Sunday, April 5, 2015

الثقافة الالتقاطية

كتب احد المثقفين مقالا يتعلق بفريضة الخمس فرأيت من المفيد للشباب المثقف المهتم بالثقافة الشرعية ، ان يقف على هذا المقال مشفوعا ببعض التعليقات الخفيفة ، لان ذلك سوف يوقفهم على أهمية اعطاء المجالات التخصصية لاهلها و ضرورة التأني في الحكم و إصدار النتائج ، وسوف اجعل كلام صاحب المقال عدة اجزاء ، وتحت كل جزء سوف اعلق بما يناسب :
رأي العلماء في تحليل الخمس :
قال صاحب المقال : من خلال تتبعي لدروس بحث الفقه لمراجعنا المتأخرين وآراءهم فقد افترقوا في إباحة أبواب الخمس إلى ثمان فرق ، أشدها من قال بالإباحة المطلقة من السابقين إلى أن وصل الوضع للحرمة المطلقة من المتأخرين . وللشيخ ناصر مكارم موضوع قيم ومختصر في ذلك ، وكذلك للسيد كمال الحيدري . ولكن على كل حال فإن مذهب الإباحة المطلقة والذي اشتهر به الشيخ العماني والإسكافي وأقرب لهم المرجع الخونساري قد تقلص وقد لا يوجد في الوقت الحالي .
التعليق : لم يشتهر عن العماني والإسكافي القول بالتحليل المطلق او الإباحة المطلقة ، نعم نسب إليهما ذلك في فاضل المؤونة دون سائر موارد الخمس - في بعض ما حكي عنهما - ، وقد تأمل بعض المحققين في صحة هذه النسبة .
منهم السيد علي الطباطبائي في رياض المسائل قال (رحمه الله): (و زادوا أيضاً كما فيها أرباح التجارات والزراعات والصنايع وجميع أنواع الاكتسابات وفواضل الأقوات من الغلات والزراعات عن مؤنة السنة على الاقتصاد، وفي الانتصار والغنية والخلاف وظاهر المنتهى وعن التذكرة والشهيد: عليه الإجماع. ولعله كذلك، لعدم وجود مخالف فيه ظاهر ولا محكي، إلا العماني والإسكافي حيث حُكي عنهما القول بالعفو عن هذا النوع، وفي استفادته من كلاميهما المحكي إشكال. نعم ربما يستفاد منهما التوقف فيه، ولا وجه له، لاستفاضة الروايات بل تواترها كما عن التذكرة والمنتهى بالوجوب، ولذا لم يتأمل في أصل الوجوب أحد من المتأخرين ولا متأخريهم ).
نعم يظهر من عبارة العلماء استفادة التحليل المطلق من بعض روايات التحليل والميل إليه في البحث الاستدلالي مع التوقف ومراعاة الاحتياط في الصرف في الموارد ، وعدم الجزم في مقام الفتوى بالتحليل المطلق ، ومن هؤلاء :
1ـ المقدس الأردبيلي قال بعد استعراض روايات التحليل في مجمع الفائدة والبرهان : ( واعلم أن عموم الأخبار الأُوَل يدل على السقوط بالكلية زمان الغيبة والحضور بمعنى عدم الوجوب الحتمي، فكأنهم عليهم السلام أخبروا بذلك، فعُلم عدم الوجوب الحتمي).
