بقلم : سماحة الشيخ حيدر السندي ( حفظه الله)
بِسْم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله الذين يهدون بهداه وبعد :
فقد أرسل إلي احد الإخوة المؤمنين الرسالة التالين :
( شيخنا العزيز تحية طيبة وبعد لدي إشكال طرحه أحد الملحدين في أحد مقاطع اليوتيوب وأريد جوابا عليه ، فقد طرح تساؤلين إثنين على أحد الدعاة الإسلاميين أثناء إلقاء محاضرته الدينية ولكن وللأسف الشديد لم يقنعني جوابه فرجائي من الله أن أجد الجواب واضح وجلي من جنابكم لسماعي حول تبحركم في هذا المجال.
التساؤل الأول:
المعلوم أن الله خلق الخلق وهو العالم المطلق بهم و بأحوالهم وجميع شئونهم وهو في علمه يعلم العاصي من المطيع و كذلك يعلم أن أكثر خلقه سيدخلون النار بسبب عصيانهم ورفضهم للحق. والسؤال لماذا خلقهم وهو يعلم بظلمهم لأنفسهم وهو المحب لخلقه و لم يخلقهم ليعذبهم فالأحرى أن يتكرم عليهم بالجنة؟ أو أن لا يخلقهم لعلمه أنهم يستوجبون النار بسبب عصيانهم الذي كان يعلم به قبل خلقهم؟
التساؤل الثاني:
الله عظيم الشأن حكيم متناهي في قدرته لكن لماذا حين ضرب الأمثلة للدلالة على عظمته وعلو شأنه ضرب أمثلة بسيطة و استدل بذكر آيات من آيات خلقه بينة واضحة كاختياره للإبل و الزيتون والرمان والنخيل وهكذا رغم ما يملكه من مخلوقات دقيقه و عجيبة أكثر تعقيدا مما ذكر؟ أرجو شيخنا العزيز أن تكون استفساراتي واضحة وأبتهل إلى الله أن نستفيد من علمك؟
تحياتي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ).
و للجواب على التساؤلين الواقعين في هذه الرسالة نتحدث في مقامين:
المقام الأول : في دفع إشكال خلق الله تعالى للناس وهو يعلم أن أغلبهم يتوجه نحو جهنم و العياذ بالله ، وأن هذا يتنافى مع الرحمة أو هو قبيح لا يليق بساحة الله تعالى ، و الكلام في دفع هذا الإشكال في نقاط:
النقطة الأولى : هي أن هذا الإشكال ليس جديدا ، وإنما هو قديم جداً وقد تعرض له ابن سينا في كتابه الشهير الإشارات حيث قال في بيان رفضه لمذهب المعتزلة القائل بأن مرتكبين الخطايا أكثر الناس ولا نجاة لهم من النار : لا يقعن عندك- أن السعادة في الآخرة نوع واحد- و لا يقعن عندك أن السعادة لا تنال أصلا- إلا بالاستكمال في العلم- و إن كان ذلك يجعل نوعها نوعا أشرف- و لا يقعن عندك أن تفاريقالخطايا باتكة لعصمة النجاة- بل إنما يهلك الهلاك السرمد ضرب من الجهل- و إنما يعرض للعذاب المحدود ضرب من الرذيلة- و حد منه- و ذلك في أقل أشخاص الناس- و لا تصغ إلى من يجعل النجاة وقفا على عدد- و مصروفة عن أهل الجهل و الخطايا- صرفا إلى الأبد و استوسع رحمة الله- و ستسمع لهذا فضل بيان .الإشارات ج3 ص327 .
ومفاد هذه العبارة على ما ذكره القطب الرازي في المحاكمات: هو أن العذاب الدائم للسافل في قوتي الإدراك والعمل ، ومن يتمكن فيه الخُلق الرديء ، وهذا قسم قليل من البشر ، ويقابله الكُمّل في القوتين ، و الكُمّل في القوة النظرية دون العملية ، وهؤلاء هم أغلب البشر ، نعم القسم الأول منهم لا يعذب أصلاً وأما الثاني فيعذب قيلا ثم يذهب إلى الجنة ، وهذا ما تقتضيه رحمة الله الواسعة.
