بقلم : سماحة الشيح حيدر السندي (حفظه الله)
السؤال : كيف نرفع الإشكال عن الرواية التي فيها أن حميدة المصفاة (عليها السلام) أم الإمام الكاظم (صلوات الله وسلامه عليه) كان النخاس قبل انتقالها إلى الإمام الصادق ( صلوات الله وسلامه عليه ) يقعد منها مقاعد الرجال من المرأة؟ نرجو منكم الإجابة ، فقد صار هذا سبباً للتشنيع على الإمامية من بعض المخالفين.
الجواب : في البداية أنقل نص الرواية ثم أعلق بذكر بعض الأمور ، والرواية كما في الكافي ج 1 ص 488: عن الحسين بن محمد الأشعري ، عن معلى بن محمد ، عن علي بن السندي القمي قال : حدثنا عيسى بن عبد الرحمن ، عن أبيه قال : دخل ابن عكاشة بن محصن الأسدي على أبي جعفر وكان أبو عبد الله (عليه السلام) قائما عنده فقدم إليه عنبا ، فقال : حبة حبة يأكله الشيخ الكبير والصبي الصغير وثلاثة وأربعة يأكله من يظن أنه لا يشبع وكله حبتين حبتين ، فإنه يستحب فقال لأبي جعفر (عليه السلام) : لأي شئ لا تزوج أبا عبد الله فقد أدرك التزويج ؟ قال وبين يديه صرة مختومة فقال : أما إنه سيجيئ نخاس من أهل بربر فينزل دار ميمون ، فنشتري له بهذه الصرة جارية ، قال : فأتى لذلك ما أتى ، فدخلنا يوما على أبي جعفر (عليه السلام) فقال : ألا أخبركم عن النخاس الذي ذكرته لكم قد قدم ، فاذهبوا فاشتروا بهذه الصرة منه جارية ، قال : فأتينا النخاس فقال : قد بعت ما كان عندي إلا جاريتين مريضتين إحداهما أمثل من الأخرى ، قلنا : فأخرجهما حتى ننظر إليهما فأخرجهما ، فقلنا : بكم تبيعنا هذه المتماثلة قال : بسبعين دينارا قلنا أحسن قال : لا أنقص من سبعين دينار ، قلنا له نشتريها منك بهذه الصرة ما بلغت ولا ندري ما فيها وكان عنده رجل أبيض الرأس واللحية قال : فكوا وزنوا ، فقال النخاس : لا تفكوا فإنها إن نقصت حبة من سبعين دينارا لم أبايعكم فقال الشيخ : ادنوا ، فدنونا وفككنا الخاتم ووزنا الدنانير فإذا هي سبعون دينارا لا تزيد ولا تنقص فأخذنا الجارية فأدخلناها على أبي جعفر (عليه السلام) وجعفر قائم عنده فأخبرنا أبا جعفر بما كان ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال لها : ما اسمك ؟ قالت : حميدة ، فقال حميدة في الدنيا ، محمودة في الآخرة ، أخبريني عنك أبكر أنت أم ثيب ؟ قالت : بكر قال : وكيف ولا يقع في أيدي النخاسين شئ إلا أفسدوه ، فقالت : قد كان يجيئني فيقعد مني مقعد الرجل من المرأة فيسلط الله عليه رجلا أبيض الرأس واللحية فلا يزال يلطمه حتى يقوم عني ، ففعل بي مرارا وفعل الشيخ به مرارا فقال : يا جعفر خذها إليك فولدت خير أهل الأرض موسى بن جعفر (عليه السلام) .
وفي مقام التعليق أذكر أموراً :
الأمر الأول : الرواية ليست نقية السند ، فهي خبر واحد ، وفي حجية خبر الواحد في ثبوت مضمونها كلام بين الأعلام ، على أن الحجية للخبر الموثوق به ، ولا يوثق بهذا الخبر لجهات في سنده منها :
1ـ معلى بن محمد البصري ، وقد قال فيه النجاشي : (مضطرب الحديث والمذهب ) وقال فيه ابن الغضائري : (يعرف حديثه وينكر ويروي عن الضعفاء ويجوز أن يخرج شاهداً) ، وقيل بوثاقته لوقوعه في كامل الزيارات وتفسير علي بن إبراهيم، وفي كفاية ذلك في التوثيق بحث.
2ـ علي بن السندي ، وفي وثاقته استناداً إلى قول الكشي : ( نصر بن الصباح قال : علي بن إسماعيل ثقة وهو علي بن السندي لقب إسماعيل بالسندي) أو رواية محمد بن أحمد بن يحيى عنه مع عدم استثناء ابن الوليد إياه كلام ، وذهب السيد الخوئي (رحمه الله) إلى عدم ثبوت الوثاقة وفي تنقيح المقال للسيد الأبطحي :علي بن السندي ، فلم يثبت وثاقته إلا بأمور لا تخلو عن النظر . ج 2 ص21.
3ـ عيسى بن عبد الرحمان لم يوثق .
