأنواع في التركيب ، فكما للإنسان جهاز للتغذية والهضم و التخلص من نتاج عملية الهضم ، يوجد في سائر أنواع الحيوانات بل والحشرات والنباتات مثل ذلك مع اختلاف في الشكل وكيفية أداء الوظائف ، و هذا ما دعمته الاكتشافات العلمية وعمقته فيما بعد فإن الكائنات الحية لا بد لها من خلية أو خلايا و الخلايا تتشابه :
أ- لها تركيب أساسي واحد وهو (البروتوبلازم) عبارة عن النواة والجدار الخلوي والسيتوبلازم ويسمى بمادة الحياة الأولية.
ب - تشترك في وجود معظم العضيات التي تؤدي الوظائف وتضمن للكائن الحي استمرار حياته. لقد دعمت فيما بعد الأدلة البروتيومية وجود سلف مشترك لجميع الأحياء ، فإن البروتينات الحيوية كالريبوسوم والدنا بولمريز والرنا بولمريز توجد في كل الكائنات بدءًا بأكثر البكتيريا بدائية وحتى أكثر الثدييات تعقيدًا. و الجزء الرئيسي في البروتين محفوظ في كل سلالات الحياة ويؤدي وظائف متشابهة. نعم طورت المتعضيات الأكثر تعقيدًا وحدات بروتين إضافية، و التشابه المترابط بين سلاسلات كل المتعضيات المعاصرة؛ مثل الدنا، والرنا، والأحماض الأمينية، وطبقة الدهن الثنائية تدعم كلها نظرية التطور عن نوع مشترك.
7ـ تشكل الشكل الظاهري للأرض بعوامل طبيعية في مدة طويلة من الزمن ، فقد قامت سفينة البيجل بالبحث والتنقيب عن أصل تكوين الجزر المرجانية المسماة بالكوكوس كيلينج (Cocos Keeling Islands) ، وهو الذي فتح باب احتمال تشكل الأنواع في عالم الأحياء كما يتشكل سطح الأرض ، في مدة طويلة. 
إن هذا المعطيات وغيرها مع الدراسات التي قدمها جملة من الباحثين وفي مقدمتهم لامارك (lamarck) في كتابيه الفلسفة الحيوانية و التاريخ الطبيعي للحيوانات اللافقارية ، حيث دعم فرضية رجوع جميع التغيرات غير العضوية والعضوية إلى قانون ثابت ، و رفع فرضية تحدر جمع الأنواع بما فيها الإنسان من نوع آخر كان لها تأثير كبير عليه في اختيار النظرية.
لقد كان الانتواع في بداية القرن التاسع عشر حديثاً بين بعض العلماء ولم يطرحه لامارك فقط قبل داروين ، بل له وجود في كلمات جملة من الباحثين منهم (جيوفروي هيلاري ، س . ويلس ، جرانت ، باتريك ماثيو) ومن البعيد جداً أن يكون داروين في غفلة تامة عن دراسات ونتائج هؤلاء العلماء ، نعم لم يقدم عالم ما قدم هو في تشييد و دعم و بلورة نظرية التطور حتى صارت ذات إطار نظري واضح انطلق منه الباحثون فيما بعد .
إن ما ذكرناه لا يعكس واقع المؤيدات الكثيرة التي عرضها داروين في كاتب أصل الأنواع ، و كيفية توظيفها في تدعيم نظرية التطور ، و قد اقتصرت على ما تقدم ، لأن الهدف هو أن يقف القارئ على بعض بذور شجرة هذا النظرية ، والتي كانت بدائية في نتاج داروين ، لم تبين كيفية وقوع التغير وانتقاله في السلالات كما لم تخل من مجموعة من الفجوات و الثغرات التي لم يعالجها وأهتم بعلاجها من جاء بعده من التطوريين كالحلقة المفقودة وسبق و أقدمية حفريات الإنسان على أقدم حفريات القرد ، ووجود الصفات التي تفوق متطلبات البقاء في الإنسان المعاصر و سلفه المفروض مع انقراضه ، وبقاء ما هو دونه في الصفات كالقرود .