وفي كتاب الحكمة المتعالية ( الأسفار الأربعة) ج 7 ص 87 تعرض أشهر الفلاسفة الشيعة الملا صدرا لهذا الإشكال من زاوية غير زاوية شمول الرحمة الإلهية ، وهي أن الفلاسفة يزعمون أن الخير غالب في نظام خلقة الله تعالى ، وهذا يتنافى مع أن الإنسان هو أشرف الخلق و الغالب على أفراد البشر الشرور من جهة فساد القول والعمل وما يترتب عليهما من عقاب في يوم القيامة ، فقال (رحمه الله) مبيناً الإشكال : (إنكم زعمتم أن الخير في العالم كثير والشر قليل ونحن إذانظرنا في أنواع الكائنات وجدنا الإنسان اشرف الجميع وإذانظرنا إلى أكثر أفراده وجدنا الغالب عليهم الشرور لوجودأفعال قبيحة و أعمال سيئة و أخلاق وملكات رديه واعتقاداتباطله وبالجملة الغالب عليهم طاعة الشهوة والغضب بحسبالقوة العملية والجهل المركب بحسب القوة النظرية وهذانالأمران مضران في المعاد مؤلمان للنفس موجبان للشقاوة فيالعقبى مانعان عن السعادة الأخروية فيكون الشر غالبا علىهذا النوع الذي هو الثمرة القصوى والغاية العظمى لوجودهذه الأكوان وبناء عالم العناصر والأركان واما الاستمتاعبالشهوة واللهو واللعب الذي هو السعادة الدنيوية التي هيفي التحقيق شقاوة فهو مع ذلك حقير جدا بالنسبة إلى مايحرمونه من السعادة الحقيقية ويكتسبونه من نار الجحيموالعذاب الأليم ).
ثم نقل (رحمه الله) جواب الشيخ ابن سينا المتقدم وهو أن ( أحوال النفوس في الآخرة على ثلاثة أقسام:
الأول : الكاملون في القوتين ـ النظرية والعملية ـ البالغونفي تحصيل الكمالات الحكمية النظرية واقتناء الملكات الكريمةالعملية .
الثاني : المتوسطون في تحصيل ذلك وهم الأكثر والأغلبعلى تفاوت مراتبهم
في ذلك من القرب إلى الطرف الأشرف والبعد عنه إلى الأرذل.
والثالث : هم البالغون في الجهالات البسيطة والمركبةالممعنون في ردائة أخلاق فهؤلاء أقل عددا من القسم الثانيبكثير وإذا نسبتهم إلى مجموع القسمين الأولين كانوا فيغاية القلة والحقارة فلأهل الرحمة والسلامة غلبه وافره فيكلتا النشأتين .
ثم نقل البرهان المعروف ببرهان العناية لإثبات أن أغلب البشر من أهل السعادة ولو في آخر المطاف واجتياز فترة من التعذيب تصفيهم من الحالات الرديئة التي لا تناسب الجنة ودار النعم .
وحاصل هذا البرهان هو أن معرفة كمال الذات الإلهية التامة يفيد كمال الفعل لمناسبة الفعل للفاعل ، وكمال الفعل في وصول كل موجود أو أغلب الموجودات إلى ما تقتضيه طبائعها من كمالات ، وحيث أن طبيعة البشر تطلب السعادة الأبدية بمقتضى فطرتها ، فلا بد من وصول الأغلب إلى السعادة .
النقطة الثانية : هي أن لهذا الإشكال تأثيراً كبيراً على كثير من التوجهات التي سادت القرون الوسطى في أوربا ، وتسيطر على فكر الحداثيين اليوم ، وقد كان سبباً أو مساهماً في بروز عدة نظريات منها :
النظرية الأولى : أن حقيقة الهداية المطلوبة و التي يدور العقاب مدارها في إدراك الإله و الميل إليه ، وهذا ما تطلبه الفطرة ، وأما الأديان المختلفة سماوية وغير سماوية فليس الاعتقاد بأحدها مطلوبا و شرطاً في النجاة من العذاب .
النظرية الثانية : هنالك دين مطلوب غير أن جميع الأديان تمثله ، ويكفي التدين بها ، لأنها تعبيرات مختلفة نتيجة تجارب دينية خاصة تريد بيان حقيقة واحدة ، و هذا معذر لمن خالف الحق في يوم القيامة .