الأمر الثاني :لا خلاف عند الإمامة في عظم مقام أمهات المعصومين (عليهم السلام) فهن في أعلى مراتب النزاهة والتقوى والإخلاص ، والذي تدل عليه الروايات أن الله أختارهن وعاءاً لأوليائه ، ولم يكنَّ أمهات للمعصومين (عليهم السلام) اتفاقاً . فقد روى الصدوق بسنده عن هشام بن أحمد ، قال : قال أبو الحسن الأول ( عليه السلام ) : هل علمت أحدا من أهل المغرب قدم ؟ قلت : لا ، فقال ( عليه السلام ) : بلى ، قد قدم رجل أحمر ، فانطلق بنا ، فركب وركبنا معه حتى انتهينا إلى الرجل ، فإذا رجل من أهل المغرب معه رقيق ، فقال له : اعرض علينا ، فعرض علينا تسع جوار كل ذلك يقول أبو الحسن ( عليه السلام ) : لا حاجة لي فيها ، ثم قال له : اعرض علينا ، قال : ما عندي شئ ، فقال له : بلى اعرض علينا ، قال : لا والله ، ما عندي إلا جارية مريضة ، فقال له : ما عليك أن تعرضها ، فأبى عليه ، ثم انصرف ( عليه السلام ) ، ثم أرسلني من الغد إليه ، فقال لي : قل له : كم غايتك فيها ؟ فإذا قال : كذا وكذا فقل : قد أخذتها ، فأتيته ، فقال : ما أريد أن أنقصها من كذا ، فقلت : قد أخذتها ، وهو لك ، فقال : هي لك ، ولكن من الرجل الذي كان معك بالأمس ؟ فقلت : رجل من بني هاشم ، فقال : من أي بني هاشم ؟ فقلت : من نقبائهم ، فقال : أريد أكثر منه ، فقلت : ما عندي أكثر من هذا ، فقال : أخبرك عن هذه الوصيفة ، إني اشتريتها من أقصى بلاد المغرب ، فلقيتني امرأة من أهل الكتاب فقالت : ما هذه الوصيفة معك ؟ فقلت : اشتريتها لنفسي ، فقالت : ما ينبغي أن تكون هذه الوصيفة عند مثلك ، إن هذه الجارية ينبغي أن تكون عند خير أهل الأرض ، فلا تلبث عنده إلا قليلا حتى تلد منه غلاما يدين له شرق الأرض وغربها ، قال : فأتيته
بها ، فلم تلبث عنده إلا قليلا حتى ولدت له عليا ( عليه السلام ) .
ونقل المحدث القمي أنه الكاظم ( عليه السلام ) لما ابتاع أم الإمام الرضا ( عليه السلام) جمع قوما من أصحابه ثم قال : والله ما اشتريت هذه الأمة إلا بأمر الله )
روى الشيخ الطوسي بسنده عن محمد بن بحير بن سهل الشيباني أنه قال : قال بشر بن سليمان النخاس وهو من ولد أبي أيوب الأنصاري أحد موالي أبي الحسن وأبي محمد وجارهما بسر من رأى : أتاني كافور الخادم . فقال : مولانا أبو الحسن علي بن محمد العسكري يدعوك إليه ، فأتيته ، فلما جلست بين يديه قال لي : يا بشر إنك من ولد الأنصار ، وهذه الموالاة لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف ، وأنتم ثقاتنا أهل البيت ، وإني مزكيك ومشرفك بفضيلة تسبق بها الشيعة في الموالاة بسر أطلعك عليه ، وأنفذك في ابتياع أمة ، فكتب كتابا لطيفا بخط رومي ولغة رومية ، وطبع عليه خاتمه ، وأخرج شقيقة صفراء فيها مائتان وعشرون دينارا . فقال : خذها ، وتوجه بها إلى بغداد ، واحضر معبر الفرات ضحوة يوم كذا ، فإذا وصلت إلى جانبك زواريق السبايا وترى الجواري فيها ، ستجد طوايف المبتاعين من وكلاء قواد بني العباس ، وشرذمة من فتيان العرب ، فإذا رأيت ذلك فأشرف من البعد على المسمى عمر بن يزيد النخاس عامة نهارك ، إلى أن تبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا وكذا ، لابسة حريرين صفيقين ، تمتنع من العرض ولمس المعترض ، والانقياد لمن يحاول لمسها ، وتسمع صرخة رومية من وراء ستر رقيق ، فاعلم أنها تقول : وا هتك ستراه . فيقول بعض المبتاعين : علي ثلاثمائة دينار فقد زادني العفاف فيها رغبة ، فتقول بالعربية : لو برزت في زي سليمان بن داود ، وعلى شبه
ملكه ما بدت لي فيك رغبة ، فاشفق على مالك ، فيقول النخاس : فما الحيلة ؟ ! ولا بد من بيعك ، فتقول الجارية : وما العجلة ؟ ولا بد من اختيار مبتاع يسكن قلبي إليه وإلى وفائه وأمانته ، فعند ذلك قم إلى عمر بن يزيد النخاس ، وقل له : إن معك كتابا ملصقا لبعض الأشراف كتبه بلغة رومية وخط رومي ، ووصف فيه كرمه ، ووقاره ، ونبله ، وسخاءه ، فناولها لتتأمل منه أخلاق صاحبه ، فإن مالت إليه ورضيته فأنا وكيله في ابتياعها منك .
قال بشر بن سليمان : فامتثلت جميع ما حده لي مولاي أبو الحسن ( عليه السلام ) في أمر الجارية ، فلما نظرت في الكتاب بكت بكاء شديدا وقالت لعمر بن يزيد : بعني من صاحب هذا الكتاب وحلفت بالمحرجة والمغلظة إنه متى امتنع من بيعها منه قتلت نفسها ، فما زلت أشاحه في ثمنها حتى استقر الأمر فيه على مقدار ما كان أصحبنيه مولاي ( عليه السلام ) من الدنانير فاستوفاه ، وتسلمت الجارية ضاحكة مستبشرة ، وانصرفت بها إلى الحجيرة التي كنت آوي إليها ببغداد ، فما أخذها القرار حتى أخرجت كتاب مولانا ( عليه السلام ) من جيبها وهي تلثمه وتطبقه على جفنها وتضعه على خدها وتمسحه على بدنها . فقلت تعجبا منها : تلثمين كتابا لا تعرفين صاحبه ؟ ! فقالت : أيها العاجز الضعيف المعرفة بمحل أولاد الأنبياء ، أعرني سمعك وفرغ لي قلبك ، أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم ، وأمي من ولد الحواريين ، تنسب إلى وصي المسيح شمعون أنبئك العجب .
