السؤال : السلام عليكم شيخنا الكريم ورحمة الله وبركته . هل يوجد عندكم بحث حول صفة الإرادة ؟
الجواب :
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين .
وعليكم السلام أخي الكريم ورحمة الله وبركاته .
تعرضت في الدورة العقدية التخصصية في تدريس كتاب كشف المراد للعلامة الحلي (رحمه الله) لبعض أبحاث الإرادة ، وسوف أستل لكم منها ما يلي :
يقع البحث في إرادة الله تعالى، والكلام فيها طويل الذيل ومتشعب الأبحاث ولعله من أعقد بحوث علم الكلام، ولذا سنقتصر على بحث بعض النقاط وبمستوى متوسط :
النقطة الأولى: تعريف الإرادة.
النقطة الثانية: تقسيم الإرادة.
النقطة الثالثة: أدلة ثبوت الإرادة.
النقطة الأولى: تعريف الإرادة.
للإرادة عدة معان:
منها: القصد، أراد الشيء الفلاني أي قصده.
ومنها: الشوق المؤكد.
والإرادة سواءً كانت بمعنى القصد أو الشوق المؤكد فلا إشكال ولا شبهة في تنزه الله تعالى عنها، أما الأول لأنه كيف مسبوق بالتصور والتصديق، فهو حادث بعد تصور الفعل وما فيه من المصلحة، وزائل بعد تحقق المقصود.
ومنه يعلم عدم مناسبة الثاني للذات المقدسة منزهة عن الكيفيات المتجددة والزائلة.
وحيث أنّ صفة الإرادة ثابتة لله تعالى، ودل على ذلك آيات وروايات بل الضرورة الدنية قائمة على ذلك، ولا يمكن تفسير الإرادة بالقصد أو الشوق المؤكد، فقد اختلف الباحثون ء في تفسيرها إلى أقوال عشرة، وبيانها كالتالي:
إنّ العلماء قد انقسموا بادئ ذي بدء في إرادة الله تعالى إلى قسمين:
القسم الأول: الذين قالوا هي صفة سلبية، فمعنى أن كونه تعالى مريداً ليس مجبوراً ولا مقهوراً ولا مكرها على فعله، واختار هذا القسم النجار.
القسم الثاني: الذين قالوا هي صفة ثبوتية، و هؤلاء انقسموا أيضاً إلى قسمين:
الأول: الذين قالوا هي ثبوتية قديمة.
الثاني: الذين قالوا هي صفة ثبوتية فعلية حادثة.
و الذين قالوا بأنها قديمة، فقد ذهبوا إلى ستة أقوال:
القول الأول: هي صفة زائدة على الذات، وهم الأشاعرة.
القول الثاني: هي عين الذات، بمعنى العلم بالنظام الأكمل وهو لجمع من الفلاسفة.
القول الثالث: هي عين الذات، بمعنى العلم بالمصلحة الموجودة في الفعل الراجعة إلى الفعل ، وهو ما يسمى عندهم باصطلاح الداعي، وهو لجمع من علماء الكلام.
والفرق بين هذا القول وبين القول السابق عليه في الغاية من الخلقة لا في العلة الفاعلية للخلقة، فهما يتفقان على أنّ العلة للإيجاد إرادته تعالى وهي العلم، وهذا العلم هو الذي يرجح وقوع العالم بكيفية على وقوعه بكيفية أخرى ، ولكن يختلفان في الغاية، فالغاية عند بعض الفلاسفة هي ذاته لاستحالة أن يكون الداني غرضاً للعالي، والغاية عند علماء الكلام ليست ذاته لإمكانية أن يعمل العالي لغاية دانية ترجع إلى الداني، وهي علمه تعالى بالمصلحة الموجودة في الفعل.
القول الرابع: هي عين الذات، بمعنى حب الله تعالى لذاته أو ابتهاج الذات بالذات الذي يترشح منه حب الذات للفعل المناسب والمسانخ لكمالها.
وقد ذهب إلى هذا القول المحقق الكمباني صاحب نهاية الدراية (قدس الله نفه الزكية) وهو الظاهر من بعض عبارات ابن سينا في إلهيات الشفاء.
القول الخامس: هي عين الذات، بمعنى اختيار الله تعالى، وليست صفة زائدة عن القدرة، فيرجع اتصافه بالله تعالى بالإرادة إلى اتصافه بالقدرة .
القول السادس: هي عين الذات ، وهي صفة مستقلة مفهوماً لا ترجع إلى أي صفة أخرى .
وهذا الرأي قد ذكره جملة من المتكلمين وبعض الحكماء، حيث قالوا: إنّنا ندرك أنّ الإرادة كمال وجودي وأنّ الموجود الذي هو مسلوب الإرادة ناقص، فلابد أن نثبت هذه الصفة لله تعالى بصورة أكمل تتناسب مع الذات، و حيث أنّ إرادتنا مسبوقة بتصور وتصديق وميل، وترتفع بعد تحقق المراد ، فلابد من تجريد إرادته تعالى من هذه النقائص ثم إثباتها له تعالى، وهذه صفة مستقلة ليست العلم و لا القدرة.