ثم قال بعد ذلك في ختام بحثه : (هذا ولكن ينبغي الاحتياط التام وعدم التقصير في إخراج الحقوق، خصوصاً حصة الأصناف الثلاثة من كل غنيمة عدّوه لاحتمال الآية على الظاهر، وبعض الروايات، وأصل عدم السقوط ، وبُعْد سقوط حقهم، مع تحريم الزكاة عليهم وكون ذلك عوضها ، وبُعْد إسقاطهم عليهم السلام ذلك مع عدم كونه مخصوصاً بهم عليهم السلام بظاهر الآية والأخبار ، وعدم صحة كل الأخبار وصراحتها بذلك، واحتمال الحمل على العاجز كما مرَّ، والتقية في البعض، والتخصيص بحقوقهم بعد التصرف، وعدم إمكان الإيصال وغير ذلك. وكذا من باقي الأقسام مع الشرائط المذكورة، من غير نظر إلى ما ذكرناه من الشبهة المحتملة، والعمل بالأمر الثابت حتى يعلم المسقط..... وبالجملة أظن كون صرفه في الذرية المحتاجين أولى من باقي الاحتمالات ، لما فُهم من الأخبار من عدم المؤاخذة بالتقصير مطلقاً في ذلك والصرف في نفسه، فكيف يُتصور المؤاخذة بالصرف فيهم، مع ما مرَّ من ثواب صلة الذرية والمؤمن المحتاج، وأن صلة المؤمن صلتهم عليهم السلام).
2ـ السيد الموسوي في مدارك الأفهام حيث جزم بالإباحة في المناكح والمساكن والمتجار واحتاط في غير ذلك فقال : (وبالجملة فالأخبار الواردة بثبوت الخمس في هذا النوع مستفيضة جداً، بل الظاهر أنها متواترة كما ادَّعاه في المنتهى، وإنما الإشكال في مستحقِّه، وفي العفو عنه في زمن الغيبة وعدمه، فإن في بعض الروايات دلالة على أن مستحقّه مستحقّ خمس الغنائم، وفي بعض آخر إشعاراً باختصاص الإمام عليه السلام بذلك، ورواية علي بن مهزيار مفصّلة كما بينّاه، ومقتضى صحيحة الحارث بن المغيرة النضري، وصحيحة الفضلاء وما في معناهما العفو عن هذا النوع كما اختاره ابن الجنيد، والمسألة قوية الإشكال، والاحتياط فيها مما لا ينبغي تركه بحال، والله تعالى أعلم بحقائق أحكامه).
3ـ المحقق السبزواري صاحب الذخيرة حيث قال : (وبالجملة القول بإباحة الخمس مطلقاً في زمان الغيبة لا يخلو عن قوة، ولكن الأحوط عندي صرف الجميع في الأصناف الموجودين بتولية الفقيه العدل الجامع لشرايط الإفتاء. وينبغي أن يُراعَى في ذلك البَسْط بحسب الإمكان، ويُكتفى بمقدار الحاجة من المأكول والملبوس والمسكن والأشياء الضرورية ، بل المنكح أيضاً على تقدير الحاجة ، ولا يزيد على مؤونة السنة، وينبغي أن يُراعَى تقديم الأعجز والأحوج والأرامل والضعفاء، وينبغي أن يُقسَّم النصف أقساماً ثلاثة، يُصرف ثلثه في المساكين، وثلثه في الأيتام، وثلثه في أبناء السبيل، ويراعى في النصف الآخر الحاجة أيضاً، والاعتبارات العقلية والشواهد النقلية مطابقان على حسن هذا القول ورجحانه.... وبالجملة ظني أن هذا الوجه أولى وأحوط).
فلم نظفر بعد التتبع بقائل على نحو الجزم ـ وبنسبة مؤكدة ـ بإباحة الخمس مطلقاً وفي جميع الموارد ، لهذا نقول : ( إن الفقهاء اختلفوا في مفاد التحليل على ثمانية أراء ولم يقل أحد منهم بالتحليل المطلق وإنما قالوا في موارد خاصة تختلف سعة وضيقاً ) فالمجزوم به عنهم (رضوان الله عليهم ) القول بالتحليل في بعض الموارد لا القول بالتحليل المطلق ، والأمر سهل ، فإنه لا اشكال في أن عدم القول بالتحليل المطلق هو مذهب المشهور وعليه اطباق المعاصرين المعتد بهم في مقام الفتوى ، وهو المنصور إذ المدار في مقام التحقيق مدار الدليل لا القول الشاذ المخالف .
