Saturday, May 2, 2015

منازل أمير المؤمنين (عليه السلام) من النبي (صلى الله عليه وآله)

محاضرة سماحة الشيخ حيدر السندي (حفظه الله) في ميلاد أمير المؤمنين 1436 هجري.
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين ، واللعن الدائم والعذاب الأليم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
قال رسول الله (صلى الله عليه آله) : علي مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي .
موضوعنا في هذه المحاضرة سوف يكون بعنوان ( منازل أمير المؤمنين من النبي صلى الله عليهما وآلهما) ، والكلام حول هذا العنوان انطلاقا من حديث المنزلة في محورين:
المحور الأول : في اعتبار سند الحديث .
فإنه لا ينبغي الشك في اعتبار سند حديث المنزلة بلا فرق بين مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) ومدرسة السقيفة .
أما في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) فلأنه روي من قبل كبار العلماء في الكتب المعتبرة ، وبطرق متعددة تبلغ حد التواتر ، فقد رواه البرقي في المحاسن و الكليني في الكافي والصدوق في الخصال والتوحيد و عيون أخبار الرضا (عليه السلام) والمفيد في الإفصاح و الإرشاد والمرتضى في الشافي وغيرهم العشرات في عشرات المصنفات .
وأما في مدرسة السقيفة فقد نقل المخالفون الحديث في أصح كتابين عنهم ، فقد أخرجه البخاري بسنده عن إبراهيم بن سعد عن أبيه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى.
و رواه عن مصعب بن سعد عن أبيه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، خرج إلى تبوك واستخلف عليا ، فقال : أتخلفني في الصبيان والنساء ، قال : ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه ليس نبي بعدي.
وأخرجه مسلم عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال : أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا ، فقال : ما منعك أن تسب أبا التراب ، فقال : أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلن أسبه ، لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له ، خلفه في بعض مغازيه ، فقال له علي : خلفتني مع النساء والصبيان ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موصى ، إلا أنه لا نبوة بعدي ، وسمعته يقول يوم خيبر : لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، قال : فتطاولنا لهما ، فقال : ادعوا لي عليا ، فأتي به أرمد ، فبصق في عينه ، ودفع الراية إليه ، ففتح الله عليه ، ولما نزلت هذه الآية : فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم . . . دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم : عليا وفاطمة وحسنا وحسينا ، فقال : اللهم هؤلاء أهلي .
و أخرج عن سعيد بن المسيب عن عامر بن سعد بن وقاص عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي : أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه لا نبي بعدي ، قال سعيد : فأحببت أن أشافه بها سعدا ، فلقيت سعدا ، فحدثته بما حدثني عامر ، فقال : أنا سمعته ، فقلت : أنت سمعته ، فوضع إصبعيه على أذنيه ، فقال : نعم ، وإلا فاستكتا.
وهذا الحديث يدل على أمرين :
الأمر الأول : عظم مدلول حديث المنزلة ـ كما سوف يتضح ـ خلافاً لما يصوره بعض المخالفين من أنه غاية ما يدل عليه أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله) استخلف علياً (عليه السلام) على المدينة ، وليس في ذلك ميزة له لأنه (صلى الله عليه وآله) استخلف غيره.
الأمر الثاني : ممانعة الجو العام في ذلك الزمان لنقل روايات فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) والتصديق بها ، فإن الحديث لو كان لا يدل على ميزة عظيمة لأمير المؤمنين (عليه السلام) ، ولو كان الجو العام يميل إلى الإمام (عليه السلام) ويعرف فضله وقدره ، لما حجب حديث المنزلة عن مثل سعيد حتى طلب مشافهة سعدا به بعد أن سمعه من ابنه عامر ، وقال لسعد بعد أن سمع منه تأكيد سماعه ( أنت سمعته) ولما أضطر سعد إلى أن يضع إصبعيه في أذنيه ويدعو على نفسه بالصمم إن كان كاذباً على رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وقد نص جملة من علماء المخالفين على تواتر الحديث ، فقد قال الحاكم النيسابوري: هذا حديث دخل في حد التواتر ، وقال ابن عبد البر في الاستيعاب من أثبت الأحاديث و أصحها ... وطرق الحديث إلى سعد كثيرة جداً ، وأورده السيوطي في الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة ، و كذلك محمد ناصر الدين الألباني في كتابه صحيح موارد الظمآن وقال : ( عن سعد بن أبي وقاص وأم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبي بعدي؟! قلت : حديث سعد في الصحيح ...ثم قال : (صحيح لغيره، بل هو متواتر).