وأما من قال بأنها حادثة فقد ذهب إلى ثلاثة أقوال:
القول الأول: إن معنى إرادته تعالى إيجاده الفعل وتحقيقه .
فإرادته تعالى كما جاء في بعض الرواية فعله وليست صفة زائدة عنه، فهي منتزعة من مقام الفعل، ولا ينبغي أن يحصل خلط بين إرادتنا وإرادة الله تعالى، فإنّ إرادة الله تعالى تحقيقه للأشياء ، بينما إراداتنا كيف نفساني .
وبعبارة أخرى : إذا رأينا فعلاً لله تعالى نقول أراده وليس هذا بمعنى إثبات صفة في الذات كما في إثبات الإرادة لنا وراء الفعل الصادر عنا اختيارا ، نظير إثبات صفة الرحمة والعطف، وسائر الصفات التي هي كيفيات نفسانية فينا ، وإنما بمعنى أنه حقق وتحقيقه عين فعله وهذا يجري في جميع الصفات الفعلية ، فمعنى أنه تعالى رحيم ـ مثلاً ـ هو أنه تعالى أعطى المحتاج ورفع نقصه كمن يعطي وهو يشعر بحالة الانكسار والألم النفسي لأجل من وصل إليه العطاء أنه تعالى لا توجد عنده هذه الصفة وهي حالة الانكسار.
القول الثاني: أن الإرادة ليست هي الفعل بمعنى الإيجاد بل هي شيء متحقق وراء الفعل ، فالله تعالى خلقه ثم خلق به الأشياء، وذلك الشيء قائم بذاته قياماً حلولياً ، ولذلك نصفه تعالى بأنه مريد.
ولعل سبب ذلك الاعتقاد بأنّ قيام الإرادة بالله تعالى هو سبب اتصافه بالمشتق وهو (المريد) إذ لو لا قيام مبدأ اشتقاق المشتق بالموصوف به لما صح الاتصاف بالمشتق ، كما جاء في علم الأصول، فقد قيل هناك أن وصف الشيء بأي مشتق فرع قيام مبدأ الاشتقاق به ومثال ذلك قولك : فلان ميت . فإنه فرع قيام ا قام (الموت) الذي هو مبدأ اشتقاق لفظ (الميت) بمن يوصف بأنه ميت .
وفي مقامنا لا تقول الله تعالى مريد إذا قامت به إرادة، إذن منشأ دعوى أنّ الإرادة حادثة قائمة بالله تعالى هو أن المشتقات التي توصف بها الذوات فرع قيام مبادئها بالذوات.
لكن هذا القول فاسد اعتقاد فاسد، لعدم توقف صحة وصف الذات على القيام الحلولي ، إذ يكفي الصدوري فأنّ قولك : فلان نجار لا يعني من قامت به النجارة بل من صدرت منه ، وكذلك قولك مفتاح لا يعني من قام فيه الفتح قياماً حلولياً وإنما من قام به الفتح صدوراً لأن الفتح يحل بالباب لا بالمفتاح ، ويقال لمن أحدث الفتح في الباب فاتح .
القول الثالث: وهو من قال بأنّ الإرادة موجودة لا في محل، بل هي قائمة بنفسها وهو للجبائيين من المعتزلة .
ثم إن بعض العلماء بحث الأقوال العشرة وحاولوا أن يرجعوا بعضها إلى البعض الآخر، فقد انتهى بعضهم إلى أنّها واقعاً ثلاثة: فإما صفة سلبية أو ثبوتية قديمة أو ثبوتية حادثة، والبعض الآخر أدخل رأي الحكماء والمتكلمين، وهذا البحث ليس له أهمية كبرى ولذا نتجنب الخوض فيه.
النقطة الثانية: تقسيم الإرادة.
من الأمور المشهورة والمتداولة على الألسن تقسيم الإرادة إلى قسمين:
الأول: الإرادة التكوينية.
الثاني: الإرادة التشريعية.
والفرق بينهما أنّ الإرادة التكوينية تتعلق بفعل الفاعل (المريد)، وأما الإرادة التشريعية فهي تتعلق بفعل غيره أي بفعل غير المريد.
فتارة تريد إحضار الماء بنفسك فهذه إرادة تكوينية، وتارة بواسطة ابنك فهذه إرادة تشريعية فالفرق بينهما ـ كالفرق بين العقل النظري والعقل العملي بناءً على أنّ كلا العقلين مدرِك أي ـ في المتعلق ، و عليه يوجد مقسم حقيقي جامع بين الإرادتين والفرق بينهما في المتعلق فحسب .