وإن السيدة الطاهرة حميدة المصفاة أم مولانا الكاظم (عليه السلام) كسائر أمهات الأمة في العفة والطهارة وعلو المنزلة و الدرجة في تعلق الاختيار الإلهي بها لتكون من معدات ظهور أنوار المعصومين (عليهم السلام ) في هذه النشأة ، وهو ما تدل عليه رواية الكافي بصورة جلية فقد جاء فيها أن الإمام الباقر (عليه السلام) قال : (أما إنه سيجيئ نخاس من أهل بربر فينزل دار ميمون ، فنشتري له بهذه الصرة جارية ، قال : فأتى لذلك ما أتى ، فدخلنا يوما على أبي جعفر (عليه السلام) فقال : ألا أخبركم عن النخاس الذي ذكرته لكم قد قدم ، فاذهبوا فاشتروا بهذه الصرة منه جارية ، قال : فأتينا النخاس فقال : قد بعت ما كان عندي إلا جاريتين مريضتين إحداهما أمثل من الأخرى ، قلنا : فأخرجهما حتى ننظر إليهما فأخرجهما ، فقلنا : بكم تبيعنا هذه المتماثلة قال : بسبعين دينارا قلنا أحسن قال: لا أنقص من سبعين دينار ، قلنا له نشتريها منك بهذه الصرة ما بلغت ولا ندري ما فيها وكان عنده رجل أبيض الرأس واللحية قال : فكوا وزنوا ، فقال النخاس : لا تفكوا فإنها إن نقصت حبة من سبعين دينارا لم أبايعكم فقال الشيخ : ادنوا ، فدنونا وفككنا الخاتم ووزنا الدنانير فإذا هي سبعون دينارا لا تزيد ولا تنقص فأخذنا الجارية فأدخلناها على أبي جعفر (عليه السلام) وجعفر قائم عنده فأخبرنا أبا جعفر بما كان ، فحمد الله وأثنى عليه) .
يقول الإمام الصادق (عليه السلام) في مقام بيان فضلها وعظم قدرها frown emoticon حميدة مصفاة من الأدناس ، كسبيكة الذهب ، ما زالت الأملاك تحرسها حتى أديت إلي ، كرامة من الله لي والحجة من بعدي ).
وهذا الحفظ الإلهي هو الذي دل عليه ذيل رواية الكافي فقل قال الإمام الباقي ( عليه السلام ) في وصفها : (حميدة في الدنيا ، محمودة في الآخرة) ثم سألها : ( أخبريني عنك أبكر أنت أم ثيب ؟ ) فقالت : بكر قال : وكيف ولا يقع في أيدي النخاسين شئ إلا أفسدوه ، فقالت : قد كان يجيئني فيقعد مني مقعد الرجل من المرأة فيسلط الله عليه رجلا أبيض الرأس واللحية فلا يزال يلطمه حتى يقوم عني ، ففعل بي مرارا وفعل الشيخ به مرارا).
بل إن في بعض الروايات ما يدل على حفظ أمهات الأئمة (عليهم السلام) حتى عن بعض الأمور الطبيعية التي تراها بنات جنسها كالحيض والنفاس ، فقد نقل الشيخ الصدوق في كمال الدين ص 433: عن محمد بن عثمان العمري - قدس الله روحه - أنه قال : ولد السيد (عليه السلام) مختونا ، وسمعت حكيمة تقول : لم ير بأمه دم في نفاسها ، وهكذا سبيل أمهات الأئمة (عليهم السلام) .
في تاج المواليد للشيخ الطوسي ص 20 : وقد لقبها النبي (صلى الله عليه وآله) وسلم سيدة نساء العالمين وقد دعيها أيضا بتولا ، فسئل (صلوات الله عليه) عن معناه فقال : هي المرأة التي لم تحض ولم تر حمرة قط وان الحيض مكروه في بنات الأنبياء (عليهم السلام) وقد روى عنهم (عليهم السلام) أن سبيل أمهات الأئمة (عليهم السلام) سبيل فاطمة (عليها السلام) في ارتفاع الحيض عنهن . وهذا مما تميزت به أمها أئمتنا (عليهم السلام) من سائر النساء لأنه لم يصح في واحدة من جميع النساء حصول الولادة مع ارتفاع الحيض عنها سواهن تخصيصا لهن لمكان أولادهن المعصومين (صلوات الله عليهم أجمعين) .
الأمر الثالث : هو أن من عقيدتنا نحن الشيعة عصمة النبي و الإمام (عليهما السلام) والعصمة بمقتضى دليل العقل تعني خلوص النبي والمعصوم ( عليهما السلام) من نواقض الغرض من جعله نبياً أو إماماً ، ومنها ما يوجب مهانته وحقارة منزلته و نفرة الناس منه الموجبة لعدم إتباعه للهدي الذي يدعو إليه ، وإن وضاعة النسب وعهر الأمهات من أعظم المنفرات التي ننزه المعصومين عنها ، ولهذا ورد مستفيضاً أنهم كانوا (عليهم السلام ) في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة .
وليس مما نعتقد عصمة المعصومين عن أسر أمهاتهم ، وكونهن ملكاً بحسب الظاهر لغير المعصوم ، ثم جريان بعض الأمور الجائزة للمالك شرعاً كالنظر واللمس ، بل وغير الجائز إذا كان واقعاً بغير الاختيار إلا ما دل العقل و النقل على أن الله تعالى حفظهن منه كرامة لهن ولأولادهن كالوطء و نحوه .