النظرية الثالثة : البشر غير مكلفين بعقيدة معينة ، وإنما هم خلقوا للاختلاف حتى في فكرة الإلهة ، و بالتالي جميع البشر محققون للغاية من وجودهم مهما اختلفت عقيدتهم.
النظرية الرابعة : تعدد الحق وانبساطه على جميع التوجهات ، وهذه أحدى صيغ (البوراليزم pluralism ) ، فليس الحق واحدا متجسداً في دين غاية الأمر يكفي من الدين أصل الاعتقاد بالإله ـ كما في النظرية الأولى ـ أو يكفي التدين بأي معبر عنه وإن لم يكن دقيقاً ـ كما في النظرية الثانية ـ أو البشر غير مكلفين به رأساً ـ كما في النظرية الثالثة ـ وإنما هو في نفسه متعدد فجميع الأديان حقة ومطابقة للواقع .
وجميع هذه النظريات باطلة منافية للنقل والعقل ، أما النقل فأدلة كثيرة تبين أن الدين هو الإسلام و هو الحق و الهداية و غيره الضلال ، وأن الإسلام يتحقق بعقائد خاصة ، وأن الوحي تعليم خاص يبلغه النبي كما هو وليس تجربة دينية شخصية ، وأهمية الشريعة وأحكامها في النجاة و الخاتمية وغير ذلك ، وأما من العقل فما دل على ضرورة بعثة الأنبياء وحفظ الوحي من الخطأ و استحالة واقعية المقولات المتناقضة وما أكثرها في الأديان والتوجهات الفكرية المختلفة، وقد اكتفيت بهذا المقدار من التعليق لصرف الجهد في دفع نفس الإشكال بما أراه مناسباً ومحافظاً على جميع هذه الثوابت النقلية والعقلية.
النقطة الثالثة : يمكن أن نذكر عدة أجوبة على هذا الإشكال غير الأجوبة المتقدمة .
الجواب الأول : يتكون من مقدمات :
المقدمة الأولى : هي أن العقل والدين يحكمان بقبح معاقبة الإنسان على فعل لم يصدر منه بالاختيار .
المقدمة الثانية : هي أن الله تعالى خلق البشر وأعطاهم القدرة والاختيار ، ومع اختيارهم لأفعالهم تكون الأفعال منسوبة إليهم حقيقة ، وهم الفاعلون لها .
المقدمة الثالثة : إذا خلق الله العبد مختاراً ومكنه من الفعل و بين له طريق الحق ، ثم قام العبد باختياره بفعل القبيح الموجب للعقاب ، فهنا يوجد فعلان:
1ـ فعل الله تعالى وهو الخلق و إعطاء الاختيار من أجل عمل الخير .
2ـ فعل العبد ، وهو ارتكاب القبيح .
والأول لا قبح فيه ، فهل من القبيح أن يخلق الله الإنسان ويمن عليه بالوجود ويعطيه الاختيار ! و الثاني قبيح ويلام ويعاقب عليه العبد ، و هو لا يسند إلى الله وإنما إلى العبد ،لأنه صدر باختياره ، فالله تعالى بحسب الدقة لم صدر منه قبيح أصلاً لأنه وإن علم بأن العبد بعد التمكين سيرتكب القبيح إلا أن الله لم يمكنه لفعل القبيح ، والقبيح بعد صدوره ليس فعلاً لله.
الجواب الثاني: ويتكون من مقدمتين :
المقدمة الأولى : في حقيقة نظام الكون توجد نظريتان:
النظرية الأولى : هي التي ترى عدم وجود تربط لزومي بين الممكان ، وإنما العلاقة مباشرة بين الله وكل فرد ممكن .
النظرية الثانية : هي التي ترى وجود ترابط مبني على قانون العلية والسببة ، فالله تعالى وإن كان السبب الأول ، إلا أنه تعالى خلق الممكات وفق سلسلة أساب ومسببات ، وتغير موقع حلقة من حلاقات هذه السلسة يؤثر على الشكل العام لنظام الإمكان ، وقد يبدله من الأحسن إلى الحسن أو السيء.