غير أنّ هذا التقسيم صار محلاً للبحث بين الأعلام، فهل صحيح هنلك شيء من سنخ الإرادة التكوينية يسمى بالإرادة التشريعية؟ وهل يختلف هذا النحو من الإرادة عن الإرادة التكوينية في المتعلق قط ؟ وأنّ إطلاق الإرادة على الإرادتين ليس على النحو الاشتراك اللفظي بل المعنوي ؟
و هذه المسألة لها ربط بعلم الأصول، إذْ يبحث فيه أنّ أحكام الله تعالى ناشئة من مبادئ هي المصلحة والمفسدة و كالإرادة والكراهة، فما حقيقة هذه الإرادة؟
والجواب مرهون بتحقيق مسألة أنّ الإرادة التشريعية من سنخ الإرادة التكوينية و يختلفان في المتعلق أو لا ؟
فالمشهور المتداول أنّ الإرادة تنقسم إلى هذين القسمين وهو رأي صاحب الكفاية ولكن جملة من الأعلام رفضوا هذا التقسيم، وقالوا لا نتعقل وجود إرادة من سنخ الإرادة التكوينية غايته متعلقة بفعل الغير، لمحذورين:
الأول: أنه من خلال الوجدان لا يمكن أن تتعلق الإرادة بأمر يعلم منه عدم الوقوع، فلو قلنا بلزوم الإرادة بهذا المعنى وهي منشأ صدور الأحكام للزم أن لا تكون الأحكام شاملة لكل المكلفين حتى لمن يعلم الله بمعصيتهم .
الثاني: وهو أنه من أراد فعل الغير تارة يكون قادراً على إجبار الغير على الفعل كما في الله تعالى، وتارة أخرى غير قادر.
فإنْ كان الأول لا نتعقل في مثله مع قدرته وإرادته أن ينفك مراده عن إرادته، ، وإنْ كان الثاني فلا تتعلق الإرادة بالفعل.
مضافاً إلى أنّ بعض التكاليف صحيحة من دون اختيار كالأحكام التوصلية.
من هنا جملة من العلماء -كالمحقق الأصفهاني وتلميذه السيد الخوئي- لا يرون صحة لتقسيم الإرادة إلى تكوينية وتشريعية، بل الصحيح أنّ إرادة الله تعالى التشريعية بمعنى أنه أمر، فإرادته تعالى للصلاة وجوبها لا أنها ناشئة من مبدأ الوجوب ومنها تفرع الوجوب .
النقطة الثالثة : في أدلة ثبوت الإرادة.
الدليل الأول : بعد استعراض الأقوال ، بحث العلامة الحلي ( رحمه الله) تبعاً للمحقق الطوسي (رحمه الله) الصحيح منها من خلال إقامة الدليل عليها، وهما يختاران رأي بعض المتكلمين وهو أنّ إرادته تعالى هي علمه بما في الفعل من مصلحة، ولذا إرادته تعالى لا تزيد على الداعي، وهو العلم بما في الفعل من مصلحة، فقام العلامة بتقديم دليل يثبت فيه أصل الإرادة، ثم يثبت أنّها هي العلم بالمصلحة وليست زائدة عن العلم.
أما الدليل الذي ساقه -بعد ثبوت التسالم والآيات والروايات- فهو يتكون من مقدمتين:
المقدمة الأولى: وهي أنّ الله تعالى فعل بعض الأفعال المخصوصة، وخصوصيتها إما من حيثية الإيجاد إذْ أوجد تعالى إنساناً له رأس لا ألف رأس، وإما من حيثية الزمان لإيجاده تعالى زيد في القرن التاسع لا العاشر مثلاً، وهي واضحة بأدنى تأمل.
المقدمة الثانية: وهي بلابدية المخصص في ذات الله تعالى، والمخصص ليس وجوده تعالى لأن وجوده تعالى يستوي بالنسبة إلى جميع الكائنات فيستوي إلى إنسان له رأس أو له ألف رأس، وليس العلم المطلق لأنّ علمه تعالى يستوي بالنسبة إلى جميع المعدومات، وليس القدرة لأنّه تعالى قادر على كل شيء بل هو الإرادة، فهو فاعل مريد أوجد بعض ما يعلم و بعض ما يقدر عليه ولم يوجد البعض الآخر، وهذه الإرادة ليست قديمة غير الذات، للزوم تعدد القدماء، وليست قديمة بمعنى العلم العام الذي يستوي إلى جيمع الأشياء أو القدرة لكونهما ليسا مخصيين، وليست حادثة للزوم التسلسل إذا لوكانت حادثة لاحتاجت إلى إرادة ثانية وهكذا بل إرادته علمه تعالى بما في الفعل من مصلحة، لأنّ في ايجاد زيد و له رأس مثلاً مصلحة اختار الله تعالى وجوده ولم يختر وجوده مع ألف رأس لأنه لا مصلحة فيه .
إذن إرادة الله تعالى المرجحة هي عبارة عن علمه بالمصلحة.