و ما في الرواية ـ وهو فقرة (قد كان يجيئني فيقعد مني مقعد الرجل من المرأة فيسلط الله عليه رجلا أبيض الرأس واللحية فلا يزال يلطمه حتى يقوم عني ، ففعل بي مرارا وفعل الشيخ به مرارا) ـ ليس إلا تصرف من مالك يجوز له بحسب ظاهر الشرع ، إلا أن الله تعالى مالك الملك منعه تكويناً من أن يترتب عليه الوطء تعظيماً للمعصوم وتكريماً لأمه المعظمة (عليهما السلام) فأي قدح وتنقيص في ذلك كما يزعم المخالف!!
الأمر الرابع : لا يحق للمخالف أن يتهمنا استناداً إلى رواية ضعيفة ـ كما تبين سابقاً ـ بأننا ننتقص من قدر أمهات الأئمة (علهم السلام) ، ولو كان لأحد أن يشنع فهو للشيعي لما ورد في أصح الكتب عند المخالفين فقد أخرج مسلم في كتابه برقم الحديث: 4378 : وحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ ، أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَام قَطُّ ، إِلَّا ثَلَاثَ كَذَبَاتٍ ، ثِنْتَيْنِ فِي ذَاتِ اللَّهِ ، قَوْلُهُ : إِنِّي سَقِيمٌ سورة الصافات آية 89 ، وَقَوْلُهُ : بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا سورة الأنبياء آية 63 ، وَوَاحِدَةٌ فِي شَأْنِ سَارَةَ ، فَإِنَّهُ قَدِمَ أَرْضَ جَبَّارٍ ، وَمَعَهُ سَارَةُ ، وَكَانَتْ أَحْسَنَ النَّاسِ ، فَقَالَ لَهَا : إِنَّ هَذَا الْجَبَّارَ إِنْ يَعْلَمْ أَنَّكِ امْرَأَتِي ، يَغْلِبْنِي عَلَيْكِ ، فَإِنْ سَأَلَكِ ، فَأَخْبِرِيهِ أَنَّكِ أُخْتِي ، فَإِنَّكِ أُخْتِي فِي الْإِسْلَامِ ، فَإِنِّي لَا أَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ مُسْلِمًا غَيْرِي وَغَيْرَكِ ، فَلَمَّا دَخَلَ أَرْضَهُ ، رَآهَا بَعْضُ أَهْلِ الْجَبَّارِ أَتَاهُ ، فَقَالَ لَهُ : لَقَدْ قَدِمَ أَرْضَكَ امْرَأَةٌ ، لَا يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَكُونَ إِلَّا لَكَ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا ، فَأُتِيَ بِهَا ، فَقَامَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْه السَّلَام إِلَى الصَّلَاةِ ، فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ ، لَمْ يَتَمَالَكْ أَنْ بَسَطَ يَدَهُ إِلَيْهَا ، فَقُبِضَتْ يَدُهُ قَبْضَةً شَدِيدَةً ، فَقَالَ لَهَا : ادْعِي اللَّهَ أَنْ يُطْلِقَ يَدِي ، وَلَا أَضُرُّكِ ، فَفَعَلَتْ ، فَعَادَ ، فَقُبِضَتْ أَشَدَّ مِنَ الْقَبْضَةِ الْأُولَى ، فَقَالَ لَهَا مِثْلَ ذَلِكَ ، فَفَعَلَتْ ، فَعَادَ ، فَقُبِضَتْ أَشَدَّ مِنَ الْقَبْضَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ ، فَقَالَ : ادْعِي اللَّهَ أَنْ يُطْلِقَ يَدِي ، فَلَكِ اللَّهَ أَنْ لَا أَضُرَّكِ ، فَفَعَلَتْ ، وَأُطْلِقَتْ يَدُهُ ، وَدَعَا الَّذِي جَاءَ بِهَا ، فَقَالَ لَهُ : إِنَّكَ إِنَّمَا أَتَيْتَنِي بِشَيْطَانٍ ، وَلَمْ تَأْتِنِي بِإِنْسَانٍ ، فَأَخْرِجْهَا مِنْ أَرْضِي ، وَأَعْطِهَا هَاجَرَ ، قَالَ : فَأَقْبَلَتْ تَمْشِي ، فَلَمَّا رَآهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام ، انْصَرَفَ ، فَقَالَ لَهَا : مَهْيَمْ ؟ قَالَتْ : خَيْرًا ، كَفَّ اللَّهُ يَدَ الْفَاجِرِ ، وَأَخْدَمَ خَادِمًا " ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : فَتِلْكَ أُمُّكُمْ يَا بَنِي مَاءِ السَّمَاءِ) .
فإن في هذه الرواية أن نبي الله إبراهيم ( عليه السلام) ـ حاشاه ـ كذب ولم ينفعه كذبه حيث استولى الظالم على زوجته وليس هذا جائزاً له ، ومد يده إليها مراراً طالباً ما يطلبه الرجل من المرأة وكان الله تعالى يمنعه ، فمع وجود مثل هذا في كتبهم وبسند صحيح عندهم ومع أم نبي كانت ذات بعل كذب زوجها النبي ليخلص نفسه من أن يغلبه الظالم ومع ذلك استولى عليها الظالم ومد يده اليها ، ينبغي عليهم أن يخجلوا ولا يشنعوا استناداً إلى رواية ضعيفة واردة في أم الإمام الكاظم (عليهما السلام).
