طرح الكاتب الايراني عبد الكريم سروش شبهة حول صياغة القران الكريم ، وحاصل هذه الشبهة هو : أن القران يمكن أن يكون من الناحية اللفظية من صياغة النبي (صلى الله عليه وآله) ، وقد استشهد لتدعيم ذلك بعدة أمور منها : أن الأمثلة القرآنية مقتصرة على نماذج كانت متوفرة في البيئة العربية كالإبل و العنب والزيتون ، و الشواهد التي انطلق منها لإثبات وجود الله تعتمد على ما هو متاح ومتناسب مع العقلية البدائية كالخلق من التراب و إنبات المرعى وإنزال الماء من السماء ، و الوصف الذي قدمه لبعض الأشياء كان متناسبا مع الثقافة العربية مثل وصف الحور بأنها مقصورات في الخيام .
و رتب على ذلك : أمرين :
١- أن روح القران وهو القانون عام وأما القالب اللفظي الذي هو صياغة النبي ( صلى الله عليه وآله ) فهو ابن بيئته التي لم تعد موجودة وبالتالي لا يجب التقيد بها ، وحيث ان القوانين جسدت ضمن قوالب متاثرة بالبيئة المتغيرة ، كقانون العقوبات الذي جسد في الجلد والرجم والقطع ، والعفة التي جسدت في الحجاب بالكيفية الخاصة ، فيمكن أن نطبق هذه القوانين ضمن ممارسات أخرى كالسجن في العقوبات و ابداء ما لا ينافي روح العفة في الحجاب بحسب الاعراف والثقافات المختلفة .
٢- لو طال عمر النبي ( صلى الله عليه واله ) لاصبح القران أكبر مما هو موجود ، لان النبي بسبب تفاعله مع بيئته والأسئلة التي تصاغ له سوف يستمر في عملية الصياغة ، وهكذا يتضخم الحجم القرآني .
وفي مقام التعليق على هذه الشبهة أذكر عدة ملاحظات :
⬅️الملاحظة الاولى : هي أن القران مجموع هذه الآيات الموجودة بين الدفتين ، وعلاوة على تسالم المسلمين على انه من عند الله تعالى بمعانيه وألفاظه توجد طوائف من الآيات تدل على انه كذلك منها :
الطائفة الاولى :ما دل على ان الله انزله ، فانه يدل على انزل ما يسمى قرآنا وهو ما بين الدفتين بمعانيه وألفاظه ومن ذلك قوله تعالى {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (يوسف: 2).
{وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أو يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً} (طه: 113). {تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (فصلت: 2 ـ 3). {تَنزِيلُ الكِتَابِ مِنَ اللهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ}، و{إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ} (الزمر: 1 ـ 2). {وَكَذَلِكَ أوحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّتُنذِرَ أُمَّ القُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} (الشورى: 7).
الطائفة الثانية : ما دل على الله تعالى جعله قرآنا قال تعالى : {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} (الزخرف: 3 ـ 4).
الطائفةالثالثة : ما دل على انه من نقل الرسول الكريم اليه ( صلى الله عليه وآله) لا من قوله وانه انزل بلسان من قبله بلسان عربي : {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ العَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} (الشعراء: 192 ـ 195).
الطائفة الرابعة : ما دل على أنه من عند الله وليس من عند غيره الشامل للنبي ( صلى الله عليه وآله) قال تَعَالَى : { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآن وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْد غَيْر اللَّه لَوَجَدُوا فِيهِ اِخْتِلَافًا كَثِيرًا }.
الطائفة الخامسة : ما دل على ان وظيفة النبي (صلى الله عليه وآله) بيان القران وتعليمه لا صياغته يقول تعالى : ( بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون ) (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ) .
فإن ضم هذه الطوائف وغيرها مع الروايات والتسالم وعدم وجود وثيقة واحدة تدل على أن صياغة القرآن نبوية مع اهتمام الروايات ببيان مآثر النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأدواره وتفاصيل حياته ودواعي النقل كما هو واضح متعددة ،حتى اضطر سررش لان يتمسك بالامثلة و الاوصاف يفيد القطع بكذب دعوى ان القانون من الله عز وجل والصياغة من النبي ( صلى الله عليه وآله) .