والذي ينفعنا في هذا الجواب كون النظرية الثانية محتملة ولا يتوقف هذا الجواب على إثباتها .
المقدمة الثانية : هي أن عوالم الإمكان متعددة مترامية الأطرف ولا تنحصر في عالم آدم وذريته ، ولا أقل من احتمال ذلك ، ونحتمل أن في خلق الآدميين في عالمنا وفق نظام هذا العالم مخيرين ارتباطا بجميع هذه العوالم التي قد يكون بعضها في سلسة علل عالمنا أو في سلسلة ما يتفرع عليه ويتكامل منه أو يقع بعده كالبرزخ والقيامة ، بنحو لو لم يخلق هذا العالم بهذه الكيفية التي يسودها الاختيار لفسد النظام الجمعي ، ومع هذا الاحتمال لا يحكم العقل بقبح خلق الناس في هذا العالم مخيرين مع هلاك أكثرهم باختيارهم بدون جبر إلهي ما دام فيه تحقيق لمصلحة أهم وهي كمال النظام الجمعي للوجود ، وهذا يعنى أن مقتضى الحكمة والرحمة بالجميع لا ينافي خلق البشر بخيرين مع العلم بضلال الأكثر .
الجواب الثالث : وهو يتكون من مقدمتين:
المقدمة الأولى : هي أن للكثرة لحاظين:
الأول : اللحاظ الكمي .
الثاني : اللحاظ الكيفي.
و عدم الاهتمام بكثرة الكم مراعاة لكثرة الكيف قد يكون أمراً حكيماً و عقلائياً في كثير من الأحيان ، و يمكن أن نمثل لذلك بمن يتلف أطنان الحديد للظفر ببعض الماس ، أو يضحي بآلاف الجنود من أجل حفظ بعض العلماء ، أو يترك صداقة عشرات الأفراد ، لأجل فرد يمتاز عليهم في الصفات والسجايا.
المقدمة الثانية : هي أن الله تعالى خلق الخلق جميعاً للهداية والصلاح وبلوغ أعلى مراتب السعادة ، غير أن مقتضيات هذا العالم التي لا تنفك عنه تقتضي تفاوت قابلة الناس ، فإذا علم الله أن بلوغ بعض الأفراد المنتمين إلى هذا العالم ـ لا إلى عالم آخر كعالم الملائكة ـ إلى أعلى مراتب السعادة ممكن غير أن خلقهم بدون هذا النظام الذي يؤدي إلى انحرف أغلب الناس غير ممكن لأن هذا يعني خلق حقائق أخرى ، فإن العقل عنا لا يرى قبحاً في خلق العالم من أجل هؤلاء القلة ما دام انحرف الأغلب ينسب إليهم وهم الملامون عليه كما تقدكم في جواب سابق.
بعض الناس بسذاجة يقول : الله قادر على أن يخلق الخلق في غير هذا العالم التي تتفاوت فيه القابليات ، و قادر على أن لا يجعل فيهم شهوة توقعهم في الموبقات ، فماذا لم يفعل.
وقد غاب عن هؤلاء أن هذا فرض لخلق آخر غير خلق عالم الدنيا وقد فعل الله في عالم الملائكة وما فوقه من العوالم ، غير أن عموم الرحمة أقتضى أيضاً أن يكون المخلوق من تراب في أعلى مراتب التكامل ويفوق المخلوقات النورية ، ولهذا خلق هذا العالم ليكون دليلاً على عموم القدرة في جعل بعض الترابيين في أعلى مراتب القرب والسمو ويكفي هذا مبررا لخلق العالم وإن كان على حساب الكم الكثير الذي هو فرط باختياره بلا جبر منه تعالى.
إن سؤال هؤلاء الساذج نظير أن يقول شخص لماذا لم يجعل الرقم 2 بين 9 و 11 وجعل بين 1 و 3 ! إن تغيير مكان الرقم 2 يعني في سلسلة الأعداد تبد حقيقته وانقلابه فيما إذا جعل أن يكون بين 9 و 11 إلى الرقم 10 .