والحمد لله رب العالمين
السؤال : كيف نرفع الإشكال عن الرواية التي فيها أن حميدة المصفاة (عليها السلام) أم الإمام الكاظم (صلوات الله وسلامه عليه) كان النخاس قبل انتقالها إلى الإمام الصادق ( صلوات الله وسلامه عليه ) يقعد منها مقاعد الرجال من المرأة؟ نرجو منكم الإجابة ، فقد صار هذا سبباً للتشنيع على الإمامية من بعض المخالفين.
الجواب : في البداية أنقل نص الرواية ثم أعلق بذكر بعض الأمور ، والرواية كما في الكافي ج 1 ص 488: عن الحسين بن محمد الأشعري ، عن معلى بن محمد ، عن علي بن السندي القمي قال : حدثنا عيسى بن عبد الرحمن ، عن أبيه قال : دخل ابن عكاشة بن محصن الأسدي على أبي جعفر وكان أبو عبد الله (عليه السلام) قائما عنده فقدم إليه عنبا ، فقال : حبة حبة يأكله الشيخ الكبير والصبي الصغير وثلاثة وأربعة يأكله من يظن أنه لا يشبع وكله حبتين حبتين ، فإنه يستحب فقال لأبي جعفر (عليه السلام) : لأي شئ لا تزوج أبا عبد الله فقد أدرك التزويج ؟ قال وبين يديه صرة مختومة فقال : أما إنه سيجيئ نخاس من أهل بربر فينزل دار ميمون ، فنشتري له بهذه الصرة جارية ، قال : فأتى لذلك ما أتى ، فدخلنا يوما على أبي جعفر (عليه السلام) فقال : ألا أخبركم عن النخاس الذي ذكرته لكم قد قدم ، فاذهبوا فاشتروا بهذه الصرة منه جارية ، قال : فأتينا النخاس فقال : قد بعت ما كان عندي إلا جاريتين مريضتين إحداهما أمثل من الأخرى ، قلنا : فأخرجهما حتى ننظر إليهما فأخرجهما ، فقلنا : بكم تبيعنا هذه المتماثلة قال : بسبعين دينارا قلنا أحسن قال : لا أنقص من سبعين دينار ، قلنا له نشتريها منك بهذه الصرة ما بلغت ولا ندري ما فيها وكان عنده رجل أبيض الرأس واللحية قال : فكوا وزنوا ، فقال النخاس : لا تفكوا فإنها إن نقصت حبة من سبعين دينارا لم أبايعكم فقال الشيخ : ادنوا ، فدنونا وفككنا الخاتم ووزنا الدنانير فإذا هي سبعون دينارا لا تزيد ولا تنقص فأخذنا الجارية فأدخلناها على أبي جعفر (عليه السلام) وجعفر قائم عنده فأخبرنا أبا جعفر بما كان ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال لها : ما اسمك ؟ قالت : حميدة ، فقال حميدة في الدنيا ، محمودة في الآخرة ، أخبريني عنك أبكر أنت أم ثيب ؟ قالت : بكر قال : وكيف ولا يقع في أيدي النخاسين شئ إلا أفسدوه ، فقالت : قد كان يجيئني فيقعد مني مقعد الرجل من المرأة فيسلط الله عليه رجلا أبيض الرأس واللحية فلا يزال يلطمه حتى يقوم عني ، ففعل بي مرارا وفعل الشيخ به مرارا فقال : يا جعفر خذها إليك فولدت خير أهل الأرض موسى بن جعفر (عليه السلام) .
وفي مقام التعليق أذكر أموراً :
الأمر الأول : الرواية ليست نقية السند ، فهي خبر واحد ، وفي حجية خبر الواحد في ثبوت مضمونها كلام بين الأعلام ، على أن الحجية للخبر الموثوق به ، ولا يوثق بهذا الخبر لجهات في سنده منها :
1ـ معلى بن محمد البصري ، وقد قال فيه النجاشي : (مضطرب الحديث والمذهب ) وقال فيه ابن الغضائري : (يعرف حديثه وينكر ويروي عن الضعفاء ويجوز أن يخرج شاهداً) ، وقيل بوثاقته لوقوعه في كامل الزيارات وتفسير علي بن إبراهيم، وفي كفاية ذلك في التوثيق بحث.
2ـ علي بن السندي ، وفي وثاقته استناداً إلى قول الكشي : ( نصر بن الصباح قال : علي بن إسماعيل ثقة وهو علي بن السندي لقب إسماعيل بالسندي) أو رواية محمد بن أحمد بن يحيى عنه مع عدم استثناء ابن الوليد إياه كلام ، وذهب السيد الخوئي (رحمه الله) إلى عدم ثبوت الوثاقة وفي تنقيح المقال للسيد الأبطحي :علي بن السندي ، فلم يثبت وثاقته إلا بأمور لا تخلو عن النظر . ج 2 ص21.
3ـ عيسى بن عبد الرحمان لم يوثق .