و قد أورد على هذا الدليل :
بأنّ حيثية العلم حيثية كشف لا حيثية صدور، فنفس العلم ليس هو الذي يكون منشأ لصدور الأثر، بل لأن الأثر سيصدر يكون الله عالم بصدوره فهو تابع للمعلوم،
و أجاب بعض الفلاسفة والمتكلمين بأنّ العلم ينقسم إلى قسمين، فعلي وانفعالي وعلمه تعالى فعلي أي أنه علة لصدور الأثر .
غير أن جملة من الباحثين لم يقبل ذلك ، وذكروا أن ما يتصور سببا لتحقق الاشياء هو تعلق الإرادة بها ، والإرادة لا يمكن أن تكون بمعنى القصد أو الشوق المؤكد لاستحالتهما في حقه تعالى ، ولا العلم لأن العلم ليس إلا انكشاف الأشياء ، فلابد من القول بأنّ المحقق في حقه تعالى نفس قدرته ، وهي كونه إنْ شاء فعل وإذا لم يشأ لم يفعل وهو اختياره الذي لا ينفك عن حقيقة القدرة.
فإذن المخصص هو الاختيار وهو واسطة بين العلم وصدور الفعل ولولاه للزم الجبر على الفعل لأنّ الفعل الخارجي الصادر منا بعد إرادته واجب التحقق، و الإرادة صفة نفسانية تحدث فينا نتيجة العلم بالفعل والتصديق بمصلحته، وحدوثها ضروري لضرورة تحقق المعلول (الإرادة) بعد تحقق علته وهي العلم والتصديق بالمصلحة ، وأنّ العلم بوجود مصلحة في الفعل والتصديق به أيضاً هو حادث خاضع لقانون الشيء ما لم يجب لم يوجد، ولابد وأن يكون له أسبابه، وأسبابه لا توجد إلاّ بعد أن وجبت إلى أن نصل إلى العلة التامة –الواجب تعالى- الذي أوجب كل شيء، فيلزم من ذلك أن يكون الفعل ناشئ عن إرادة واجبة، فيكون العباد مجبورين على الأفعال ، وهذا خلاف وجدان أننا مختارون ، و ترتب الثواب والعقاب على أفعالنا فلو لم يثبت اختيار يتوسط بين الإرادة وبين العلم والتصديق بالمصحة للزم من ذلك محذور الجبر فلابد من إثبات هذا الاختيار، ونحن نجده بالوجدان نحن إذا تصورنا الفعل وإذا تصورنا وجود مصلحة فيه حتى لو كانت ملزمة نحن مالكين لأمر الإرادة يمكن أن نريد ويمكن أن لا نريد، نعم؛ إذا أردنا لابد وأن يتحقق الفعل.
وبهذا البيان المتقدم:
أولاً: وأنّه لا يمكن الالتزام بالإرادة بمعناها الحقيقي (القصد أو الشوق المؤكد) بل بمعنى آخر ، ومنه ما أوضحته الروايات بأنّ الإرادة صفة فعلية بمعنى الخلق.
وثانياً : نثبت اختيارية الله تعالى وإيجاده للأشياء، ولا مانع من أن يصطلح عليه إرادة ، والنقاش في هذا الاصطلاح نقش لفظي لا ينبغي الخوض فيه في علم الكلام والحكمة .
وثالثاً : نمنع ما أفاده بعض المحققين من أنّ لله تعالى صفة مستقلة غير العلم والقدرة، تسمى بالإرادة بعد تجريديها من النقائص، لأننا لا نفهم كمال للفاعل يجعله مالكاً لأمر الفعل والترك إلاّ الاختيار الذي هو عين القدرة.
الدليل الثاني : بأنّ الإرادة كمال فلابد من إثباته لله تعالى بنحو أتم بعد حذف النقائص.
وأورد عليه: جملة من المحققين بأنّ قاعدة الذات واجدة لكل كمال بصورة أتم مجراها الكمالات الوجودية لا الرتبية، والإرادة لا نتعقل أنها من الكمالات الوجودية، فما نتعقله منها القصد أو الشوق المؤكد الحاصل من مبادئ خاصة (حدوث العلم)، من هنا لابد أن نتقيد بالروايات المبينة للإرادة.
أقول : إثبات أن الإرادة كمال للذات فرع تحديد المقصود منها ، فإن كان المقصود المعنى اللغوي والعرفي ، فهو كما ذكر أصحاب الإيراد نقص بالنسبة إلى الذات الواجبة . وإن كان بمعنى العلم أو الاختيار والقدرة ، فهو كمال فيتم دليل المستدل ، ولكنه لا يثبت شيئاً وراء هذه الصفات هو عين الذات . وعليه لا بد من التقيد في معنى الإرادة بما ورد لعدم تمامية دليل عقلي أو نقلي على إثبات إرادة ذاتية ، نعم إذا أستحب أحد الباحثين أن يطلق على بعض الصفات الذاتية المبرهنة أسم الإرادة بملاحظة حيثية خاصة فلا مضايقة في ذلك .
