كتب لي احد الاصدقاء معبرا عما يشعر في داخله من ألم اتجاه ما يشاهده من صراع ثقافي صير المشهد العام أشبه بفوضى شديدة الاضطراب فقال فيما قال : ( افضل ان اكون مع البسطاء و السذج لوحدة الصف ، و الانفتاح على الاخرين ، خيرا من اكون مع البُخص من حماة العقيدة الذين يتبوتقون في - أطر - هم من سطروها و فصلوها على مقاساتهم و يريدون ان يصبغوا العالم بها ملاحظة : ان لا اقصد احتواء النحوي و القبانجي ، لانهم خرجوا عن دائرة التشيع و انما اقصد من مازالوا يقرون بإنتسابهم لمدرسة اهل البيت عليهم السلام و يقرون بولاية الامير .. كما ان لا يهمني الاديان و المذاهب الاخرى .. اما القضايا الجانبيه بين الشيعه و الشيعة ممن تعتقدون بإنحرافهم عن خط التشيع و الذي رسمتموه في اذهانكم البشرية انتم فقط ملزمون به فلا تلزمون غيركم به ،،
لنتسامح و ندعوا انحرافكم عن الوحدة و انحرافنا عن خطكم الذي رسمتموه في اذهانكم يسرنا جنبا الى جنب. القران الموجود بيننا هو موجود لدى جميع المسلمين هناك من يؤوله و يفسره حسب هواه و مصالحه و مآربه اما المعصوم كلامه عام للمسلمين و خاص لشيعته و هو المفسر لكتاب الله و يعلمه و ليس بحمال اوجه كالقران لانهم الثقل الاكبر اما اذا قوله ع على نحو التقيه او لظرف خاص هنا يوقعنا في اشكال بعدم تحقيق مراد المعصوم الباطن عن الظاهر حتى مع اجتهاد المجتهدين) .
فكتبت له مقدرا لما يشعر به لعلمي انه صادق في نيته وان اختلفت معه في بعض وجهات النظر:
أخي الكريم بخصوص انك تفضل ان تكون ساذجا وحدويا على ان تكون مع حماة العقيدة المتبوتقين فتعليقي عليه هو :
انه يوجد في مقابلك اثنان يختلفان معاك :
الاول : هو الذي يقول أُفضل ان اتبوتق مع حماة العقيدة فان أصبت نجوت معهم وان أخطأت فقد غلّبت جانب الدين وحق الله و حالي في هذا افضل من حال الوحدوي الساذج الذي غلب جانب الناس والعلاقات الشخصية او الشعارات الساذجة .
الثاني : الذي يقول ارفض ان أكون ساذجا تحت اي ظرف ، فلا اقبل السذاجة المتزمتة باسم الدين ، ولا السذاجة الوحدوية المنفلتة التي يستغفل بها البعض ما اسميهم بجماعة الإنشاء اللفظي .
وارجو ان أكون من القسم الثاني الذي ينطلق من حق الله والتعبد بأمره فيسلك الطرق العقلائية في فهم النص الديني ويأمر بالمعروف على مستوى العقيدة والأحكام ، وينهى عن المنكر ، وان اتهم بالتزمت والتشدد ومحاولة تمزيق وحدة المجتمع كما اتهم أسلافنا وفي مقدمتهم الأئمة الطاهرون (عليهم السلام).
نعم في مقام بيان الحق وتقييم المخالفين توجد مراحل متعددة فصلتها في قروبكم سابقا ولا احتاج الى إعادتها لأني آراك على ذكر منها ، نعم أذكرك بشي واحد وهو ان المخالف المعذور ما دام لم يخالف فيما يوجب الكفر والخروج عن التشيع فهو كالشيعي الموافق ١٠٠% من دون اي فرق ، ولكن هنالك قسمان من الناس يشوهون الموقف:
القسم الاول : المنحرفون المتعصبون الذين يصفون حماة الدين بالجملة على أنهم متعصبون متزمتون لكي يصوروا انفسهم ضحية ويغطون ضعفهم العلمي بسحابة عاطفة تمنع رؤية البسطاء من الناس فيتمكنون بذلك من تمرير أفكارهم المسمومة .
وللأسف تأثر بهؤلاء جملة من البسطاء فصار سوء الظن بحماة العقيدة والمذهب وفي كل ما يقولون مانعا يحول بينهم وبين الحق الذي يكرره الاعلام
حتى اني رأيت بعض من أشفق عليهم وارجو لهم الهداية الاجتهاد في نقد الحوزة وإسقاط مكانة المراجع وسلب كل إيجابية فيها تكتلا مع بعض الدعوات التي تنبعت من منطلقات ذات نزعات ليبرالية وفي بعض الاحيان الحادية .
القسم الثاني : هم الذين خلطوا عملا صالحا بآخر سيء ، فأرادوا السير على منهج الاعلام في حفظ الدين ورد شبهات وتشكيكات اهل البدع الذي أمرنا بالتصدي لهم في صحاح اهل البيت (عليهم السلام) ، ولكنهم افرطوا في ذلك فاعتبروا كل مخالف معاندا وسلكوا أسلوب الطعن والتقسيط والسب واللعن و هجروا قوله تعالى (ادعو الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن).