الأمر الثاني :لا خلاف عند الإمامة في عظم مقام أمهات المعصومين (عليهم السلام) فهن في أعلى مراتب النزاهة والتقوى والإخلاص ، والذي تدل عليه الروايات أن الله أختارهن وعاءاً لأوليائه ، ولم يكنَّ أمهات للمعصومين (عليهم السلام) اتفاقاً . فقد روى الصدوق بسنده عن هشام بن أحمد ، قال : قال أبو الحسن الأول ( عليه السلام ) : هل علمت أحدا من أهل المغرب قدم ؟ قلت : لا ، فقال ( عليه السلام ) : بلى ، قد قدم رجل أحمر ، فانطلق بنا ، فركب وركبنا معه حتى انتهينا إلى الرجل ، فإذا رجل من أهل المغرب معه رقيق ، فقال له : اعرض علينا ، فعرض علينا تسع جوار كل ذلك يقول أبو الحسن ( عليه السلام ) : لا حاجة لي فيها ، ثم قال له : اعرض علينا ، قال : ما عندي شئ ، فقال له : بلى اعرض علينا ، قال : لا والله ، ما عندي إلا جارية مريضة ، فقال له : ما عليك أن تعرضها ، فأبى عليه ، ثم انصرف ( عليه السلام ) ، ثم أرسلني من الغد إليه ، فقال لي : قل له : كم غايتك فيها ؟ فإذا قال : كذا وكذا فقل : قد أخذتها ، فأتيته ، فقال : ما أريد أن أنقصها من كذا ، فقلت : قد أخذتها ، وهو لك ، فقال : هي لك ، ولكن من الرجل الذي كان معك بالأمس ؟ فقلت : رجل من بني هاشم ، فقال : من أي بني هاشم ؟ فقلت : من نقبائهم ، فقال : أريد أكثر منه ، فقلت : ما عندي أكثر من هذا ، فقال : أخبرك عن هذه الوصيفة ، إني اشتريتها من أقصى بلاد المغرب ، فلقيتني امرأة من أهل الكتاب فقالت : ما هذه الوصيفة معك ؟ فقلت : اشتريتها لنفسي ، فقالت : ما ينبغي أن تكون هذه الوصيفة عند مثلك ، إن هذه الجارية ينبغي أن تكون عند خير أهل الأرض ، فلا تلبث عنده إلا قليلا حتى تلد منه غلاما يدين له شرق الأرض وغربها ، قال : فأتيته
بها ، فلم تلبث عنده إلا قليلا حتى ولدت له عليا ( عليه السلام ) .
ونقل المحدث القمي أنه الكاظم ( عليه السلام ) لما ابتاع أم الإمام الرضا ( عليه السلام) جمع قوما من أصحابه ثم قال : والله ما اشتريت هذه الأمة إلا بأمر الله )
روى الشيخ الطوسي بسنده عن محمد بن بحير بن سهل الشيباني أنه قال : قال بشر بن سليمان النخاس وهو من ولد أبي أيوب الأنصاري أحد موالي أبي الحسن وأبي محمد وجارهما بسر من رأى : أتاني كافور الخادم . فقال : مولانا أبو الحسن علي بن محمد العسكري يدعوك إليه ، فأتيته ، فلما جلست بين يديه قال لي : يا بشر إنك من ولد الأنصار ، وهذه الموالاة لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف ، وأنتم ثقاتنا أهل البيت ، وإني مزكيك ومشرفك بفضيلة تسبق بها الشيعة في الموالاة بسر أطلعك عليه ، وأنفذك في ابتياع أمة ، فكتب كتابا لطيفا بخط رومي ولغة رومية ، وطبع عليه خاتمه ، وأخرج شقيقة صفراء فيها مائتان وعشرون دينارا . فقال : خذها ، وتوجه بها إلى بغداد ، واحضر معبر الفرات ضحوة يوم كذا ، فإذا وصلت إلى جانبك زواريق السبايا وترى الجواري فيها ، ستجد طوايف المبتاعين من وكلاء قواد بني العباس ، وشرذمة من فتيان العرب ، فإذا رأيت ذلك فأشرف من البعد على المسمى عمر بن يزيد النخاس عامة نهارك ، إلى أن تبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا وكذا ، لابسة حريرين صفيقين ، تمتنع من العرض ولمس المعترض ، والانقياد لمن يحاول لمسها ، وتسمع صرخة رومية من وراء ستر رقيق ، فاعلم أنها تقول : وا هتك ستراه . فيقول بعض المبتاعين : علي ثلاثمائة دينار فقد زادني العفاف فيها رغبة ، فتقول بالعربية : لو برزت في زي سليمان بن داود ، وعلى شبه
ملكه ما بدت لي فيك رغبة ، فاشفق على مالك ، فيقول النخاس : فما الحيلة ؟ ! ولا بد من بيعك ، فتقول الجارية : وما العجلة ؟ ولا بد من اختيار مبتاع يسكن قلبي إليه وإلى وفائه وأمانته ، فعند ذلك قم إلى عمر بن يزيد النخاس ، وقل له : إن معك كتابا ملصقا لبعض الأشراف كتبه بلغة رومية وخط رومي ، ووصف فيه كرمه ، ووقاره ، ونبله ، وسخاءه ، فناولها لتتأمل منه أخلاق صاحبه ، فإن مالت إليه ورضيته فأنا وكيله في ابتياعها منك .
قال بشر بن سليمان : فامتثلت جميع ما حده لي مولاي أبو الحسن ( عليه السلام ) في أمر الجارية ، فلما نظرت في الكتاب بكت بكاء شديدا وقالت لعمر بن يزيد : بعني من صاحب هذا الكتاب وحلفت بالمحرجة والمغلظة إنه متى امتنع من بيعها منه قتلت نفسها ، فما زلت أشاحه في ثمنها حتى استقر الأمر فيه على مقدار ما كان أصحبنيه مولاي ( عليه السلام ) من الدنانير فاستوفاه ، وتسلمت الجارية ضاحكة مستبشرة ، وانصرفت بها إلى الحجيرة التي كنت آوي إليها ببغداد ، فما أخذها القرار حتى أخرجت كتاب مولانا ( عليه السلام ) من جيبها وهي تلثمه وتطبقه على جفنها وتضعه على خدها وتمسحه على بدنها . فقلت تعجبا منها : تلثمين كتابا لا تعرفين صاحبه ؟ ! فقالت : أيها العاجز الضعيف المعرفة بمحل أولاد الأنبياء ، أعرني سمعك وفرغ لي قلبك ، أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم ، وأمي من ولد الحواريين ، تنسب إلى وصي المسيح شمعون أنبئك العجب .