والحمد لله رب العالمين .
الجواب :
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين .
وعليكم السلام أخي الكريم ورحمة الله وبركاته .
تعرضت في الدورة العقدية التخصصية في تدريس كتاب كشف المراد للعلامة الحلي (رحمه الله) لبعض أبحاث الإرادة ، وسوف أستل لكم منها ما يلي :
يقع البحث في إرادة الله تعالى، والكلام فيها طويل الذيل ومتشعب الأبحاث ولعله من أعقد بحوث علم الكلام، ولذا سنقتصر على بحث بعض النقاط وبمستوى متوسط :
النقطة الأولى: تعريف الإرادة.
النقطة الثانية: تقسيم الإرادة.
النقطة الثالثة: أدلة ثبوت الإرادة.
النقطة الأولى: تعريف الإرادة.
للإرادة عدة معان:
منها: القصد، أراد الشيء الفلاني أي قصده.
ومنها: الشوق المؤكد.
والإرادة سواءً كانت بمعنى القصد أو الشوق المؤكد فلا إشكال ولا شبهة في تنزه الله تعالى عنها، أما الأول لأنه كيف مسبوق بالتصور والتصديق، فهو حادث بعد تصور الفعل وما فيه من المصلحة، وزائل بعد تحقق المقصود.
ومنه يعلم عدم مناسبة الثاني للذات المقدسة منزهة عن الكيفيات المتجددة والزائلة.
وحيث أنّ صفة الإرادة ثابتة لله تعالى، ودل على ذلك آيات وروايات بل الضرورة الدنية قائمة على ذلك، ولا يمكن تفسير الإرادة بالقصد أو الشوق المؤكد، فقد اختلف الباحثون ء في تفسيرها إلى أقوال عشرة، وبيانها كالتالي:
إنّ العلماء قد انقسموا بادئ ذي بدء في إرادة الله تعالى إلى قسمين:
القسم الأول: الذين قالوا هي صفة سلبية، فمعنى أن كونه تعالى مريداً ليس مجبوراً ولا مقهوراً ولا مكرها على فعله، واختار هذا القسم النجار.
القسم الثاني: الذين قالوا هي صفة ثبوتية، و هؤلاء انقسموا أيضاً إلى قسمين:
الأول: الذين قالوا هي ثبوتية قديمة.
الثاني: الذين قالوا هي صفة ثبوتية فعلية حادثة.
و الذين قالوا بأنها قديمة، فقد ذهبوا إلى ستة أقوال:
القول الأول: هي صفة زائدة على الذات، وهم الأشاعرة.
القول الثاني: هي عين الذات، بمعنى العلم بالنظام الأكمل وهو لجمع من الفلاسفة.
القول الثالث: هي عين الذات، بمعنى العلم بالمصلحة الموجودة في الفعل الراجعة إلى الفعل ، وهو ما يسمى عندهم باصطلاح الداعي، وهو لجمع من علماء الكلام.
والفرق بين هذا القول وبين القول السابق عليه في الغاية من الخلقة لا في العلة الفاعلية للخلقة، فهما يتفقان على أنّ العلة للإيجاد إرادته تعالى وهي العلم، وهذا العلم هو الذي يرجح وقوع العالم بكيفية على وقوعه بكيفية أخرى ، ولكن يختلفان في الغاية، فالغاية عند بعض الفلاسفة هي ذاته لاستحالة أن يكون الداني غرضاً للعالي، والغاية عند علماء الكلام ليست ذاته لإمكانية أن يعمل العالي لغاية دانية ترجع إلى الداني، وهي علمه تعالى بالمصلحة الموجودة في الفعل.
القول الرابع: هي عين الذات، بمعنى حب الله تعالى لذاته أو ابتهاج الذات بالذات الذي يترشح منه حب الذات للفعل المناسب والمسانخ لكمالها.
وقد ذهب إلى هذا القول المحقق الكمباني صاحب نهاية الدراية (قدس الله نفه الزكية) وهو الظاهر من بعض عبارات ابن سينا في إلهيات الشفاء.
القول الخامس: هي عين الذات، بمعنى اختيار الله تعالى، وليست صفة زائدة عن القدرة، فيرجع اتصافه بالله تعالى بالإرادة إلى اتصافه بالقدرة .
القول السادس: هي عين الذات ، وهي صفة مستقلة مفهوماً لا ترجع إلى أي صفة أخرى .
وهذا الرأي قد ذكره جملة من المتكلمين وبعض الحكماء، حيث قالوا: إنّنا ندرك أنّ الإرادة كمال وجودي وأنّ الموجود الذي هو مسلوب الإرادة ناقص، فلابد أن نثبت هذه الصفة لله تعالى بصورة أكمل تتناسب مع الذات، و حيث أنّ إرادتنا مسبوقة بتصور وتصديق وميل، وترتفع بعد تحقق المراد ، فلابد من تجريد إرادته تعالى من هذه النقائص ثم إثباتها له تعالى، وهذه صفة مستقلة ليست العلم و لا القدرة.
