Wednesday, May 13, 2015

طلاب العلوم الدينية والمخارج الشرعية

السؤال : ماهو تعريف المخرج الشرعي ؟ فقد اتهم البعض طلاب العلم بانهم يتلاعبون في الدين من خلال ما يسمى بالمخارج الشرعية !
الجواب : بِسْم الله الرحمن الرحيم 
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين :
حيث ان مراد السائل معرفة العناوين التي تسوِّغ تغير الحكم الشرعي بعد ثبوته ، فلابد اولا من تمهيد مقدمة بأسلوب مبسط لتتضح الفكرة :

المقدمة : الأحكام الشرعية تابعة للعناوين التي أخذت فيها بنحو اذا تغيرت تلك العناوين تتغير الأحكام ، وتسمى تلك العناوين موضوعات تارة و قيود أخرى ، و يمكن أن نمثل لذلك بحرمة الاكل في شهر رمضان على الصائم فإنها لا تكون فعلية الا اذا :
١- تحقق الموضوع وهو نهار شهر رمضان .
٢- و تحقق الشرط وهو البلوغ والحضر ( عدم السفرالموجب للقصر ) وسائر الشروط .
ثم ان المكلف لا يكون عاصيا بعد فعلية حرمة الاكل الا اذا حقق متعلق النهي وهو ( الاكل ) واما اذا حقق شيئا آخر كالتنفس ، فلا يعتبر عاصيا للنهي .
كما إن هناك عناوين ثانية ترد على الفعل وتوجب تغير حكمه مثل حرمة خروج المرأة من الدار بدون إذن الزوج فان هذا الخروج قد يكون مشروطا على الزوج في عقد النكاح ، فيجوز لها الخروج حينئذ بدون إذنه وذلك لورود عنوان ثانوي له حكم غير الحكم الثابت بالعنوان الأولي وهو عنوان الشرط ، والعناوين الثانوية كثيرة جدا .
اذا اتضحت هذه المقدمة ناتي الى جواب السؤال فنقول :
اذا تحققت جميع العناوين التي اخذها الشارع المقدس في الحكم الإلزامي ولم يكن هنالك عنوان ثانوي موجبا لتبدل الحكم ، فلا يجوز مخالفته بترك متعلق الامر او ارتكاب العنوان المتعلق به النهي ، نعم يجوز ذلك اذا تغير موضوع الحكم أو انتفى قيد من قيوده او تعنون بعنوان ثانوي مسوغ للمخالفة ، أو كان ما فعله المكلف لا ينطبق عليه متعلق النهي ، ويمكن ان نمثل لذلك بالامثلة التالية:
المثال الاول : تبدل المؤمن من عادل إلى فاسق متجاهر بالمعصية ، فانه يوجب ارتفاع حرمة غيبته لتبدل الموضوع فان موضوع حرمة الغيبة هو المؤمن غير الفاسق المتجاهر بالمعصية. 
المثال الثاني : طرو الحيض على المرأة في نهار شهر رمضان ، فإنه يوجب تبدل الحكم وارتفاع وجوب الصوم الأدائي ، لان من شروط وجوبه الطهارة من الحيض والنفاس وهذا الشرط منتفي.
المثال الثالث: أن يكون في الوضوء ضرر على المكلف ، فانه يوجب تبدل وظيفة المكلف من الطهارة المائية الى الترابية لعروض عنوان ثانوي على الوضوء يوجب ارتفاع حكمه .
المثال الرابع : ان يصل الى الجوف مع عدم صدق الاكل ما لو دخل في جوف الصائم عن طريق الحلق لأوجب الافطار ، كالمغذي عند بعض الاعلام ، فانه مع عدم صدق الاكل لا يكون مفطرا ، لان المفطر هو الاكل لا وجود المطعون في الجوف .
وعليه : اذا تمكن المكلف من التصرف في موضوعات الأحكام وقيودها او ان يعنونها بعنوان ثانوي موجب لرفع حكمها او ان لا يحقق العنوان الذي تعلق به النهي فهو بهذا يكون قادرًا على عدم الوقوع في مخالفة الحكم الشرعي اما لانه ارتفع لارتفاع موضوعه او لانه فعل شيئا آخر ليس متعلق النهي وهذا هو المخرج الشرعي الذي يستند الى مواد دستور الشرع نفسه ولا يصطدم معها ، فمثلا الحاضر في نهار شهر رمضان لا يجوز له الافطار مع تحقق جميع شروط الوجوب ، ولكن حيث ان الشارع أجاز الافطار للمسافر ولم يحرم على الحاضر في شهر مصان السفر ، فللمكلف ان يسافر ويفطر في سفره ، لانه بدل قيد الحكم وشرطه .
وكذلك من يريد أن يصل الى نتيجة ( الربا) وهي القرض مع الفائدة، فانه بامكانه ان يبدل المعاملة الى بيع او هدية بشرط القرض - كما يرى بعض الاعلام - ويتخلص من الحرمة ، وذلك لان عنوان متعلق الحرمة الربا وهو لم يرتكبه وإنما فعل البيع ، والبيع جائز وكذلك الهدية .
وكذلك من علم بانه سوف يملك اموالا سيحول عليها الحول ويجب فيها الخمس ، فانه بامكانه ان يقترض ويشتري أرضا مواتا ثم اذا ملك الأموال سدد بها القرض قبل الحول ولا خمس عليه اذا حال الحول عند بعض الاعلام ، وذلك لان موضوع الوجوب هو الربح الباقي الى الحول ، وهو لم يبق الربح شرعا وإنما صرفه في مؤنته وهي سدادالدين .
ومثلهم من أراد الحج الواجب وكان عليه دين يمنع من تحقق الاستطاعة كما هو راي بعض الاعلام ، فانه يمكنه ان يتوصل الى اشغال ذمته بالحج الواجب من خلال البذل ، فيكون مستطيعا بالاستطاعة البذلية ، وبهذا يكون قد استفاد من نفس نظام التشريع الاسلامي وسار وفق ضوابطه لرفع الحكم او وضعه ، وليس هذا من التلاعب في شيء .
حيدر السندي

No comments:

Post a Comment