وإن السيدة الطاهرة حميدة المصفاة أم مولانا الكاظم (عليه السلام) كسائر أمهات الأمة في العفة والطهارة وعلو المنزلة و الدرجة في تعلق الاختيار الإلهي بها لتكون من معدات ظهور أنوار المعصومين (عليهم السلام ) في هذه النشأة ، وهو ما تدل عليه رواية الكافي بصورة جلية فقد جاء فيها أن الإمام الباقر (عليه السلام) قال : (أما إنه سيجيئ نخاس من أهل بربر فينزل دار ميمون ، فنشتري له بهذه الصرة جارية ، قال : فأتى لذلك ما أتى ، فدخلنا يوما على أبي جعفر (عليه السلام) فقال : ألا أخبركم عن النخاس الذي ذكرته لكم قد قدم ، فاذهبوا فاشتروا بهذه الصرة منه جارية ، قال : فأتينا النخاس فقال : قد بعت ما كان عندي إلا جاريتين مريضتين إحداهما أمثل من الأخرى ، قلنا : فأخرجهما حتى ننظر إليهما فأخرجهما ، فقلنا : بكم تبيعنا هذه المتماثلة قال : بسبعين دينارا قلنا أحسن قال: لا أنقص من سبعين دينار ، قلنا له نشتريها منك بهذه الصرة ما بلغت ولا ندري ما فيها وكان عنده رجل أبيض الرأس واللحية قال : فكوا وزنوا ، فقال النخاس : لا تفكوا فإنها إن نقصت حبة من سبعين دينارا لم أبايعكم فقال الشيخ : ادنوا ، فدنونا وفككنا الخاتم ووزنا الدنانير فإذا هي سبعون دينارا لا تزيد ولا تنقص فأخذنا الجارية فأدخلناها على أبي جعفر (عليه السلام) وجعفر قائم عنده فأخبرنا أبا جعفر بما كان ، فحمد الله وأثنى عليه) .
يقول الإمام الصادق (عليه السلام) في مقام بيان فضلها وعظم قدرها frown emoticon حميدة مصفاة من الأدناس ، كسبيكة الذهب ، ما زالت الأملاك تحرسها حتى أديت إلي ، كرامة من الله لي والحجة من بعدي ).
وهذا الحفظ الإلهي هو الذي دل عليه ذيل رواية الكافي فقل قال الإمام الباقي ( عليه السلام ) في وصفها : (حميدة في الدنيا ، محمودة في الآخرة) ثم سألها : ( أخبريني عنك أبكر أنت أم ثيب ؟ ) فقالت : بكر قال : وكيف ولا يقع في أيدي النخاسين شئ إلا أفسدوه ، فقالت : قد كان يجيئني فيقعد مني مقعد الرجل من المرأة فيسلط الله عليه رجلا أبيض الرأس واللحية فلا يزال يلطمه حتى يقوم عني ، ففعل بي مرارا وفعل الشيخ به مرارا).
بل إن في بعض الروايات ما يدل على حفظ أمهات الأئمة (عليهم السلام) حتى عن بعض الأمور الطبيعية التي تراها بنات جنسها كالحيض والنفاس ، فقد نقل الشيخ الصدوق في كمال الدين ص 433: عن محمد بن عثمان العمري - قدس الله روحه - أنه قال : ولد السيد (عليه السلام) مختونا ، وسمعت حكيمة تقول : لم ير بأمه دم في نفاسها ، وهكذا سبيل أمهات الأئمة (عليهم السلام) .
في تاج المواليد للشيخ الطوسي ص 20 : وقد لقبها النبي (صلى الله عليه وآله) وسلم سيدة نساء العالمين وقد دعيها أيضا بتولا ، فسئل (صلوات الله عليه) عن معناه فقال : هي المرأة التي لم تحض ولم تر حمرة قط وان الحيض مكروه في بنات الأنبياء (عليهم السلام) وقد روى عنهم (عليهم السلام) أن سبيل أمهات الأئمة (عليهم السلام) سبيل فاطمة (عليها السلام) في ارتفاع الحيض عنهن . وهذا مما تميزت به أمها أئمتنا (عليهم السلام) من سائر النساء لأنه لم يصح في واحدة من جميع النساء حصول الولادة مع ارتفاع الحيض عنها سواهن تخصيصا لهن لمكان أولادهن المعصومين (صلوات الله عليهم أجمعين) .
الأمر الثالث : هو أن من عقيدتنا نحن الشيعة عصمة النبي و الإمام (عليهما السلام) والعصمة بمقتضى دليل العقل تعني خلوص النبي والمعصوم ( عليهما السلام) من نواقض الغرض من جعله نبياً أو إماماً ، ومنها ما يوجب مهانته وحقارة منزلته و نفرة الناس منه الموجبة لعدم إتباعه للهدي الذي يدعو إليه ، وإن وضاعة النسب وعهر الأمهات من أعظم المنفرات التي ننزه المعصومين عنها ، ولهذا ورد مستفيضاً أنهم كانوا (عليهم السلام ) في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة .
وليس مما نعتقد عصمة المعصومين عن أسر أمهاتهم ، وكونهن ملكاً بحسب الظاهر لغير المعصوم ، ثم جريان بعض الأمور الجائزة للمالك شرعاً كالنظر واللمس ، بل وغير الجائز إذا كان واقعاً بغير الاختيار إلا ما دل العقل و النقل على أن الله تعالى حفظهن منه كرامة لهن ولأولادهن كالوطء و نحوه .