الجواب الرابع : يتكون من مقدمتين :
المقدمة الأولى : هي أن العقل والنقل يؤكدان على قبح معاقبة المعذور الذي خالف في القول والعمل مع عدم إلقاء الحجة عليه .
المقدمة الثاني : لو لم يتم جواب من الأجوبة المتقدمة وقلنا بأن انحراف أكثر الناس وعقابهم خلاف العناية والرحمة ، فيمكن أن يقال : بأن دليل الرحمة والعناية يثبتان لنا أن أغلب الناس معذورون في عدم إصابتهم للحق ، ولا يشكل انحرافهم إلى فترى قصيرة من مجموع حياتهم وهي فترة الدنيا فقط .
وعليه يمكن أن نحافظ على الرحمة والعناية و واقعية الدين وثباته ونخضع النصوص الدالة على أن أغلب الخلق مخلدون في النار ـ إن وجدت ـ للتأويل كسائر النصوص التي تتنافى وحكم العقل .
غير أنه لا تصل النوبة إلى هذا الوجه بعد تمام أحد الوجوه السابقة .
المقام الثاني : في جواب التساؤل الثاني وحاصله :
الله عظيم الشأن حكيم ( غير ) متناهي في قدرته لكن لماذا حين ضرب الأمثلة للدلالة على عظمته وعلو شأنه ضرب أمثلة بسيطة و استدل بذكر آيات من آيات خلقه بينة واضحة كاختياره للإبل و الزيتون والرمان والنخيل وهكذا رغم ما يملكه من مخلوقات دقيقه و عجيبة أكثر تعقيدا مما ذكر؟ أرجو شيخنا العزيز أن تكون استفساراتي واضحة وأبتهل إلى الله أن نستفيد من علمك؟
والجواب : يتضح بذكر أمور :
الأمر الأول : هو أن الله تعالى في كتابه نوّع الأدلة الدالة عليه وعلى قدرته وسائر صفاته .
ففي بعض الآيات استدل بالدليل العلمي المبتني على حساب احتمالات الرياضي ، كما في الآيات الآفاقية وحركة الأجرام السماوية وتدبير الخلق ، وفي بعض الآخر استدل بالبراهين العقلية كدليل الغنى وحدوث النفس .
الأمر الثاني : أي دليل من الأدلة له جانبان :
الجانب الأول : جانب ذات البرهان من حيث شكل المقدمات وترتيبها وبيان كيفية إيصالها إلى النتيجة.
الجانب الثاني : محتوى المقدمات والأمثلة المضروبة فيها .
والجانب الأول يكون ثابتاً سواء كان البرهان بسيطاً أو معقداً ، نعم الجانب الثاني ينبغي أن يختلف باختلاف المتلقي ، لأن الحكمة تقتضي أن يخاطب الناس على قدر عقولهم ، فمثلاً دليل حساب الاحتمالات ، يكن أن يطبق على حركة الكواكب الظاهرة ونمو النباتات والحيوانات ، وهو ما يمكن أن يشاهده ويدركه كل إنسان ، كما يمكن أن يطبق على الحمض النووي للأحياء وما يحتوي من تعقيد و تسلسل دقيق ، والدليل هو الدليل غير أن التطبيق والتمثيل اخلف و بهاختلف الدليل في السهولة والصعوبة .
الأمر الثالث: إن القرآن الكريم كتاب هدية لجمع الناس ، وليس لخصوص العلماء المتبحرين في الفلسفة والعلوم الأخرى ، و قد كان المخاطب الأول به المشركون في جزيرة العرب ، وقد كانوا من أفقر الناس ثقافياً ، ولم يطلعوا على كثير من مكتشفات عصرهم فصلاً عن مكتشفات الأزمنة المتأخرة ، عليه من الطبيعي أن يستخدم القرآن في آياته البراهين العالية والدقيقة ولكن ضمن تطبيقات صحيحة بسيطة يستوعبها عامة الناس ، وهذا من حكمة الله تعالى و إتقان القرآن بل إعجازه ، وهذا لا يعني أن الإنسان لم يذكر تطبيقات علمية دقيقة ، فإنه غير أن هذه الآيات يمكن أن يستوعبها البسيط ويدرك عمقها المتعمق الدقيق .
والحمد لله رب العالمين
No comments:
Post a Comment