Monday, April 6, 2015

الحسين عليه السلام مظهر الجمال وجنة الأولياء

محاضرة لسماحة الشيخ حيدر السندي ( حفظه الله)
قال سيدنا ومولانا رسول الله (صلى الله عليه وآله) : (أول ما خلق الله عز وجل خلق أرواحنا، فأنطقنا بتوحيده وتحميده)(بحار الأنوار للمجلسي ج18 ص345)، آمنا بالله، صدق سيدنا ومولانا رسول (الله صلى الله عليه وآله).
لكي نقف على معنى أنّ الحسين (عليه السلام ) مظهر الجمال المعرف لجمال الله الأزلي وجنة الأولياء ومنتهى سير العرفاء، لابد وان نتحدث عنه ( عليه السلام) من حيث بدء الخلقة و نهاية العروج الى الله عز وجل .
وكلامنا في ذلك سوف يكون ضمن نقاط ثلاث:
النقطة الأولى: في أن أول ما خلق الله حقائق المعصومين (عليهم السلام) ، وأنّ الله تبارك وتعالى خلقهم من نور عظمته، وفي معنى العظمة.
إنّ الله تبارك وتعالى أول ما ابتدأ الوجود ابتدأه بنور النبي (صلى الله عليه وآله ) وأنوار أهل بيته (عليهم السلام) ،ويدل على ذلك روايات كثيرة تبلغ حد التواتر، فقد نقل الشيخ الصدوق بأسانيد قوية بحسب تعبير العلامة المجلسي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله ) أنه قال: (أول ما خلق الله عز وجل خلق أرواحنا، فأنطقنا بتوحيده وتحميده)(بحار الأنوار للمجلسيج18 ص345).
السيد الرضي في كتاب المناقب روى عن رسول الله( صلى الله عليه وآله ) أنه قال: (يا بن مسعود إنّ الله عز وجل خلقني وعليا والحسن والحسين من نور عظمته قبل خلق الخلق بألفي عام).
أبو جعفر الطوسي في كتابه مصابيح الأنوار يروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال لعمه العباس: (يا عم إنّ الله عز وجل خلقني وعليا وفاطمة والحسن والحسين قبل خلق آدم حيث لا سماء مبنية ولا أرض مدحية ولا نور ولا ظلمة ولا جنة ولا ولا نار ولا شمس ولا قمر).
ومن ضمن هذه الروايات هذه الرواية المروية عن الإمام الباقر ( عليه السلام) ، قال يا جابر كان الله تبارك وتعالى ولا شيء غيره لا معلوم ولا مجهول، أول ما ابتدأ الله من خلقه أن خلق محمداً صلى الله عليه وآله وأهل بيته، خلقهم من نور عظمته ثم أوقفنا أظلة خضراء بين يديه حيث لا سماء ولا أرض ولا مكان).
هذه الروايات التي تدل على أنّ الله تعالى ابتدأ الوجود بحقيقة النبي وآله (عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام)، لم تتفرد الإمامية بنقلها بل رويت من قبل الخاصة والعامة، فقد وردت في كتب العامة وفي مصادر متعددة و نقل النقوي الخراساني في كتابه مفتاح السعادة في شرح نهج البلاغة، روايات متعددة من كتب العامة تدل على هذه الحقيقة.
بيان نور عظمة الله تبارك وتعالى:
السؤال الذي نواجهه ونريد أن نجيب عليه، هو أن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) يقول: (إنّ الله عز وجل خلقني وعلياً والحسن والحسين من نور عظمته) فما المقصود من عظمة الله؟ ما المقصود من هذا النور الذي خلقت منه الحقائق الطاهرة للمعصومين (عليهم السلام)؟
باختصار يمكن ان نعبر عن هذا النور بانه ذلك الوجود المقدس الذي يكشف عن جمال الله تبارك وتعالى وعن ذاته المستجمعة لجميع صفات الكمال وصفات الجمال.
نحن الشيعة نعتقد بأنّ الله تبارك وتعالى جامع في ذاته لكل كمال، لكل صفة من صفات الجمال لا تفتقر ذاته إلى جمال ولا ينقصها أي كمال، الإمام الصادق (عليه السلام) يقول: (هو نور لا ظلمة فيه وعلم لا جهل فيه وحياة لا موت فيه، وحق لا باطل فيه)(التوحيد للشيخ الصدوق ص146).