واللطيف أن صاحب المقال قد نسب القول بالتحليل المطلق إلى أثنين فقط وهما ( العماني ، الاسكافي ) وقال : وأقرب له المحقق الخونساري ، ثم ذكر أن هذا القول تقلص وكاد أن ينقرض بقوله (قد تقلص وقد لا يوجد في الوقت الحالي) ، وهذا من تقلص المتقلص ، بل لعله من انعدام المعدوم لما بينهاه سابقاً من التأمل في ثبوت هذه النسبة إليهما .
التصنيف العشوائي للفقهاء:
قال صاحب المقال : وإنما قد بقي ثلاث تيارات بين متشدد لا يرى أي إباحة في أي شيئ من شؤون الحياة إلا على الفقراء والسادة المعدمين وحصر وتفسير إباحة تحليل المناكح على الجواري الذين انقرضوا في هذا العصر . وهذا التيار يرى احتساب الزمن في حلول رأس السنة قبل تأمين المأونة الدائمة ، بافتراض استمرار الدخل ودوامه . فهو يوجب دفع الخمس على الأعزب والذي لا يملك بيت ولا سيارة ولم يحج وغير ذلك.
فالخمس مقدم أولاً ومن ثم حج واشتري بيت وافعل ما تريد. ومن لم يدفع الخمس فزواجه فيه اشكال ووضؤه وغسله وطهارته فيها اشكال وحجه في اشكال وغير ذلك . ومن أشهر من تبنى هذا الرأي السيد الخوئي قدس سره ومن نهج منهجه من السيد الروحاني والسيد السيستاني والميارزة سددهم الله .
والتيار الآخر هو التيار الذي لا يوجب الخمس على الشيعي إلا بعد أن يستوفي متطلبات حياته الأساسية الكريمة له ولعياله من بناء السكن والزواج والحج والزيارات المعتدة والدابة ( السيارة ) ومصاريف العيال الدراسية وتجهيز زواج البنت ورأس مال متجره والخادم الذي لايستغني عنه ،ومن ثم يقوم المكلف باحتساب الخمس بعد تأمين هذه المتطلبات التي تعتبر من المؤونة . ومن أشهر من تبنى هذا الرأي من المتأخرين المرجع الگلبيگاني والسيد الخامنائي والسيد المدرسي وغيرهم . أما المنهج الثالث فهو منهج يتكيف حسب الوقت والظروف ومتقلب مرة بالتشدد ومرة بالتسامح ولن أدخل في تفاصيله حالياً.
التعليق : في كلامه موارد متعددة للنظر نذكر منها:
المورد الأول : نسب التيار الأول المتشدد إلى السيد الخوئي (رحمه الله) والسيد الروحاني ـ (رحمه الله) إن كان السيد محمد و (حفظه الله) إن كان السيد صادق ـ و السيستاني (حفظه الله) ، وهذه النسبة في اعتقادي في غير محلها ، فقد نسب إليهم :
1ـ اختيار القول الذي (لا يرى أي إباحة في أي شيئ من شؤون الحياة إلا على الفقراء والسادة المعدمين).
2ـ اختيار القول الذي يرى (وحصر وتفسير إباحة تحليل المناكح على الجواري الذين انقرضوا في هذا العصر ) وهذا غير صحيح و يمكن مراجعة الرسائل العملية لهؤلاء الأعلام للوقوف على خلاف ما نسب إليهم ، فلو رجع القارئ الكريم إلى رسالتي السيد الخوئي (رحمه الله) والسيد السيستاني (حفظه الله) ـ مثلاً ـ وكتبهما الفتوائية لوقف على أنهما يقولان بشمول التحليل لكل مال يقع في اليد من مستحله ولو كان غير الجواري وما يرتبط بالمنكح للغني والفقير على حد سواء ، نعم وقع الكلام بينهما في شمول التحليل للعين الموروث ممن لا يخمس فذهب السيد الخوئي إلى عدم الشمول على الأحوط ، وذهب السيد السيستاني إلى الشمول ، فلا يجب أن يخمس الوارث الأمامي من السني أو الشيعي الباني على عدم التخميس ما ورثه ولو كان يساوي 100 مليون ريال ، وأي تسهيل أعظم من هذا .