وأما من قال بأنها حادثة فقد ذهب إلى ثلاثة أقوال:
القول الأول: إن معنى إرادته تعالى إيجاده الفعل وتحقيقه .
فإرادته تعالى كما جاء في بعض الرواية فعله وليست صفة زائدة عنه، فهي منتزعة من مقام الفعل، ولا ينبغي أن يحصل خلط بين إرادتنا وإرادة الله تعالى، فإنّ إرادة الله تعالى تحقيقه للأشياء ، بينما إراداتنا كيف نفساني .
وبعبارة أخرى : إذا رأينا فعلاً لله تعالى نقول أراده وليس هذا بمعنى إثبات صفة في الذات كما في إثبات الإرادة لنا وراء الفعل الصادر عنا اختيارا ، نظير إثبات صفة الرحمة والعطف، وسائر الصفات التي هي كيفيات نفسانية فينا ، وإنما بمعنى أنه حقق وتحقيقه عين فعله وهذا يجري في جميع الصفات الفعلية ، فمعنى أنه تعالى رحيم ـ مثلاً ـ هو أنه تعالى أعطى المحتاج ورفع نقصه كمن يعطي وهو يشعر بحالة الانكسار والألم النفسي لأجل من وصل إليه العطاء أنه تعالى لا توجد عنده هذه الصفة وهي حالة الانكسار.
القول الثاني: أن الإرادة ليست هي الفعل بمعنى الإيجاد بل هي شيء متحقق وراء الفعل ، فالله تعالى خلقه ثم خلق به الأشياء، وذلك الشيء قائم بذاته قياماً حلولياً ، ولذلك نصفه تعالى بأنه مريد.
ولعل سبب ذلك الاعتقاد بأنّ قيام الإرادة بالله تعالى هو سبب اتصافه بالمشتق وهو (المريد) إذ لو لا قيام مبدأ اشتقاق المشتق بالموصوف به لما صح الاتصاف بالمشتق ، كما جاء في علم الأصول، فقد قيل هناك أن وصف الشيء بأي مشتق فرع قيام مبدأ الاشتقاق به ومثال ذلك قولك : فلان ميت . فإنه فرع قيام ا قام (الموت) الذي هو مبدأ اشتقاق لفظ (الميت) بمن يوصف بأنه ميت .
وفي مقامنا لا تقول الله تعالى مريد إذا قامت به إرادة، إذن منشأ دعوى أنّ الإرادة حادثة قائمة بالله تعالى هو أن المشتقات التي توصف بها الذوات فرع قيام مبادئها بالذوات.
لكن هذا القول فاسد اعتقاد فاسد، لعدم توقف صحة وصف الذات على القيام الحلولي ، إذ يكفي الصدوري فأنّ قولك : فلان نجار لا يعني من قامت به النجارة بل من صدرت منه ، وكذلك قولك مفتاح لا يعني من قام فيه الفتح قياماً حلولياً وإنما من قام به الفتح صدوراً لأن الفتح يحل بالباب لا بالمفتاح ، ويقال لمن أحدث الفتح في الباب فاتح .
القول الثالث: وهو من قال بأنّ الإرادة موجودة لا في محل، بل هي قائمة بنفسها وهو للجبائيين من المعتزلة .
ثم إن بعض العلماء بحث الأقوال العشرة وحاولوا أن يرجعوا بعضها إلى البعض الآخر، فقد انتهى بعضهم إلى أنّها واقعاً ثلاثة: فإما صفة سلبية أو ثبوتية قديمة أو ثبوتية حادثة، والبعض الآخر أدخل رأي الحكماء والمتكلمين، وهذا البحث ليس له أهمية كبرى ولذا نتجنب الخوض فيه.
النقطة الثانية: تقسيم الإرادة.
من الأمور المشهورة والمتداولة على الألسن تقسيم الإرادة إلى قسمين:
الأول: الإرادة التكوينية.
الثاني: الإرادة التشريعية.
والفرق بينهما أنّ الإرادة التكوينية تتعلق بفعل الفاعل (المريد)، وأما الإرادة التشريعية فهي تتعلق بفعل غيره أي بفعل غير المريد.
فتارة تريد إحضار الماء بنفسك فهذه إرادة تكوينية، وتارة بواسطة ابنك فهذه إرادة تشريعية فالفرق بينهما ـ كالفرق بين العقل النظري والعقل العملي بناءً على أنّ كلا العقلين مدرِك أي ـ في المتعلق ، و عليه يوجد مقسم حقيقي جامع بين الإرادتين والفرق بينهما في المتعلق فحسب .