ومن المفيد جداً هنا أن نذكر تلخيصاً لفصول كتاب (أصل الأنواع) فقد جاء الكتاب في طبعته الثانية في 15 فصلاً:
الفصل الأول :تحدث فيه عن الفوارق الواقعة بين الحيوانات الداجنة وتأثير الانتخاب الصناعي في حدوثها ، فإن رغبة الإنسان في الصفات تدعوه نحو التهجين ، ومثل لذلك باختلاف الحمائم كالتفاوت الموجود بين الزاجل الانجليزي والبهلواني قصير الوجه ، وبين رجوعها إلى سلف مشترك وهو حمام الصخور ( ليفيا).
الفصل الثاني : بين أن وقوع التغير بالتهجين يفتح المجال للحديث عن وقوعه طبيعياً ، وهنا دخل في فوارق الحيوانات غير المهجنة ، وقد كان الفصل السابق مقدمة لهذا الفصل كما كان هذا الفصل مقدمة للاحق.
الفصل الثالث: تحدث عن قانون الصراع من أجل البقاء ، فتكلم عن النسبة الهندسية للتكاثر ، وتنافس الأحياء من أجل البقاء ، وتأثير ذلك على الانتخاب الطبيعي ، وبهذا فتح المجال للحديث عن الانتخاب الطبيعي.
الفصل الرابع : تعرض للانتخاب أو قانون بقاء الأصح.
الفصل الخامس : تحدث فيه عن قانون التمايز و سبب وجود الاختلاف بين الأنواع.
الفصل السادس : تحدث فيه عن صعوبات نظرية التطور والانتقاء الطبيعي.
الفصل السابع : تعرض فيه لبعض الاعتراضات التي تواجهها النظرية .
الفصل الثامن: تحدث فيه الغرائز.
الفصل التاسع : تحدث فيه عن التنغل والعقم و أقسامه وضوابطه .
الفصل العاشر : استعرض فيه إشكالية الحلقة المفقودة ونقص السجل الجيولوجي.
الفصل الحادي عشر : تعرض للتعاقب الجيولوجي الخاص للكائنات الحية.
الفصل الثاني عشر ، والثالث عشر حول التوزيع الجغرافي للأنواع ومبدأ الانعزال.
الفصل الرابع عشر : حول الصلات الموجودة بين أنواع الكائنات الحية وقد وظف في هذا الفصل علم التشكل المورفولوجيا( Morphology) وعلم الأجنة و حاول توظيف الأعضاء الأثرية غير المكتملة ، وهي التي كانت نافعة وبقيت بلا فائدة ملاحظة ، و البنى الانتقالية ، وهي التي لم يتم اكتمالها وبيان عدم منافاتها لنظرية التطور.
الفصل الخامس عشر : قدم فيه تلخيصاً للكتاب .
ويمكن ملاحظة الكتاب في الرابط التالي :
القسم الثاني : المؤيدات الحديثة التي جاءت بعد تطور العلوم والتي أفرزت الداروينية الحديثة .
وهذه المؤيدات تشترك فيها عدة علوم من أهمها :
1ـ علم الوراثة وظائف الأعضاء المقارن والكيمياء الحيوية المقارنة.
2ـ علم التشريح المقارن.
3ـ علم الأحياء القديمة و الاحفوريات المكتشفة بعد داروين .
4ـ علم الاحداثيات.
5ـ الكيمياء.
6ـ الفيزياء.
ولعل من أهم كتاب يتعرض للداروينية بمنهج حديث كتاب ( لماذا التطور حقيقة؟) البروفيسور جيري كوين عالم التطور الجيني الأمريكي ، ومن المفيد أن نخصص هذا القسم بتلخيص كتابه.
فقد جاء كتابه في تسعة فصول بالترتيب التالي :
الفصل الأول : تحدث فيه الكاتب عن مفهوم التطور ، وعرض فيه مفهوما جديداً يتناسب مع تطور عالم الوراثة و الجينات . وتحدث باختصار عن الأمور التي لابد من رصدها لتبني النظرية وذكر منها :
1ـ بدائية الحي كلما أوغلنا في القدم .
2ـ الظفر بحلقات الوسط بين الأنواع المتطورة.
3ـ وجود التصميمات غير المكتملة ، وقد وجد في الأخير مناسبة لتدعيم نزعته الإلحادية .