المحور الثاني : في دلالة حديث المنزلة ، ونتحدث في هذا المحور في نقطتين:
النقطة الأولى : في بيان المدلول بنحو إجمالي.
فإن الحديث يدل على أن كل منزلة ثابتة لنبي الله هارون (عليه السلام) بالنسبة إلى نبي الله موسى (عليه السلام) ، فهي ثابتة لأمير المؤمنين (عليه السلام) بالنسبة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا ما دل العقل والنقل ـ ومنه استثناء النبوة في حديث المنزلة ـ على نفيه .
فإن المنازل الثابتة بمقتضى الحديث ليست متحدة ، لأن الاستثناء الوارد في الحديث ينافي وحدة المستثنى منه ، فإنه لا يقال جاء رجل إلا زيد ، وإنما يقال جاء الرجال إلا زيد ، وهذا يعني أن الاستثناء يقتضي الكثرة والتعدد ، ولم يستثني النبي إلا النبوة ، ولو كان هنالك منزلة أخرى غير ثابتة لعلي (عليه السلام) لاستثناها (صلى الله عليه وآله) كما لو كان يريد بيان ثبوت منازل مخصوصة لبينها ولم يطلق ، وهو الحكيم الذي ساد البلاغة وأعطي جوامع الكلم.
النقطة الثاني : في بيان المدلول بشيء من التفصيل وذلك بذكر بعض المنازل التي لا تسع محاضرة لتعدادها وذكر فهرس لها .
المنزلة الأولى : أهلية النبوة .
فإن هارون كان معصوماً لا يوجد فيه منفراً يمنع من جعله نبيا ، ويدل على ذلك كونه نبياً بالفعل ، قال تعالى : ( ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبياً) ، فعلي (عليه السلام ) فيه أهلية النبوة وإن لم يجعل نبياً لختم النبوة برسول الله (صلى الله عليه وآله).
المنزلة الثانية : الإمامة .
فإن نبي الله هارون كان الأفضل بعد موسى (عليهما السلام) ، فهو الأعلم والأشجع و الأقرب من نبي الله موسى والأحب إليه ، وواجب التباع والطاعة بعده ، والذي لو قدر بقاؤه بعده لكان خليفته قال تعالى : ( وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ) وقال تعالى على لسان هارون مبيناً فرض طاعته على أمة نبي الله موسى : (فاتبعوني وأطيعوا أمري).
فعلي (عليه السلام) هو الأفضل والأشجع والأعلم والأقرب إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) و الإمام من بعده ، وقد دمجنا هنا مجموعة من المنازل كما هو ظاهر وبعضها يقتضي ثبوت البعض الآخر .
المنزلة الثالثة : الوزارة . يقول تعالى : ( واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي ، أشدد به أزري ، وأشركه في أمري ) والوزير من الوزر ، وهو الثقل ، ويقصد به من يلي صاحب الوزر ليقوم بحمل وزره ، وقد كان هارون كذلك فإنه الرجل الثاني بعد موسى ، ومن به شد الله لموسى أزره ، وكذلك أمير المؤمنين(عليه السلام) .
قالت الصديقة الزهراء (عليها السلام): ( وكنتم على شفا حفرة من النار مذقة الشارب ، ونهزة الطامع ، وقبسة العجلان ، وموطئ الأقدام ، تشربون الطرق ، وتفتاتون الورق ، أذلة خاسئين تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم ، فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم بعد اللتيا والتي ، وبعد أن مني ببهم الرجال ، وذؤبان العرب ، ومردة أهل الكتاب ، كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ، أو نجم قرن للشيطان ، وفغرت فاغرة من المشركين ، قذف أخاه في لهواتها ، فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها بأخمصه ، ويخمد لهبها بسيفه مكدودا في ذات الله ، مجتهدا في أمر الله قريبا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيد أولياء الله مشتمرا ناصحا مجدا كادحا ، وأنتم في رفاهية من العيش وادعون فاكهون آمنون ).