فالذات جامعة لكل كمال وجامعة لكل جمال، هذه الكمالات الموجودة عند الله تبارك وتعالى لا يمكن أن نتعرف عليها مباشرة، الذات المقدسة أعلى شأناً وأحل قدراً من أن يتعرف عليها الخلق مباشرة، كيف نتعرف على الذات التي يقول عنها أمير المؤمنين (عليه السلام) : (الطلب مردود والطريق مسدود) وفي مقام بيان طريق معرفتها يقول (عليه السلام ) : (دليله آياته ووجوده إثباته)(الاحتجاج للطبرسي ج1 ص299).
الطريق إلى معرفة الله تبارك وتعالى يتمثل في معرفة الآيات: { سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَلَهُمْ أَنَّهُ الْحَقّ}(قصلت:53).
كل موجود يدل بوجوده على وجود الله عز وجل، كل موجود بصفاته يكشف نحواً من الكشف عن صفات الله تبارك وتعالى، فنحن نتعرف على الله تبارك وتعالى بالمخلوقات بحسب رتب المخلوقات، المخلوقات التي هي آيات لله، ومظاهر لجمال الله، تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: هي المخلوقات المقيدة.
التي تكشف عن وجه من وجوه عظمة الله ونحو من كمالات الله تبارك وتعالى، بعض الموجودات تكشف عن صفة القدرة لله تعالى، فهي تكشف عن عظمة الله ولكن تكشف عن عظمة الله في قدرته، بعض المخلوقات تكشف عن علم الله عز وجل، فهي تبين لنا نحواً من عظمة الله وتلك العظمة المتثملة في العلم.
القسم الثاني: المخلوقات المطلقة.
أي التي تكشف عن جمال الله تبارك وتعالى وجلاله في جميع صفاته وكمالاته ، ويكون كشفها أتم من كشف غيرها بحسب رتبتها هي، فالتمام نسبي، الذات في نفسها مطلقة لا يمكن أن يحيط بها عقل او فؤاد بشري، نعم؛ الموجودات مظاهر للذات، تلك الموجودات تتفاوت في إظهارها لله، بعض الموجودات لأنّ إظهارها أتم من غيرها يقال هي بالنسبة إلى غيرها تظهر الذات إظهارا تاماً و في الحقيقة الذات في نفسها تبقى غيب الغيوب ولم يظهر كنهها .
الموجودات التي من القسم الثاني هي مظاهر لذات الله الجامعة لجميع الصفات والكمالات، في آن واحد تكشف عن علم الله وقدرته وسمعه وبصره وعن جميع كمالاته ولكن بحسبها، وهذه الموجودات هي التي خلقت من نور عظمة الله،النور هو الظاهر في نفسه والمظهر لغيره، النور في هذا الحديث الشريف: (إنّ الله خلقني وعلياً والحسن والحسين من نور عظمته) نور العظمة في هذا الحديث أضيف إلى الله تبارك وتعالى، والله هو الجامع لكل كمال، فالمقصود بنور العظمة أي ذلك المظهر لله، والله هو الجامع لكل كمال وجمال،هو القادر السميع البصير الجبار، فله نور خلقه يظهر جماله ذلك النور هو نور العظمة ومنه خلقه النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته، لهذا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) frown emoticon نحن الأعراف الذين لا يعرف الله إلاّ بسبيل معرفتنا)(بحار الأنوار للمجلسي ج8 ص338).
هناك رتبة من المعرفة لا تعرف إلاّ بمعرفتهم (عليه السلام) ،الإمام السجاد يقول (عليه السلام): (نحن أسماء الله الحسنى)الاسم يدل على المسمى، الله تبارك وتعالى عنده أسماء حسنة وعنده أسماء حسنى، الأسماء الحسنى هي الأتم في كشفها عن جمال الله تبارك وتعالى.
النقطة الثانية: في الحسين (عليه السلام) مظهر جمال الله ومصدر جمال الخلق .