الفصل الثاني : عنونه بعنوان (مكتوبة في الصخور) وقد قدم فيه الأدلة الأحفورية ، و ذكر أنه بفضل علم الإحاثيات Paleontologia))وتطور الكيما والفيزياء تمكن الباحثون من معرفة تاريخ الأحفورات حيث يعود تاريخ الأقدم منها إلى 530 مليون سنة ، كما تمكنوا من تصنيفها ، وبين أن صعوبة بقاء الأحفورات لم تمكن العلماء من الظفر بأكثر من ما نسبه 1 إلي 5 % منها كما أنهم لم يتعرفوا على أكثر من 350 ألف نوع من الأنواع التي تقدر بين 700 ملون إلى 4 مليارات نوه.
وذكر في هذا الفصل تمكن العلماء من اكتشاف بعض ما يعتقد أنه الحلقة الوسطية بين الأنواع ومن ذلك طائر الأركيوبتركس الذي يجمع بين صفات الطيور والزواحف حيثيوجد له مخالب في أجنحته وفقرات عظمية في ذيله وأسنان في منقاره بينما يغطى جسمه بالريش وله فك يشبه المنقار وله أجنحة.
الفصل الثالث : يستعرض جملة من الشواهد على نظرية التطور وعدم صحة نظرية التصميم الذكي ، ومنها :
1ـ البنى و الأعضاء الأثرية والتصميمات السيئة ، و من أمثل البنى الأثرية والانتقالية الزائدة الدودية وأجنحة النعام ، والحيوانات التي لها عيون محاطة بغشاء جلدي .
2ـ التأسل الرجعي ووراثة الجينات البعيدة ، فقد ذكر أن الإنسان يوجد عنده 2000 جيناً ميتاً يحمل خصائص الأجداد ، وهي قد تنشط ومن ذلك تشكل بعض الأجنة مع الذيل .
3ـ وجود جينات نتيجة فيروس ، وهي مشتركة بين الإنسان والشامبانزي ، وهو ما يؤيد اشتراكهما في جد واحد داهمه ذلك الفيروس المسبب.
4ـ وجود غشاء يشبه حافظة صفار البيض الموجودة في الزواحف القديمة والطيور في جنين الإنسان يمتصه الجسم في أول تكونه .
5ـ مرور جنين الإنسان بأطوار مختلفة يشبه فيها تارة السمكة وتارة الزواحف.
6ـ التصميم السيئ ويقول في شرحه :
ما أعنيه بـ(التصميم السيء) هو مفهوم أن الكائنات لو كانت من تصميمِ مُصَمِّمٍ_الذي استعمل قوالب البناء الحيوي من الأعصاب والعضلات والعظم وما إلى ذلك_لما كانت لديهم مثل هذه العيوب. التصميم الكامل كان سيكون حقاً علامة على مصمم ماهر وذكي. إن التصميم المعيب هو علامة التطور، في الحقيقة هو ما تتوقعه بالضبط من التطور. لقد تعلمنا أن التطور لا يبدأ من رسمِ تصميمٍ. تتطور الأجزاء الجديدة من القديمة، ويحتاج إلى العمل على الأجزاء التي قد نشأت من قبل فعلياًً. بسبب هذا، ينبغي أن نتوقع تسويات: بعض السمات التي تعمل على نحو جيد تماماً، لكن ليس كما ينبغي لها، أو سمات_كجناحي الكيوي_لا تعمل على الإطلاق، لكنها بقايا تطورية. مثال جيد للتصميم السيء هو سمك الـFlounder المفلطح (سمك موسى،كمثال)، الذي تأتي شعبيته كسمك مأكول جزئياً من تسطحه، ما يجعله سهل نزع العظم. هناك حقيقة حوالي خمسمئة نوع من السمك المفلطح: الهلبوت، وسمك الترس، وسمك موسى، وأقربائهم. كلهم يوضعون في رتبة Pleuronectiformes. وهي كلمة تعني (السابحات جانبياً)، وصف هو الأساسي لتصميمهم البائس. تولد الأسماك المفلطحة كأسماك تبدو عادية تسبح رأسياً، مع عين متوضعة على كلا جانبي الجسد فطيري الشكل. لكن بعد ذلك بشهر، يحدث