غير أنّ هذا التقسيم صار محلاً للبحث بين الأعلام، فهل صحيح هنلك شيء من سنخ الإرادة التكوينية يسمى بالإرادة التشريعية؟ وهل يختلف هذا النحو من الإرادة عن الإرادة التكوينية في المتعلق قط ؟ وأنّ إطلاق الإرادة على الإرادتين ليس على النحو الاشتراك اللفظي بل المعنوي ؟
و هذه المسألة لها ربط بعلم الأصول، إذْ يبحث فيه أنّ أحكام الله تعالى ناشئة من مبادئ هي المصلحة والمفسدة و كالإرادة والكراهة، فما حقيقة هذه الإرادة؟
والجواب مرهون بتحقيق مسألة أنّ الإرادة التشريعية من سنخ الإرادة التكوينية و يختلفان في المتعلق أو لا ؟
فالمشهور المتداول أنّ الإرادة تنقسم إلى هذين القسمين وهو رأي صاحب الكفاية ولكن جملة من الأعلام رفضوا هذا التقسيم، وقالوا لا نتعقل وجود إرادة من سنخ الإرادة التكوينية غايته متعلقة بفعل الغير، لمحذورين:
الأول: أنه من خلال الوجدان لا يمكن أن تتعلق الإرادة بأمر يعلم منه عدم الوقوع، فلو قلنا بلزوم الإرادة بهذا المعنى وهي منشأ صدور الأحكام للزم أن لا تكون الأحكام شاملة لكل المكلفين حتى لمن يعلم الله بمعصيتهم .
الثاني: وهو أنه من أراد فعل الغير تارة يكون قادراً على إجبار الغير على الفعل كما في الله تعالى، وتارة أخرى غير قادر.
فإنْ كان الأول لا نتعقل في مثله مع قدرته وإرادته أن ينفك مراده عن إرادته، ، وإنْ كان الثاني فلا تتعلق الإرادة بالفعل.
مضافاً إلى أنّ بعض التكاليف صحيحة من دون اختيار كالأحكام التوصلية.
من هنا جملة من العلماء -كالمحقق الأصفهاني وتلميذه السيد الخوئي- لا يرون صحة لتقسيم الإرادة إلى تكوينية وتشريعية، بل الصحيح أنّ إرادة الله تعالى التشريعية بمعنى أنه أمر، فإرادته تعالى للصلاة وجوبها لا أنها ناشئة من مبدأ الوجوب ومنها تفرع الوجوب .
النقطة الثالثة : في أدلة ثبوت الإرادة.
الدليل الأول : بعد استعراض الأقوال ، بحث العلامة الحلي ( رحمه الله) تبعاً للمحقق الطوسي (رحمه الله) الصحيح منها من خلال إقامة الدليل عليها، وهما يختاران رأي بعض المتكلمين وهو أنّ إرادته تعالى هي علمه بما في الفعل من مصلحة، ولذا إرادته تعالى لا تزيد على الداعي، وهو العلم بما في الفعل من مصلحة، فقام العلامة بتقديم دليل يثبت فيه أصل الإرادة، ثم يثبت أنّها هي العلم بالمصلحة وليست زائدة عن العلم.
أما الدليل الذي ساقه -بعد ثبوت التسالم والآيات والروايات- فهو يتكون من مقدمتين:
المقدمة الأولى: وهي أنّ الله تعالى فعل بعض الأفعال المخصوصة، وخصوصيتها إما من حيثية الإيجاد إذْ أوجد تعالى إنساناً له رأس لا ألف رأس، وإما من حيثية الزمان لإيجاده تعالى زيد في القرن التاسع لا العاشر مثلاً، وهي واضحة بأدنى تأمل.
المقدمة الثانية: وهي بلابدية المخصص في ذات الله تعالى، والمخصص ليس وجوده تعالى لأن وجوده تعالى يستوي بالنسبة إلى جميع الكائنات فيستوي إلى إنسان له رأس أو له ألف رأس، وليس العلم المطلق لأنّ علمه تعالى يستوي بالنسبة إلى جميع المعدومات، وليس القدرة لأنّه تعالى قادر على كل شيء بل هو الإرادة، فهو فاعل مريد أوجد بعض ما يعلم و بعض ما يقدر عليه ولم يوجد البعض الآخر، وهذه الإرادة ليست قديمة غير الذات، للزوم تعدد القدماء، وليست قديمة بمعنى العلم العام الذي يستوي إلى جيمع الأشياء أو القدرة لكونهما ليسا مخصيين، وليست حادثة للزوم التسلسل إذا لوكانت حادثة لاحتاجت إلى إرادة ثانية وهكذا بل إرادته علمه تعالى بما في الفعل من مصلحة، لأنّ في ايجاد زيد و له رأس مثلاً مصلحة اختار الله تعالى وجوده ولم يختر وجوده مع ألف رأس لأنه لا مصلحة فيه .
إذن إرادة الله تعالى المرجحة هي عبارة عن علمه بالمصلحة.