الحسين ( عليها السلام ) مصدر الجمال الذي أوجده الله تعالى في عالم الإمكان، ولكي يتضح ذلك أذكر أموراً ثلاثة:
الأمر الأول: من الأمور الواضحة التي نعلمها جميعاً انّ من أجمل ما خلق الله تعالى الجنة وما فيها من النعيم، الجنة فيها من الحسن ومن الجمال ما لا عين رأت ولا أذن سمعت،قال تبارك وتعالى: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَاتِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ}(الرعد:35)ويقول الرسول (صلى الله عليه وآله) : (فابشر وبشر أوليائك ومحبيك بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر)(وسائل الشيعة للحر العاملي ج14 ص383) ما في الجنة شيء فوق الوصف، لا يمكن أن نقف على كنه جمال الجنة إلاّ إذا رأيناها، يوجد وصف للجنة في الروايات ولكنه وصف ، وجود لفظي للجنة وليس حقيقيا خارجيا ، فالخارجي شيء آخر لا يدرك إلاّ برؤيته عياناً، يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) :(سور الجنة لبنة من ذهب، ولبنة من فضة ولبنة من ياقوت)(الأمالي للصدوق ص281)، و يقول أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في قوله تعالى: {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌمَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَاد}(الزمر:20) : (سقوفها الذهبمحبوكة بالفضة) .
الباري تبارك وتعالى جعل سقف كل بنيان من بينان الجنة بمادة الفضة، ثم يقول (عليه السلام ) : (لكلغرفة منها ألف باب من ذهب ، على كل باب منها ملك موكلبه ، فيها فرش مرفوعة بعضها فوق بعض من الحرير والديباج بألوان مختلفة وحشوها المسك والكافور والعنبر)(الكافي للشيخ الكليني ج8 ص97) ، إذن الجنة شيء جمله الله تبارك وتعالى وأظهر فيه جمال ذاته من خلال إتقان الصنع وإتقان الخلقة.
الأمر الثاني: عندنا مجموعة من الروايات وردت في كتب الخاصة والعامة تدل على أنّ هذه الجنة التي لم تر العيون مثل جمالها ولم تسمع الأذان بمثل حسنها، هذه الجنة الجميلة بما فيها من الأنهار والأشجار والقصور والحور العين لها ركن تعتمد عليه في جمالها ولها زينة تتزين الجنة بكل زرينتها بتلك الزينة الخاصة التي جعلها الله تبارك وتعالى.
السيد شهاب الدين المرعشي في تعليقته على كتاب إحقاق الحق للقاضي التستري ينقل عن مصادر العامة والخاصة روايات متعددة منها هذه الرواية التي ينقلها الخطيب البغدادي والهيثمي والطبراني وغيرهم من علماء العامة، تقول هذه الرواية، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إذا استقر أهل الجنة تقول الجنة يا رب لقد وعدتني أن تزينني بركنين من أركانك، فيقول لها الباري تبارك وتعالى ألم أزينك بالحسن والحسين)(مجمع الزوائد للهيثمي ج9 ص184) الحسن والحسين (عليهما السلام) زينتا الجنة، مع ما فيها من نعيم لا عين رأت ولا أذن سمعت، مع ذلك هي تعتمد في زينتها وفي جمالها على الحسن والحسين، وفي رواية أخرى: يقول الباري تبارك وتعالى: (حسنت أركانك بالحسن والحسين)(ميزان الاعتدال للذهبي ج4ص361) ، فأي جمال يوجد في ذات الحسن وفي ذات الحسين (عليهما السلام) .
إن للحسين (عليه السلام) ظاهرا في هذه النشأة، ظاهره التقوى، الإيمان، الجهاد ، الهداية إلى الله تبارك وتعالى، وله باطن، باطنه ( عليه السلام ) أنه ركن جمال الجنة.
الأمر الثالث: وهو أعظم من الأمر السابق، إذْ توجد مجموعة من الروايات تقول الباري تعالى خلق الجنة وما فيها من النعيم من نور الحسين ( عليه السلام) .
السيد هاشم البحراني لم ينقل رواية بل عقد فصلاً بعنوان في أنّ الله عز وجل خلق الجنان والحور العين من نور الحسين (عليه السلام) ، نقل فيه مجموعة من الروايات منها: أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (ثم فتق الله نور الحسن (عليه السلام) فخلق منه اللوح والقلم، والحسن (عليه السلام ) أجل من اللوح والقلم، وفتق نور الحسين (عليه السلام) فخلق منه الجنات والحور العين والحسين (عليه السلام ) أفضل منهما)(غاية المرام للسيد هاشم البحراني ج4 ص163).