شيء غريب: تبدأ إحدى العينين في التحرك إلى الأعلى. إنها تهاجر على الجمجمة وتنضم إلى العين الأخرى على جانب واحد من الجسد، إما اليمين أو اليسار، تبعاً للنوع. تغيِّر الجمجمة شكلها أيضاً لتعزيز هذه الحركة، وهناك تغيرات في الزعانف واللون. في تناغم، تميل السمكة على جانبها الجديد عديم العين، نتيجة لهذا كلا العينين تصيران بالأعلى. إنها تصير ساكنة قاع البحر مسطحة مموهة تفترس الأسماك الأخرى. عندما تحتاج إلى السباحة، تقوم بذلك على جانبها. السمك المفلطح هو أشهر الفقاريات اللامتماثلة الجانبين في العالم. خذ عينة المرة القادمة عندما تذهب إلى سوق السمك. إن أردت أن تصمم سمكة مفلطحة، لما كنت فعلتها بتلك الطريقة. لكنت أنتجت سمكة تشبه المزلجة، مسطحة من الميلاد وتنام على بطنها، ليس واحدة تحتاج إلى إنجاز التسطح بالنوم على أحد جانبيها، محركة عينها، ومشوهة جمجمتها. لقد صُمِّمَت الأسماك المفلطحة على نحو رديء. لكن التصميم الرديء يأتي من ميراثهم التطوري. إننا نعلم من شجرة عائلتهم أن الفلاوندر_ككل الأسماك_تطوروا من أسماك عادية متماثلة. بجلاء، لقد وجدوا أنه من المفيد الميل على جوانبهم والاضطجاع على قاع البحر، مخبئين أنفسهم من كلٍ من المفترِسين والفرائس. هذا_ بالتأكيد _خلق مشكلة: العين السفلى ستصير عديمة الاستعمال وسهلة الانجراح كلا الأمرين. لحل هذا، أخذ الانتخاب الطبيعي السبيل المتعرج لكنه المتاح لنقل عينها، هذا غير تشويه جسدها. 
لقد كان كوين يعتقد أن كل هذه الشواهد لا يمكن تبريرها تبريراً علمياً واضحاً إلا في ظل نظرية التطور.
الفصل الربع : تحدث فيه عن جغرافيا الأنواع الحية ، وبين أن المكتشفات تأيد التطور ، فإن الثديات الجرابية كالكنغر لا وجود لها إلا في استراليا اليوم ، ولكن اكتشف من خلال ملاحظة الاحفورات أنها كانت موجودة في أمريكا الشمالية ، ثم ظفروا بما يدا على وجودها في القطب الجنوبي الذي كان متصلاً باستراليا باحفورة متوسطة بين جرابيات أمريكا واستراليا ، كما ذكر عدم وجود الزواحف في الجزر المحيطية التي لا يمكن أن ينتقل إليه الزاحف ، وجعل ذلك مؤيداً للتطور.
الفصل الخامس: وقد عنونه بماكينة التطور ، و يقصد به الانتخاب الطبيعي ، وقد فصل الكلام في شرحه ومثل له بالنحل الأوربي الذي جلب إلى اليابان فوقع ضحية الدبور الياباني ، بخلاف النحل الياباني الذي طور آلياته القتالية ، لأنه من نفس البيئة . ثم استعرض تعريف التطور الذي ذكرناه في النقطة الثالثة ، والذي هو قد يكون عشاوئياً إلا أنه في مرحلة الانتقاء يخضع لمنطق البقاء للأصلح ، ثم ذكر أن التطور وفق الانتخاب الطبيعي وإن لم يمكن رصده ولكن يمكن الوقوف عليه من خلال الانتخاب الصناعي من خلال تهجين الحيوانات كالكلاب أو البكتيريا في المختبر.
الفصل السادس : بعنوان كيف يقود الجنس التطور ، وتعرض للتوازن في الخصائص الجاذبة للإناث والمعرضة الذكور للفناء ، وجعل ذلك من شواهد التطور وليس منافياً له ـ كما قد يتوهم ـ كما تعرض لطرق التنافس الجنسي وأنه من الاصطفاء الجنسي الطبيعي .