و ما في الرواية ـ وهو فقرة (قد كان يجيئني فيقعد مني مقعد الرجل من المرأة فيسلط الله عليه رجلا أبيض الرأس واللحية فلا يزال يلطمه حتى يقوم عني ، ففعل بي مرارا وفعل الشيخ به مرارا) ـ ليس إلا تصرف من مالك يجوز له بحسب ظاهر الشرع ، إلا أن الله تعالى مالك الملك منعه تكويناً من أن يترتب عليه الوطء تعظيماً للمعصوم وتكريماً لأمه المعظمة (عليهما السلام) فأي قدح وتنقيص في ذلك كما يزعم المخالف!!
الأمر الرابع : لا يحق للمخالف أن يتهمنا استناداً إلى رواية ضعيفة ـ كما تبين سابقاً ـ بأننا ننتقص من قدر أمهات الأئمة (علهم السلام) ، ولو كان لأحد أن يشنع فهو للشيعي لما ورد في أصح الكتب عند المخالفين فقد أخرج مسلم في كتابه برقم الحديث: 4378 : وحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ ، أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَام قَطُّ ، إِلَّا ثَلَاثَ كَذَبَاتٍ ، ثِنْتَيْنِ فِي ذَاتِ اللَّهِ ، قَوْلُهُ : إِنِّي سَقِيمٌ سورة الصافات آية 89 ، وَقَوْلُهُ : بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا سورة الأنبياء آية 63 ، وَوَاحِدَةٌ فِي شَأْنِ سَارَةَ ، فَإِنَّهُ قَدِمَ أَرْضَ جَبَّارٍ ، وَمَعَهُ سَارَةُ ، وَكَانَتْ أَحْسَنَ النَّاسِ ، فَقَالَ لَهَا : إِنَّ هَذَا الْجَبَّارَ إِنْ يَعْلَمْ أَنَّكِ امْرَأَتِي ، يَغْلِبْنِي عَلَيْكِ ، فَإِنْ سَأَلَكِ ، فَأَخْبِرِيهِ أَنَّكِ أُخْتِي ، فَإِنَّكِ أُخْتِي فِي الْإِسْلَامِ ، فَإِنِّي لَا أَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ مُسْلِمًا غَيْرِي وَغَيْرَكِ ، فَلَمَّا دَخَلَ أَرْضَهُ ، رَآهَا بَعْضُ أَهْلِ الْجَبَّارِ أَتَاهُ ، فَقَالَ لَهُ : لَقَدْ قَدِمَ أَرْضَكَ امْرَأَةٌ ، لَا يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَكُونَ إِلَّا لَكَ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا ، فَأُتِيَ بِهَا ، فَقَامَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْه السَّلَام إِلَى الصَّلَاةِ ، فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ ، لَمْ يَتَمَالَكْ أَنْ بَسَطَ يَدَهُ إِلَيْهَا ، فَقُبِضَتْ يَدُهُ قَبْضَةً شَدِيدَةً ، فَقَالَ لَهَا : ادْعِي اللَّهَ أَنْ يُطْلِقَ يَدِي ، وَلَا أَضُرُّكِ ، فَفَعَلَتْ ، فَعَادَ ، فَقُبِضَتْ أَشَدَّ مِنَ الْقَبْضَةِ الْأُولَى ، فَقَالَ لَهَا مِثْلَ ذَلِكَ ، فَفَعَلَتْ ، فَعَادَ ، فَقُبِضَتْ أَشَدَّ مِنَ الْقَبْضَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ ، فَقَالَ : ادْعِي اللَّهَ أَنْ يُطْلِقَ يَدِي ، فَلَكِ اللَّهَ أَنْ لَا أَضُرَّكِ ، فَفَعَلَتْ ، وَأُطْلِقَتْ يَدُهُ ، وَدَعَا الَّذِي جَاءَ بِهَا ، فَقَالَ لَهُ : إِنَّكَ إِنَّمَا أَتَيْتَنِي بِشَيْطَانٍ ، وَلَمْ تَأْتِنِي بِإِنْسَانٍ ، فَأَخْرِجْهَا مِنْ أَرْضِي ، وَأَعْطِهَا هَاجَرَ ، قَالَ : فَأَقْبَلَتْ تَمْشِي ، فَلَمَّا رَآهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام ، انْصَرَفَ ، فَقَالَ لَهَا : مَهْيَمْ ؟ قَالَتْ : خَيْرًا ، كَفَّ اللَّهُ يَدَ الْفَاجِرِ ، وَأَخْدَمَ خَادِمًا " ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : فَتِلْكَ أُمُّكُمْ يَا بَنِي مَاءِ السَّمَاءِ) .
فإن في هذه الرواية أن نبي الله إبراهيم ( عليه السلام) ـ حاشاه ـ كذب ولم ينفعه كذبه حيث استولى الظالم على زوجته وليس هذا جائزاً له ، ومد يده إليها مراراً طالباً ما يطلبه الرجل من المرأة وكان الله تعالى يمنعه ، فمع وجود مثل هذا في كتبهم وبسند صحيح عندهم ومع أم نبي كانت ذات بعل كذب زوجها النبي ليخلص نفسه من أن يغلبه الظالم ومع ذلك استولى عليها الظالم ومد يده اليها ، ينبغي عليهم أن يخجلوا ولا يشنعوا استناداً إلى رواية ضعيفة واردة في أم الإمام الكاظم (عليهما السلام).
والحمد لله رب العالمين
No comments:
Post a Comment