وفي رواية ثانية يقول الرسول (صلى الله عليه وآله) : (خلق الله الجنة والحور العين من نور ولدي الحسين، ونور ولدي من نور الله)(غاية المرام للسيد هاشم البحراني ج4 ص297).
إذا كانت الجنة بكل ما فيه من زينة وجمال خلقت من نور الحسين (عليه السلام) ، فهي مرتبة من مراتب جمال الحسين (عليه السلام) ، فلا عجب أن يكون (عليه السلام) زين السماوات والأرض، فقد نقل الشيخ الصدوق في كتاب إكمال الدين وتمام النعمة عن الحسين (عليه السلام) : دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعنده أبي بن كعب فقال:(مرحباً بالحسين ومرحباً بك يا أبا عبد الله يا زين السماوات والأرض، فتعجب أبي، قال يا رسول الله، كيف يكون زين السماوات والأرض أحد غيرك؟ فالتفت إليه رسول الله فقال: يا أبي والذي بعثني بالحق نبياً إنّ الحسين في السماء أعظم منه في الأرض، لما عرج بي إلى السماء رأيت مكتوباً عند يمين العرش الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة)(مدينة المعاجزللسيد هاشم البحراني ج4 ص52).
الحسين عليه السلام له حقيقة في الأرض ولكن هذه الحقيقة ليست إلاّ مظهراً لحقيقته السماوية، تلك الحقيقة أعظم عند الله وأعلى شأناً، إن حقيقته (عليه السلام ) طور فوق طور العقل، ينبغي علو هذا العقل المحدود ان يعترف بالعجز عن ادراك كنه حقيقته او الإحاطة بعمق كمالاته (عليه السلام).
النقطة الثالثة: في بعض النتائج المترتبة على هذه الحقيقة.
هناك نتائج تترتب على هذه الحقيقة وهي أنّ الله تبارك وتعالى خلق الجنة من نور الحسين ( عليه السلام) ، ونكتفي بذكر ثلاث نتائج:
النتيجة الأولى: أنّ الإمام الحسين (عليه السلام ) لا يعمل و يسعى من اجل الدخول في الجنة، لأنّ هذه الجنة خلقت من نوره، فهي دون جماله ودون رتبته، هي مظهر لجماله (عليه السلام) ، فكيف يمكن أن يكون سعيه من أجلها ،الحكيم العاقل لا يفعل لغاية موجودة وحاضرة عنده بل يفعل لأجل غاية مفقودة، إذا كنت تفتقد الشيء وكان غير موجود عندك، تعمل من أجل تحقيقه، أما إذا كان عندك فلماذا تسعى من أجل تحقيقه من أجل إيجاده، الإمام الحسين (عليه السلام ) واجد لكمال الجنة بصورة أتم، النبي صلى الله عليه وآله يقول: (فالحسين (عليه السلام ) أعظم من الجنة والحور العين)فكيف يكون سعيه (عليه السلام) من أجل الدخول في الجنة،وهذا يعني انه ( عليه السلام ) ما كان يعبد الله تبارك وتعالى عبادة التجار عبادة يقصد بها الدخول في الجنة ، وإنما يعبد الله عبادة الأحرار الذي اندكت أنيتهم في ذات الله تعالى فلا تنظر قلوبهم الا إلى جماله .
يقول الإمام الصادق (عليه السلام) يقول: (العباد ثلاثة: قوم عبدواالله عز وجل خوفا فتلك عبادة العبيد وقوم عبدوا الله تباركوتعالى طلب الثواب ، فتلك عبادة الاجراء ، وقوم عبدوا الله عزوجل حبا له ، فتلك عبادة الأحرار وهي أفضل العبادة)(الكافي للكليني ج2 ص84).