كما أنهما يسقطان الخمس في موارد كثيرة ويسهلان فيها على المكلف منها :
1ـ مال الاتجار الذي يخرج به المكلف مؤنة سنته ، على تفصيل بينهما .
2ـ مال الصبي والمجنون عند السيد الخوئي ـ دون السيستاني ـ حيث لا يجب فيه الخمس .
3ـ المال الذي أستغنى عنه المكلف بعد أن انطبق عليه عنوان المؤنة خلافاً لجملة من الأعلام الذي قالوا بوجوب الخمس فيه .
4ـ عدم الخمس في مهر الزوجة ، خلافاً للاعلام القائلين بالوجود.
5ـ جبر خسارة رأس المال المخمس وعدم وجوب الخمس في الربح الجديد مطلقاً عند السيستاني وعلى تفصيل عند الخوئي .
6ـ الاكتفاء بالمصالحة بنسبة الاحتمال ولو كانت ضعيفة في موارد عدم تمييز الحق المتعلق بالعين ، والبناء على الأقل في مورد عدم تمييز الحق المتعلق بالذمة .
7ـ ما نقلناه في مقال مستقل في مسألة المؤنة التدريجية عن السيد السيستاني ، وأنا أميل إلا أنه رأي السيد الخوئي ـ أيضاً ـ لو جود فتوى له تسقط الخمس فيما يسمى بالجهيزية وهي ما يعده الأب لأبنته من أثاث المنزل في عدة سنوات في عرف الإيرانيين ، فقد حكم (رحمه الله) بعد وجوب الخمس فيها وهي مع البيت من واد واحد .
إن هذه الموارد وغيرها تبين مدى تسهيل هذين العلمين في كيفية تحديد الحق و تطبيقه ، والمدار كما ذكرت ـ سابقاً ـ مدار الدليل فيما ينتهي إليه الفقيه ، وليس مدار عنوان التسهيل .
المورد الثاني : هو أنه نسب إلى السيد الگلبيگاني (رحمه الله) والسيد الخمنئي (حفظه الله) اختيار القول (الذي لا يوجب الخمس على الشيعي إلا بعد أن يستوفي متطلبات حياته الأساسية الكريمة له ولعياله من بناء السكن والزواج والحج والزيارات المعتدة والدابة ( السيارة ) ومصاريف العيال الدراسية وتجهيز زواج البنت ورأس مال متجره والخادم الذي لايستغني عنه ،ومن ثم يقوم المكلف باحتساب الخمس بعد تأمين هذه المتطلبات التي تعتبر من المؤونة ) وأن السيد السيستاني والخوئي لا يرون ذلك .
و في اعتقادي بعض ما ذكره ليس دقيقاً ، ولكي يتضح الحال أفرز العناوين وأبين التعليق :
1ـ ففي مثل متطلبات الحياة الأساسية كالزواج والحج والزيارات المعتادة والدابة ومصارف العيال ، لا يوجد خلاف بين الأربعة ، في أن الصرف إن كان خلال السنة وقبل حلول الحول لم يجب الخمس ، وإن كان بعد حلول الحول على الربح وجب الخمس .
فقد قال صاحب العروة (السابع: ما يفضل عن مؤونة سنته ومؤونة عياله من أرباح التجارات ومن سائر التكسبات من الصناعات والزراعات والإجارات حتى الخياطة والكتابة والتجارة والصيد وحيازة المباحات وأجرة العبادات الاستئجارية من الحج والصوم والصلاةوالزيارات وتعليم الأطفال وغير ذلك من الأعمال التي لها أجرة، بل الأحوط ثبوته في مطلق الفائدة وإن لم تحصل بالاكتساب كالهبة والهدية والجائزة والمال الموصى به ونحوها، بل لا يخلو عن قوة) ولم يعلق عليه السيد الكلبيكاني (رحمه الله) مرتضياً كلامه.