المنزلة الرابعة : الشراكة في أمر رسول الله( صلى الله عليه وآله).
فإن هارون كان شريكاً في أمر نبي الله موسى (عليهما السلام) ، يقول تعالى: ( واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي ، أشدد به أزري ، وأشركه في أمري).
وأمر نبي الله موسى كرسول إلى بني إسرائيل هو الرسالة والدعوة إليها تبشيرا و إنذاراً ، وتأييد الله تعالى له في القيام بمهام الدعوة ، يقول تعالى : ( ولقد آتينا موسى الكتاب ) ( ولقد جاءكم موسى بالبينات ) ( ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا ) ( ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين) ، وقد كان نبي الله هارون شريكاً له في كل ذلك ، فعلي (عليه السلام) شريك لرسول الله (صلى الله عليه وآله) في أمره وهو من حيث كونه ( صلى الله عليه وآله) نبياً ما تقدم في موسى (عليه السلام) نعم علي لا يتلقى الرسالة بالوحي ، لأن النبوة ختمت برسول الله (صلى الله عليه وآله) ولكنه المبين لها والداعي إليها والحافظ الذي يتلوا على الأمة آيات الله ويعلمهم الكتاب والحكمة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله).
المنزلة الخامسة : هي الجعل الإلهي .
فإن منزلة الوزارة والشراكة ووجوب الإتباع لم تكن بجعل من نبي الله موسى ، ولم تكن مجرد اقتراح منه و التنصيب بيد الأمة ، وإنما هي بجعل من الله تعالى ولم يكن موسى إلا داعياً و مبلغاً بعد إجابة الله تعالى يقول تعالى : ( واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي ، أشدد به أزري ، وأشركه في أمري ، كي نسبحك كثيراً و نذكرك كثيرا إنك كنت بنا بصيرا ، قال قد أوتيت سؤلك يا موسى ).
فعلي (عليه السلام) له هذه المنازل بجعل من الله تعالى ، ولم يكن دور النبي (صلى الله عليه وآله) فيها إلا الدعاء ثم التبليغ بعد إجابة الله تعالى ، فليست إمامة علي (عليه السلام) حكم جعله رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ولا مجرد اقتراح للأمة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) و للأمة أن تقبل به أو ترفض ، إن من حق علي (عليه السلام) أن يقول لأمة النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله) : ( فاتبعوني وأطيعوا أمري ) وليس للأمة إلا أن تقول : سمعنا وأطعنا.
المنزلة السادسة : هي أن علياً (عليه السلام) كان رحمة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فإن نبي الله هارون كان رحمة لنبي الله موسى (عليهما السلام) يقول تعالى : (ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبياً ) ، فعلي (عليه السلام) بمقتضى إطلاق حديث المنزلة هبة من رحمة الله بالنسبة إلى النبي (صلى الله عليه وآله).
وهذا المنزلة لا يملك العقل إلا أن يقف متحيراً أمامها ، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله ) رحمة الله الواسعة على جميع الخلائق ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) فهو رحمة حتى لعلي (عليه السلام) فكيف يكون علي نفسه (عليه السلام) رحمة له وكل خير إنما هو من نوره (الله صلى الله عليه وآله) لعل هذا ما جعل سعيد بن المسيب لا يكتفي بسماع حديث المنزلة من عامر ولا يكتفي بالتأكيد الأول لسعد ، ويطلب تكرار التأكيد ، ولعله الذي جعل بعض المخالفين يعتبر دلالة الحديث مما تقشعر منه الجلود .
ففي كتاب السنة لأحمد بن محمد بن هارون بن يزيد الخلال أخبرني محمد بن علي بن محمود الوراق قال حدثني أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم البغوي يعني لؤلؤ ابن عمر أحمد بن منيع قال قلت لأحمد يا أبا عبد الله من قال أبو بكر وعمر وعثمان وعلي أليس هو عندك صاحب سنة قال بلى لقد روي في علي رحمه الله ما تقشعر أظنه الجلود قال أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي).
الحمد لله رب العالمين

No comments:

Post a Comment