إن للانسان مراتبا مختلفة فهناك الانسان البعيد عن الله تبارك وتعالى وهو الذي يستثمر الشهوة لتحقيق اغراضه على حساب أوامر الله تبارك وتعالى ونواهيه، وهناك المتوسط الذي تؤثر عليه شهوته و لكنه يسيطر عليها و يستخدمها في طاعة الله عز وجل فيلتزم بأحكام الله تبارك وتعالى لأجل تحقيق رغباته التي هي اعلى من رغبات الدنيا ، فهو يبحث عن لذة ولكنها لذة أخروية
الهدف ذاته ويريد ما يلائمها ويرى ان الملائم الحقيقي ما في دار النعيم والمقامة .
واما الانسان الكامل العارف فقد تحرر من متابعة هذه الشهوة التي فطر عليها و تسامى حتى عن رغبات نفسه في تحصيل الجنة وفي تحصيل الثواب بأن أوقف ذاته ووجوده لله تبارك وتعالى فهو لا يعمل إلاّ لله، لا يمتثل تلبية لرغبات نفسه وإنما يمتثل أمر الله تقرباً إليه تبارك وتعالى وحباً له بحقيقة معنى الحب والتقرب، وهذه أعلى مراتب التوحيد التي يمكن أن يصل إليها الإنسان، وهي مرتبة الحسين آل الحسين (عليهم السلام)
فالنتيجة الأولى هي أنّ عبادة الحسين (عليه السلام) لا يمكن أن تكون عبادة العبيد وإنما عبادة الأحرار.
النتيجة الثانية: هي أنّ معاد الحسين( عليه السلام) ليس أن يدخل في جنة الأعمال أو أن يدخل في جنة الصفات والذات وإنما معاد الحسين أن يدخل في جنة الله تبارك وتعالى وهي جنة اللقاء، العرفاء يقسمون الجنة إلى مراتب ثلاثة: ويقولون كل مرتبة من هذه المراتب تشتمل على درجات:
المرتبة الأولى: جنة الأعمال وهي التي يصل إليها الإنسان بعمله، وقد أشار الله تبارك وتعالى إلى هذه الرتبة في قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ *فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ}(الزلزلة:6-7) خيراً يره يعني يرى جنة الأعمال، يرى عمله نعيماً له يوم القيامة.
الرتبة الثانية: جنة الصفات والذات، وهذه رتبة أعلى من جنة الأعمال، ويقصدون بجنة الذات أنّ المؤمن يوم القيامة يتبدل وجوده ويصبح وجوداً نورانياً تتجلى فيه صفات الله تبارك وتعالى، المؤمن في الدنيا قد يكون عبداً حبشياً ذميم المنظر لا يرى في الليلة المظلمة وإذا أبصرته ملأت منه رعبا ، ولكن إذا جاء يوم القيامة يتبدل وجوده، يقول تبارك وتعالى: {نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ}(التحريم:8) هذه الآية تشير إلى جنة الصفات وجنة الذات،المؤمن في يوم القيامة يتنعم بوجوده لأنه يرى وجوده وجوداً نورانياً تتلى فيه عناية الله تبارك وتعالى فيشعر بالسرور والبهجة.
الرتبة الثالثة: جنة الله تبارك وتعالى، أي جنة عناية الله الخاصة ورضوان الله الأكبر من جنة الأعمال والصفات والذات، وهي أن يلقى الإنسان ربه راضياً مرضياً، يقول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِرَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي}(الفجر:27-30) أي جنة الله تبارك وتعالى، فقد أضاف الجنة إلى ذاته المقدسة، وهي جنة الحسين (عليه السلام).
هنالك روايات تعتبر سورة الفجر سورة سورة الحسين ( عليه السلام ) وهو مصداق النفس المطمئنة ، فعن أبي عبد الله (عليه السلام ) : (اقرأوا سورة الفجر فيفرايضكم ونوافلكم فإنها سورة للحسين بن علي (عليهماالسلام) من قرأها كان مع الحسين عليه السلام يوم القيامةفي درجته من الجنة ان الله عزيز حكيم)(ثواب الأعمال للصندوق ص123).