وقال صاحب العروة في تحديد المؤنة (مسألة 61: المراد بالمؤونة - مضافا إلى ما يصرف في تحصيل الربح - ما يحتاج إليه لنفسه وعياله في معاشه بحسب شأنه اللائق بحاله في العادة من المأكل والملبس، وما يحتاج إليه لصدقاته وزياراته وهداياه وجوائزه وأضيافه، والحقوق اللازمة له بنذر أو كفارة أو أداء دين أو أرش جناية أو غرامة ما أتلفه عمدا أو خطأ، وكذا ما يحتاج إليه من دابة أو جارية أو عبد أو أسباب أو ظرف أو فرش أو كتب، بل ما يحتاج إليه لتزويج أولاده أو ختانهم، ونحو ذلك مثل ما يحتاج إليه في المرض وفي موت أولاده أو عياله إلى غير ذلك مما يحتاج إليه في معاشه، ولو زاد على ما يليق بحاله مما يعد سفها وسرفا بالنسبة إليه لا يحسب منها( ولم يعلق السيد الگلبيگاني (رحمه الله) والسيد الخوئي (رحمه الله) إقرارا لها على حد سواء ، وهذا موافق لما جاء في منهاج السيد السيستاني ومنتخب الأحكام للسيد الخمنئي حيث قال ( ولكن إذا بقي في آخر السنة شيء زائد عن حاجته بحيث صرف على نفسه وعياله و المقدار المتعارف من دون إفراط أو تفريط دفع من الباقي من مؤونته السنوية كي يصرف في مصارفه والباقي يدخره لنفسه ) وكلامهم مطلق يشمل الأعزب وغيره والمتملك للبيت وغيره .
2ـ وفي المال المدخر لشراء البيت ، يذهب السيد الگلبيگاني فقط إلى عدم وجوب الخمس ، وأما السيد الخمنئي فهو يوافق السيدين الخوئي والسيستاني ويرى وجوب الخمس فيه قال في المنتخب (إذا أدخر مالا لشراء أو بناء دارا سكنية وحال الحول يجب اخراج الخمس) ، فلست أدري من أين وقف الكاتب على أن السيد الخمنئي يوافق السيد الكلبيكاني ويخالف السيد الخوئي والسيستاني ، حتى جعله من المنهج غير المتشدد وجعلهما منه !.
نعم بالنسبة إلى الشراء التدريجي يرى السيد الخمنئي رأي السيد السيستاني ، فهما متفقان من هذه الجهة ، فلا معنى للفرز بينهما واعتبار أحدهما متشددا دون الأخر .
واللطيف أن السيد الگلبيگاني و الخمنئي يقولان بوجوب تخميس بقايا الرز والطماط والمعكرونا والشاي والزيت ، فلماذا لم يعدهما من التيار المتشدد!
الموارد الثالث : أصل هذا الفرز والتصنيف للفقهاء إلى متشدد وغير متشدد ، فإنه في نظري لا يستند إلى أساس مقبول ، فان صاحب المقال استند إلى استقراء عشاوئي لبعض الفتوى مع عدم الدقة في نسبة جميعها ـ كما أوضحنا ـ ثم رتبت على ذلك تصنيف السيدين الخوئي (رحمه الله) والسيستاني(حفظه الله) ضمن التيار المشدد ، بينما صنف السيد الگلبيگاني (رحمه الله)والسيد الخمنئي (حفظه الله) ضمن التيار غير المتشدد ، ولو أعمل النظر أكثر لوقف على موارد كثيرة حكم السيدين الخوئي والسيستاني فيها أكثر تسهيلاً من حكم السيدين الگلبيگاني والخمنئي ، وهنا أنقل بعض الوارد :
1ـ رأس مال الاتجار الذي ينتج مؤنة السنة ، فقد ذهب السيد السيستاني والخوئي إلى عدم وجوب الخمس فيه على تفصيل ، وذهب السيد الگلبيگاني إلى وجوب الخمس فيه على الأحوط .
2ـ إذا ترك المورث ما يعلم تعلق الخمس به ، ذهب السيد الخوئي إلى وجوب الخمس على نحو الاحتياط وذهب السيستاني إلى التفصيل بين الباني على التخميس وغيره ، والأشد السيد الگلبيگاني حيث حكم بوجوب الخمس فتوى مطلقاً .