و هؤلاء يفسدون أكثر من اصلاحهم ويقدمون ذرائع للقسم الاول ، حيث عممت مواقفهم على كل من تصدى للرد على ضال هنا او مبدع هناك .
واما كلامك حول ان القران حمال دون السنة وان صدور بعض السنة تقية يمنع من فهمها فقد أجاب عنه علماء الأصول من قديم الأزمان وفي بحوث معمقة يصعب بيانها تفصيلا لغير المتخصص ، ولكن أقول لك إجمالا :
الشارع المقدس ليس له طريقة خاصة في مقام المحاورة لبيان مراده ، وطريقته في ذلك هي الطريقة العقلائية ، والعقلاء يعتمدون على نص الكلام فان فقد فعلى الظاهر مع ملاحظة القرائن العقلية واللفظية والحالية ، وفي المتكلم القانوني يلاحظون ما يحدده المقنن في كيفية الوصول الى القوانين وكيفية الجمع بينها فيما لو كان هنالك تعارض بين القوانيين كما في المقنن غير المعصوم او في دليل القانون كما في المقنن المعصوم - لانه مع العصمة لا يعقل تعارض في نفس القوانيين - والمتخصص في علم الأصول هو الذي يستطيع ان يحدد الموقف اتجاه كل ذلك وقد امر العامي ( غير المتخصص) باتباعه .
ثم انه كما ان الشارع قد لا يكون في مقام بيان مراده الجدي وإنما في مقام التقية او الإجمال ، فكذلك المتكلم العرفي ، وكما ان اختلاف حال المتكلم العرفي لا يسد باب فهم مراده فكذلك حال الشارع المقدس .
واما قولك بان كلام اهل البيت (عليه السلام) ليس كالقران حمالا ذا وجوه ، فقد خالفت فيه روايات كثيرة صدرت عن ائمتك (عليهم السلام) فقد عقد الشيخ الصفار (رحمه الله) في كتاب بصائر الدرجات بابا بعنوان :
(في الأئمة أنهم يتكلمون على سبعين وجها كلها المخرج و يفتون بذلك)
وذكر فيه أكثر من ١٣ رواية منها :
حدثنا محمد بن الحسين عن النضر بن شعيب عن عبد الغفار الجازي عن أبي عبد الله ع أنه قال إني لأتكلم على سبعين وجها لي في كلها المخرج.
حدثنا أحمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عن الأحول عن أبي عبد الله ع قال أنتم أفقه الناس ما عرفتم معاني كلامنا- إن كلامنا لينصرف على سبعين وجها.
وعقد بابا في ان حديثهم صعب مستصعب ونقل فيه عدة روايات ، وقد شاركه في نقل مضمون ما تقدم ثقة الاسلام وغيره ،
ففي معاني الأخبار: أبي، عن أحمد بن إدريس، عن الحسين بن عبد الله، عن اليقطيني، عن بعض أهل المدائن قال: كتبت إلى أبي محمد عليه السلام: روي لنا عن آبائكم عليهم السلام أن حديثكم صعب مستعصب لا يحتمله ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولا مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان قال: فجاءه الجواب: إنما معناه: أن الملك لا يحتمله في جوفه حتى يخرجه إلى ملك مثله، ولا يحتمله نبي حتى يخرجه إلى نبي مثله، ولا يحتمله مؤمن حتى يخرجه إلى مؤمن مثله، إنما معناه أن لا يحتمله في قلبه من حلاوة ما هو في صدره حتى يخرجه إلى غيره.
وفيه أيضا ابن مسرور، عن ابن عامر، عن عمه، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم الكرخي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: حديث تدريه خير من ألف ترويه، ولا يكون الرجل منكم فقيها حتى يعرف معاريض كلامنا، وإن الكلمة من كلامنا لتنصرف على سبعين وجها لنا من جميعها المخرج.
وفيه و في الخصال، و أمالي الصدوق: علي بن الحسين بن شقير، عن جعفر بن أحمد بن يوسف الأزدي، عن علي بن بزرج الحناط ، عن عمرو بن اليسع، عن شعيب الحداد قال: سمعت الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام يقول: إن حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله إلا ملك مقرب، أو نبي مرسل، أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان، أو مدينة حصينة. قال عمرو: فقلت لشعيب:
يا أبا الحسن وأي شئ المدينة الحصينة؟ قال: فقال: سألت الصادق عليه السلام عنها فقال لي:
القلب المجتمع.
قال العلامة المجلسي رحمه الله : المراد بالقلب المجتمع القلب الذي لا يتفرق بمتابعة الشكوك والأهواء ولا يدخل فيه الأوهام الباطلة والشبهات المضلة.
وبمضمون ذلك روايات متواترة اقتصرنا على بعضها لكي يتضح لك دور التخصص وان الكلام في الدين بلا علم ضرب من التسرع يوقع الإنسان في الخطأ .
وعليه لابد من مراعاة الضوابط العقلائية و الشرعية في فهم السنة كما لابد من مراعاتها في فهم الكتاب ، وهذه المراعاة لا يمكن إعطاؤها حقها بدون تخصص.
ودمتم موفقين .
No comments:
Post a Comment