النتيجة الثالثة: هي أنّ أعلى مرتبة يمكن أن يصل إليها المؤمن في سيره التكاملي ليس أن يدخل الجنة وإنما أن يكون مع الحسين وأهل بيت الحسين (عليهم السلام) يوم القيامة، الجنة رتبة من رتب نعيم الله للمؤمن، وهناك رتب أعلى من رتب الجنة وهي رتب الكون مع رسول الله مع أمير المؤمنين مع الصديقة الزهراء مع الحسن مع الحسين مع المعصومين،الجنة فيها نعيم، ولكنه نعيم خلق من نور الحسين (عليه السلام)، النظر إلى الجنة يبهج النفس، ولكن النظر إلى مصدر جمال الجنة، النظر إلى من خلقت الجنة من نوره يبهج النفس بصورة أتم وبصورة أعظم.
العلامة المجلسي (رحمة الله تعالى عليه( ينقل في كتاب البحار في فضل من تعلم القرآن، أنّ الإمام العسكري (عليه السلام) قال: يستحق به –بحمل القرآن – أن يكون مع النبي (صلى الله عليه وآله وأهل بيته) الذي هو أعظم من الجنة لأنّ النبي وأهل بيته عليهم السلام أشرف زينة الجنة)(بحار الأنوار للمجلسي ج24 ص66)، وهذا ما يطلبه المؤمن في زيارة عاشوراء، حيث يقول في الزيارة: (فأسأل الله الذي أكرمني بمعرفتكم ومعرفة أوليائكم ورزقني البراءة من أعدائكم أن يجعلني معكم في الدنيا والآخرة) أن يكون معهم في الآخرة يعني أن يحشر في رتبة هي أعلى من رتبة الجنة، أن يكون مع رسول الله ومع آل رسول الله صلى الله عليه وآله) ،وهم كما يقول الإمام العسكري أشرف زينة الجنة.
كيف تكون معهم ؟
وهنا يأتي هذا السؤال المهم :
كيف يمكن أن يكون المؤمن مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومع الحسين (عليه السلام ) يوم القيامة؟
أمير المؤمنين (عليه السلام ) يجيب على هذا السؤال، قال:(أخذ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بيد الحسن و الحسين( عليهما السلام ) فقال : من أحب هذين وأباهما وأمهما ،كان معي في درجتي يوم القيامة)(الأمالي للصدوق ص299).
حبك للحسين (عليه السلام) طريقك و معراجك و سبيلك نحو الكون مع الحسين يوم القيامة..
حب الحسين يعني أن تعتقد بإمامته.
حب الحسين يعني أن تميل بكل مشاعرك مع الحسين وأهداف الحسين.
حب الحسين يعني أن تنحاز مع الأهداف التي من أجلها قتل الحسين وتظهر ولائك لها ، ان مناسبة الحكم للموضوع تقتضي ان يكون المقصود بالحب المحقق للكون مع الحسين ( عليه السلام) ليس مجرد الإعجاب او الميل القلبي ، وإنما العمل بما يقتضيه ذلك من الاتباع والنصرة ف تقول : أنا مع الحسين وتترجم ذلك عملا بإظهار الولاء له ، ومن أظهر المظاهر الولاء أن تحضر المجالس التي يحبها الحسين وآل الحسين (عليهم السلام) .
يقول الإمام الصادق عليه السلام للفضيل: تجلسون وتتحدثون، قلت له: نعم يا رسول الله، قال: (تلك مجالس أحبها أحيوا أمرنا رحم الله من أحيى أمرنا)(وسائل الشيعة للحر العاملي ج14 ص501).
في الرواية أنه لما أخبر النبي صلى الله عليه وآله ابنته فاطمة بقتل ولدها الحسين وما يجري عليه من المحن بكت فاطمة بكاء شديدا ، وقالت : يا أبت متى يكون ذلك ؟ قال :في زمان خال مني ومنك ومن علي ، فاشتد بكاؤها وقالت :يا أبت فمن يبكي عليه ؟ ومن يلتزم بإقامة العزاء له ؟ . فقال النبي : يا فاطمة إن نساء أمتي يبكون على نساء أهل بيتي، ورجالهم يبكون على رجال أهل بيتي ، ويجددون العزاء جيلابعد جيل ، في كل سنة فإذا كان القيامة تشفعين أنت للنساءوأنا أشفع للرجال وكل من بكى منهم على مصاب الحسين أخذنا بيده وأدخلناه الجنة)(بحار الأنوار للمجلسي ج44 ص293).
القيت المحاضرة بتاريخ: 1 / 1 / 1435 هـ

No comments:

Post a Comment