الفصل السابع : أصل الأنواع . وعالج فيه بعض المشاكل التي لم يعالجها داروين كالقطع بين الأنواع وعدم وجود اتصال بحلقات متوسطة ، وقد عالج المشكلة بالانعزال ، كما في اختلاف اللغة الإنجليزية عن الألمانية مع أن الأصل واحد.
الفصل الثامن : عنونه بعنوان ماذا عنا ؟ وتحدث فيه عن أصل الإنسان وتطوره .
لقد قدم الإنسان على أنه ذو علاقة قریبة بالقردة العلیا مثل الشمبانزي والبونوبو والغوریللا والأورانج أوتان، وقد ذكر التطوريون بأنه کان هناك جد مشترك للإنسان مع الشمبانزي قبل 7 ملایین سنة في القارة الأفریقیة. و إن الإنسان ككائن حي له صفات عدیدة مشترکة مع الثدیيات الأخرى, مثل وجود العمود الفقري والثدیین والدماغ والأرجل والیدین ، كما أن وجود الحمض النووي والمیتوکوندریا من المشتركات بين الأحياء . وقد ذكر كوين أن الأحفورات تشهد بوجود 20 نوع شبيهة بالنوع الإنسان الموجود ، وهي بجميعها منقرضة. 
وذكر اكتشاف الاحفورة لوسي Iـ ـ A.L.288كمثال لذلك ، و قد تم اكتشافها في عام 1974 في متاهة من الأودية الضيقة في إقليم العفر في أثيوبيا ، وبعد اكتشاف 40% من هيكلها العظمي قرر العلماء أنها لشبيه الإنسان أو نوع أوسترالوبيثيكوس أفارينيسيس Australopithecus afarensis. واحتمل أن عمرها 3.2 مليون سنة، وأن طولها كان 1,1 مترا وأن وزنها 29 كيلوجراما، و هي في تكوينها التشريحي تشبه إلى حد كبير الشمبانزي، وبالرغم من صغر حجم المخ بالنسبة للإنسان العاقل فإن عظام الحوض والأطراف السفلية تتطابق وظيفياً مع نظيرتها عندنا، وتوضح بجلاء أن شبيه الإنسان هذا استطاع المشي منتصباً علي قدمين. 
وفي عام 1975 اكتشف العلماء 13 هيكلاً آخر من نفس الجنس في ما يدل على أن الجماعة قد أصيبت بكارثة طبيعية كفيضان أو غيره.هذا الاكتشاف أدى إلى معرفة الكثير عن حياة هذا الجنس شبه البشري وعلاقاته الاجتماعية(ويكيبيديا).
الفصل التاسع : وهو بمنزلة الخاتمة ذكر فيه أن أدلة التطور واضحة لا ينبغي التعامي عنها ، ثم زعم أن الذين ينكرون التطور إما خوفا على عقيدتهم الإلهية والدينية أو خوفاً منهم على القيم ، لتصورهم أن التطور ينافي ثبات الأخلاق ، ثم بين رأيه وهو خطأ هذا التصور .
إن ما ذكرته هنا مجرد تلخيص للكتاب ، و الكتاب دراسة جادة وفيه طرح علمي دقيق و شواهد كثيرة تكشف عن موسوعية المؤلف ومدى تطور الداروينية واستنادها إلى معطيات حديثة في معالجة الفجوات التي أرقت داروين ، فمن أراد التعمق فعليه مراجعة نفس الكتاب وهو بإسلوب واضح ، وقد كان هدفي من تلخيصه وضع القارئ العزيز في جو المسألة لكي الفت عنايته إلى جديتها ، و أرى من الأنسب أن أكتفي بهذا المقدار في عرض نظرية التطور إذ الغرض منه تقديم تصور إجمالي يشكل مقدمة لفهم وجه استند الملحدين إلي النظرية في تدعيم الإلحاد ، والمهم هو مناقشة هذا الاستناد ، وهو الجنبة المعرفية والفلسفية التي لأجلها ذكرت كل ما تقدم في هذا المحور، ولكن يبدو لي أن هذه المقدمة قد طغت على ذيها وأخذت المساحة الغالبة من المقالة.

No comments:

Post a Comment