و قد أورد على هذا الدليل :
بأنّ حيثية العلم حيثية كشف لا حيثية صدور، فنفس العلم ليس هو الذي يكون منشأ لصدور الأثر، بل لأن الأثر سيصدر يكون الله عالم بصدوره فهو تابع للمعلوم،
و أجاب بعض الفلاسفة والمتكلمين بأنّ العلم ينقسم إلى قسمين، فعلي وانفعالي وعلمه تعالى فعلي أي أنه علة لصدور الأثر .
غير أن جملة من الباحثين لم يقبل ذلك ، وذكروا أن ما يتصور سببا لتحقق الاشياء هو تعلق الإرادة بها ، والإرادة لا يمكن أن تكون بمعنى القصد أو الشوق المؤكد لاستحالتهما في حقه تعالى ، ولا العلم لأن العلم ليس إلا انكشاف الأشياء ، فلابد من القول بأنّ المحقق في حقه تعالى نفس قدرته ، وهي كونه إنْ شاء فعل وإذا لم يشأ لم يفعل وهو اختياره الذي لا ينفك عن حقيقة القدرة.
فإذن المخصص هو الاختيار وهو واسطة بين العلم وصدور الفعل ولولاه للزم الجبر على الفعل لأنّ الفعل الخارجي الصادر منا بعد إرادته واجب التحقق، و الإرادة صفة نفسانية تحدث فينا نتيجة العلم بالفعل والتصديق بمصلحته، وحدوثها ضروري لضرورة تحقق المعلول (الإرادة) بعد تحقق علته وهي العلم والتصديق بالمصلحة ، وأنّ العلم بوجود مصلحة في الفعل والتصديق به أيضاً هو حادث خاضع لقانون الشيء ما لم يجب لم يوجد، ولابد وأن يكون له أسبابه، وأسبابه لا توجد إلاّ بعد أن وجبت إلى أن نصل إلى العلة التامة –الواجب تعالى- الذي أوجب كل شيء، فيلزم من ذلك أن يكون الفعل ناشئ عن إرادة واجبة، فيكون العباد مجبورين على الأفعال ، وهذا خلاف وجدان أننا مختارون ، و ترتب الثواب والعقاب على أفعالنا فلو لم يثبت اختيار يتوسط بين الإرادة وبين العلم والتصديق بالمصحة للزم من ذلك محذور الجبر فلابد من إثبات هذا الاختيار، ونحن نجده بالوجدان نحن إذا تصورنا الفعل وإذا تصورنا وجود مصلحة فيه حتى لو كانت ملزمة نحن مالكين لأمر الإرادة يمكن أن نريد ويمكن أن لا نريد، نعم؛ إذا أردنا لابد وأن يتحقق الفعل.
وبهذا البيان المتقدم:
أولاً: وأنّه لا يمكن الالتزام بالإرادة بمعناها الحقيقي (القصد أو الشوق المؤكد) بل بمعنى آخر ، ومنه ما أوضحته الروايات بأنّ الإرادة صفة فعلية بمعنى الخلق.
وثانياً : نثبت اختيارية الله تعالى وإيجاده للأشياء، ولا مانع من أن يصطلح عليه إرادة ، والنقاش في هذا الاصطلاح نقش لفظي لا ينبغي الخوض فيه في علم الكلام والحكمة .
وثالثاً : نمنع ما أفاده بعض المحققين من أنّ لله تعالى صفة مستقلة غير العلم والقدرة، تسمى بالإرادة بعد تجريديها من النقائص، لأننا لا نفهم كمال للفاعل يجعله مالكاً لأمر الفعل والترك إلاّ الاختيار الذي هو عين القدرة.
الدليل الثاني : بأنّ الإرادة كمال فلابد من إثباته لله تعالى بنحو أتم بعد حذف النقائص.
وأورد عليه: جملة من المحققين بأنّ قاعدة الذات واجدة لكل كمال بصورة أتم مجراها الكمالات الوجودية لا الرتبية، والإرادة لا نتعقل أنها من الكمالات الوجودية، فما نتعقله منها القصد أو الشوق المؤكد الحاصل من مبادئ خاصة (حدوث العلم)، من هنا لابد أن نتقيد بالروايات المبينة للإرادة.
أقول : إثبات أن الإرادة كمال للذات فرع تحديد المقصود منها ، فإن كان المقصود المعنى اللغوي والعرفي ، فهو كما ذكر أصحاب الإيراد نقص بالنسبة إلى الذات الواجبة . وإن كان بمعنى العلم أو الاختيار والقدرة ، فهو كمال فيتم دليل المستدل ، ولكنه لا يثبت شيئاً وراء هذه الصفات هو عين الذات . وعليه لا بد من التقيد في معنى الإرادة بما ورد لعدم تمامية دليل عقلي أو نقلي على إثبات إرادة ذاتية ، نعم إذا أستحب أحد الباحثين أن يطلق على بعض الصفات الذاتية المبرهنة أسم الإرادة بملاحظة حيثية خاصة فلا مضايقة في ذلك .
والحمد لله رب العالمين .
No comments:
Post a Comment