3ـ يشترط السيد الخوئي العقل والبلوغ في وجوب الخمس ، ولا يشترط ذلك السيد الگلبيگاني ، هو (رحمه الله) يوجب الخمس حتى في مال الرضيع والمجنون .
4ـ إذا بلغ الصبي لم يجب عليه تخميس الأموال السابقة التي ملكها قبل البلوغ ولو في سنته ، ويجب على الأحوط عند السيد الخمنئي ، و هو في هذا أشد من السيد الخوئي .
وموارد كثرة لو أردنا استقصاءها خرجنا عن غرض هذه التعليقات .
اعطاء الرأي بلا تخصص:
قال صاحب المقال : والخلاصة فالأغلب لا ينكر الخمس ولا يقول بعدم دفعه ، ولكن الأمر وبحسب قول مراجع معاصرين قد تجاوز إلى الشمولية وجباية الخمس فيما ليس فيه خمس ، بل فيما تكليفه الزكاة وليس الخمس.بل وصل إلى الجمع بين الخمس والزكاة وهذا ما يسمى في علم الحاسبة بالإزدواج الضريبي .
أقول :
أما القول بأن البعض أوجب الخمس فيما لا خمس فيه . فإن كان من مجتهد فهو مقبول ويندرج ضمن موارد الخلاف الفقهي وهي كثرة منها ( الخمس في المهر ، في مال الاتجار ، في ارتفاع القيمة السوقية للعين الاتجارية ، في ما ملك بالخمس ، في ما استغنى عنه المكلف من الأعيان التي انطبق عليها عنوان المؤنة ... إلخ) ومن حق كل من لا يرى وجوب الخمس في أي مورد من هذه الموارد أن يقول : من أوجب فيه فقد أوجب فيما لا يجب فيه الخمس بحسب نظري ، فالمسألة بسيطة جداً ، ولا محذور فيها . واما غير المتخصص وغير القادر على اعطاء الرأي كصاحب المقال فلا يحق له ان يحكم على نحو التعيين بان هذا أوجب الخمس فيما لا يجب فيه او ذاك ، لان هذا من اعطاء الحكم والفتوى ، ونفي حكم عند الشيعة كاثباته للمجتهد فقط.
وأما بالنسبة إلى وجوب الخمس والزكاة في مال واحد ، فهذا مما لا محذور فيه ، ما دام المال مشمولاً بدليل كلا الحكمين ، وهذه المسألة تعتبر من المسائل اللطيفة التي تتحكم فيها المباني الفقهية ، ولكي تتضح أذكر مثالين :
1ـ من ملك سبعة من الإبل فإن عليه شاة وخمس الإبل لانطباق عنوان الفائدة عليها فشمله ( في كل ما أفاد الناس من قايل أو كثير الخمس ).
2ـ من ملك خمسة من الإبل فقط ، فهنا لا بد من بحث أن الخمس هل يتعلق بالعين أو المالية ، فإن كان يتعلق بالعين ، فلا بد وأن نبحث هل يتعلق بالعين من حين التملك أو عند حلول الحول ، فإن قلنا يتعلق بالعين و من حين التملك لم تجب الزكاة وقدم الخمس ، لأنه المكلف ليس له إلا أربعة من الإبل من أول السنة ، فلم يتملك تمام النصاب .
وأما إذا قلنا بأن الخمس يتعلق بالمالية ، أو بالعين بعد حلول الحول فقد يقال بوجوب الزكاة ، لأنه يتعلق بعد إكمال الشهر الحادي عشر وقبل إكمال الثاني عشر الذي هو وقت تعلق الخمس ، وأثره وجوب الخمس في ما عدا مقدار مالية شاة .
والحاصل : ان الفقه علم تخصصي لا يجوز التطفل عليه ، وأدلة التقليد تبين لنا ان الشارع جعل طريقا لتحديد الوظيفة وهو قول الفقيه فهو المتعين اذا لم يكن المكلف مجتهدا وقادرا على العمل بالاحتياط .

No comments:

Post a Comment