⬅️ الملاحظة الثانية : ما هو الربط المنطقي بين كون الأمثلة متناسبة مع ثقافة العرب وكون صياغة القرآن من النبي ( صلى الله عليه وآله) ، هل عدم قدرة الله تعالى على صياغة كتاب متناسب مع ثقافة العرب ! أم ملازمة الصياغة العربية للرجل العربي بحيث لا يعقل الانفكاك بين صياغة كتاب يناغم الثقافة العربية في أسلوبه وبين كون الصائغ رجلا وبالتحديد من بلاد العرب !
في تصوري هذه نقطة أساسية وجوهرية بل هي مرتبط الفرس و قاعدة ما يدعيه سررش ولكنه لم يعالجها ولم يغطيها ، وكان ينبغي عليه أن يشبعها بحثا ، فهب ان القران في أمثلته و أوصافه وكيفية ترغيبه وترهيبه كان متناسبا مع الثقافة العربية فهل هذا يعني أن صياغته نبوية ! واذا كان يعني ذلك فما هو الوجه ما دام العقل يرى قدرة الله تعالى على مثل هذه الصياغة ولا يحيل وجود مصلحة وحكمة نظر اليها عز وجل وهي التي اقتضت بعثة رجل عربي في جزيرة العرب وفي مكة بالتحديد واقتضت في الوقت نفسه مراعاة الثقافة العربية في عرض بعض الأمثلة والأوصاف .
⬅️الملاحظة الثالثة : في تصوري وقعت طفرة في بيان سررش لشبهته ، فهو بحسب ما نقل عنه ادعى أن المعاني قرآنية والصياغة نبوية ، ولكنه في ما فرعه على الشبهة من ان القانون والمعنى القرآني ثابت دون الصياغة تصرف في نفس المعنى القراني والقانون ، وذلك لان شكل العقوبة وشكل الحجاب و والصلاة والصوم وسائر متعلقات الاحكام ليست أمورا صياغة وإنما هي من صميم المعنى وإضافتها في القران دون الإشارة الى انها من النبي ( صلى الله عليه واله) من التصرف في نفس المحتوى والقانون ويوجب صدق عنوان التقول على الله تعالى .
وبعبارة أخرى : لو كان المحتوى النازل من الله تعالى هو يجب عقاب السارق بالعقاب الرادع ، فليس للنبي ( صلى الله عليه واله ) أن يصيغ القانون في قالب ( السارق والسارقة فاقطعوا ايدهما ) لان الله لم ينزل القطع ، نعم للنبي أن يقول : (الله أمر بالعقوبة الرادعة وفي زماني هي القطع ) ، لا أن يأتي بالعبارة الاولى التي أوهمت المسلمين قرونا بان عقاب السرقة عقاب معين وهو القطع إلى أن قيض الله للأمة عبقريا المعيا وهو سررش فبين الخلل الذي وقع فيه جميع المسلمين بسبب صياغة النبي ( صلى الله عليه واله ) فهل بُعِث وسوّل الله مضللا للأمة وبعث سروش هادا!!
⬅️الملاحظة الرابعة : دعوى زيادة القران في الحكم وصيرورته أضعافا فيما لو مد عمر النبي (صلى الله عليه واله) ، لا معنى لها حتى لو قلنا بان القرآن صياغة نبوية ، وذلك لان الصياغة تابعة للوحي لان النبي (صلى الله عليه واله) في اللفظ القرآني يصوغ المعنى الالهي الذي نزل قرآنا وهذا ما يميز احاديث النبي القرآنية عن سائر احاديثه التي تندرج صمن ما يسمى بالسنة ، وعليه لا بد من ملاحظة ما يريد الله إنزاله قرآنا هل تم أو لم يتم ، فإن تم وتم ما إذن للنبي صياغته لانه لا ينطق عن الهوى ، فحجم القران سوف يتوقف وان مد في عمر النبي ( صلى الله عليه واله) الى يوم القيامة.
والذي يظهر من الآيات والروايات أن القران في حقيقته كان شيئا واحدا مجموعا انزل دفعة واحدة يقول تعالى : { شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً ..... } و قال جَلَّ جَلالُه : ﴿ حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ﴾ وقال سبحانه : {إنا أنزلنه في ليلة القدر } ، و الرسول بلا شك بينه كاملا وتركه للأمة كما في حديث الثقلين ، لا دليل يدل على انه سوف يزداد حجمه لو مد في عمر النبي( صلى الله عليه واله) اذ ذلك يحتاج الى اخبار من الله والرسول وبدون هذا الأخبار يكون الأخبار عن زيادته رجم بالغيب .
No comments:
Post a Comment